18 - 09 - 2024

"المشهد" تنشر مقتطفات من فصل "مبارك" في كتاب "جمهورية الضحك الأولى"

- الرئيس المخلوع يطلب من زاهي حواس "التخلص" من أحد الأهرامات الثلاثة لكي يسمي نفسه "خادم الهرمين الشريفين" 
- صديقة سوزان مبارك تؤكد أنه كان يتوقع تعيينه رئيسا لحي مصر الجديدة.. وليس سفيرا في "بلد الإكسلانسات" كما قال للإعلامي عماد أديب
- هل سحل رجال علاء مبارك جمال بدوي رئيس تحرير "الوفد" بسبب جلسة خاصة شتم خلالها الرئيس المصريين؟
- مبارك قال في أول خطبه العامة: "الكفن مالوش جيوب.. ومدة رئاسية واحدة أو مدتين على الأكثر كفاية"!
- كيف أطاحت أغنية شعبان عبدالرحيم "بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل" بوزير الخارجية من منصبه.. وأودعته "ثلاجة الجامعة العربية"!

تنشر "المشهد" مقتطفات من الفصل الخاص بالرئيس المخلوع حسنى مبارك من كتاب "جمهورية الضحك الأولى: سيرة التنكيت السياسي في مصر" للكاتب طايع الديب، الصادر عن منشورات "بتانة"، والمعروض حاليا في معرض الكتاب:

بعد اغتيال السادات بنحو سنة، نشرت مجلة "أكتوبر" المطبوعة الأسبوعية الأولى وقتها، حوارا جريئا بمقاييس ذلك العصر مع الرئيس الجديد حسنى مبارك، وسأله أنيس منصور رئيس تحرير المجلة خلال الحوار: سيادة الرئيس، يقول المحللون السياسيون الأجانب الذين يزورون القاهرة إنهم لم يفهموا كيف حزنت مصر على جمال عبدالناصر الذي مات ميتة طبيعية، ولم يحزنوا على السادات الذي اغتيل يوم النصر، بل أطلقوا عليه هذا الفيض الهائل من النكت.. فكيف تفسر سيادتك ذلك؟

رد مبارك قائلا: "الحقيقة أن النكت لم تتوقف في أي وقت، إنما هي فقط تظهر وتختفي مرارا، ولكنها دائما موجودة. ونحن مصريون، ونعرف المزاج المصري الذي يواجه المواقف الصعبة أو الأزمات العنيفة بالسخرية منها ومن نفسه أيضا، ولعلنا نتذكر أن الرئيس جمال عبدالناصر في أول خطاب له بعد نكسة 67 طلب من الشعب أن يكف عن ترديد النكت، لأنه بذلك يضرب قواته المسلحة من الظهر".

وكان هذا الحوار مع أنيس منصور أشهر صحفي وقتها، جزءا من خطة إعلامية الهدف منها تعريف الرأي العام في مصر والعالم العربي بالرئيس الجديد، الذي خرج على الناس في بداية عهده رجلا بسيطا من أصول ريفية فقيرة، زاهدا في متاع الدنيا الفانية، مستقيما كضابط جيش لم يعرف في حياته غير الضبط والربط. 

في تلك الأيام الغابرة، قال مبارك في أول خطبه العامة كلمته المشهورة: "الكفن مالوش جيوب.. ومدة رئاسية واحدة أو مدتين على الأكثر كفاية".

وفي حوار آخر مع مجلة "المصور" نُشر يوم 30 أكتوبر 1981، قال الرجل نصا: "إن مصر ليست ضيعة لحاكمها"، ثم أكد في حوار ثالث لجريدة "مايو": "لن أرحم أحدا يمد يده إلى المال العام حتى لو كان أقرب الأقرباء، إنني لا أحب المناصب، ولا أقبل الشللية وأكره الظلم، ولا أقبل أن يُظلم أحد، وأكره استغلال علاقات النسب". وهي التصريحات التي فعل عكسها تماما بعد ذلك، وكأنه كان "يتمسكن حتى يتمكن".

وبلغ من بساطة مبارك وقتها، والعهدة على حسنين هيكل، أنه التقى ذات يوم مع فتحي رضوان في حوار قصير على طائرة الرئاسة القادمة من "برج العرب" إلى القاهرة، فأخبره ببساطة أنه - وهو الرئيس-  مازال يمسح حذائه بنفسه كل صباح حتى الآن. وحكى له كيف يجلس على الأرض أمام "الجزّامة" وراء مدخل الباب مباشرة، ثم يأتي بالفرشاة وعلبة الورنيش، وقطعة القماش لزوم التلميع، ويفعل ذلك تماما مثل أي مساح أحذية محترف!

"بلاش فضايح يا حسني"

في سنة 1982، وبعد عدة شهور من توليه الحكم، أدار مبارك جلسة مع عدد من عدد من كبار الصحفيين في القصر الرئاسي، حضرها يوسف إدريس وأحمد بهاء الدين وموسى صبري ولطفي الخولي، وغيرهم. وكان من بين الحاضرين محمود السعدني، الذي سأل مبارك فجأة: إيه شعور سيادتك وانت قاعد على نفس الكرسي اللي قعد عليه رمسيس التاني ومحمد علي وجمال عبدالناصر؟

فقال مبارك: "لو كان الكرسي عاجبك ابقى خده معاك وانت ماشي"!

وحكى الدكتور فاروق الباز، عالم الجيولوجيا المشهور، قال: "كنت في رحلة إلى سيناء وشاهدت أشياء سيئة جدا تنفذها الحكومة هناك في تخطيط المشاريع الجديدة، وحاضرت في هذا الشأن بإحدى الجامعات المصرية عما شهدته هناك، وكانت سوزان مبارك بين الحاضرين، فقالت لي "الرئيس لازم يسمع الكلام ده"، ووافقت. واشترطت أن أقابل مبارك لمدة ساعة على الأقل حتى أتمكن من شرح ما أريد. وبالفعل أحضرت معداتي من "بروجيكتور" ولوحات وخلافه، ورحت أشرح للرئيس لمدة ساعة عن هذه الأخطاء التي ترتكبها الدولة، وكيف أنها تؤثر على الحياة الجيولوجية في سيناء، فلم يزد بعد كل ذلك كله على أن قال بهدوء غريب: "يا رب الأرض تنشق وتبلعك لو كنت فهمت منك حاجة"!

وقديما قالوا "خير لك أن تصمت فيظن الناس أنك جاهل، لا أن تتكلم فتقطع الشك باليقين"، غير أن الرئيس الأسبق اشتهر بأنه لا يستطيع أن يداري جهله، ففي واقعة حقيقية حدثت بالفعل، وليست نكتة، كان الرجل وزوجته في زيارة لإحدى قرى "أخميم" سوهاج، يتفقد ضمن عدد من المنشآت الأخرى المشاغل اليدوية لصناعة السجاد في القرية، برفقة عدد من كبار رجال الدولة.

وتوقف مبارك وزوجته وحاشيته، ليدير حوارا قصيرا مع سيدة عجوز كانت تصنع السجاد، سألها: بتبيعوا السجادة من دي بكام يا ست؟

فرد محافظ الإقليم نيابة عن السيدة: السجاد دا غالي يا افندم، بيتصدر لأوروبا وأمريكا بسعر يوصل لـ100 ألف جنيه للواحدة.

سأل مبارك السيدة مجددا: والسجادة بتاخد منكم وقت قد إيه؟ ردت العجوز بهدوء: 3 سنين.

وهنا صاح مبارك وكأنه جاب التايهة: طب وتعبين نفسكم كده ليه؟ ما تجيبوا مكن بالكهربا وتعملوا 20 سجادة كل يوم. في هذه اللحظة الحرجة، تنحنحت السيدة "سوزان" وهمست له في أذنه بمنتهى الخجل: السجاد دا كل قيمته إنه يدوي.. بلاش فضايح يا حسني!

كذبة "بلاد الإكسلانسات"

أكد لي النائب البرلماني عبدالحليم لبنة أنه لا صحة على الإطلاق لما قاله الرئيس الأسبق للإعلامي عماد الدين أديب، أحد وكلاء كل العصور، في لقاء تليفزيوني شهير عن قصة تعيين مبارك نائبا لرئيس الجمهورية.

ذكر مبارك أثناء اللقاء أنه حينما استدعاه السادات عام 1975 لم يكن يتوقع ذلك أبدا، بل كانت أقصى توقعاته أو أمنياته أن يعيّنه سفيرا في إحدى دول أوروبا مثلا، مؤكدا أنه كان يتمنى العمل في العاصمة البريطانية لندن لأنها "بلاد إكسلانسات". 

أمّا الحقيقة كما وردت على لسان السيدة ثريا لبنة، النائبة السابقة، صديقة السيدة "سوزان" المقربة، أن مبارك كان يتوقع تعيينه رئيس حي مصر الجديدة!

أمّا صاحبة هذه "التحسينات" كما ظهرت على الشاشة فهي السيدة "سوزان"، التي أدركت بذكائها الحاد أن اعتراف زوجها على الملأ بموضوع "رئيس الحي" سيقلل من شأنه أمام الرأي العام، فالرجل محدود الذكاء والطموح كانت أقصى أمانيه أن يصبح رئيس حي، فإذا به يصبح رئيس مصر!

وفي أيامه الأولى، كان مبارك يتجول في كل مكان وعلى وجهه "ابتسامة غُلب" ظاهرة لا تفارق وجهه في كل مناسبة. ونكاية في هذه الابتسامة الدائمة أطلق الناس على الرجل اسم "لافاش كيري"، نسبة إلى إعلان الجبنة الفرنسية المشهورة الذي كان يذاع في قناتي التليفزيون الحكومي الوحيدتين، ولم يكن هناك غيرهما أصلا، فاختفى الإعلان من التليفزيون نهائيا. 

كما منع جهاز "الرقابة" توزيع كتاب صدر بالإنجليزية في لندن لصحفي بريطاني، تطرق فيه الكاتب إلى موضوع "لافاش كيري"، باعتبار أن المصريين يسخرون من رئيسهم "واسع الابتسامة" دائما، بينما البلد الخارجة من حادث اغتيال رئيسها، منهكة بالمشاكل والأزمات.    

لكن السؤال هو، كما تساءل هيكل: كيف استطاعت "لافاش كيري" أن تحكم مصر 30 سنة؟

رأى هيكل أن المصريين قبلوا بمبارك رئيسا لـ"ظروف" معينة"، وكأن مصر بذلك كان "عندها ظروف" في تلك الفترة، غير أن الظروف- في العادة- لا تطول إلى ثلاثين عاما!

وبعد هذا التشبيه، بدأ الناس منذ السنة الأولى لحكم مبارك بالتنكيت عليه، حين اكتشفوا أنهم أمام رجل أمي سياسيا، لا يعرف في السياسة شرقه من غربه، يتسقّط النصيحة من أي شخص متعلم يلقاه، رئيس بدرجة "محتاس"، بعدما كان السادات يسميّه على سبيل السخرية أحيانا "السيد النائب محمد حُستي مبارك"!

وعن عقلية وطبيعة اهتمامات مبارك في تلك الفترة المبكرة، بعد تنصيبه نائبا للرئيس سنة 1975، روى الدبلوماسي جمال منصور الذي كان سفيرا لمصر في العاصمة اليوغسلافية "بلجراد"، أن السادات كلف مبارك بنقل رسالة شخصية منه إلى الزعيم اليوغسلافي المشهور جوزيف بروس تيتو، الذي كان واحد من زعماء العالم المعدودين آنذاك. 

وقضى نائب الرئيس والسفير مع "تيتو" حوالي ساعة من المباحثات الرسمية، ولاحظ منصور أن مبارك لم يرفع عينه طوال المقابلة عن الأرض، وكان ينظر باستمرار إلى حذاء "تيتو" وكأن الجزمة هي موضوع المباحثات، فظن السفير لأول وهلة أنه أمام شخص قليل الخبرة، خجول، لم يتمرّس بعد في المقابلات البروتوكولية مع زعماء العالم، فعذره. 

وحين خرجا من قاعة الاجتماعات، قال نائب الرئيس للسفير بلا خجل: عايزك تعرف لي من اصحابك اللي في وزارة الخارجية اليوغسلافية "تيتو" بيشتري الجزم بتاعته منين. 

ومن اللحظة الأولى لحكمه، تبيّن للناس أن مبارك رجل بلا رؤية، ولا طموح سياسي، يعتبر نفسه مجرد "موظف" بدرجة رئيس، وهو الأمر الذي حاول أن ينفيه - فأكده- حين سُئل: هل ستسير على خط عبدالناصر أم السادات؟ فأجاب بطريقة تمثيلية: اسمي محمد حسني مبارك!

ورغم ذلك دافع مبارك عن السادات بعنف، حتى إنه اتهم الكاتب الراحل يوسف إدريس في خطاب "عيد العمال" أول مايو 1982 دون ذكر اسمه صراحة، بأنه قبض 5 آلاف دولار من العقيد الليبي معمر القذافي لكي يكتب المقالات التي نشرتها جريدة "القبس" الكويتية مسلسلة، وصدرت فيما بعد في كتاب بعنوان "البحث عن السادات" عن دار نشر ليبية، وهي المقالات الشهيرة التي هاجم فيها إدريس السادات بضراوة، إلى حد اتهامه بالخيانة العظمى بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.  

الرجل "منزوع الهمة"

على ذمة أكرم القصاص، فإن مبارك لم يكن في أول عهده مثيرا للتنكيت، على عكس سلفيّه عبدالناصر والسادات، من حيث إن الرجل بدا أول الأمر بلا خطايا، فلم ترمه النكتة بحجر.   

ولكن بعد فترة من حكم مبارك اعتبره المصريون رجلا عديم الشخصية، لا يقدم ولا يؤخر، فقال سعيد صالح التعبير الشعبي التي سُجن بسببه 6 شهور "أمي اتجوزت 3 مرات، الأولاني وكلّنا المش، والتاني علمنا الغش، والتالت لا بيهش ولا بيّنش"، كإشارة ذكية ودالة على تقشف عبدالناصر، وغش السادات، وغُلب مبارك. 

وراحت النكت التي تعاملت من قبل مع عبد الناصر على أنه قوى وحاسم، و"إيده طرشه"، السادات على أنه خبيث ولئيم، تتعامل مع مبارك باعتبار رجلا "منزوع الهمة"، قليل الذكاء إلى حد الغباء.

في تلك الفترة تقابل ثلاثة رجال، ياباني وأمريكي مصري، فقال الياباني: احنا أغبى واحد عندنا بيصنّع روبوت "إنسان آلي" في البيت، وقال الأمريكي: احنا أغبى واحد فينا بيصنّع "لابتوب" من منازلهم, فقال المصري: واحنا أغبى واحد فينا بقى رئيس جمهورية!

وكان مبارك مهتما بأحوال الناس ومشاكلهم اليومية، حتى عام 1990. ففي تلك السنة كانت مصر على وشك إعلان إفلاسها وعجزها عن سداد ديونها الخارجية، غير أن الفعل الجنوني الذي أقدم عليه صدام حسين باحتلال الكويت في ذلك العام، أنقذ مصر من الإفلاس، بعد موافقة مبارك على مشاركة قوات مصرية في عملية "تحرير الكويت"، مقابل إسقاط الجزء الأكبر من الديون، وجدولة سداد الجزء المتبقي. 

وتردد وقتها أن أحد أمراء الخليج أعطى مبارك حفنة ملايين من الدولارات كمكافأة شخصية له، وهو أمر لا يمكن القطع بصحته من عدمه. غير أن الرجل بات على كل حال بعد تلك السنة 1990 شخصا آخر تماما، مختلفا عما قبلها.

وفي كتابه "مهووسون في السلطة"، يقول موريال ميراك- فايسباخ إن "مبارك كان يبدو في خُطبه العامة بعد عام 1990 متنائيا بنفسه وبعيدا عن واقع المصريين. ونتج ذلك، في جزء منه، اعتماده كليا على القراءة من نص مكتوب، وكان في خطبه الأخيرة يتلفظ بالكلمات دون أن يعطي أي انطباع عن اقتناعه بها، ناهيك عن أي انفعال. وإذا اضطُر في مناسبة ما إلى الحديث ارتجالا دون نص مُعد مسبقا، كان يتلفظ بلغة فظة، إن لم تكن سوقية".

ويضيف "فايسباخ": "شهد من عرف مبارك عن قرب أنه ليس بالشخص العميق، ووصفوه بأنه سطحي (....) وقد قال لي أحد المثقفين المصريين، كان سبق والتقى مبارك في مناسبتين، أنه يبدأ الحديث عادة وسبابته مرفوعة وموجهة بشكل تهديدي إلى محاوره، كأنه يأمره بفعل هذا الشئ أو ذاك".

وحين بدأ ظهور نجله "علاء" في الأوساط المال والأعمال، راح مبارك يردد أمام الدائرة الصغيرة من المحيطين به عبارات من قبيل أن "الفساد ظاهرة عالمية"، وهي الجملة التي رددها في تصريحات على الملأ بعد ذلك بسنوات طويلة. وبدا الرجل أقل اهتماما بالأحوال العامة، وأكثر تأففا من "المصريين" الذين صاروا يتعرضون - كشعب بالكامل وليس أفرادا بعينهم- لسخريته المرة، ثم كراهيته.

وذات يوم التقى مبارك في جلسة مغلقة بوفد من سيدات الأعمال الكويتيات كان في زيارة إلى القاهرة، لحضور مؤتمر اقتصادي ما. واشتكى بعض السيدات أثناء الجلسة للرئيس من أنهن يتعرضن أحيانا لسماع ألفاظ "غزل" خارجة عن الحياء ومعاكسات بذيئة في الأماكن العامة، ولا يفعلن شيئا خوفا من الفضيحة، وخشية الدخول في سين وجيم إذا أبلغن الشرطة.

وبدل أن يعتذر لهن مبارك بلطف، نيابة عن شعبه، ما كان من إلّا سب آباء المصريين جميعا بأقذع الألفاظ، ووصفهم أمهاتهم بأحط الأوصاف، إلى درجة أن السيدات الكويتيات اللائي لم يتوقعن أن يكون رد فعله بهذه المرارة، انزعجن بشدة مما قاله، واعتذرن عن إثارة الموضوع، فقد قال الرئيس في حق شعبه ألفاظا أقذع مما قد يسمعن في الشارع!

وبعد عدة أيام تسربت وقائع الشتائم المخزية إلى بعض الصحفيين، فلم يفكر أحدهم في الكتابة عنها بطبيعة الحال، باستثناء الكاتب الراحل جمال بدوي، الذي كان وقتها رئيس تحرير جريدة "الوفد" واسعة الانتشار. كتب الرجل مقالا شجاعا لمّح فيه - مجرد تلميح- إلى أن ما حدث من "المسؤول الكبير" في هذه الجلسة المغلقة أمر لا يصح، وأنه إهانة بالغة للمصريين.

ولم تمر سوى أيام قليلة، حتى قطع 5 بلطجية يقودون سيارة "جيب شيروكي" مما يُستخدم في الحراسات الخاصة، الطريق على "بدوي" وهو عائد إلى منزله ليلا، وأنزلوه من سيارته ثم أوسعوه ضربا وركلا، حتى سقط مغشيا عليه في عرض الشارع، وعثر عليه بعض المارة فطلبوا له الإسعاف ونقلوه إلى المستشفى. وخمّن الجميع أن رجال علاء مبارك هم الجاني الحقيقي وراء هذه الجريمة، والله أعلم.

وقيل بعد ذلك إن مبارك بنفسه اعتذر لـ"بدوي" عما حدث، في اتصال تليفوني جرى بينهما أثناء وجود الأخير في المستشفى، مؤكدا أن هذا ليس أسلوبه أبدا.

وظهر الفساد في كل مستويات الحكم على استحياء، ثم راح يكشف عن نفسه بكل بجاحة، بعد أن أصبحت مصر شيئا فشيئا على عكس ما قاله مبارك في أيامه الأولى، عزبة لحاكمها، وأبناء حاكمها. 

كان مبارك يفتتح مصانع جديدة في منطقة "برج العرب"، وبعد جولة بالمدينة، دخل أحد المصانع وسأل عاطف صدقي رئيس وزرائه: المصنع ده بتاع مين يا عاطف؟ قال عاطف هامسا له في أذنه: هقول لسيادتك بعدين يا افندم. دخلوا المصنع اللي بعده، والتالت، والرابع، فحدث نفس الشئ. 

وفجأة شخط مبارك في رئيس وزرائه: أنا كل ما اسألك المصنع ده بتاع مين يا عاطف تقول لي هقولك بعدين، قال عاطف: المصانع دي كلها بتاعة "الأستاذ علاء" يا افندم، قال مبارك: هو معقول عمل كل ده من مصروفه؟!

وكادت هذه النكتة تتسبب في أزمة سياسية بين مصر والسعودية، فقد نقلتها الصحفية سوسن أبوحسين التي كانت تعمل في مكتب جريدة "الشرق الأوسط" بالقاهرة، بين سطور تقرير إخباري نشرته الصحيفة، باعتبار أنها طرفة متداولة في الشارع المصري تتحدث عن استثمارات نجل أحد "المسؤولين الكبار" في البلد، ولم تذكر الصحفية اسم مبارك أو نجله طبعا. 

ومع أن النكتة كانت مخفيّة جيدا بين السطور، انقلبت الدنيا، وصودرت طبعة القاهرة من الجريدة وتم حظر توزيعها في مصر، ولم يكتف مبارك وأجهزته بذلك، بل طلبوا من جهات ملكية سعودية معاقبة الصحيفة، التي كان يملكها الأمير سلمان بن عبدالعزيز، العاهل السعودي الحالي. واختفت سوسن أبو حسين في مكان مجهول فترة، حتى تم تسوية الأزمة بعد بضعة أشهر من منع توزيع الجريدة، بتدخل من أحد الأمراء. 

وحشر علاء مبارك أنفه في شئ، حتى إن سائحا ركب مع سائق تاكسي من المطار، ووجد 3 صور صغيرة على التابلون، فسأله: مين دول؟ رد السائق: الأولاني ده الزعيم جمال عبدالناصر قائد ثورة 23 يوليو.

قال السائح: والتاني؟ 

- ده الرئيس أنور السادات بطل الحرب والسلام.

- والتالت؟ 

- ده حسني مبارك أبو "علاء" شريكي في التاكسي!

وعثر رجل كان يسير في منطقة صحراء المماليك شرق القاهرة على "مصباح علاء الدين"، فلّما دعكه خرج له عفريتان لا عفريت واحد، فسأل الأول: انت مين؟ قال: أنا الجني علاء الدين خادم المصباح. 

وسأل الثاني: أومال انت تبقى مين؟ قال: أنا علاء مبارك شريكه في المصباح!

ولكن "علاء" لم يرض فيما يبدو بدور الشريك بعد ذلك، فقد عثر شاب على المصباح السحري، فلما دعكه خرج الجنيّ وخطف موبيل الشاب المسكين وعاد بسرعة إلى المصباح، ثم خرج مرة ثانية وخطف منه المحفظة وفر هاربا إلى الداخل. وعندما خرج ثالث مرة سأله الشاب مندهشا: مش ده مصباح علاء الدين؟ قال الجني: لأ ده مصباح علاء مبارك!

وظهر "علاء" في البرنامج الشهير "من سيربح المليون"، ووصل إلى آخر سؤال ضمن حلقة الموسم المذاعة على الهواء مباشرة، فسأله المذيع جورج قرداحي السؤال الأخير: من هو أغبى رئيس في تاريخ مصر الحديث؟ معك 4 اختيارات وفيك تربح مليون ريال: هل هو "أبو علاء"، أم "أبو جمال"، أم حسني مبارك، أم الرئيس الحالي؟

احتار "علاء" رغم سهولة السؤال، واختار الاتصال بصديق لطلب المساعدة، فطلب شقيقه "جمال" الذي صرخ فيه على التليفون: انسحب فورا يا غبي.. اخسر المليون وما تخسرش أبوك!

"أغبى واحد فينا رئيس"

أما عن "نكت الغباء"، فحدّث ولا حرج. مع ملاحظة أن الحديث عن هذا النوع من النكت لا يعني التشكيك في قدرات الرئيس الأسبق العقلية، وهو ما نترفع عنه، خصوصا والرجل قد فقد سلطته "على حياة عينه" كما يقولون، بل سنورد النكت كما تم تداولها في الشارع المصري ذات يوم، ليس إلا. 

كان أحمد نظيف، رئيس الوزراء الأسبق، يتجول ليلا في القاهرة، وعند "ميدان لاظوغلي" قرب وزارة الداخلية فوجئ بالتمثال القائم في الميدان ينادي عليه: أنا تعبت م الوقفة، وعايز حصان أركبه زي "إبراهيم باشا". 

اندهش نظيف مما رأى، وتوجه على الفور إلى مبارك وحكى له ما حدث، فلم يصدقه، فقال له: لو مش مصدقني يا ريس يللاّ بينا على هناك دلوقت. ولمّا وصل الاثنان إلى الميدان، ووقفا أمام التمثال، قال "لاظوغلي" غاضبا: أنا قلت لك عايز حصان!

وفي واقعة أخرى، مشهورة، طلب "الديك والكلب والحمار" الهجرة من مصر، ووصل الأمر إلى سمع مبارك فاستدعاهم جميعا ليعرف أسبابهم، سأل الديك أولا: عايز تهاجر ليه؟ فقال: أنا كل يوم الصبح أقعد أأدن والناس مبتصحاش تصلي ولا تروح الشغل، عشان مفيش شغل. فكتب الرئيس "يُصرح له بالهجرة"، ثم سأل الكلب فقال: بصراحة كده البلد اتملت حرامية، ومش عارف أجري ورا مين ولا مين، كتب مبارك "يُصرح له بالهجرة"، وجاء دور الحمار فسأله: وانت بقى كمان عايز تهاجر ليه؟ قال: عشان مينفعش يبقى في اتنين حمير ف بلد واحدة! 

ويرى منتصر جابر أن "هذه النكتة بالذات مريرة، وكاشفة - في نفس الوقت- عن حالة المجتمع المصري في ظل حكم مبارك، وأنها أقرب إلى الكوميديا السوداء، فهي لا تعكس سوء الأوضاع الاقتصادية وتفشي الفساد في كل مكان فقط، بل تعكس أيضا الحالة الأخلاقية والعقلية العامة، حالة البلادة والغباء التي انتابت المجتمع كله منذ وصول مبارك إلى الحكم".

والتقى مبارك والقذافي على انفراد في آخر مؤتمر "قمة عربية" حضره الاثنان، بمدينة "سرت" الليبية سنة 2010، فقال العقيد لصاحبه وهو يحاوره: قل لي يا أخي حسني.. كيف ما يكون لك لقب يذكرك به التاريخ؟ أنا مثلا سمّاني الزعيم جمال عبدالناصر "أمين القومية العربية"، وصدام حسين كان مسمّي نفسه "حارس البوابة الشرقية"، وعندك ملك السعودية "خادم الحرمين الشريفين".. لابد يكون لك لقب.

وفور انتهاء أعمال القمة عاد مبارك إلى القاهرة، واستدعى الأثري زاهي حواس وقال له: شوف لك صرفة في الهرم الصغير، بيسموه إيه؟ "منقرع".. أيوه هوّه، اتخلص منه بأي شكل.

اندهش "حواس" من هذا الطلب الغريب، وسأله: أتخلص منه إزاي يا ريس؟

- اعمل بيه معرض ف اليابان وسيبه هناك.

- طيب ليه يا افندم؟

- عشان عايز أسمّي نفسي "خادم الهرمين الشريفين"!

وليس أدّل على "الحالة العقلية" لمبارك من كون سمير رجب هو كاتب السلطة الأول في عهده، فمن المعلوم أن رجب بدأ حياته الصحفية "تاجر شنطة" يتعامل في اللانجيري الحريمي بيعا وشراء، عندما كان مندوبا لجريدة "الجمهورية" في مطار القاهرة، بحكم وجوده في السوق الحرة بالمطار، ولم يكن في تاريخه الصحفي - باستثناء ذلك- أي إنجاز يذكر.

ووصل الأمر إلى حد أن نصح مبارك كبار الصحفيين والكتّاب في أثناء إحدى لقاءاته معهم، بأن "يقتدوا" بسمير رجب فيما يكتبون للناس، وكان الوحيد الذي أعلن عن غضبه من ذلك هو يوسف إدريس، الذي ترك الاجتماع غاضبا بلا استئذان وهو يردد "هيّ حصّلت كده؟!".

ولكن، لماذا كان مبارك معجبا بالأخ رجب إلى هذه الدرجة، حتى إنه اعتبره "الكاتب الأول" في عصره، ونصبّه رئيسا لتحرير جريدتين في وقت واحد هما "الجمهورية والمساء": لأن رجب كما قالت النكتة السائرة كان "بيكتب الصبح وبالليل"!

حكاية الراقصة والسياسي

من بين رجال دولة مبارك، وأتباع نجليه "علاء وجمال" وشركاهما، لمعت أسماء كثيرة ملطخة، مثل أحمد عز وكمال الشاذلي وصفوت الشريف وفتحي سرور وأنس الفقي وزكريا عزمي، وغيرهم.

وكان للرجل الثالث في نظام مبارك، بعد الرئيس وابنه الضال "جمال"، قصة أغرب من الخيال سنمر عليها سراعا، كمثال دال على مدى وضاعة وخسة الشخصيات التي شاركت في حكم مصر ذات يوم.

بدأ الرجل الثالث حياته "عازف درامز" أيام الدراسة الثانوية، وعمل ضمن فرقة موسيقى جماعية كانت تعزف وراء إحدى أشهر راقصات العصر في "كازينو الليل" بشارع الهرم. وكان الشاب يلقّط رزقه من تحريك اللحم الأبيض، ثم ترقى فأصبح يعزف منفردا خلف الراقصة، التي كانت على علاقة وثيقة مع سفير رومانيا لدى القاهرة في تلك الفترة.

ووفرت الراقصة بمساعدة السفير للعازف فرصة عمل في أحد فنادق العاصمة الرومانية بوخارست، حيث أقام هناك أكثر من 10 سنوات يعزف ويدرس الهندسة، وتعرّف خلال ذلك على ابن الرئيس الروماني الأسبق نيقولاي شاوشيسكو، الذي كان زبونا في الملهي الليلي محل عمل صاحبنا.

كان الابن يتلقى من ميزانية الدولة ومن الحزب الشيوعي الحاكم وقتها أموالا طائلة بصفته قائد "الحرس الوطني" الذي يتولى حماية الجبهة الداخلية. إلا أن الابن اختلس لنفسه مئات الملايين من هذه الأموال، وأنشأ شركة استيراد وتصدير سجلها على الورق باسم صديقه العازف المصري، خشية انكشاف أمره في مجتمع اشتراكي من المفترض أنه - نظريا على الأقل- لا يرحم الفاسدين.

ولم يفت نجل "شاوشيسكو" أن يتخذ جميع الإجراءات اللازمة ضد صديقه الذي قام بدور "الكَحول" بالتعبير الشعبي، وهو شخص يستعين به المحامون ليكون مالكا صوريا لأي منقولات أو عقارات، أو حتى "يشيل قضية" بدل الجاني الحقيقي مقابل المال، أي أن "شاوشيسكو الابن" أخذ على الكحول المصري أوراقا رسمية لكي يبقى تحت سيطرته التامة، وبما يحول دون استيلائه على أموال الشركة التي عملت سنوات طويلة في تصدير الحديد من رومانيا إلى مصر، وأصبح رأسمالها بمئات الملايين من الدولارات، حتى ضرب القدر ضربته في هذا الفيلم الذي لم يخرجه حسن الإمام! 

في ديسمبر عام 1989، اندلعت ثورة شعبية دموية ضد "شاوشيسكو الأب"، كانت بداية نهاية الشيوعية في دول شرق أوروبا، وأطاحت الثورة بالرئيس الذي حكم البلاد 23 سنة خلال ساعات، ثم جرى بين عشية وضحاها إعدامه رميا بالرصاص هو وجميع أفراد أسرته بمن فيهم الابن المختلس، وأصبحت أموال الشركة من نصيب صاحبنا الذي لم يفكر لحظة واحدة في إعادتها إلى أصحابها الحقيقيين من فقراء رومانيا، بل اعتبرها مالا بلا صاحب، وعاد إلى مصر فبنى إمبراطورتيه الخاصة في مجال تصنيع الحديد، وعاد سيرته الأولى، فأصبح عازفا في جوقة مبارك وولده "جمال"، وصار "الكَحول السابق" أحد سادة مصر!

ومن بين كل رجال نظام مبارك، كان هناك رجل مثقف واحد هو الدكتور مصطفى الفقي، سكرتير الرئيس للمعلومات بين عامي 1985- 1992، الرجل الظريف الذي امتلك شجاعة الاعتراف صراحة بأنه كان "عبده مشتاق" لأي منصب وزاري. وكان الفقي ممن يتولون حكي النكت المتداولة للرئيس الأسبق، وخصوصا البذيئة منها. 

شغل الفقي، وهو من المفكرين القوميين المعدودين، منصبه لمدة 7 سنوات لم ينطق خلالها بكلمة حق واحدة أمام مبارك، بل قيل - فوق ذاك- إنه كان يقوم بدور "العصفورة" التي تنقل للرئيس القيل والقال في الوسط السياسي، لذلك حاز لقب "فقي لكل العصور". 

كان الرجل يعمل خلال تلك الفترة في خدمة نظام مبارك نهارا، ويسهر كل ليلة مع مجموعة النائب العام الأسبق عبدالمجيد محمود، التي كانت تضم كل من المستشار رجاء العربي وجورج حكيم، رجل الأعمال الذي ارتكب عملية نصب كبرى وهرب إلى أمريكا، حتى وقعت أحداث قضية لوسي أرتين، الحسناء الأرمينية الشهيرة، وهي الفضيحة التي فجرها الكاتب عادل حمودة بإيعاز من أجهزة الأمن في مجلة "روز اليوسف"، من أجل تلطيخ سمعة المشير عبدالحليم أبو غزالة، بعد أن صعد نجمه بقوة في الشارع المصري، وغضبت عليه أمريكا إثر تورطه بدوافع وطنية في قضية تهريب قطع الصواريخ من الولايات المتحدة إلى مصر، وهي القضية المعروفة باسم "عملية الكربون" والتي تفجرت عام 1988، فاستغل مبارك هذه القضية ليقيل "أبو غزالة" من منصبه كوزير دفاع. 

وفي حين برّأ القضاء أبو غزالة من هذه الفضيحة عام 1995، سجلت أجهزة الأمن في دولة مبارك مكالمات غرامية ليلية بين الفقي وأرتين. وكان المفكر الكبير، 63 سنة آنذاك، يغازل المرأة الفاتنة خلال المكالمات مغازلات مراهق غرير لم يعرف امرأة في حياته، ويزيدها من حسه الفكاهي السقيم فيسخر من وليّ نعمته "مبارك" قائلا لمحدثته: إوعى يغرّك جسمه، ده طول النهار قالب دماغنا بالكلام عن فوايد الإسكواش، والنتيجة عضلات ع الفاضي ومفيش مخ!

وفي كتابه "سنوات الفرص الضائعة"، حكى الفقي عن الدور السياسي المحدود الذي لعبه مبارك بعد توليه منصب نائب الرئيس، قائلا: "أصبحنا نسمع اسم محمد حسنى مبارك، رجلا لم يتجاوز سن الشباب في مطلع الأربعينيات، يحضر مع الرئيس السادات في كل المقابلات الرسمية، ومعه نوتة صغيرة، فسمّاه الناس وقتها "السيد محمد حسنى مبارك حضر المقابلة"، لأنه في كل مقابلة كان يقال في وسائل الإعلام: وحضر المقابلة السيد محمد حسنى مبارك نائب رئيس الجمهورية"!   

ومثل ما تخلص "مبارك" من "أبو غزالة" بعد أن صعود نجمه، حدث الشئ نفسه - وللسبب ذاته- مع عمرو موسى، الرجل الظاهرة في الدبلوماسية المصرية، وزير الخارجية آنذاك، أمين عام جامعة الدول العربية فيما بعد، فقد أصبح موسى الذي بدا أنه يجيد الكلام أكثر من مبارك، نجما شعبيا ساطعا بسبب مواقفه الكلامية المتشددة في ملف الصراع العربي- الإسرائيلي، خصوصا بعد أن أطلق المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم لإطلاق أغنيته المشهورة "بحب عمرو موسى وباكره إسرائيل" عام 2000، فانفتحت على الوزير الأسبق أبواب جهنم، بعد أن انفجرت الأغنية كالقنبلة في الشارع المصري والعربي، وكتبت عنها وسائل إعلام عالمية.

ولأن "شعبولا" كان مطرب مصر الأول وقتها، فتحت صحيفة "أخبار اليوم" النار على موسى وهو في السلطة، لأول مرة في تاريخ الإعلام الحكومي، بعد أن بدأ الرجل يسحب البساط من تحت أقدام مبارك نفسه، واستكتبت الجريدة كُتّابا معارضين كان من المستحيل أن يكتبوا فيها من قبل، مثل الأكاديمي الغامض د. رفعت سيد أحمد، وغيره، ممن وصفوا الوزير الأسبق بأنه مجرد كلمنجي "يفش حلقه" بالتعبير الشامي في التصريحات النارية، وأنه "ظاهرة صوتية"، وهو التعبير الذي صكه المفكر السعودي الراحل عبدالله القصيمي واصفا به جنس العرب عموما. 

أما "شعبولا"، عاشق عمرو موسى السابق، فقد أصدر أغنية جديدة بعنوان "بحب الحمار جد مش هذار"، واضعا الوزير والحمار في سلة واحدة!

ومن مضحكات السياسة المصرية، لكنه ضحك كالبكاء، اعتراف المرشح الرئاسي الأسبق في مذكراته الصادرة بعنوان "كتابيه"، أن الأغنية الأولى "بحب عمرو موسى" كانت النقطة الأخيرة في كوب رئاسته للدبلوماسية المصرية، وأنه أدرك بنفسه فور صدور هذه الأغنية أن أيامه كوزير باتت معدودة، وهو مؤشر على مدى تدني العقلية الحاكمة آنذاك، غير أنه لم يتطرق نهائيا إلى الأغنية الثانية!

في تلك الفترة المظلمة من تاريخ مصر، يقول د. عزمي بشارة: "دأبت الرئاسة المصرية على الإيعاز لأصوات معارضة بانتقاد قطاع ما في النظام نفسه، مُفسحة لها هامش النقد، لا لأسباب ديمقراطية بل لرغبة الرئاسة في التخلص من عناصر نافذة داخل النظام، أو لأنها تريد بشكل غير مباشر التعبير عن عدم رضاها عن هؤلاء النافذين، فتتركهم عرضة للنقد الإعلامي".