16 - 08 - 2024

مختار نوح .. محامى شاطر خسر قضيته

مختار نوح .. محامى شاطر خسر قضيته

حينما كتبت ردين متتالين على الأستاذ مختار نوح ، كنت أحاول ان أحفز لدى الأستاذ المحامى كل ما يملكه من حجج ومنطق فى دفاعه المستميت، ليس فقط عن الرئيس الحالى الجنرال عبد الفتاح السيسى، فهذا حقه طبعا، وأنما أحاول أن أستنطق فيه الأسباب الوجيهة التى دفعته لأن يكون على حد وصفه أحد كبار المخططين لتغيير الدستور الحالى من اجل تأبييد حكم الرئيس الحالى، لنكرر تجربة استمرت ثلاثين عاما وأوصلت مصر إلى شبه الدولة لحظة خلع حسنى مبارك وأسرته من الحكم فى فبراير عام 2011، والتى راح من أجلها أكثر من ألف شاب من أنبل شباب مصر، علاوة على أكثر من عشرة آلاف من المصابين، أصابات الكثيرين منهم مؤلمة وقاسية. 

وقد فوجئت، ثم صدمت مرة ثالثة حينما قرأت رد الأستاذ مختار نوح الأخير على مقالتى السابقتين بمقالة بعنوان "نيران صديقة جدا حول تعديل الدستور" بتاريخ 17يناير 2019. 

ومصدر صدمتى أن الأستاذ نوح الذى تعودت منه قوة المنطق، ومتانة الموقف، قد ضاع وسط الزحام، فلم يتناول أيا من النقاط التى أشرت إليها فى مقالى السابق حول أخطاء وفساد السياسات الراهنة التى جاء بها الرئيس الحالى، فأخذ الأستاذ المحامى يردد عبارات تمتدح الرئيس الحالى وتعدد فى إنجازاته من قبيل "زادت ايضا المصانع، والمساكن الاقتصادية والمعاشات بالمليارات، وطرق بآلاف الكيلو مترات والطرق الدولية، وعلاج فيرس سى، وإنهاء قائمة العلاج على نفقة الدولة، ومشروعات قومية، وإنشاء مساكن الخريجين، وتوزيع الأراضى عليهم دون وساطة أو محسوبية، ودعم الفقير وشمول بطاقات التموين، هذا فضلا عن المشروعات الانتاجية، والأسماك والصوب الزراعية، والانفاق على الإكتشافات البترولية، وتسليح الجيش وأصبح لنا هيبة دولية ومكانة أمام العالم لولاها لأكلنا الفئران، وأنا أمام رئيس لا ينام، ويسافر من بلد لبلد ... الخ) وغيرها من الإنجازات التى يشير إليها صديقى المحامى.  

ولأن الأستاذ مختار نوح محامى شاطر اعتاد الوقوف أمام منصات القضاة، وتقديم الأدلة والقرائن، ودحض إدعاءات النيابة العامة، أو جهات التحقيق، ونحن نعلم مقدار شطارة المحامين المدربين، وهنا لا أستطيع سوى أن أذكر صديقى المحامى بالحقائق التالية: 

  1. لو تفضل صديقى المحامى البليغ، وبذل مجهودا وتوجه مشكورا إلى جريدة الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية وطلب الإطلاع على الأرشيف الصحفى للأعوام من عام 1982 حتى عام 1991، لوجد نفس التعبيرات والمصطلحات بالضبط بالنقطة وبالحرف، كانت تقال فى حق حسنى مبارك وإنجازاته التى دفعت قطاعا كبيرا من الشعب المصرى إلى التندر على الرجل بوصفه (حسنى كبارى) بسبب تصريحاته الكثيرة فى كل زيارة ميدانية والطلب من المسئولين بإقامة كبارى لتخفيف الإزدحام المرورى الكثيف، وربما لا يعلم صديقى أنه فى عهدى أنور السادات ومن بعده حسنى مبارك (1974- 2010)، أنفقت مصر حوالى 840 مليار جنيه على مشروعات البنية الأساسية والتحتية مثل الطرق والكبارى ومحطات الكهرباء ومحطات الصرف الصحى والمدارس والمستشفيات وغيرها، وبصرف النظر عن الفساد الضخم المصاحب لتلك المشروعات ونسب العمولات والرشى والسمسرة التى كانت مصاحبة لكل تلك المشروعات، فإن ذلك لم يحل دون أن تصل مصر فى حكم مبارك إلى ما وصفه الرئيس الحالى "بشبه دولة"، فانهارت منظومة التعليم ومنظومة الصحة، وانتشرت الرشوة والمحسوبية وغيرها من الأمراض التى يعرفها الجميع الآن، ولم يكن يجرؤ أحد على الإشارة إليها سوى عدد محدود من أبطال الشعب المصرى الذين ظلوا محصورين ومحاصرين كما هو الآن، والعبرة من هذا العرض هو أن كثرة الإنفاق المالى للدولة والقائمين عليها دون مخطط تنموى حقيقى ليست حجة لصاحبه، بل على العكس يمكن أن تكون وبالا على البلد وعلى الفقراء فيه. 
  2. وأذكرك كذلك أن كل تقارير المؤسسات الدولية وأبرزها البنك وصندوق النقد الدوليين، كانا يشيدان بالإنجازات ومعدلات النمو – غير الحقيقية طبعا – التى يحققها الاقتصاد المصرى سواء فى عهد أنور السادات أو حسنى مبارك، كما يشيدون اليوم بإنجازات وإصلاحات الرئيس الحالى، وبالتالى لا تنظر أبدا إلى هذه التقارير باعتبارها عنوانا للحقيقة يا صديقى. 
  3. أذكرك يا صديقى أن الرئيس الحالى وفى معرض تقديم إنجازاته فى أربع سنوات، وقبل ما تسمى الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2018، قال ولا أدرى إذا كان يمزح أو يتكلم بصورة جدية، أنه خلال السنوات الأربعة الأولى من حكمه قد أنجز 11 ألف مشروع، أى بمعدل أربعة مشروعات يوميا، وبصرف النظر أن هناك خطأ فادح فى الحساب والجمع والضرب (حيث أربعة مشروعات يوميا مضروبة فى 1460 يوما) لن تنتج سوى 5840 مشروعا فقط لا غير، وهو رقم خيالى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إلا إذا كان المقصود أن كل عمود من الأعمدة الخرسانية للكبارى تعتبر مشروعا بحد ذاتها! أو أنه يقصد أنه يخطط لتنفيذ 11 ألف مشروع على مدى سنوات طويلة. 
  4. والعبرة فى العلم الاقتصادى يا صديقى ليس بعدد المشروعات، بل بالقيمة التنموية لتلك المشروعات، صحيح أن الطرق والكبارى ومشروعات تحلية المياه، والصرف الصحى كلها مطلوبة وضرورية، ولكن علم التخطيط الاقتصادى ودراسات الجدوى تعلمنا، كيف يتوزع الإنفاق الضخم بمراعاة ثلاثة عناصر هى: التوقيت والجدوى والانتاجية، وإلا فإن الكثير من هذا الانفاق الاستثمارى الضخم لن يؤدى إلى نتائج على مستوى معيشة الشعب وفئاته الفقيرة على الأقل، فبرغم الإنفاق الهائل الذى أنفقته المشروعات العقارية فى الولايات المتحدة، ومن قبلها فى دول جنوب شرق آسيا، فلم يمنع ذلك من حدوث كارثة عام 2008 فى أمريكا ومنها إلى بقية العالم كله، وكذلك عام 1997 فى جنوب شرق آسيا وكادت أن تعصف بكل ثمار التنمية التى جرت فيها طوال ثلاثين عاما سابقة. 
  5. تجاهلت يا صديقى فى ردك على وقائع فساد واضحة وفاقعة فى موضوع الأراضى والعاصمة الإدارية وصمتت.. فهل كان صمتك قبولا بما جرى ويجرى، أو أنك لم تكن تعرف ما يجرى يا صديقى؟ 
  6. صمتت عن التضخم وارتفاع الأسعار الذى ألهب ظهر الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى، وصمتت عن تغريق الجنيه انصياعا لصندوق النقد الدولى ومصالح كثير من رجال المال والعمال والبورصجية المحيطين بالرئيس الذين ظلوا لسنوات ينعقون كالبوم، فى كل وسائل الإعلام المملوكة لهم، من أجل تخفيض قيمة الجنية المصرى أمام الدولار والعملات الأجنبية، مما زاد الثروات فى خزائنهم وحساباتهم المصرفية، ثم تحدثنى عن المساكن الاقتصادية، أتحداك أن تحصل أنت أو غيرك على بيانات دقيقة عن عدد الوحدات السكنية الاقتصادية الحقيقية وعدد الوحدات السكنية التى تباع بمبالغ فلكية (أكثر من 500 ألف جنيه فأعلى لشقة فى المدن الجديدة) فهل يملك الفقراء هذه المبالغ وهذه الأقساط الكبيرة. 
  7. صحيح نرى ونشاهد حركة بناء واسعة فى كل مكان، لكنها العقارات يا صديقى المربحة للجهة التى تشرف عليها والتى تقوم بها والتى تبيع فيها، أذهب بنفسك وأسأل، أو أتحداك أن تصطحبنى معك فى جولة ولنبدأ بعاصمتك الجديدة حيث الشقة التى لا تزيد مساحتها على 100 متر مربع يزيد سعرها على مليون جنيه، أما إذا كنت ترغب فى الأوسع (فيلا أو قصر مثلا) فأذهب إلى شركة هشام طلعت مصطفى وغيره من المقاولين، هناك ستحصل عليها بسعر مناسب جدا ما بين 15 مليون إلى 30 مليون جنيه وربما أكثر. 
  8. وبالنسبة للمزارع السمكية والصوبات الزراعية فهى جميلة ومفيدة يا صديقى، لكن حينما تساهم فى توفير تلك السلع والأسماك بأسعار مناسبة للشعب المصرى، هل تجرؤ يا صديقى لتقول لنا بأن هذه المشروعات العظيمة قد خفضت الأسعار فى الأسواق المصرية، يبدو أنك يا صديقى لم تنزل السواق ولم تقم بشراء حاجيات البيت منذ زمن طويل، فأسأل سيدة المنزل عن الأسعار وبعدها كلمنى عن الإنجازات.

وهذا يكفى اليوم وتقبل تحياتى يا صديقى.
----------------------
بقلم: عبد الخالق فاروق 


مقالات اخرى للكاتب

في الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير| شبهات حول ثورات الربيع العربى