27 - 09 - 2024

مختار نوح .. وتحولاته الحزينة

مختار نوح .. وتحولاته الحزينة

لسنوات طويلة فى عقد الثمانينات ، كنت وأنا جيلى يتردد على مسامعنا اسم المحامى مختار نوح عضو مجلس نقابة المحامين وأمين صندوقها، ومواقفه المتقلبة من نظام حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، بحكم المواقف المتقلبة والبراجماتية لتنظيم الأخوان المسلمين من هذا الرئيس ومن قبله الرئيس أنور السادات، ولم أتشرف بالتعرف المباشر بالأستاذ مختار نوح إلا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، وبعد ان كان قد أنفصل عن هذا التنظيم منذ سنوات، وهو ما أثار الجدل والنقاش حول الأسباب الحقيقة لهذا الطلاق التنظيمى.

وأثناء الإعداد لما سمى بلجنة المائة، فى أتون المعركة الانتخابية الرئاسية عام 2012، طرح أسم الأستاذ نوح لدعوته للمشاركة فى تلك اللجنة التى ضمت شخصيات وطنية مرموقة، بيد ان ظروف وأعتراض بعض الشخصيات الإخوانية حالت دون مشاركة الرجل فى هذا الجهد السياسي.

على أية حال فى تلك الفترة، وبعد أزمة العاصفة بين القوى المدنية والديموقراطية وتنظيم الإخوان المسلمين بعد تولى مندوبهم ( د. محمد مرسي) لمنصب الرئاسة فى يونية عام 2012،  تعرفت مباشرة بالأستاذ مختار نوح، الذى أعجبنى كثيرا مقدار إحاطته الواسعة بفكر واساليب عمل التنظيمات الإرهابية عموما وتنظيم الأخوان خصوصا، ودارت بيننا نقاشات وحوارات متعددة، دعوته فيها إلى مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية الذى كنت أتولى قيادته فى ذلك الحين، وشاركته فى بعض الحلقات النقاشية التى نظمها فى بيته فى حدائق القبة.

ولذلك فقد سعدت كثيرا حينما أختاروا الرجل كعضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان بعد إزاحة الرئيس الإخوانى وتنظيمه من سدة الحكم على أثر الانتفاضة الشعبية التى أستغلتها بعض أجهزة الدولة السفلية فى الثلاثين من يونيه عام 2013.

إلى هنا ظلت العلاقة بيننا يسودها الإحترام المتبادل والتقدير المسئول عن مقدار المساهمة الفكرية لكل منا فى الحياة المصرية التى كنا نطمح فيها وملايين المصريين أن تكون أكثر إنصافا وديموقراطية.

لذلك فقد فوجئت ، ولا أبالغ إذا قلت صدمت ، حينما قرأت المقال الذى كتبه الأستاذ نوح فى جريدة المشهد بتاريخ 12/1/2019 بعنوان "ردا على إرهاب سوزان حرفى فى دستور تحت التعديل" التى تنتقد فيه المطالبين بتغيير الدستور من أجل تأبييد حكم الرئيس الحالى، لنخلق من جديد " فرعونا جديدا" ونكرر مأساة مستمرة فى الحياة المصرية منذ أكثر من سبعين عاما.

وكان من المقدر والمفهوم أن يختلف الأستاذ مختار نوح مع الطرح الذى تقدمه الكاتبة والإعلامية البارزة سوزان حرفى، والتى لا أبالغ إذا قلت أن الغالبية الساحقة من الشعب المصرى الواعية والمدركة ترفضه، ولكن ما صدمنى حقا هو اللغة والتعبيرات الفظة والغليظة التى استخدمها الرجل فى مقالته القصيرة بما لا يتناسب مع وقاره وهدوءه المعروف عنه  من ناحية، ومقدار المغالطات والتعميمات التى أحتشد بها المقال.

أولا لغة متشددة تعكس ضعف المنطق وإهتزاز الموقف:-

فى رده القصير الفظ استخدم الأستاذ نوح تعبيرات تدخل فى قاموس إرهاب الخصم فقد كرر تعبيرات من قبيل: (إرهاب المثقفين) واصفا الناقدين لفكرة التلاعب بالدستور ومحاولات تغييره، وزاد عليها القول بأنهم ( يبتدعون فى الحديث حول الديموقراطية )، وأنهم (يتسمون بفيروس الدكتاتورية والإرهاب).

ولا يخفى الرجل أنه (أحد كبار الذين يخططون لتعديل الدستور)، ويزيد عليها القول (أننى لا أرغب فى تعديل الدستور فحسب بل اتمنى له الإلغاء)، ثم يذهب إلى وصف هذا الدستور بالقول (بأننى أشك فى مولده ونسبه).

ثم ينزلق الرجل فيما لم أكن أتمناه له أبدا فى حياتى، حينما يكشف عن سبب رغبته تلك، فهى لم تكن لمنح الشعب المصرى مزيدا من الحرية التى حرم منها لعقود طويلة، ولا لتقييد السلطة التنفيذية التى تغولت وتوغلت على بقية السلطات بما فى ذلك السلطة القضائية التى يفترض وهو رجل القانون والقضاء الواقف أن يدافع عنها فى مواجهة سلطة غاشمة، بل أنه يكشف عن السبب الحقيقى فى دعوته لتغيير والتلاعب بالدستور بالقول (من أجل أن نمنح رئيسا قويا أصيلا وناجحا فرصة ثالثة للعطاء)، ويستطرد قائلا (هذا عصر الرجل الصالح).

ويستكمل الرجل واصفا معارضى تعديل الدستور بأنهم (يرفضون أن تكمل مصر نهضتها، ويقفون عقبة أمام من يريد لركب الإنجاز أن يستمر)، ولا يكتفى مختار نوح بذلك بل يصف من يعارضون حكم الرئيس الحالى بأنهم (يصبحون فى الموقف الخاطىء وفى المربع الخاسر)، فالرئيس الحالى يقود من وجهة نظر محتار نوح (ثورة الإصلاح الاقتصادى والتفوق الدولى وبناء مئات المصانع والمشروعات التاريخية).

ويستكمل نوح (والذين يقفون مع الرئيس السيسى الأن هم بكل شجاعة يتحدون ضياعا اقتصاديا ويواجهون فسادا).

وسوف نتوقف عند تلك التعبيرات والتعميمات فى السطور التالية.

ثانيا المقال حافل بالمغالطات والتعميمات:-

لاحظوا أن الكلمات التى أستخدمها رجل القانون مختار نوح، لا تختلف كثيرا للأسف عن تلك التى تدبج بها المقالات الصحفية التى تكيل المديح بالحق أو الباطل لرئيس الجمهورية الحالى، تماما كما كانت تكتب المقالات تمجد فى بطل الضربة الجوية الذى ثبت باليقين وبحكم قضائى أنه كان أقرب إلى "لص غسيل"، على أية حال  قد ذكر أستاذ المحاماة تعبيرات من قبيل (ثورة الإصلاح الاقتصادى – التفوق الدولى - بناء مئات المصانع – ركب الإنجاز – عصر الرجل الصالح - يواجهون فسادا – يواجهون ضياعا اقتصاديا .. الخ).

ولا شك أن لدى ردود موثقة وبالأرقام على كل تلك المزاعم التى  يقدمها الاستاذ نوح، بل أن الرئيس الحالى نفسه  ينفيها فى لحظات أثناء إنفعالاته المتكررة فى مؤتمراته الكثيرة وبعد مرور أكثر من أربعة سنوات من حكمه من قبيل قوله (أننا فى شبه دولة – أحنا بلد فقير قوى – أجيب لكم منين – أيوة أحنا نقترض وسوف نقترض .. الخ تلك التعبيرات).

وحتى لا أطيل أتمنى على الاستاذ نوح أن يعاود قرأءة بعض القوانين التى أصدرها رئيس الجمهورية الحالى، والتى تؤبد الفساد المقنن والممنهج، يكفينى أن اشير إلى القرار بقانون رقم (57) لسنة 2016 الذى وضع اليد على 700 مليون متر أراضى لإقامة العاصمة الإدارية الجديدة، والتى أدخل تلك المساحة الضخمة فى ذمة جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة  وهيئة أراضى القوات المسلحة وهيئة التعمير وجرى تأسيس شركة مساهمة تتولى البيع والبناء والتقسيم دون أن يدخل جنيها واحدا للخزانة العامة، وحرم بالتالى الخزانة العامة من 70 مليار إلى 140 مليار جنيه على الأقل، هذا ناهيك عن الانفاق السفيه والبذخ على تلك العاصمة المحصنة الجديدة، كما أنصحه بقراءة متمعنة فى قانون الاستثمار الجديد سواء فى صورته القديمة (رقم 17) لسنة 2015، أو فى صورته الجديدة رقم (72) لسنة 2017، واللذين يتضمنان موادا فى موضوع الأراضى وإلغاء دور قانون المناقصات والمزايدات الذى كنا نرتكن إليه فى كشف فساد نظام حسنى مبارك وتقديم بلاغات ضده ، وعشرات غيره من القوانين .

أما موضوع ثورة اًلاصلاح فقد ذكرتنى بثورة السفينة بونتى فى السينما الهوليودية، والعبرة يا صديقى بأية سياسة أقتصادية ناجحة هو فى قدرتها على تحسين مستوى معيشة شعبها، أما إذا زادت معاناة هذا الشعب وأفقرت ملايين إضافية، وبالمقابل راكمت الثروات للأغنياء عبر تحيز النظام الضريبى، والسياسات المالية والنقدية، فنحن بصدد خراب اقتصادى وليس إصلاح اقتصادى، وأتمنى على الأستاذ مختار أن يتفرغ قليلا لقراءة بعض كتبى الأخيرة حول تقييم تلك السياسات الاقتصادية للرئيس الحالى، وانا أعرف مقدار الاحترام الذى يكنه الرجل لمجهودى وأبحاثى الاقتصادية والقانونية.

وأخيرا إذا كان الأستاذ نوح قد أختار خندقه فهذا حقه، وإن كنت أعتقد انه لا يضيف لتاريخه، ولا يحفظ له كرامته وكبرياءه.
---------------------
بقلم- عبد الخالق فاروق

مقالات اخرى للكاتب

في الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير| شبهات حول ثورات الربيع العربى