30 - 06 - 2024

الفضاء الافتراضي هو المتنفس الوحيد.. المغردون خارج سرب التعديلات الدستورية

الفضاء الافتراضي هو المتنفس الوحيد.. المغردون خارج سرب التعديلات الدستورية

صفحات الدفاع عن الدستور فرصة لتوحيد المعارضة
- ثريا عبد الجواد: كم ممن عبروا عن رأيهم الآن في السجون وكم من مرشح للعقاب بسبب رأيه
- طه علي: ثمار الصفحات الإلكترونية قد لا تكون واحدة في كل مرة
- أيمن ندا: نعاني من جلطة إعلامية و«صكوك الوطنية» لمن يسير في القطيع
- حسن نافعه: “لا أخاف سيف المعز ولا أبحث عن ذهبه

ضاقت بهم الدنيا بما رحبت٬ فتوجهوا إلى ذلك الفضاء الذي لا قيد فيه ولا شرط٬ يغردون٬ يكتبون يتحاورون٬ ينتفضون من أجل دستور احتشدوا لتأييده ودعمه والموافقة على نصوصه٬ أملا في تحقيق تداول السلطة التي لم تشهدها مصر٬ فمن الملكية٬ إلى ديكتاتورية حكم الفرد٬ فرئيسها إما قضي قضاء وقدرا أو مقتولا أو مخلوعا أو معزولا.

لم يجد كثير من المثقفين والسياسيين بدا من التعبير عن رأيهم في التعديلات التي أقرها مجلس النواب لدستور 2014  من حيث المبدأ، غير اللجوء إلى صفحات الفيسبوك أو تويتر للتعبير عن رفضهم وإصدار بيانات يرصدون من خلال تفاعل الإعجاب بها أو إعادة نشرها رأي الناس فيما يجري٬ خاصة وقد سبقها حملات حشد إعلامي لتهيئة الرأي العام لهذه التعديلات٬ وتبارى الإعلاميون والبرلمانيون والمحللون المؤيدون للنظام في تبرير أسباب ذلك التعديل وضروراته. وخلاصة تلك التبريرات هي “قصر فترة” رئاسة الجمهورية على 8 سنوات، بحيث أنها لا تكفي لتحقيق “رؤية الرئيس السيسي”..

إلا أن أوضح تلك التبريرات كانت ما ذكره الإعلامي وأستاذ العلوم السياسية معتز عبد الفتاح، الذي رأى أن استمرار السيسي في موقعه رئيساً للجمهورية أفضل من الديموقراطية وتغيير رؤساء الجمهورية الذي اعتبره مُخاطرة قد تودي بالبلاد٬ ومن باب المزايدة خرج ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم بأنه يجب أن تكون التعديلات قاصرة على فترة رئاسة الرئيس السيسي وحده دون غيره ممن سيأتون بعده!

وفي مشهد لافت اصطف المعارضون المصريون في الداخل والخارج تحت لافتة حملة "لا لتعديل الدستور" على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، مؤكدين رفضهم الإجراءات التي وصفوها بالبطلان وتفصيلها على مقاس شخص واحد، واستند النشطاء في حملتهم التي تصدرها وسم "لا لتعديل الدستور" إلى المادة (226) من دستور مصر التي تنص على: "وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو مبادئ الحرية، أو المساواة ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات"، مؤكدين في تغريدات متواترة بكثافة لافتة أن التعديل البرلماني باطل لمساسه بهذه المادة الدستورية.

ولعل من أبرز المغردين من داخل مصر الدكتور حسن نافعه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة٬ والذي يبرر موقفه بقوله: " لم أعارض أبدا من أجل المعارضة٬ أو بحثا عن سلطة او منصب أو جاه٬ وأفضل العمل الجامعي والبحث العلمي٬ و“العلوم السياسية” هي مجال تخصصي الذي أحبه. ولأنني أنتمي إلى مدرسة تؤمن بأن الهدف الأساسي للبحث العلمي٬ أيا كان مجال التخصص٬ هو خدمة المجتمع وتغيير الواقع نحو الأفضل٬ لا أستطيع الصمت. لم أحاول أبدا ان أفرض نفسي على أحد أو أدعي زعامة سياسية ولكني كنت وما زلت على استعداد دائم لأي عمل من شأنه توحيد الصفوف وتصفية الخلافات والبحث عن طريق يساعد على إحداث التقدم. ولأنني لا أملك سوى قلمي ولم أمارس في حياتي نشاطا يحرمه القانون والدستور ولا أميل للعمل السري٬ فإنني على يقين من أنني لم ارتكب أبدا مخالفة يعاقب عليها القانون. لذا لا أخاف من الاعتقال أو التنكيل أو الزج بي في غياهب السجون٬ أي لا أخاف من سيف المعز ولا أبحث عن ذهبه ايضا. لكني لا أدعي البطولة في الوقت نفسه، ولا افتح صدري عاريا أمام السلطان لتحديه. فأنا رجل اعرف حدودي وقدراتي. لا أتمنى أن ينكل بي أحد، ولأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، لا أحب أن أكون شيطانا. 

الأنظمة الاستبدادية

وترى الدكتورة ثريا عبدالجواد أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية أنه في ظل تقييد حرية الرأي في وسائل الإعلام عبر المنافذ التقليدية٬ أصبح لا سبيل للتعبير عن الرأي سوى وسائل التواصل الاجتماعي.

وتقول: لا نستطيع أن نضع هذا التوجه في ميزان الصواب والخطأ٬ ولكن هي نعمة عصر الإنترنت٬ التي تحولت إلى المتنفس الوحيد لكل صاحب رأي٬ يريد أن يعبر عن رأيه بوضوح وشفافية٬ حتى وإن كان التعامل معها بالتعقب والغلق والقبض وتوجيه الاتهامات٬ وهو ما لا يحدث إلا في الدول الاستبدادية والأنظمة القمعية٬ في حين أنه لا يمكن تحقيق تقدم بدون حريات٬ فـ"الحرية تسبق العدالة".

أما الصوت الواحد فهو صوت القوى التي تمارس التأثير على الناس وتعمل على تغييب الوعي والإدراك٬ فتلجأ إلى قمع الحريات وعقاب الناس على آرائهم فنجد غالبية حالات القبض الآن على أصحاب الرأي٬ وهذه ضريبة كل صاحب رأي حر٬ فالفضاء الالكتروني هو السبيل٬ ولا مجال غيره٬ فكيف نلوم من أوصدت أمامه أبواب الصحف والقنوات الإعلامية ليعبر عن رأيه ويشرح وجهة نظره٬ ومع ذلك الأجهزة تترصد فكم ممن عبروا عن رأيهم الآن في السجون٬ وكم من مرشح للعقاب بسبب أن رأيه لا يوافق هوى النظام٬ وهذه أساليب الأنظمة القمعية.

مناخ الحريات 

ويؤكد الباحث والمحلل السياسي الدكتور طه علي أن وسائل التواصل الاجتماعي شهدت انتشارا واسعا خلال الخمس سنوات الماضية٬ وأصبحت قناة بديلة لما يعرف بالإعلام التقليدي.

ويرجع د. طه ذلك إلى عدة أسباب منها ما يتميز به الإعلام الإلكتروني من ظروف تقنية٬ تتمثل في سهولة وسرعة الانتشار٬ وتحوله إلى منصات تفاعل متاحة للجميع٬ وإمكانية الحذف والتعديل٬ وعلى الجانب الآخر نجد أن الإعلام التقليدي يعاني من مشاكل اقتصادية لا حصر لها٬ وحجب لمقالات الرأي أو تعديلها٬ أو تدخل الرقيب في البرامج التلفزيونية٬ في حين أن مناخ الحرية الذي يتحه الفضاء الإلكتروني جعل من القارئ محررا٬ وعلى الجانب الآخر نجد أن مساحات الرأي في الإعلام التقليدي أصبحت محدودة ومؤطرة.

ويضيف: تزايد الإقبال على وسيلة دون الأخرى٬ مبعثه الحقيقي مرتبط بمناخ الحريات غير الداعم للتعبير عن الرأي في وسائل الإعلام التقليدية٬ في حين أن «تويته» واحدة تصل لعشرات الآلاف في أقل من ساعة سواء بالرفض أو التأييد٬ فهي مساحة للتفاعل٬ تصل أينما كنت ووقتما كنت٬ وبالمقارنة فكم سيقرأ المقال أو يشاهد برنامج تلفزيوني٬ في حين أن تغريدة يمكن أن يتفاعل معها الآلاف ومثلهم يعيدون ارسالها ويتناقلونها.

فإحدى تجليات الثورة التكنولوجية كانت سهولة التواصل وسرع الانتشار٬ وقلة التكلفة٬ ولا نغفل أن الناشط السياسي لديه رغبة نفسية لوصول رأيه لأكبر عدد ممكن٬ وهذا الأسلوب ليس قاصرا على المعارضين٬ بل أن الداعمين أيضا يتخذون من منصات وسائل التواصل الاجتماعي منبرا لهم للتعبير عن رأيهم وتفنيد تأييدهم٬ إذن فهي وسيلة متاحة ومشرعة للجميع.

ولا ننكر أن المناخ السياسي له عامل مباشر وأساسي في اتجاه كثير من السياسيين وأصحاب الفكر إلى العالم الافتراضي هربا من العالم الواقعي المنغلق٬ ولا ننسى أن 25يناير كانت بدايتها عبر صفحات الكترونية مثل( كلنا خالد سعيد)٬ وبالرغم من ذلك قد لا تكون ثمار هذه الصفحات الإلكترونية واحدة في كل مرة٬ لأنها مرتبطة بقناعات الناس٬ أو يأسهم من التغيير٬ أو عدم اقتناعهم بالفكرة٬ ففاعلية وسائل التواصل الاجتماعي مرهونة دائما بملامسة الفكرة التي يطرحها الخاصة لاحتياجات ومتطلبات العامة٬ وهو ما شهدناه من ضعف أو عدم استجابة الجماهير للنزول يوم ١١/١١ ٬ أو ٢٥ يناير.

جلطة إعلامية

ويحيل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور أيمن منصور ندا الظاهرة إلى تردي أوضاع الإعلام المقروء والمسموع والمرئي٬ وما يعانيه من حالة غوغائية وتنابز بالسباب والشتائم٬ بالإضافة إلى «الصوت الواحد» ٬ الذي مَلّ منه القارئ والمشاهد٬ بالإضافة إلى خطورته الشديدة في المستقبل٬ فظاهرة الصوت الواحد غالبا يعقبها نكسات أو نكبات٬ كما حدث في الستينات٬ وكذلك السبعينات٬ وآخرها في عهد مبارك ومقولته الشهيرة « خليهم يتسلوا»٬ فماذا كانت النتيجة٬ وفي الوقت الحالي هذا التوجه أيضا سيؤدي إلى نتائج وخيمة لو كانوا يعلمون.

ويوضح: الاتجاه إلى فضاءات الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كان إجبارا وليس اختيارا، فلا يوجد اختيار أمام الجلطة الإعلامية التي يعني منها الإعلام المصري بكل وسائله، وانسداد شرايينه٬ فبحكم سيطرة الأجهزة فمن غير المسموح بالتعبير عن رأي مختلف، فلم يجد السياسيون والمثقفون بدا من التوجه إلى وسيلة تسمح لهم بالتعبير عن رأيهم بحرية، وهذا الأمر غير مستنكر٬ فرئيس أكبر دولة في العالم يصدر قراراته عبر «تويتر»٬ فهي أسرع وسيلة انتشار٬ مع إمكانية الحذف والإضافة والتعديل في أي وقت، مما أعطى للمثقفين والسياسيين مبررا أكبر لرصد ردود الأفعال مباشرة من خلال الإعجاب أو حتى الرفض أو إعادة التغريدة، وهذا التطور التكنولوجي والاتجاه إليه كمنصات رأي، يعبر عن حقيقة أزمة القنوات الرسمية، فأي فيديو عبر الفيسبوك يحقق انتشارا أكبر وأسرع من بث برنامج تلفزيوني، والصحافة في مجملها لا توزع أكثر من 400 ألف نسخة، فبالتالي نسبة التأثير في وسائل التواصل الاجتماعي أكبر. 

ويؤكد د. ندا أن هناك دراسات وعمليات رصد إعلامي لنسب المشاهدة تؤكد اتجاه المشاهد المصري إلى قنوات معادية للنظام مثل الشرق ومكملين، فقط لأنه يبحث عن وجهة نظر مختلفة، وبالتالي يتجه بعض السياسيين أو المثقفين للظهور عبر هذه القنوات أيضا للبحث عن فرصة إظهار رأيهم.

ويرى أن الحل في علاج هذه المشكلات الإعلامية بـ«تسييل الجلطة» ، بمعنى السماح بالمعارضة ، والسماح بمزيد من حرية الرأي والتعبير، والسماح أيضا للمذيعين الموثوق برجاحة رأيهم ومهنيتهم لمناقشة موضوعية مع كل الأطراف، فالمذيعون الآن يخافون من الفصل والجلوس في البيت لو تجاوز ما يصله من موضوعات يناقشها، وبعض الإعلاميين لا يجيدون استخدام الحرية فهؤلاء يجب استبعادهم من المشهد الإعلامي المصري.

وشدد على أن المعارض شخص باحث عن المثالية، وفي سبيل ذلك يعارض الرأي الذي لا يحقق هذه المثالية، وهو في هذه الحالة أكثر وطنية وشجاعة من المؤيد، فتأييد الأنظمة هو الأسهل دائما، أما توزيع «صكوك الوطنية» لمن يسير في القطيع فليس من سمات الشخص أو المجتمع الحر.

توحيد الصفوف

أكدت شخصيات سياسية وحقوقية وفنية رفضها تلك التعديلات مثل الممثل والناشط سياسياً عمرو واكد، الذي رأى في تلك الخطوة المرفوضة فرصة لتوحيد صفوف المعارضة وترك اليأس، كما أعلنت مجموعة من القوى السياسية إطلاق مبادرة “اتحاد الدفاع عن الدستور”، وعبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك” أعلنت الحركة المدنية الديموقراطية، التي تم اعتقال المتحدث السابق باسمها، عن إطلاق الاتحاد الذي يضم 11 من الأحزاب السياسية وعدد من الشخصيات العامة وأعضاء البرلمان، إضافة إلى أكاديميين وممثلي المجتمع المدني، كإطار شعبي يتصدى لمهمة حماية الدستور والدفاع عنه بالأساليب الديموقراطية السليمة.

تاريخ تعديل الدستور

منذ إقرار أول وثيقة دستورية مصرية عام 1882، شهدت الدساتير المصرية الكثير من التدخلات والتعديلات من قبل الحكام والرؤساء خصوصا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. 

لكن أبرز التعديلات التي امتد أثرها حتى المرحلة الحالية تلك التي أدخلها نظام الرئيس الراحل أنور السادات عام 1980، لا سيما تعديل المادة 77 التي استهدفت تعديل شرط تولي رئاسة الجمهورية، من مدتين فقط إلى تركها مفتوحة من دون حد أقصى. توفي الرئيس السادات من دون الاستفادة من تلك التعديلات، ليستفيد منها خلفه الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي قام نظامه أيضا بإدخال تعديلات على الدستور عامي 2005 و2007، استهدف منها إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات، ووضع قيود صارمة على الترشح لمقعد رئاسة الجمهورية وكان يقصد بها قصر الترشح على نجل الرئيس الذي لم يستفد هو الآخر منها، لتتم الإطاحة بنظام والده عام 2011.

وقام نظام الرئيس المعزول محمد مرسي في نوفمبر 2012 بإعلانه الدستوري الذي تضمن حصانة لقراراته من الطعن أمام القضاء، وعزل النائب العام وتحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية للدستور، وهو الإعلان الذي أعقبته تظاهرات حاشدة تواصلت حتى عزله في يوليو 2013.

وكان الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وعد بعدم تعديل دستور  2014والتزامه بفترتين رئاسيتين فقط، مدة الواحدة 4 سنوات، وتعهده بالالتزام بالنص الدستوري المنظم لهذا الإجراء، وهو ما وصفه الإعلام وقتها بقطع الطريق على مزاعم الإخوان حول تعديل الدستور واللعب بمدد رئاسة الجمهورية. 
--------------------------
تحقيق – آمال رتيب







اعلان