18 - 07 - 2024

60 في المئة من أطباء مصر يهربون للخارج!!.. ما السبب؟ (تحقيق)

60 في المئة من أطباء مصر يهربون للخارج!!.. ما السبب؟ (تحقيق)

قلة الامكانيات جعلت الطبيب في صدام مع المواطن وعُرضة للسب والإهانات

طبيب واحد لكل 970 مواطنا في مصر واستقالات بالجملة مقابل طبيب لكل 350 شخصا عالميا

الطاهر: مشكلة الهجرة تهدد الأمن القومي المصري.. و60% من أطباء مصر أصبحوا خارجها

منى مينا: وجودنا على رأس النقابة كان مجرد ديكور

صفحات على "فيس بوك" خُصِّصَت لتسهيل سفر الأطباء في الخارج

بسبب العجز.. مستشفى الجلاء للولادة بلا أطباء تخدير

تعاني مصر من مشكلة نقص عدد الأطباء وخاصةً في المدن والقرى رغم كثرة الخريجين ووفرة الكفاءات ، لكن الهجرة أصبحت تبتلع أطباء مصر ، فما الذي يدفع الأطباء المفترض أنهم من أكثر الشرائح دخلا إلى الهجرة؟

دوافع سفر الأطباء المصريين إلى الخارج كثيرة ، على رأسها، تدني الأجور فإذا التحق الطبيب بمستشفى حكومي، يُكَلَّف بساعات عمل تزيد على الساعات القانونية، بسبب وجود عجز في الأطباء، بمقابل مادي ضعيف، فيتسلل إليه إحساس بالإحباط، ويقل حماسه تجاه المهنة، وليس هذا فقط ولكن - أيضًا- يصرف له بدل عدوى مخزي حسب وصف الأطباء، فضلًا عن نقص الإمكانيات ومن هنا يبدأ الأطباء التفكير في السفر إلى الخارج.

بالأرقام

شهد العامان الماضيان تسجيل 3.858 آ كطبيب حُر منهم من سافر إلى الخارج ومنهم من مارس عملا آخر، وتتزايد النسبة مع مرور السنين وهذا ما قد يؤدي إلى كارثة تهدد الأمن القومي المصري .

هناك إحصائيات رسمية تقول أن المتوسط العالمي لعدد الأطباء بالنسبة لعدد السكان يبلغ طبيبًا واحدًا لكل 350 مواطنًا.. بينما في مصر ينخفض بشكل أكبر وصل إلى طبيب واحد لكل 970 مواطنًا.. حيث يبلغ العدد الإجمالى للأطباء بالقطاع الحكومى نحو 103 آلاف طبيب فقطآ 

يقول الدكتور إيهاب الطاهر الأمين العام السابق لمجلس نقابة الأطباء، أن عام 2016 شهد تسجيل 1409 أطباء وفي 2017 سجل 2449 طبيبًا كطبيب حُر أما في احصاءات آ 2018 فيتوقع زيادة العدد عن ذلك، وهناك عدد من الأطباء يستقيلون أو ينقطعون عن العمل ولا يسجلون أنفسهم كطبيب حُر في نقابة الأطباء وبالتالي فإن العدد الحقيقي يكون أكثر من المسجل لدى نقابة الأطباء بكثير، مؤكدًا أن هذا الأمر مؤشِّر خطير فلو تم الاستمرار في هجرة الأطباء فخلال سنوات لن نجد من يعالج المرضى وستصبح كارثة كبرى لافتًا إلى أن السبب يعود إلى حملات التشهير المُمَنْهَجَة ضد الأطباء خلال الفترة الأخيرة وكذلك تحريض المواطنين ضدهم مما نتج عنه اعتداءات على الأطباء إلى جانب عدم حمايتهم في أماكن عملهم وبالإضافة إلى التدني الشديد في رواتب الأطباء، كما يتم تحميل الطبيب المسئولية وكأنه سبب في انهيار المنظومة الصِّحية بسبب نقص المستلزمات.

وأشار الطاهر إلى أنه بالرغم من أن القانون يلزم وزارة الصِّحة بتكاليف الدراسات العُليا للأطباء إلا أن هذا الأمر لا يطبق إطلاقًا في ظل الظروف المادية الصعبة التي يعاني منها الطبيب في مصر وهنا يفكر الطبيب في الهجرة إلى دول أخرى فمثلًا انجلترا سهَّلت في الفترة الأخيرة إجراءات عمل الأطباء المصريين بداخلها.

تابع "الطاهر" أنه لو استمرت أوضاع الأطباء في مصر على هذا النحو وبدون إصلاح حقيقي سيتسبب الأمر في مشكلة كبيرة تخص الأمن القومي في مصر مشيرًا إلى أن نسبة الأطباء في الخارج تصل حاليًا إلى ما يقترب من 60% وبالتأكيد نسبتهم في الداخل حوالي 40% فقط.

واردف آ الطاهر قائلاً "إنه لا يمكن الفصل بين حالات الاعتداءات المتكررة، وإذاعة إعلان يسيء للأطباء، مشيرًا إلى أن قلة قليلة من الأطباء قد يتورطون في عمليات تجارة للأعضاء، لافتا إلى أن عمليات التجارة تحدث بالاتفاق بين المريض والطبيب".

وقالت الدكتورة منى مينا، الأمين العام المساعد لمجلس نقابة الأطباء سابقًا: "لدينا مشاكل كبيرة في الاحتياج لنقل الأعضاء، ويوجد حلول لها، ومع ذلك لا يتم الاحتكام لها، رغم أن الكثير من الدول حددت مفهوم الموت وطرق نقل الأعضاء منها للأحياء، وتلك القضية لم يتم حلها والفصل فيها حتى الآن، مؤكدة أن تدهور العلاقة بين الأطباء والمرضى وصل إلى مرحلة خطيرة، وتحاول النقابة التأكيد على أعضائها ضرورة امتصاص غضب أهالي المرضى، إلا أنهم دائمًا ما يكون لديهم تصور أن الطبيب سيهمل حالة مريضهم، مما أدى إلى زيادة معدلات هجرة الأطباء للخارج".

واستطردت: طالب الطب في السنة الثالثة بدأ يبحث عن فرص له خارج مصر، ومع ذلك فإن مسئولي القطاع الطبي لم يثر ذلك اهتمامهم، مستشفى الجلاء للولادة لم تعد بها أطباء تخدير، وبالتالي بدأت في تحويل العمليات القيصرية، وكبرى المستشفيات باتت تواجه عجزًا ببعض التخصصات.

وفي يوم 22 مايو من هذا العام تقدم آ كل من الدكتور إيهاب الطاهر الأمين العام لنقابة أطباء مصر، والدكتورة منى مينا الأمين المساعد للنقابة باستقالتيهما من مجلس النقابة بسبب عدم قدرتهم على خدمة الطبيب والتعسف والاستهتار بالقانون، ووصفا الوضع بأن التعسف والاستهتار بالقانون وصل لعدم تنفيذ حكم بدل العدوى واجب النفاذ من نوفمبر 2015 وبأثر رجعي منذ أبريل 2014 ليظل الطبيب الشاب يتقاضى بدل عدوى 19 جنيهًا حتى يومنا هذا، بالإضافة لعدم تنفيذ نص واضح في قانون 14، يلزم جهة العمل برسوم الدراسات العليا التي تتضاعف سنويًا.

وأشار إلى انه تصدر يوميًا القرارات الوزارية التي تخالف القانون بشكل فاضح، تحت شعار “على المتضرر اللجوء للقضاء” ، ليتعين علينا أن نستنزف في قاعات المحاكم لنثبت بديهيات ، من قبيل أن الطبيب هو فقط خريج كليات الطب، و الطب لا يُمارس إلا تحت إشراف الأطباء، مشيرة إلى أنه تقر قوانين ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، مثل قانون التأمين الصحي و قانون التجارب السريرية وقرارات هيئة التدريب الإلزامى المتعسفة، لتستبيح المواطن المصري ، ومستشفياته ، وأطباءه دون أن نستطيع إيقافها، أو حتى تعديلها لتقليل آثارها الخطيرة ما يجعلنا نتجنب ونعلن استقالتنا فورًا.

وتابع: نلهث يوميًّا خلف عشرات شكاوي التعسف الإداري، حيث يتم تجاوز القوانين، بمنع صرف مستحقات مالية واضحة بحكم القانون وبقرارات جائرة بالنقل أو الندب، كما يهدد الطبيب بالسجن لمجرد الالتزام بعدم مغادرة مكان عمله في الطوارئ قبل توفير طبيب بديل له للحفاظ على أرواح المرضى ، يؤكد أنه أصبح وجودنا في صدارة نقابة الأطباء مجرد ديكور لن نقبل أن نستمر فيه بلا معنى .

وقد قرر مجلس النقابة العامة للأطباء، قبول استقالة د. إيهاب الطاهر، الأمين العام، ود. منى مينا، الأمين العام المساعد، من منصبيهما في هيئة مكتب النقابة، مع استمرارهما في خدمة الأطباء كأعضاء لمجلس النقابة العامة.

مآسي في الشارع الطبي

طبيب يروي مأساته أنه كان هناك حالة لمريض بمستشفى أحمد ماهر التعليمي، بكى من عدم تواجد العلاج المطلوب نظرًا لسوء حالته المادية، على الفور قام الطبيب ع . ن، بدفع قيمة العلاج من "جيبه الشخصي" تعاطفًا مع الحالة ونظرًا لقلة الإمكانيات بالمستشفى كحال أغلب المستشفيات الحكومية عكس المستشفيات الخاصة التي تستنزف الأموال تجد فيها كل شيء .

وقال أحد الأطباء الباحثين عن فرصة عمل بالخارج لا يريد ذكر اسمه أن من الأسباب التي دفعته إلى التفكير في السفر والعمل بالخارج الحماية القانونية المتمثلة في النقابة أو وزارة الصحة غائبة بشكل كبير، فإذا اشتكى أحد المرضى طبيبًا يجد الطبيب نفسه بلا أي سند، ويتطور الوضع لأن يصبح الطبيب عرضةً للسجن أو الغرامة على خطأ لم يرتكبه، وهو ما يقودنا إلى عدم وجود قانون يحمي الطبيب ويفرق بين الخطأ الطبي والإهمال.

وأضاف طبيب آخر أنه يستكمل حياته العلمية والعملية وسط العديد من الصعوبات، ومطالب استكمال أبحاثه ودراساته سواء أجنبية أو محلية، ويواجه تعنتا من الأطباء المحاضرين في الجامعة، وعنصريتهم ضد الأشخاص من خارج سلك التدريس، فأصبح 80 % من شباب الأطباء المصريين يحلمون ويبحثون عن السفر حتى يستطيعوا العيش فقط.

وقال الدكتور "ياسر" طبيب يعمل بإحدى مستشفيات الجيزة لـ"المشهد" أن قلة الإمكانيات تجعل الطبيب عرضةً للسب والإهانات والاعتداءات، دون أي حماية، مما يجعل الطبيب في صدام مع المواطن، وكأنه هو المقصر والمسؤول عن عدم وجود هذه الإمكانيات.

هذه هي الأسباب الحقيقية التي وضعنا يدنا عليها، وعلمنا أن هناك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" خُصِّصَت لتسهيل سفر الأطباء المصريين خارج مصر، ومن أهمها "فترة الامتياز" التي نشرت "بوست" بعنوان "السفر خارج مصر...الدليل المختصر للأطباءآ 

وتطرح "المشهد" القضية وتحيلها إلى وزيرة الصحة وتطالبها بوضع حلول وإنقاذ الصحة في مصر من الخطر الذي يهددها مع كل يوم يمر .
----------------------
تحقيق – أحمد صلاح سلمان

آ