27 - 06 - 2024

٢٥ يناير .. الثورات لا تنهزم

٢٥ يناير .. الثورات لا تنهزم

(١)

لا داع للقلق على ثورة يناير مهما كان حجم التشوية ورغبات الحصار والإساءة ، فالأحداث الكبرى في التاريخ لا يمكن لأحد مهما كانت قوته أن يمحوها بجرة قلم، لا يمكن لإعلام الزيف أن يدوس على ثورة أسقطت  المستبدين حتى وإن كانت قد تعثرت قبل أن تسقط الاستبداد ذاته !! 

بعد ٨ سنوات من ثورة يناير الخالدة غابت الاحتجاجات لكن استيقظت القوة الكامنة التي خلقتها ورسمت طريقها أجيال جديدة تستكمل الطريق، هذه الأجيال التي أضحت رقما صعبا في معادلة السياسة في مصر .. 

استطاع نظام الحكم الحالي أن يحاصر المجال العام تماما، وكسب أعداء يناير جولة في حصار وقمع الحيوية السياسية الهائلة التي تلت الثورة، لكن المؤكد أن الوعي الذي خلقته يناير أكبر من قدرة أي قوى على حصاره، هذا الوعي الذي سيجعل من انتصار ٢٥ يناير أمرا مؤكدا مهما طال الزمن .. 

(٢)

انتصار ثورة يناير يرتبط ارتباطا وثيقا بالأسباب التي أدت إلى خروج الناس إلى الميادين بالملايين في ٢٠١١ ، ببساطة شديدة غابت الحرية وتراجع العدل الاجتماعي فانطلقت الناس إلى الميادين تنادي بنظام جديد قائم على الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وكما أن الثورة ليست غاية بل وسيلة لحياة كريمة لكل الناس لا يمكن لأي عاقل أن يظن أنه قادر على قتل يناير، أو حصار أحلامها في النفوس ما دامت الأسباب التي قامت الثورة بسببها ما زالت قائمة، وما دام المواطن يشعر بغياب العدالة والحرية والكرامة، فالشعوب التي تقدم تضحيات بقدر التضحيات التي قدمها المصريون في يناير لا يمكن أن تسلم بالهزيمة بسهولة ، فآلاف الشهداء والمصابين والمظاهرات والاحتجاجات والأحلام بحياة جديدة ووطن جديد هي أسلحة أقوى من كل محاولات الحصار والتشويه .. 

(٣) 

المؤكد أن ثورة يناير خلقت تيارا جديدا في الحياة العامة في مصر، رموز هذا التيار تنتشر بدرجة معقولة في الأحزاب السياسية الجادة وفي النقابات بل وحتى في الإبداع الفني والأدبي، هذا التيار ما زال محاصرا إلا أن صوته يرتفع بقوة على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، مساحة حرة يستغلها هذا التيار في تغيير الوعي العام وترتيب الأجندة المجتمعية، هذه الأجيال هي القوة الكامنة التي خلقتها يناير وراحت تتسرب ببطء في شرايين المجتمع لينمو وعيه بشكل مختلف، وعي يرفع ويدافع عن نفس الأهداف الكبرى التي رفعتها الثورة ، الحريات العامة والدولة المدنية الديمقراطية والعدل الاجتماعي والمساواة كلها قيم يناضل هذا الجيل الرائع دفاعا عنها، هذا الجيل الذي نراه دائما غاضبا من المشهد العام، لكنه ما زال يحاول ويتمسك بأحلام الميادين والشوارع الحرة التي عاشها في يناير ٢٠١١ .. 

(٤) 

المؤكد أن مصر ما زالت تعيش حتى الآن بأفكار وسياسات ٢٤ يناير ٢٠١١ ، وخلال ٨ سنوات لم يطرح أحد بديلا للنظام القديم إلا ثورة يناير بشعاراتها الكبرى، شعارات لم يترجمها أحد إلى خطط وبرامج عمل ، لكنها تبقى البديل الوحيد للوضع القائم، البديل الذي يطرح الحرية في مواجهة الاستبداد، والعدل في مواجهة الظلم الاجتماعي والاستئثار بالثروة، والكرامة في مواجهة إهانة الإنسان وقمعه، هذه الشعارات التي تسربت لوعي الناس ووجدانهم لا يمكن أن تتراجع أو تنهزم، لا سيما إذا علمنا أن غالبية المصريين من فئات عمرية شابة، أي أن المكون الأكبر للشعب المصري هو من تلك الأجيال التي تفاعلت مع يناير وشاركت فيها، وحلمت معها بوطن جديد، ومثلما كان لكل جيل قضية تلهمه أكاد أجزم أن حلم الحرية الذي رفعته ثورة يناير هو الإلهام الأكبر لأجيال لن تستسلم إلا بتحقيق حلمها الذي تستحقه.. 

(٥) 

باختصار لن تنهزم يناير لأنها تمثل المستقبل في مواجهة الماضي، التطور في مواجهة الجمود، الأفكار الشابة في مواجهة أفكار عجوز بليدة، والتاريخ يؤكد أن التطور الإنساني لا يتوقف أبدا، وكل من يضع نفسه في مواجهة المستقبل والتطور والحداثة يخسر المعركة في النهاية حتى لو استطاع أن يكسب جولة أو أكثر .. 

يناير ستنتصر مهما طال الزمن، وتيارها الملهم والمبدع سيسود ، ووعيها الذي رسخته سينتشر في شرايين المجتمع المتيبسة، هكذا قال التاريخ وهكذا يجب أن يفكر كل من يدرك حقائق اللحظة التي نعيشها وضرورات المستقبل الذي ننتظره .. 

كل عام وأهل يناير يقاتلون من أجل حلم سيصبح واقعا عما قريب.
-------------------
بقلم: عمرو بدر*
* عضو مجلس نقابة الصحفيين

مقالات اخرى للكاتب

نقابة الصحفيين.. المبنى والمعنى





اعلان