27 - 09 - 2024

الأستاذ مختار نوح .. والخندق الصحيح

الأستاذ مختار نوح .. والخندق الصحيح

الحوار والنقاش مع المحامين، وأساتذة القانون عموما له طعم خاص، حيث يستند غالبا على الحجج المنطقية، والأسانيد الواقعية والمادية، والحيثيات المنضبطة، ومن هنا فقد قرأت بعناية رد صديقى الأستاذ مختار نوح على مقالي السابق المعنون " مختار نوح وتحولاته الحزينة "، وقد بدأها الرجل بعرض لتاريخه الوطنى فى معارضة الديكتاتور الفاسد حسنى مبارك وقت ان كان عضوا فى مجلس الشعب، وهى مواقف بقدر ما كانت مشرفة له بقدر ما سببت له الكثير من المشاكل مع قيادات تنظيمه السابق "الأخوان المسلمين"، وهو ما اشكره عليه. 

وبصورة عامة يمكن للقارىء لمقالتى الأستاذ مختار نوح أن يلحظ موقفين متلامسين ويؤسس كل واحد للآخر وهما، الأول : موقفه المؤيد والداعم للرئيس الحالى للجمهورية الجنرال عبد الفتاح السيسى باعتباره على حد تعبيره ( أنقذ مصر من عشرات المصائب)، الثانى : وبناء على هذا التأييد يرتب مطالبته بتغيير الدستور من أجل منح الرجل سنوات إضافية فى الحكم قد تصل دون أن يرغب الأستاذ نوح إلى حد تأبييد حكم السيسى، كما جرى من قبل مع مبارك. 

وإذا كان من حق الأستاذ نوح أن يشحذ ذاكرته وذاكرتى، بشأن تلك المواقف التى تحسب له، فإن من واجبى عليه أن أشحذ له بطارية مواقفه الوطنية تلك بالحقائق التاريخية التالية: 

  1. حينما تولى الفريق طيار حسنى مبارك الحكم عام 1981، كانت مصر تواجه الإرهاب "الإسلامي" بأخطر  صوره وأحداثه التى بلغت حد أغتيال رئيس الجمهورية أنور السادات أمام كاميرات التليفزيون وعلى مسمع ومرأى من العالم أجمع، ولم يكن ذلك يمنح حسنى مبارك تفويضا على بياض من الشعب المصرى والتغاضى عن فساده وفساد أبنائه وحاشيته الذين فاحت رائحتهم يوما بعد يوم، وكذلك انحيازه السافر للولايات المتحدة وإسرائيل، حتى أن كل قاداتها وحاخامتها قد أطلقوا عليه "الكنز الاستراتيجى لإسرائيل"، هذا ناهيك عن تحول السياسة الخارجية لمصر فى عهده إلى ما يشبه السمسار الإقليمى، يقوم بمهام وأدوار دولية وإقليمية مقابل القروض والمساعدات والمنح، سواء من أمريكا أو دول الخايج والسعودية وغيرهم. ومع ذلك يا صديقى كنا نرى ونشاهد على الشاشات فى الأحزاب، وبين كتاب الصحف من يشيد بعبقرية حسنى مبارك ويطالب ببقائه فى الحكم مدى الحياة.. أظنك لم تنس ذلك يا صديقى . 
  2. إذا كان وزير الدفاع الفريق اول عبد الفتاح السيسى، ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم قد انحازا لمطالب الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيه عام 2013، من أجل إزاحة حكم جماعة الإخوان المسلمين، فهذا علاوة عن كونه أحد الواجبات الدستورية والوطنية والوظيفية لهما من أجل حماية الشعب المصرى والدولة المصرية من مخاطر داهمة سواء داخلية أو خارجية، وفقا لنص الدستور، فقد كان هذا العمل حماية أولا وأخيرا للمؤسستين العسكرية والأمنية، سواء من استمرار حكم تنظيم الأخوان الذى كان من مخططه تفكيك هاتين المؤسستين وإعاة بنائهما على مقاس هذا التنظيم، أو من جراء تفكك المؤسستين فى حال الصدام مع الشعب ومواجهته بالحديد والنار حماية لبقاء حكم الرئيس الإخوانى محمد مرسى ومن ورائه تنظيم الإخوان المسلمين، لأنه ومن واقع التجارب، فإن قدرة أى مؤسسة عسكرية على البقاء مرهونة بدرجة الاحتضان الشعبى الغالبة لهذه المؤسسة وسياساتها، وبالإضافة إلى ذلك، فإن التهديدات التى أطلقها الرئيس الإخوانى "محمد مرسى" لكل منهما وصرح بها وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم فى تصريحات صحفية شهيرة فى الذكرى الأولى لانتفاضة 30 يونية، وذلك عام 2014 على صفحات جريدة المصرى اليوم حينما قال له محمد مرسى فى مكالمة تليفونية أخيرة بينهما (سوف أوريك أنت والسيسى بعد يوم 30 يونيه سوف أحاكمكما فى ميدان التحرير)، وبالتالى فقدر ما حمى الجنرال السيسى الشعب المصرى من عسف الإخوان المسلمين، بقدر ما حمى الشعب المصرى الجنرال السيسى ورئيس أركانه وكبار قياداته من المحاكمة العسكرية التى كان يخطط لها محمد مرسى وتنظيمه الإخوانى . 
  3. أما عن فكرة ومفهوم الرجل الصالح وحكم الإنجازات فسوف أعرض عليك صديقى بعض الحقائق الاقتصادية وأضعها أمام ضميرك الوطنى، الذى ما زلت أثق فيه: 

      ( أ ) لقد زاد الدين العام لمصر بصورة خطيرة وضارة منذ أن تولى الرئيس الحالى الحكم، حيث قفز الدين الأجنبى لمصر من 46 مليار دولار فى يونيه 2014 إلى 95 مليار دولار فى الوقت الذى نتحدث فيه، وربما زاد عن ذلك لأنهم يتفنون فى عدم إعلان الحقائق على الشعب، أما الدين المحلى فقد زاد فى عهده من 1.8 تريليون جنيه إلى ما يقارب 4.0 تريليون جنيه، وبالتالى فإن الدين العام فى مصر يزيد حاليا على 135% من الناتج المحلى الإجمالى، وقد يزيد عن ذلك لو احتسبنا الناتج المحلى بالأرقام الحقيقية، أى أن كل مواطن مصرى من الطفل المولود حالا حتى الشيخ الهرم مدين بحوالى 63.3 ألف جنيه بالتمام والكمال. وسوف يتوارث هذا الدين الأحفاد عن الأجداد. هذا بخلاف ما حصل عليه الرئيس الحالى  من منح غير مردودة من بعض الدول العربية تقدر بحوالى 17 إلى 20 مليار دولار طوال خمس سنوات من حكمه. 

( ب ) ومنذ اللحظة الأولى لحكم الرئيس الحالى، بل وحتى قبل توليه الحكم كانت تصريحاته ثم سياساته تنحاز بالمطلق لصالح رجال المال والأعمال والسماسرة (المستثمرين) المصريين والعرب والأجانب، بدا ذلك بوضوح حينما جرت تعديلات فى القوانين – وانت أستاذ فى القوانين يا صديقى – سواء لتخفيض معدلات الضرائب من 25% كحد أقصى إلى 22.5% ، وجرى إلغاء الضريبة المؤقتة على أصحاب الثروات والدخول التى تزيد عن مليون جنيه سنويا (5% لمدة ثلاث سنوات )، وكذلك إلغاء الضريبة التى فرضناها بعد ثورة يناير ومقدارها 10% على الأرباح الناتجة عن التصرفات الرأسمالية Capital Gains   سواء فى البورصة أو غيرها، وبالمقابل زادت الأعباء الضريبية على الفقراء والطبقة الوسطى (ضريبة القيمة المضافة 14%)، ورفع أسعار كافة الخدمات والسلع التى تقدمها الحكومة (فواتير الكهرباء والمياة والغاز والرسوم والتمغات وغيرها)، وكانت تصريحاته الكلامية أقسى على الناس وأغلظ من فواتيره حينما صرح وكرر (ما فيش حاجة ببلاش)،  و(أجيب لكم منين) و (أنا كمان غلبان قوى)، فى نفس الوقت الذى يشاهد الشعب المصرى على الشاشات مقدار السفه والبذخ فى الإنفاق الحكومى والاحتفالات والمهرجانات، وما العاصمة الإدارية الحصينة ببعيد. 

( ج) أما ما ذكرته لك يا صديقى حول وضع اليد على 700 مليون متر أراضى وإدخالها كحصة رأسمال لجهاز الخدمة الوطنية وهيئة أراضى القوات المسلحة وهيئة المجتمعات العمرانية، فى الشركة المساهمة التى تتولى البناء وتقسيم الأراضى وبيعها للمقاولين وشركاتهم (هشام طلعت مصطفى وأخرين)، دون أن يسددوا منها مليما واحدا لخزانة الدولة وحرمنا من هذه الأموال التى تتراوح كحد أدنى بين 70 مليار جنيه إلى 140 مليار جنيه، لتذهب إلى جيوب المقاولين والشركة المساهمة الجديدة التى لا يعرف عنها الشعب المصرى شيئا، وهل هى معفاة من الضرائب، وأين تذهب أرباحها بعيدا عن خزانة الدولة.. أليس هذا فسادا واستهتارا بالشعب المصرى ومستقبله، وأسأل ضميرك يا صديقى لو كان مبارك فى الحكم وقام بمثل تلك التصرفات الفاسدة هل كنت ستصمت؟ وهل كنت ستؤيده يا صديقى؟. 

(د) لن أحدثك عن التضخم وإرتفاع الأسعار الجامح الذى تتعرض له مصر منذ أن تولى الرجل وانصاع لتعليمات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، والذى أدى لسقوط ملايين من أبناء الطبقة الوسطى فى وهدة الفقر، وأنا أحدثك عن معايشة مباشرة، ولن أحدثك عن الفقراء الذين زادوا فقرا تحت رايات الرجل الصالح، بل أحدثك عن أناس أعرفهم وأنا منهم، فمن كان يدخر لمستقبله بعد التقاعد والمعاش 150 ألف جنيه أو حتى 300 ألف جنيه ليعيش من عائدها البنكى إلى جانب المعاش الهزيل، أصبحت قيمة هذه المدخرات النصف وأقل من النصف بعد تغريق الجنيه المصرى .. فهل هذا ما يرضى ضميرك يا صديقى؟ 

(ه) لقد ذكر الرئيس الحالى فى معرض فضفضته المعتادة وأمام حشد من الحاضرين أنه قد أنفق 2 تريليون جنيه فى السنوات الأربعة الأولى من حكمه ، ثم ردد مازحا (بس ما حدش يسألنى جبت الفلوس دى منين)، فهل يقبل ضميرك الوطنى، سواء كمواطن أو لو كنت عضوا فى مجلس النواب، مثل هذا الاستخفاف بالرأى العام، بالإضافة إلى أن هناك بعض الحقائق الرقمية قد لا يكون من المناسب نشرها على الملأ  الآن، لما يسببه ذلك من مشكلات كبرى، كاشفه عن تلاعبات قد يأتى الوقت المناسب لمناقشتها سويا يا صديقى. 

  1. أما عن السياسة الخارجية للرئيس الحالى، فالرجل لا يخفى علاقته الوطيدة بإسرائيل والتعاون معها على كافة المستويات حتى بلغ الأمر السماح لطائراتها بالدخول إلى أجوائنا فى سيناء للمساعدة فى ضرب الإرهابيين، ولذا لم نسمع كلمة إدانة واحدة من الرئيس ومؤسسة الرئاسة ضد التنكيل والقتل اليومى الذى تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى البطل، ناهيك عن علاقة ضارة يشوبها الكثير من الضعف مع بعض دول الخليج وخصوصا المملكة السعودية ودولة الإمارات، بحيث ترسخ مفهوم جديد فى المصطلحات السياسية الدولية مثل "دولة الرز" مقابل "دولة الموز".. فهل يقبل ضميرك الوطنى ذلك يا صديقى؟ 
  2. أما عن الحريات العامة وما يجرى فى السجون ومراكز الإحتجاز – وأنت المحامى وعضو مجلس حقوق الإنسان– فحدث ولا حرج، وقد رأيت بعينى أثنا فترة حبسى فى قسم شرطة دار السلام، وكنت أظنك أول من سوف تسرع لزيارتى والدفاع عنى وأنا لم أحمل سلاحا ولم ارهب أحدا سوى الرد بكتاب – أتمنى أن تكون قد قرأته – على من يقول "أن مصر بلد فقير قوى"، تأخرت بل تجاهلت صديقك فى سجنه، فليس غريبا أن تتجاهل كل سجناء الرأى يا صديقى ..  ومع ذلك فمازلت حريصا عليك وعلى موقفك.. راجع خندقك يا صديقى، فربما يكون دون أن تدرى قبر تاريخك. 
    ------------------
    بقلم / عبد الخالق فاروق 

مقالات اخرى للكاتب

في الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير| شبهات حول ثورات الربيع العربى