28 - 09 - 2024

بعد 8 سنوات على حصد ثمار الخروج للميادين: لئلا يتكرر الطريق إلى 11 فبراير!!

بعد 8 سنوات على حصد ثمار الخروج للميادين: لئلا يتكرر الطريق إلى 11 فبراير!!

نشطاء يطالبون بإعلاء راية المشاركة والتعددية السياسية وحسن إدارة الملف الحقوقي
تامر أبو عرب: قيام ثورة جديدة مستبعد رغم عدم رضاء المواطنين على النظام 
هند خليفة: الشعب المصري أصبح محبطاً وفاقداً للأمل في التغيير
نرمين يوسف: الأوضاع صعبة التنبؤ لكن الضغط الاقتصادي والسياسي سيحدث مفاجآت للجميع

شهدت الحياة السياسية المصرية على مدار 8 أعوام منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، تغيرات جسيمة، أدت لصعود أشخاص وتكتلات واختفاء أخرى على فترات مختلفة، لتؤول الأوضاع في الذكرى الثامنة للثورة لمرحلة أشبه بما قبل اندلاعها، بالبحث عن حياة سياسية، بمختلف مكوناتها، وسط أرقام تكشف عن آلاف السجناء والمحبوسين احتياطيا من مختلف التيارات، وكذلك الجماعة الصحفية، وعودة سيادة شعور الانسداد السياسي، الذي سيطر على الأجواء خلال فترة ما قبل 25 يناير.

وقد صاحب تلك التغيرات سيطرة شبه كاملة للدولة على وسائل الإعلام، التي لعبت دورًا كبيراً خلال أحداث الثورة وما بعدها، وأوضاع اقتصادية معيشية صعبة سببتها خطة الإصلاح الاقتصادي على مدار السنوات الأربعة الأخيرة، وما رافقها من قرار بتعويم الجنيه المصري لمستوى غير مسبوق مقابل العملات الأجنبية، ساهم في رفع الأسعار، وزيادة نسبة التضخم وانخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية. 

وجرّمت الدولة، التظاهر بقانون صارم عام 2013، خلال عهد الرئيس الانتقالي المستشار عدلي منصور، وتعديلاته عام 2017 بعد ثلاثة أعوام على تولي  الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة، بتنظيم الاجتماعات والتظاهرات السلمية، وإلزاممنظمي المظاهرات بإبلاغ السلطات قبل ثلاثة أيام عمل على الأقل من موعدها، إضافة لأحقية وزير الداخلية في إقرار منع المظاهرة، إذا كانت تشكل "تهديداً للأمن"، أو إرجاء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو نقلها إلى مكان آخر أو تغيير مسارها، كما نص القانون على استخدام تدريجي للقوة لفض المظاهرات، يبدأ من التحذيرات الشفهية إلى إطلاق الرصاص المطاطي، مروراً بخراطيم المياه والهراوات والغاز المسيل للدموع.

ورغم أن المؤشرات الحالية تتشابه إلى حد كبير مع فترة ما قبل 25 يناير خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أن تكرار ما حدث بدا مستبعدا في نظر مجموعة من الصحفيين والنشطاء، الذين شاركوا في الثورة وخاضوا غمارها للمطالبة برحيل مبارك وإسقاط نظامه.

ضعف النشطاء السياسيين

الكاتب الصحفي تامر أبو عرب، يستبعد في حديث مع"المشهد" تكرار ما حدث قبل 8 أعوام، رغم اعتباره أن الأمور أسوأ بكثير في معظم الملفات، ويضيف أن نجاح 25 يناير في إسقاط نظام مبارك، جاء بسبب تضامن الشعب مع النشطاء الذين نزلوا يوم 25 يناير، غير أن الأمور الآن  اختلفت "لأن الشعب رغم عدم رضاه عن الأوضاع، جرّب الخروج للشارع، وأدرك أن كل ما يحدث نتيجة الخروج للشارع، الأمر الذي يجعل الشعب رغم عدم رضاه عن نظام الحكم ينتظر تغييراً قدرياً أفضل من الخروج ثانية".

وعلى حد قوله فإن النشطاء السياسيين حاليا في أضعف حالاتهم، بسبب الحملات الأمنية من ناحية، وكذلك وجود انقسامات داخلية بينهم، وعدم قدرتهم على حسم ما إذا كانت الثورة الشعبية هي الحل أم الإصلاح التدريجي، المشاركة في الانتخابات المختلفة أم المقاطعة، القبول بحوار مع السلطة أم رفضه.

وترى الناشطة هند خليفة، أن الشعب المصري أصبح محبطاً وفاقداً للأمل في التغيير، بعدما وضع أملاً كبيراً في تغير الأوضاع للأفضل بعد الثورة، إلا أن ماحدث هو العكس، إضافة لتغلغل الفساد والفاسدين وتمسكهم بالأوضاع الحالية، ومقاومة أي تغيير للأفضل لأنه سيضر بمصالحهم.

وذكرت الناشطة نرمين يوسف، التي حضرت أحداث الثورة، وهاجرت قبل عامين للإقامة في كندا، أن الأوضاع في مصر صعبة التنبؤ، كما كانت الثورة مستبعدة قبل 25 يناير، لكن الضغط سواء الاقتصادي أو السياسي أو حتى الإعلامي على المواطنين، يمكن أن يُحدث مفاجآت للجميع.

والتغيير المنشود وفق تامر أبو عرب، قد تنتجه أدوات أخرى تفرزها اللحظة، كما حدث في اللحظة السابقة لـ25 يناير، بعدما اكتسبت الدولة حصانة مما حدث قبل 8 سنوات، بدأتها بتجريم التظاهر ككل، حتى إن كان بعيدا عن السياسة، ثم ضرب القوى السياسية بكل عنف، عقابا لها على التمهيد للثورة، وصولا لتأميم الإعلام بشكل كامل، بعدما كان له دور كبير في حشد الناس ضد النظام السابق، وتوحيد الأجهزة السيادية، التي لم تكن راضية عن بعض سيناريوهات استمرار نظام مبارك كتوريث الحكم لجمال مبارك، كما أن تكرار سيناريو الـ18 يوما بين الثورة وتنحي مبارك بعيد، نظرا لاستعداد النظام الحالي له، وتخوف السياسيين منه.

والسؤال كيف يمكن اصلاح الأوضاع الحالية؟

هند خليفة تطالب الدولة بتعديل معاملتها مع الملف الحقوقي والسياسي، وإعلاء راية المشاركة والتعددية، لأن المعارضة يمكنها المشاركة بقوة وفعالية في تصحيح الأوضاع، وليس هدمها كما يروج مؤيدو النظام الحالي.

أبو عرب ينصح الأحزاب، بالحفاظ على الكتلة الصلبة للعقول اللي يمكنها توجيه التغيير حالة حدوثه في أي وقت، لتجنب تكرار ماحدث في الماضي من غياب القادة، وعمل مراجعات لأخطائها، التي وقعت فيها وقت الثورة، وأدت للوضع الحالي، وتجهيز حلول للمشاكل الكثيرة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حتى يكون هناك بديل أمام الناس.

 وبشأن التعامل مع جماعة الإخوان يرى أنها ليس لها مستقبل سياسي خصوصا على المدى القريب لرفضها من معظم الأطراف، ومع ذلك إذا أرادت الجماعة المشاركة فعليها تبني خطاب واضح ضد العنف، وفصل العمل السياسي عن الجماعة بشكل كامل، وكذلك عمل مراجعات صادقة وواضحة حوال فترة حكمهم وما قبلها وإعلانها للناس، نظرا لتحميلها مسؤولية ماحدث في 30 يونيو لمن خرج على حكمها، وليس أخطائها وجرائمها ضد الثورة، ونقضها لكل ما تعهدت به.

كيف تبلور الغضب حتى تنحي مبارك؟

خلال السنوات الخمس الأخيرة للرئيس الأسبق حسني مبارك، بدأت الأصوات تتصاعد للمطالبة بالتغيير، بعد أن قضى مبارك نحو 25 عاما في حكم البلاد، خلفا للرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، وزادت حدة تلك الأصوات بعد تسريب أنباء ومخططات مبارك لتوريث الحكم لنجله جمال، ما أدى لالتقاء رغبات المواطنين الجامحة وتأييدها من جانب مؤسسات الدولة الأقوى وهي المؤسسة العسكرية، التي لم ولن ترغب في أن يكون مبارك الأبن الشاب المنتمي لخارجها، قائدا أعلى عليها.

كما استشرى الفساد في كافة الأرجاء، وانتشرت الواسطة والمحسوبية وارتفاع الأسعار، حتى إضراب غزل المحلة في 6 أبريل 2008، الذي شهد غضبة عمالية كبيرة، إضافة لمولد حركات سياسية عديدة ساندت الإضراب أبرزها حركتي "6 أبريل" و"كفاية"، مع مساندة جامحة من النشطاء السياسيين أصحاب الانتشار عبر مواقع السوشيال ميديا، التي كانت حديثة الاستخدام في مصر وقتها، ويتابعها سكان الدول الأوروبية وأمريكا، إضافة لرسائل sms والمنشورات وتعليق الشعارات في الشارع. 

وتحول الاضراب في مدينة المحلة الكبرى إلى أحداث شغب كبيرة عرفت بأحداث 6 أبريل أو أحداث المحلة، وحاولت بعض حركات وأحزاب المعارضة في مصر تنظيم إضراب منظم يوم 4 مايو من نفس العام، بالتزامن مع ميلاد مبارك، ولكنه فشل بعكس الإضراب الأول.

وفي نوفمبر 2010، شهدت مصر انتخابات البرلمان التي كانت كالقشة التي قصمت ظهر نظام مبارك، بعدما شهدت تزويرا فجًا أدى لسيطرة الحزب الوطني الحاكم على 420 مقعدا من أصل 518 وقتها، بعدما قاطعت الانتخابات أحزاب وحركات وشخصيات عامة عدة.

الخروج للميادين

وفي الخامس والعشرين من يناير 2011، خرج آلاف من المحتجين المصريين إلى الشوارع للاحتجاج على نظام مبارك، في أكبر تحد يواجهه نظامه بعد ثلاثين سنة في الحكم، بعد حملة داخلية استلهمت ما حدث في تونس أطلق عليها اسم "يوم الغضب".

وجاء رد الشرطة على المتظاهرين برشقهم بقنابل الغاز المسيل للدموع، واستخدام خراطيم المياه، لكن المحتجين بميدان التحرير لم يتزحزحوا عن موقفهم، وواصلوا مظاهراتهم الضخمة بشكل يومي في عدة مدن رئيسية في مصر بما فيها القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية، وذلك في تحد لقرار حظر التجول الذي فرضته السلطات العسكرية.

واتسمت المظاهرات بالطابع السلمي بشكل عام لكن أكثر من 100 شخص قتلوا في اشتباكات مع الشرطة.

وطالب المحتجون مبارك بالتنحي، بعد ثلاثين عاما قضاها في السلطة، والحصول على ضمانات بأن ابنه جمال ، لن يخلفه، على خلاف التكهنات المنتشرة على نطاق واسع. ثم اشتعلت ثورة يناير.
---------------------
تقرير ـ محمد سعد