30 - 06 - 2024

خواطر سريعة حول ثورة يناير في ذكراها الثامنة

خواطر سريعة حول ثورة يناير في ذكراها الثامنة

( 1 )

تركت الزوجة المهملة المتسلطة طبيخها خارج الثلاجة فتعفن. جاء الزوج ووضع الإناء فوق الموقد. قام ابنهما برفع الغطاء فانتشرت الرائحة الكريهة في البيت. راح الأب يصرخ في ابنه: ملأت البيت عفنا. هكذا فعل حسني مبارك، صنع عفنا، فلما رفع الشباب الغطاء عنه، راحت الثورة المضادة تتهمهم بأنهم من صنعوه.

( 2 )

كان الأب يبذر ماله بلا حساب، تاركا المرض يرعى في كبد زوجته، والبيت تتشقق جدرانه، ولم يؤِّمن تعليم ابنه. مات الأب فجأة، فأصيبت الزوجة بالسرطان، واضطر الابن لترك المدرسة، ثم انهار البيت. جلس الابن فوق الخرابة وقال: ولا يوم من أيامك يا أبي. هكذا يفعل من يحنون لزمن مبارك، مع أنه أكثر المسؤولين عن خراب البيت، ومع أن زمنه لم يرحل بعد.

( 3 )

ظنت أغلبية الشعب الثورة قد صارت سلطة فناصرتها، فلما تيقنت من أن الثورة لا تزال في الشارع، وتحتاج زمنا آخر من الكفاح الشاق في سبيل القيام بتغيير جذري للنظام الحاكم وليس فقط إطاحة رأسه، انفضت عنها، وهرولت وراء من أمسك بالسلطة، باحثة عن المنفعة السريعة، ففسد كل شيء.

( 4 )

حملت القوى الرجعية والمغرضة عرابي مسؤولية احتلال الإنجليز لمصر، وحين عاد من منفاه وجد صورته قد جرحت بفعل هجاء بعض الساسة، الذين أطلقوا العوام يسبونه ويتهمونه بالخيانة، ويلقون القاذورات عليه وهو خارج من المسجد ذات يوم. تبدلت الأيام، ورد الشعب لعرابي اعتباره، وصار يقال بملء الأفواه: الثورة العرابية. هذا سيجري مع ثورة يناير، بعد أن تجف الأقلام المسمومة، وتخرس الألسنة الضالة.

( 5 )

"إلى الفتى النحيل، الذي كان الجوع يأكله حين مد رأسه أمام صدري، ليأخذ رصاصتي عني، فنجا سابحا في دمه إلى شاطيء الراحة والخلود، وتركني أموت كل لحظة من فرط الدهشة والوحشة واللهفة، وأنا ألملم بعض أحلامه وآلامه المنثورة فوق رؤوس ملايين المحتشدين بالميدان الفسيح، وأرشقها على الورق، محاولا أن أرسم بعض معالم الطريق الذي سلكه بخطى ثابتة، وهو يوزع المسرات بيمناه، ويهش الأوجاع بيسراه".

هذه العبارة تمثل الإهداء الذي جاء في مطلع روايتي "سقوط الصمت" التي قال عنها النقاد إنها أرخت لجانب أو فترة مهمة وأساسية لثورة يناير عبر تتابع مشهدي. وكان المشهد الأخير في هذه الرواية يقول نصا:آ 

"في مدينة تبعد عن ميدان التحرير بألف كيلو متر كاملة، نظر شاب إلى شجرة الثورة التي غرسوها في حديقة وسيعة، ومصمص شفتيه، وتنهد بحرقة، حتى اهتزت أوراقها من لفح الهواء الساخن، ثم قال:

ـ تتساقط أوراق الشجرة تباعا وكأن الخريف قد أتى مبكرا تسوق ريحه الغابرة عصا الخيانة والغدر والشقاق.

وكتب حامد عبد الظاهر في كراسته التي تآكل غلافها: "بيادق تهتز في مكانها من فرط الغضب، لكنها لا تخطو إلى الأمام. أفيال تستعد للانطلاق في الفراغ. طوابي مقيدة بسلاسل غليظة. أحصنة تقفز خارج الرقعة في خطوات غير محسوبة. الوزير فرح بقبض الريح ينتظر من يبتلعه. الملك سادر في سذاجته، يلهج بتسابيح، طلبا لمزيد من الجاه والثروة، لكن لا يسمعها غيره، لأن قلبه مظلم ... ليس العيب في الرقعة، إنما في العقول التي تدبر، والأنامل التي تمتد في هدوء لتقرر مصير القطع الهائمة على وجوهها".

لكن آخر وقف في ميدان التحرير ونظر طويلا إلي الفروع الملفوفة في الحروف، وقال:

ـ تسقط ورقة من شجرة الثورة فتنمو أوراق. يسقط شهيد تحتها فيصير كتيبة من المناضلين. تنكسر موجة فتتدفق موجات. يسقط حلم عابر فتنبت آمال مجنحة. يختطف المستبدون ميدانا فتولد ميادين يقتلون حسن عبد الرافع فيولد لهم ألف حسن جديد".

( 6 )

فارق كبير بين الثوري والإرهابي في حالة بلادنا الراهنة، ولا يمكن للأول أن يقف مع الثاني. فالإرهابي يؤمن بالدم طريقا وحيدا للحل، بينما الثوري يجب أن يؤمن بالمقاومة المدنية السلمية. والأفكار الظلامية في ذهن الإرهابي لا يمكن أن تخدم رغبة الثوري في بناء إنسان حر يحيا في بلد عصري.

( 7 )

في الحرب العالمية الثانية كتب جندي روسي قصيدة يقول فيها:

"لو فقدت عيني اليسرى سأرى باليمنى

ولو فقدت عينيَّ الاثنتين سأسمع بأذني الموسيقى

وإن صمت أذناي سأرى

ولو فقدت يدي اليمنى سأحضن حبيبتي باليسرى

وإن فقدت ساقي اليمنى سأرقص معها على اليسرى

لكن لو فقدت وطني فما عساي أن أفعل؟".

مقالات اخرى للكاتب

مِزاج الشعب .. الكِيّف والسياسة في مصر





اعلان