01 - 07 - 2024

حكر السكاكيني.. 7 آلاف مواطن في انتظار هدم حياتهم

حكر السكاكيني.. 7 آلاف مواطن في انتظار هدم حياتهم

- يستنجدون بالسيسي  لعدم نقلهم من منازلهم إلى مساكن المحروسة وقطع لقمة عيشهم

- محامى الأهالي: هناك تعنت من الحكومة وهدم الحكر بحجة التطوير غير مبرر

يعيش أهالي منطقة حكر السكاكيني مأساة، فهم في حالة انتظار وقلق ومصير مجهول، ما بين نقل إلى مشروع المحروسة في مدينة النهضة بحي السلام، والبقاء في بيوت منهارة من الخشب والصفيح في حارات ضيقة جدا. 

ومع أن الأهالي يستغيثون بالمسؤولين لتطوير المنطقة، إلا أن محافظة القاهرة لم تدرج الحكر ضمن خطة تطوير العشوائيات، وذلك لوجود نزاع قضائي بين ورثة السكاكيني والأهالي.

المشهد زارت المنطقة لترى رجالا وسيدات وأطفالا يفترشون الأرض أمام بيوتهم المنهارة ويعيشون تحت  خط الفقر، وكأنهم في كوكب أخر وليس في مصر التي تفتخر قيادتها بمشاريع عمرانية وقومية كبرى وشبكة طرق ومرافق عصرية. 

أصل الحكاية 

يوضح علي أيوب المحامي الموكل عن أهالي منطقة حكر سكاكيني أن هذا الحكر بالشرابية يقطن به نحو 7000 نسمة، يستأجرون 37 فدانا، منها مباني سكنية علي مساحة 7 فدادين وباقي المساحة عبارة عن مخازن ومحلات

مساحة الـ 7 فدادين المنشأة عليها مساكن للأهالي من أصحاب المحلات والمخازن داخلة في كردون المباني، وقعت أعين أجهزة الدولة عليها وتم وضعها ضمن خطط تطوير المناطق العشوائية، فتوسم سكان الحكر خيرا، لكن اتضح لهم أن الحكومة تريد أن تهدم تلك المنطقة.

يتابع علي أيوب قائلا: إن" الهيئة  القبطية الإنجيلية " قامت بمشاركة منظمة اليونسكو بعرض منحة قدرها  8 ملايين دولار لتطوير حكر هنري السكاكيني، فأخذت الدولة حينها تلك المنحة وطورت بها مساكن زينهم بالسيدة زينب. ولم يتم تطوير الحكر.

ويضيف: حدث تطوير فيما بعد، على يد جهاز تطوير المناطق العشوائية بمعاونة هيئة القصور والأثار التابعة لشركة المقاولون العرب، لمناطق منها تل العقارب في السيدة زينب، والتي أصبحت بعد التطوير روضة السيدة زينب، ومنطقة العسال في حكر جرجس في شبرا مصر بجوار عزية جرجس وأيضا منطقة مثلث ماسبيرو في بولاق أبو العلا . لكن لم يحدث أي تطوير لحكر هنري سكاكيني، وتريد الدولة بأجهزتها ومؤسساتها نقل سكان الحكر إلي مساكن المحروسة 1 بالنهضة، وهذا أمر يرفضه أهالي وسكان المنطقة رفضا باتا ومصممون علي تطوير منطقتهم والبقاء فيها، حماية لأرزاقهم وأكل عيشهم في المخازن والمحلات بالحكر

وأوضح أيوب أنه منذ حوالي عامين طرحت محافظة القاهرة، والأجهزة المعنية بها، مبادرة تخير أهالي الحكر بين التطوير أو الإزالة أو التعويض، فاختار الأهالي التطوير أسوة بباقي المناطق العشوائية التي تم تطويرها، لكن الجهة الإدارية عاودت الضغط على الأهالي والتهديد بالإزالة، والقول أن هذا الامر تابع لخطة الدولة وتوجيهات رئيسها وليس أمامكم سوي الإزالة والتعويض.

حديث الأهالي

يقول "سيد" أحد المتضررين نعرف جيدا قصة الأرض التي نعيش عليها منذ سنوات ونحن نعيش تحت خط الفقر وهناك مساعدات إجتماعية وتبرعاتتأتي لنا وشباب المنطقة يوزعون تلك المساعدات علي أهاليها، وإذا ذهبنا لمكان اخر ماذا يفعل الناس؟

ويتساءل: لماذا تريد الحكومة إزالة المنطقة بدل تطويرها، وماذا تخطط لنا؟ أم يريدون منا أن ننحرف؟ أهالي المنطقة لن يغادروا المكان ويذهبوا لمكان أخر، حتي لو قطعوا عنا الكهرباء والمياه، لن نذهب لمنطقه المحروسة لأنها منطقة نائية وبلا خدمات.

أهالي الحكر يعيشون تحت خط الفقر، لكن معظمهم من المتعلمين وخريجي الجامعات، إلا أنهم بلا عمل، يعيشون حياة غير آدمية ويتوسلون للمسئولين للنظر لهم بعين الرحمة والشفقة، لكن الحكر لم يلق اهتمام المسئولين والحكومة تتذرع أنه يقع بين مبان عالية تخفيه لذا لم يحظ بالاهتمام.

"سعيد"، موظف في هيئة النظافة  يقول أنا لدي بيت، وابني متزوج ويقيم معي في نفس البيت ولدي محل بقالة، لكي أستطيع أن أعول أسرة، والحكومة تريد أن تنقلنا لمنطقة نائية، ندفع فيها إيجارا وكهرباء ومياه، بعد أن تعمدت تجاهلنا وقامت بتطوير الأماكن المجاورة مثل عزبتي العسال وجرجس بشبرا باعتبارهما أقدم المناطق العشوائية، وأصبحنا في طي النسيان وخارج الحسابات، ولا أحد ينظر إلينا وكأننا خارج حدود الدولة.

تتفق معه في الرأي أم وحيد  البالغة من العمر 70 عاما وتقول: الحكر من أقدم العشوائيات في مصر ومنذ وعيت علي الدنيا وأنا اعيش في المنطقة ومعاشي 300 جنيه ومريضة بالكبد وأعالج علي نفقة الدولة وأطالب أهل الخير بمساعدتي 

وتضيف أم وحيد: إذا خرجت من المكان، أين أذهب وكيف أصرف علي علاجي وعلي أكلي وشربي، هنا مسقط رأسي ولن أذهب لأي مكان آخر غير حكر السكاكيني، وبحزن تردد: الحكومة لاتحس بنا ولا ترانا، وجميع سكان المنطقة غلابة ولايملكون أموالا للذهاب لمكان أخر ودفع إيجار.

"كريمة" أرملة مصابة بفيروس كبدي تأخذ معاشا لايكفيها ولديا 3 بنات تتحمل مسئوليتهن وتدفع ايجارا قدره 40 جنيها، تقول" مش عاوزين نخرج من المنطقة ولو خرجنا سنجوع، أهل المنطقة يساعدونني، وصاحب البيت يصبر لو مش معايا ادفع الايجار، لو خرجت من المنطقة هاجيب منين فلوس الايجار ومين هيساعدني"

تطالب كريمة المسئولين بإيجاد فرص عمل للمرأة المعيلة داخل الحكر، حيث إن الكثيرات أزواجهم غير موجودين ويعيشون علي مساعدة أهل الخير، وأولادهن تسربوا من الدراسة لعدم استطاعتهم سداد المصروفات.

"أم أحمد" تقول: "لدي بيت بأكل منه عيش ولما أذهب لمكان أخر وبيتي يهدم أدفع منين إيجار وأصرف إزاي"

تقترح أم محمد تطوير المنطقة جزئياً وتسكين من يقع عليه الدور في التطوير بمساكن إيواء مؤقتة وعودتهم بعد التطوير أسوة بمنطقتي "العسال" و"جرجس".

في نفس السياق تقول الحاجة سيدة دعبس: "ليس لدي معاش وأعيش في بيت 3 أدوار به محل أصرف منه وهذا مصدر رزقي الوحيد، ومشكلتي أني لا أستطيع ترك البيت والذهاب لمكان أخر بلا مصدر رزق"

"كريمة" مريضة تلازم الفراش ولا تتحرك منذ 13 سنة تقول: "أعيش في بيتبإيجار 20 جنيه شهريا، وزوجي متزوج وتركني دون أي مصاريف.. أين أذهب وأنا مريضة ولا أستطيع الحركة وأعتمد علي الجيران في شراء العلاج وفي إعداد الأكل، إذا لم أستطع دفع إيجار في المكان الذي سينقلونا إليه سيطردونا، هنروح فين ونصرف منين" 

كريمة تطالب الرئيس بسرعة التدخل لإنقاذها من الموت وهي لا تستطيع أن تعالج أو تدفع نفقات الأكل والشرب والحياة الطبيعية.

محمد هتلر يقول: "كنت بتحبس ومسجل، وربنا كرمني وفتحت محل ولدي بنتين وبصرف منه عليهن، والحكومة تريد أن تهدم المنطقة دون أن تعوض صاحب بيت أو صاحب محل.. يعني أرجع لتجارة المخدرات مرة تاني ولا هي البلد عاوزه كده"  

ويوضح: "نعيش بإيجار 20 جنيها في الشهر، وعندما نذهب لمكان أخر لانستطيع أن ندفع 300 جنيه إيجارا"

الحاجة أم محمد تقول: "لقمة عيشنا هنا ولدي محل في البيت وبأكل وبشرب منه ولما نذهب لأي منطقة أخري كيف نعيش فيها ومن أين ندفع إيجار للشقة التي ننتقل إليها غير فواتير مياه وغاز وكهرباء، إذا لم نستطع دفع الايجار هيطردونا وهنتشرد في الشارع ونموت من الجوع" 

تطالب أم محمد الحكومة بتطوير المنطقة وأهلها متواجدين فيها أو نقلهم لشقق اخري وتوفير أعمال لهم، حتى يستطيعوا عيش حياة كريمة مثل باقي البشر. 

الحاجة عباسة البالغة من العمر 120 عاما تقول: "أسكن هنا من أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومريضة والجيران كلهم بيساعدوني.. كل من يتسبب في الخراب حسبي الله ونعمة الوكيل فيه" 

أم اسلام تربي أطفالا يتامي من بيع الأنابيب وتسكن بإيجار 35 جنيها ولا تستطيع الذهاب لمكان آخر، أم رشا أرملة ليس لديا معاش تعمل بائعة في المنطقة لأكل العيش، تخشى أن تموت من الجوع إذا تم النقل، الحاج محمد لديه 4 أولاد بالمدارس وهو مريض، وليس في استطاعته شراء علاج يقول: "هنعيش منين  هاسرق واللا أقتل عشان أقدر أعيش" في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

دستور

المادة 33 من الدستور تحمي الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة العامة والخاصة والتعاونية، والمادة 35 من الدستور تنص على أن "الملكية الخاصة مصونة وحق الأرث فيها مكفول ولايجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي ولاتنزع الملكية الا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدما وفقا للقانون" والمادة 59 من الدستور تعتبر "الحياة الأمنة حق لكل انسان وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم علي أراضيها" كما تحظر المادة 63 من الدستور"التهجير التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله" وتعتبره جريمة لاتسقط بالتقادم .والمادة 78 من الدستور "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والأمن والصحي بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الإجتماعية" وتلزم الدولة بـ "وضع خطة قومية شاملة  لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة كما تكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة" 

ويقول علي أيوب المحامي: إن أي إزالة دون تطوير ستؤدي إلي تشريد أكثر من 7 ألاف نسمة ويكون أي قرار إزالة كالسيف المسلط علي رقاب سكان وأهالي الحكر بطردهم وتشريدهم من بلدهم ومساكنهم وممتلكاتهم الخاصة .

ويتابع قائلا: لابد من إعادة روح العدالة إلي مكانها الطبيعي والقضاء بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي بالإمتناع عن تطوير حكر هنري السكاكيني لمخالفة هذا القرار السلبي للدستور والقانون، وبتطبيق ذلك علي قرار إزالة حكر السكاكيني نجد أن فيه مخالفة لنصوص الدستور وأنه يعطل الصالح العام لسكان وأهالي الحكر، ويعطل وينتقص من حقهم الدستوري في التطوير منذ التسعينات، فالمصلحة الأولي والجديرة بالحماية هي مصلحة المواطن وليس للأرض وأن إعادة التخطيط والتطوير يجب أن تشمل المواطن قبل الأرض، ويعتبر امتناع الجهة الإدارية عن البدء في التخطيط والتطوير فيه تعسف ومشوب بإساءة استخدام السلطة بتهديد الأهالي بالإزالة دون تطوير.
---------------------
تحقيق - آمال عبد الله






اعلان