30 - 06 - 2024

ملاحظات نقدية حول "تقرير آليات مكافحة الفساد فى العراق"

ملاحظات نقدية حول

لم يستطع التقرير الإمساك بقضايا الفساد الكبرى، التى كلفت عشرات المليارات من الدولارات ومنها عقود البترول والتسليح والقروض 

التقرير لم يشر صراحة إلى دور الإحتلال الأنجلو – أمريكى فى تنامى ممارسات الفساد واستفحالها عاما بعد أخر

من المناسب النظر فى مدى سلامة الفلسفة الاقتصادية التى قامت عليها العراق بعد عام 2003، والتى حاول المستعمر زرعها بقسوة

إغفال أهم قضايا محاربة الفساد، وهى إصدار قانون ملزم للمعلومات يسمح للإعلام والمجتمع المدنى والصحافة والإعلام بمعرفة التعاقدات وطبيعة ونمط الانفاق الحكومى

تحت هذا العنوان أعد فريق عمل بحثى كبير مكون من 37 أستاذا جامعيا وخبيرا فى فروع الاقتصاد والإدارة والقانون والعمل المصرفى بمركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة كربلاء العراقية، تقريرا حول الفساد فى العراق وسبل مكافحته، وقد ترأس الفريق الدكتور " فراس حسين الصفار"، وقد امتدت الفترة الزمنية التى يتناولها التقرير من عام 2012 حتى العام 2017،  ونشرت نتائجه فى أواخر عام 2018. 

والحقيقة أن التقرير بوصفه أول جهد علمى منظم فى العراق الشقيق - على حد علمنا - لتناول ظاهرة الفساد التى أستفحلت فى ذلك البلد منذ أكثر من خمسة عشرة عاما وتحديدا منذ الإحتلال الأنجلو – أمريكى فى إبريل من عام 2003، يستحق التقدير والتحية، نظرا لما أتسم به من رصانة فى العرض، وتحليل مشمول بإقتراحات  عملية فى كل قطاع من القطاعات محل الدراسة لمكافحة الفساد أو الحد من تأثيراته الضارة. 

وأظن من باب التقدير العلمى لهذاالتقرير، أن يجرى إشتباك علمى مع منطلقاته ونتائجه، وأساليب العمل ومنهجية الدراسة والبحث، أملا فى تسليط الضوء عليه من ناحية، وتشجيعا لدراسات لاحقة فى هذا الحقل المعرفى، تتسع لتشمل ما هو أبعد وأعمق مما شمله، ومن هنا فسوف نتناوله وفقا للمحاور التالية: 

الأول: وصف التقرير. 

الثانى: ملاحظات منهجية على الأساليب والنتائج المستخلصة (شكليا وموضوعيا). 

فلنتناول كل واحدة بشىء من التفصيل. 

أولا: وصف التقرير

يقع التقرير فى 130 صفحة  من القطع الكبير، ويشتمل على ثلاثة محاور أو قطاعات أساسية، وعلاقتها بالفساد وهى: 

- الجانب الاقتصادى ومتضمنا ثلاثة جوانب هى الموازنة العامة للدولة، والقطاع المصرفى والتعامل فى البنك المركزى العراقى مع العملات الجنبية والتحويلات المالية. 

- الجانب السياسى فى علاقته بالفساد مخترقا حاجز الممنوع فى الساحة العراقية التى تشهد درجة من الفوضى السياسية والدستورية، فتناول التقرير علاقة السلطة التنفيذية بالفساد، وكذا الأحزاب السياسية، وأيضا دور البرلمان العراقى فى تعظيم حالة الفساد، وأخيرا دور مجالس المحافظات والأقاليم فى تنامى ظاهرة الفساد فى البلاد. 

- الجانب الإدارى بكل ما يندرج تحته من بنية إدارية وترهل تنظيمى وإدارى، وتجاوز الموظفين والمديرين لاختصاصاتهم القانونية والإدارية، وتداخل الاختصاصات بين المكونات الإدارية المختلفة. 

وبرغم أن التقرير لم يشر صراحة إلى دور الإحتلال الأنجلو – أمريكى للعراق منذ عام 2003 حتى عام 2011، فى تنامى ممارسات الفساد واستفحالها عاما بعد أخر، وتأثيره فى تفكيك البنية المجتمعية العراقية والبنية الاقتصادية، وإعادة تركيب المجتمع بصورة عززت التخندق الطائفى والمذهبى، ناهيك عن تأثير حالة الحصار الاقتصادى والسياسى طويلة المدى الذى فرض على العراق منذ عام 1991 حتى بداية الغزو والإحتلال عام 2003، والسياسات التى فرضها صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرهما من مؤسسات التمويل الدولية والعربية، والدفع إلى الانتقال من الاقتصاد المخطط، وهيمنة القطاع العام إلى اقتصاد السوق وآليات العرض والطلب، وخلق طبقة جديدة من رجال المال والأعمال والوكلاء التجاريين، مما عمق من التشوه الاقتصادى والاجتماعى وخلق بيئة مواتية للفساد. 

إلا أن التقرير قد تعرض بصورة غير مباشرة إلى بعض تلك التأثيرات فى ثنايا تناوله لبعض جوانب الفساد الإدارى والسياسى، وضمنها فى الكثير من الإقتراحات الغنية والوافرة التى عرضها فى محاولة لرسم سياسات جادة لمكافحة الفساد، أو على الأقل الحد من أضراره وخسائره. 

ثانيا : الملاحظات المنهجية الشكلية 

يمكننا أن نشير إلى مجموعة من الملاحظات المنهجية، بعضها شكلى، وبعضها الأخر فى صلب أسلوب العمل، وكان لها تأثير على النتائج المستخلصة من التقرير. 

بالنسبة للملاحظات الشكلية نستطيع أن نشير إلى الآتى: 

  1. اقتصرت الفترة الزمنية التى تناولها التقرير على السنوات الستة من عام 2012 حتى عام 2017 فقط، بينما ظاهرة الفساد وسلوكياتها أبعد من ذلك بكثير، سواء قبل الإحتلال الأنجلو – أمريكى عام 2003، أو حتى قبلها أثناء فترة الحصار الطويلة التى فرضت على العراق من عام 1991 حتى عام 2003، وكلها كان لها تأثير كبير وخطير على تنامى ظواهر الفساد وإهدار الثروة الوطنية ونهب الأموال العامة. 
  2. أن التقرير قد اعتمد بصورة كلية على البيانات الصادرة من هيئة النزاهة دون غيرها من أجهزة الرقابة والمحاسبة، أو حتى من واقع المقالات والتحقيقات الصحفية والدراسات المنشورة عن بعض الممارسات الفاسدة التى حفلت بها بعض وسائل الإعلام العراقية فى تلك الفترة، وهى أيضا مادة خام صالحة للمعالجة والتحليل من أجل الوصول إلى تقدير تقريبى مناسب لحجم أموال الفساد فى الاقتصاد العراقى الراهن. 
  3. أن كثرة عدد الباحثين والمتخصصين المشاركين فى إعداد التقرير وصياغته، بقدر ما أضفى حيوية وشمولا على التقرير، إلا أنه أيضا قد اصطحب معه تباينا فى الأراء والإتجاهات الفكرية عكست نفسها فى تضارب وتناقض بعض الاقتراحات المقدمة لمعالجة الخلل فى هذا القطاع أو ذاك. 
  4. أن التقرير لم يشتمل على قطاعات أخرى فى العمل الاقتصادى، ربما كان تاثيرها أخطر وأعمق فى الفساد المنتشر فى البلاد، وأهمها العقود فى قطاعات البترول والكهرباء والتموين، وهى عقود بعشرات المليارات من الدولارات، وقد إرتبط معظمها بشخصيات قيادية كبرى فى النظام السياسى فى العراق، وبالأحزاب السياسية، سواء فى شمال العراق أو جنوبه، وكذلك عقود التسليح للقوات المسلحة والتدريب والإستعانة بالخبراء والمستشارين، وكذلك عقود المناقصات والمشتريات الحكومية الضخمة خلال الخمسة عشرة عاما الماضية. 

ثالثا : أما فى الملاحظات الموضوعية فينبغى الإشارة إلى النقاط التالية 

  1. ينبغى بداية فى دراسة ممارسات الفساد فى المجتمع ووسائل مكافحته وضع الحد الفاصل بين مفهومين وممارستين، قد يتماهيا أو يتقاربا وإن كان هناك إختلافات جوهرية بينما إلا وهما: (أ) مفهوم الإهدار المالى الناتج عن ضعف الكفاءة والخبرة المالية أو الاقتصادية أو الإدارية أو القانونية  كلها أو بعضها للقائمين على النشاط الاقتصادى والمالى للوحدات الحكومية. (ب) مفهوم الفساد ونهب الموارد والثروة الوطنية والأموال العامة بفعل جماعات المصالح ومافيا الفساد التى قد تحميها قوى سياسية أو تنفيذية أو غيرها. والتمييز بين النوعين يساهم فى معالجة أكثر فاعلية للفساد أو تفكيك الظاهرة إلى عناصرها الأولية، مما يسهل عمليات المكافحة. وهذا ما لم نلحظه فى التقرير. 
  2. كما ينبغى التمييز بين  مستويين من الفساد وهما: (أ) ما نسميه "فساد الصغار" الذى يقوم به عادة صغار الموظفين والمديرين  والضباط، ولهذا الفساد أسبابه ودينامياته التى قد تختلف عن النوع الثانى، فالفساد الصغير- ودون أن نقلل من حجمه وتأثيره الضار- قد تكون أسبابه وآلياته تكمن فى ضعف كفاءة نظام الأجور والمرتبات، أو ضعف نظم الرقابة والمحاسبة والمتابعة، أو علاقات المجاملة بدوافع قبلية أو عصبية أو جهوية، أو بانتماءات حزبية، أو حتى بدوافع دينية ومذهبية، أو بسبب تعقيد الإجراءات البيروقراطية، أو نقص فى التعليمات القانونية، أو بسبب إنتشار العلاقة المباشرة بين مقدم الخدمة وطالبيها. ( ب ) أما الفساد الكبير أو فساد الكبار فغالبا ما تكون وراءه  جماعات مصالح أقرب فى سلوكها إلى العصابات شبه منظمة، سواء كانت تتظلل برايات سياسية أو اقتصادية أوحزبية أو غيرها، وبرغم أن التقرير قد ذكر فى عجالة التعبيرين أو المصطلحين، إلا أنه قد ركز فى تحليله وبياناته التى وفرتها هيئة النزاهة على النوع الأول(الفساد الصغير أو فساد الصغار) مثل الموظفين والمديرين فى الكادر الوسيط ربما كان ذلك لضآلة عدد القضايا التى عرضت على هيئة النزاهة العراقية، (كما ورد فى الجدول رقم 1 الخاص بتصنيف المدانين قضائيا)، برغم أن كل الظواهر والشواهد والتحقيقات الصحفية والإعلامية العراقية طوال الخمسة عشرة عاما الأخيرة  قد عرضت الكثير من عمليات الفساد فى ذلك المستوى القيادى، والذي استنزف عشرات المليارات من الدولارات طوال العقدين الماضيين على الأقل. 
  3. كما أن هذه الأحكام القضائية التى عرضها التقرير (7060 حكما قضائيا طوال الفترة  من 2012 حتى 2017) لا تعكس أبدا ولا تعبر بدقة على الإطلاق عن الحجم الحقيقى لممارسات الفساد فى المجتمع العراقى فى الخمسة عشرة عاما الأخيرة، بقدر ما تعبر صعودا وهبوطا على مستوى نشاط " هيئة النزاهة "ذاتها والعاملين فيها، فقد يكون هذا العدد لا يمثل سوى 1% من الظاهرة، أو 10% منها، أو حتى 20% من الحجم الحقيقى لظاهرة الفساد فى المجتمع العراقى بكافة تشعباته وأحجام الأموال الدائرة فى شرايينه. 
  4. التقرير برغم غنى المقترحات المقدمة لمعالجة الثغرات والإختلالات فى النظام السياسى أو الإدارى أو الاقتصادى محل الدراسة، فأنه قد أغفل تحليل جهد الأجهزة الرقابية الأخرى فى العراق بخلاف هيئة النزاهة. 
  5. لم يتعرض التقرير لمدى العلاقة  الطردية، بين إنتشار الفساد فى العراق وعمليات التحول إلى فلسفة اقتصاد السوق وتفكيك وخصخصة الشركات العامة وأملاك الدولة التى تراكمت على مدى خمسين عاما سابقة على الإحتلال والحصار الظالم، كما أستبعد التقرير مدخل Approach اقتصاد السوق المخطط، بل يكاد  معظم كاتبي التقرير يكونون قد انصاعوا  لمعطيات الوضع الراهن، وتظهر التباينات بين رؤى كاتبى التقرير حينما يقترح أحيانا الإستعانة بصندوق النقد الدولى والبنك الدولى من أجل التخلص من الأعداد الكبيرة من الموظفيين، بينما يذهب فى مكان آخر (ص 52) إلى مطالبة الدولة بالكثير من الإجراءات لتصحيح هذه الممارسات الفاسدة وبناء اقتصاد سوق منتج ودور متعاظم للدولة، ويكشف هذا التضارب والتباين فى الرؤى، حينما يطالب التقرير بالحد من إستخدام الدولار فى تلبية أحتياجات بعض فئات المواطنين والمستهلكين فى السوق العراقى، ثم يعود فى مقطع أخر للتوصية بأن يمنح جزء أو نسبة من مرتبات العاملين بالدولار!! 
  6. أظن انه كان من المفيد للدارسين للحالة العراقية أن يقدم التقرير فى مقدمته صورة إجمالية لبنية الأجهزة الرقابية فى العراق وشبكة التنسيق بين تلك الأجهزة إذا ما كانت موجودة فعلا، لذا جاء التقرير مرتبكا حيث يقترح فى بعض أجزائه بأن تكون هناك جهة رقابية واحدة لمكافحة الفساد، بينما تشير تجارب عديدة أن وجود أكثر من جهة للبحث والتحرى وكشف الفساد (الجهاز المركزى للمحاسبات –هيئة الرقابة الإدارية – جهاز مباحث حماية الأموال العامة) قد يؤدى إلى خلق حالة من التنافس المفيد بين تلك الأجهزة لمتابعة قضايا الفساد، مع وجود مجلس تنسيق أعلى بين اجهزة الرقابة لوضع السياسات الرقابية واقتراح التشريعات الضرورية لمكافحة الفساد. 
  7. ولأن التقرير الحافل بالتناول التفصيلى للمقترحات الإصلاحية، قد ركز فى عمله على تلك القضايا التى عرضت أو أمكن لهيئة النزاهة الإمساك بها، لم يستطع – ربما لتوازنات القوى السياسية والاجتماعية – أن يمسك بقضايا الفساد الكبرى، التى كلفت العراق كدولة والعراق كمجتمع، عشرات المليارات من الدولارات طوال الخمسة عشرة عاما الأخيرة ونقصد بها عقود البترول والغاز من ناحية وعقود التسليح والتدريب والمستشارين الأجانب وأعداد الملتحقين بالجيش والقوات الأمنية المختلفة، وكذلك عقود القروض والمساعدات الأجنبية وهنا بيت القصيد كما يقولون، حيث يرتكبها عدد من كبار المسئولين والقادة فى الجيوش والأحزاب السياسية المتنفذة. 
  8. لقد أحسن التقرير كثيرا حينما ألقى الضوء بالتفاصيل المفيدة حول بنية الإدارة العراقية بعد الإحتلال الأنجلو – أمريكى وخصوصا ما تعلق منها بالمحافظات والأقاليم، التى أنشأت بنية إدارية وبيروقراطية ضخمة متخمة ومحمية بالقوى السياسية المتنفذة، تنفق عشرات المليارات من الدولارات سنويا سواء على هذا الجيش البيروقراطى الذى يزيد عن حاجة العراق الفعلية، أو من جراء المخصصات المالية فى هذه الأقاليم والمحافظات لإقامة المشروعات التى تبين فى حالات ليست قليلة بأنها كانت مرتعا للفساد ونهب المال العام، وربما من هنا فإن المدخل الحقيقى للإصلاح الإدارى هو التخلص من هذا الترهل المفسد، وإجراء تعديلات دستورية تبقى على بنية المحافظة وتلغى تماما ما يسمى "الأقاليم" التى أنشئت من أجل إرضاء هذه القوى السياسية أو القومية أو تلك، بزعم التخلص من المركزية الشديدة التى تميز بها النظام السياسى العراقى قبل الغزو والإحتلال الأمريكى للعراق. 
  9. كثير من المعالجات التى قدمها التقرير – وهى مفيدة على أية حال– جاءت لتعالج فى الحقيقة اختلالات عميقة فى بنية الاقتصاد العراقى مثل نظم الإستيراد الراهنة، ومعالجات الضرائب، وإدارة أملاك الدولة وعقاراتها، وكذا البطالة والنفقات التشغيلية ونظم الأجور، والصحيح أن منها ينفذ الفاسدون وتستنزف الأموال العراقية، ولكنها تظل معالجات لاختلالات هيكلية فى بنية الاقتصاد والمالية العامة العراقية. وقد يكون من المناسب النظر فى مدى سلامة الفلسفة الاقتصادية التى قامت عليها العراق بعد عام 2003، والتى حاول المستعمر الأمريكى والغربى عموما زرعها بقسوة فيما سمى"اقتصاد السوق" وتقليص مساحة القطاع العام والمملوك للدولة العراقية، لقد ثبت من تجارب عديدة – مثل الحالة المصرية بعد عام 1974- أن حجم الفساد الذى جرى فى القطاع العام المصرى منذ نشأته فى منتصف الخمسينات حتى عام 2011، لا يزيد على جزء بسيط  جدا من الخسائر التى تحملتها مصر واقتصادها من فساد عدة أعوام بسيطة من شركات القطاع الخاص ورجال المال والأعمال الذين سيطروا على مفاصل الاقتصاد المصرى منذ عام 1992. 

10- من ضمن المقترحات التى قدمها التقرير للحد من فساد العمل بالقطاع المصرفى "إنشاء هيئة عليا للرقابة المصرفية"، وبرغم الإقرار بالخسائر الناجمة عن الفساد فى بعض جوانب العمل المصرفى، فإننا نرى أنه لا داعى لذلك لأنه يؤدى إلى خلق مزيد من الكيانات البيروقراطية مما يستنزف كثيرا من المال العام، ولذا قد يكون من المناسب تقوية سلطات وصلاحيات البنك المركزى العراقى، وزبادة فاعليته فى الرقابة والمتابعة والتقويم، وأن يضاف إلى ذلك قيام الجهاز المراقبة والمحاسبة – المقابل للجهاز المركزى للمحاسبات فى مصر – بالرقابة والتدقيق فى ميزانيات البنوك عموما والبنك المركزى خصوصا. 

11- لم يتعرض التقرير لواحدة من أهم قضايا محاربة الفساد، ألا وهى إصدار قانون ملزم للشفافية والمعلومات فى العراق تسمح لمنظمات المجتمع المدنى والصحافة والإعلام بالحصول على كل المعلومات المطلوبة حول التعاقدات وطبيعة ونمط الانفاق الحكومى والاتفاقيات الدولية الاقتصادية والمالية للعراق، فبدون هذا التشريع واحترام كافة المسئولين والجهات الإدارية والحكومية له، سيظل الفساد هو سيد الموقف، لأن " الفساد يزدهر فى العتمة والظلام. 

12- لقد تضمن التقرير مقترحات حول بعض العناصر ومنحها سلطات واسعة مثل ما أسماه "المكاتب الاستشارية"، والحقيقة أن هذه المكاتب الاستشارية قد يتداخل عملها مع أجهزة الرقابة فيخلق حساسيات غير ضرورية مثل جمع الشكاوى وإرسالها إلى نقابة المحامين لتحويلها بدورها إلى النائب العام، وغيرها من الأدوار، وبرغم أهمية تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى فى محاربة الفساد والمكونة من الصحافة والإعلام والنقابات والجمعيات الأهلية وغيرها، فأن خلع أدوار شبة تنفيذية على المكاتب الاستشارية المقترحة قد يؤدى إلى إرباك العمل الرقابى بأكثر مما يفيده. أما مراكز الأبحاث فليكن دورها البحث والتشخيص فى المشكلات المختلفة التى تؤدى إلى ترعرع وإزدهار الفساد، وأن تقدم وتقترح سياسات جديدة لمحاربة الفساد من ناحية، وتقدير حجم أموال الفساد فى الاقتصاد والمجتمع العراقى من ناحية أخرى. 

13-هناك وهم ناتج عن تصور مسبق بأن ميزانية البرامج والأداء قد تكون اكثر كفاءة فى محاربة الفساد عن موازنة البنود، والحقيقة ان العبرة ليست فى العنوان بقدر ما تكون فى طبيعة نظم الرقابة على برامج الإنفاق الاستثمارى أو الجارى (التشغيلى)، صحيح ان موازنة البرامج هى صورة أكثر تطورا ولكنها ليست بالضرورة أكثر كفاءة فى محاربة الفساد أو سد ثغراته. 

14- والحقيقة أن هناك قضية لم يثرها التقرير برغم أهميتها القصوى، ألا وهى دور التشريعات الاقتصادية فى تعظيم الفساد وتوفير مظلة لحمايته، وتسهيل عملياته، كما جرى فى الحالة المصرية منذ عام 1979، فقد لعبت الثغرات المقصودة وغير المقصودة فى التشريعات والقوانين واللوائح دورا خطيرا وضارا فى نهب المال العام، وفى توفير مظلة حماية للفاسدين، خصوصا الكبار، ومن هنا فإن أية محاولة جادة لمكافحة الفساد ينبغى أن تبدأ بمراجعة التشريعات والقوانين المعمول بها فى العراق لتخليصها من المواد التى تسهل الفساد. 

15- لم يتطرق التقرير إلى ظاهرة الصناديق والحسابات الخاصة فى العراق، وهى الظاهرة التى استفحلت فى بعض البلدان العربية منذ منتصف السبعينات، خصوصا فى مصر وتونس والسعودية والعراق، فهى ظاهرة شاذة فى المالية العامة فى تلك الدول وأدت إلى استنزاف ونهب الكثير من الموارد المالية. 

والحقيقة ان تقرير "آليات مكافحة  الفساد فى العراق" كان إضافة هامة لأدبيات محاربة الفساد الذى استشرى فى مجتمعاتنا العربية طوال الأربعين عاما الأخيرة، وهو بكل ما حفل به من جهد علمى هائل قد وضع اللبنة الأولى – على ما أظن – نحو تأسيس مدرسة وتيارا فكريا وعلميا جادا فى العراق لإنتاج دراسات جديدة وتجميع قوى الخير فى ذلك البلد الشقيق والغالى على قلوب كل العرب، فتحية للأساتذة الكبار الذين بذلوا هذا الجهد ونتمنى أن نرى قريبا ما هو أكثر فى السنوات القادمة. 
---------------
بقلم: عبد الخالق فاروق 
الخبير فى الشئون الاقتصادية والإدارة الحكومية






اعلان