27 - 09 - 2024

"يا هناه.. يا هناه اللى يتعلم عندنا"

كان يوم تقديم أوراق الطفلة "سارة" إبنة المهندس "كريم" والسيدة "رضوى" إلى المدرسة أصعب عليه من يوم مناقشته لرسالة الماجستير .

جلس هو وأمها معها قبل الموعد بشهور لتلقينها كيف ستلقى التحية على المديرة المسئولة عن القبول فى تلك المدرسة الخاصة التى إستقرا عليها ، وكذلك تدريبها على نطق بعض الكلمات والأرقام باللغة العربية والإنجليزية ، وبالطبع كانت المهمة صعبة للغاية، فالطفلة لم تتجاوز الرابعة من عمرها.

فى اليوم المحدد، ذهبت الأسرة إلى المدرسة، فإستقبلهم أحد الموظفين و إستضافهم فى حجرة ضمت بعض أولياء الأمور مع أطفالهم الذين ينتظرون دورهم فى الدخول.

لم تمض لحظات حتى خرجت إحدى الأسر، كان الأب ثائرا للغاية، وقد راح يعنف زوجته أمام الحاضرين، فهم أولياء الأمور أن السيدة قد أفسدت اللقاء لسبب ما.

مال المهندس كريم على الموظف ليسأله عما حدث، فأجابه الآخر بلهجة خبير ببواطن الأمور قائلا: تلاقى الأم بعيد عنك بتتكلم إنجليزى من بتاع ميس مرفت، ثم أضاف بتهكم: مدارس حكومية تعبانة، اللهم إحفظنا.

إرتفع صوت السيدة من بعيد، كان يبدو أنها تحاول أن تهون على زوجها الأمر: ولا يهمك، هما من غيرنا "ناثنج".

بدأ جميع الحاضرين يشعرون بالتوتر، حتى أن أحدهم سأل الموظف عن طبيب لزوجته التى شعرت بإرتفاع مفاجئ فى ضغط الدم، فأجابه بحسرة: ياريتك كنت قلت قبل ما الست اللى كانت هنا تمشى.

رد كريم بقلق: تقصد مين ؟

الموظف وهو يشير إلى رب إحدى الأسر كى يدخل: أيوة هى، بتاعة إنجليزى ميس ميرفت.

كريم بذهول: رفضوا بنت والدتها دكتورة!!!

الموظف بلا مبالاة: وإيه يعنى؟ الرك عالأصل.

دخل الرجل مصطحبا زوجته وطفلته ، ثم خرج بعد حوالى نصف ساعة وهو يتصبب عرقا بينما راحت زوجته تبكى بشدة.

أرادت "رضوى" زوجة "كريم" أن تعرف ماذا حدث؟ فقامت لتربت على كتفها وتهدئها وهى تسألها عن سبب بكائها، أجابت السيدة وهى تنتحب: جاوبنا على كل الأسئلة صح، لكن ماعجبهاش مستوى النادى اللى إحنا مشتركين فيه، مع إنى حلفت لها إننا مقدمين فى نادى الجزيرة، قالتلى أما تجيبوا الكارنيهات إبقوا تعالوا قدموا، ثم أجهشت بالبكاء وهى تقول: كدة السنة حتروح عالبنت، دى تالت مدرسة ترفضها للسبب نفسه.

أخذت رضوى تضرب كفا بكف، وعادت لتبلغ زوجها وهى مذهولة، بينما كان يراقب هو دخول الأسرة التى أصابها الدور، ولكنهم  سرعان ماخرجوا مما أصابه بالذهول، كانت الخيبة تعلو وجهى الأبوين، فيما تعلقت أبصار الحاضرين بهما، فشقا طريقهما مع الصغير وسط الموجودين وخرجا فى حرج بالغ.

تطوع الموظف وقال ليوضح الأمر للحاضرين وهو يهز كتفيه: طبعا ما تقبلش، مش شايفين الواد تخين إزاى؟ دى قضية امن دولة يا سادة، ثم أشار إلى إحدى الأسر بالدخول.

دخل الأب مع زوجته و إبنه ولبث غير قليل ثم خرج وقد أخذ يصيح غاضبا: يعنى ساكنين فى فيلا وبنصيف برة مصر وحندفع المصاريف بالدولار، لكن مش حياخدوا الولد عشان إسمه بهجت على إسم جده، الهانم بتقول ما حَسْتْهوش! ماله بهجت؟ الباء بهاء، والهاء هناء، والجيم: جاتنى ستين نيلة يوم ما فكرت أجيلكم. 

وفجأة فُتِح باب الحجرة وخرجت سيدة لتلقى إليه بمعطف يبدو أنه نسيه بالداخل وهى تقول: آل بيصيفوا برة آل، و الجاكت شكله من عند ابو نسمة اللى تحت الكوبرى ... ثم أضافت بقرف: هأ صناعة مصرية تعبانة.

عاد الرجل إلى الحجرة محاولا الدخول وقد إشتد غضبه، قائلا: تعبان يلهفك يا بعيدة.

فأغلقت الباب فى وجهه وأوصدته بالمزلاج. 

كان المهندس كريم فى حالة ذهول مما يحدث، وفجأة شعر بشخص يربت على كتفه، فإذا به موظف المدرسة يخبره أن عليه أن يدخل لمقابلة المديرة المسئولة عن القبول.

دخل كريم وزوجته وقد بدا عليهما الإرتباك، فى حين تقدمت طفلتيهما فى براءة وثبات نحو المديرة وهى تلقى عليها بالتحية كما علماها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نظرت المديرة إلى الصغيرة قائلة بفتور: هالو .. ثم إلتفتت إلى أبيها لتسأله: هى ما بتعرفش تتكلم إنجليزى؟

الأب بدهشة: أمال هى جاية هنا تتعلم إيه؟

المديرة بغضب: المدرسة لوحدها مش حتعمل كل حاجة ، طب بتعرف تلعب موسيقى؟

الأب بملل: لا بتعرف تلعب فى مناخير أخوها الصغير حضرتك.

المديرة بنفاد صبر: عندك حساب فى البنك؟

كريم بتهكم: لا والله أنا مستكفى بحساب الآخرة و أهى ماشية الحمد لله.

المديرة بغضب: أمال حتدفع مصاريف البنت منين؟

كريم: بِعْت نحاس أمى.

تنظر إليه زوجته بذهول وتوكزه بيدها خلسة، بينما تواصل المديرة اسئلتها بغيظ: أمال حتتصرف السنة الجاية إزاى؟

كريم بنفاد صبر: أما البنت ما تدفعش السنة الجاية إبقوا إرموها فى الشارع وبلغوا عنى إدارة مكافحة الكلاب الضالة.

الزوجة ملطفة: حنتصرف والله يا فندم.

المديرة بتعالى: إنتو أصلكم مش مقدرين بتعملوا إيه فى ولادكم، متخيلين نفسية طفلة زى دى بعد ما تقعد سنة فى مدرستنا وبعد كدة تروح مدارس حكومية حتبقى نفسيتها شكلها إيه؟

الأب بتهكم: لا والله ، قلبك عمران بالخير.

الزوجة ملطفة وقد إرتسمت على وجهها ابتسامة كالحة: عندك حق، بس إحنا مستورين الحمد لله.

المديرة موجهة حديثها للأب بقرف: آخر شهادة حصلت عليها كانت إيه؟

الأب بزهو: شهادة معهد الطاقة و العلوم الهندسية .

المديرة بإنتصار: كدة فهمت، مع السلامة، مش بنقبل أقل من بكالوريوس يا فندى.

الأب بغضب: بكالوريوس إيه يا حاجة! المعهد دا فى أمريكا، وخلصته بعد ما خدت شهادة الماجستير .

المديرة بإحباط: ساكنين فى شقة ولا فى فيلا؟ وبتصيفوا برة مصر ولا جواها ؟ ومشتركين فى نادى إيه؟ وساكنين فين؟

الزوجة: إحنا ساكنين فى .....

كريم مقاطعا: ساكنين فى شقة دور أرضى فى السبتية ومشتركين فى نادى شباب بولاق وبنصيف فى جمصة والبنت بتنزل تسبح فى نافورة أدام محل التوحيد والنور.

المديرة وقد أعماها الغضب: المقابلة إنتهت، مع السلامة، مفيش مكان عندنا لبنتك.

كريم ببرود: وماله، يبقى نتصل بالسفارة الأمريكية نعرفهم إن بنتنا اللى معاها الجنسية ماتقبلتش فى مدرستكم اللى بتقولوا إنها معتمدة من أمريكا، ونشوف إيه رأى جناب السفير؟ 

قال هذا وأخرج هاتفه المحمول وراح يدوس على أزراره بثقة، بينما قامت المديرة من مكتبها على عجل لتقول له: إقعد بس نتفاهم يا باشمهندس، تحب تشرب إيه؟

كريم بإستهزاء: نسيت أعرفك إن عربيتى رمسيس موديل سنة ٧٧.

المديرة ملطفة: وماله .. أجدع ناس إتفضل أقعد أرجوك، ما قولتليش تحب إيه؟

يجلس كريم واضعا قدما على قدم: أحب أعرف موقف بنتى إيه؟

المديرة بإذعان: مقبولة طبعا يافندم ، دى دخلت قلبى من ساعة ما شفتها، حبيبة قلبى .. قمر ما شاء الله، تؤمر بحاجة تانية يا فندم؟

كريم بعنجهية: والواد اللى رفضتوه عشان تخين يتقبل هو كمان .. ماشى؟

المديرة وهى تبلع ريقها بصعوبة: حاضر، أى أوامر تانية ؟

كريم وهو يخرج سيجارا من معطفه: وبنت الدكتورة اللى ماعجبش حضرتك الإنجليزى بتاعها .

المديرة بتسليم: حاضر، تحت أمرك.

كريم يشعل السيجار قائلا: والواد بهجت يتقبل قبل بنتى يا كئيبة يا عدوة الـ "بهجت".

المديرة بإبتسامة مصطنعة: تؤمر، ثم أضافت بإرتباك: هو حضرتك معاكم الجنسية الامريكية فعلا ولا.....

كريم مقاطعا وهو يمسك بهاتفه المحمول مرة أخرى: أنا من رأيى نتأكد من السفارة أحسن.

المديرة وهى تمد يدها محاولة منعه: حضرتك نسيت البنت اللى ملحقتش تجيب إشتراك نادى الجزيرة على فكرة.
-----------------------
بقلم: أماني قاسم*
* كاتبة مصرية ساخرة

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف