18 - 07 - 2024

هاشتاجات الزواج.. تثير الشقاق وتعبر عن "أزمة مجتمع"

هاشتاجات الزواج.. تثير الشقاق وتعبر عن

قراءة اجتماعية ونفسية لحملتي "خليها تعنس" و"خليك في حضن أمك"
- د. علاء الغندور ينتقد ويدعو إلى حملة "ساعدونا علشان نتجوز"
- د. علي الجلبي: رد فعل للهموم والمعاناة والأوضاع المتردية
- د. وليد هندي: تعمق الإحساس بالمشكلة وتصدر مشاعر التوتر والقلق
- د. سعيد عبد العظيم: نتيجة الظروف الاقتصادية وتنم عن أن الشباب فاض بهم الكيل
- د. اعتماد محمد: "البنت دي برقبتك وبرقبة صاحب الحملة غير الأخلاقية"
- د. جمال فرويز: فيها إساءة وإستخدام ألفاظ لاتليق بفتاة مصرية ولاتأتي بنتيجة
- لواء عماد فوزي: الهدف بذر الشقاق في المجتمع، وإيقاع الخلاف لإضعاف تماسك الشعب

حرب اشتعلت بين الفتيات والشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفيات اقتصادية واجتماعية، انعكست من خلال حملة "خليها تعنس"، لمناهضة المغالاة في الزواج والتقليل من التكاليف، لترد البنات بهاشتاج " خليك في حضن أمك"، ردًا على الحملة التي أغضبت الجنس الناعم.

هذه قراءة نفسية واجتماعية لمغزى ماحدث 

يقول الدكتور علاء الغندور استشاري التحليل والتأهيل النفسي والمستشار التربوي إنه يرفض حملة "خليها تعنس" وكذلك حملة "حملة خليك في حضن امك" ردا عليها، ولدي مبادرة مختلفة عنوانها  "ساعدونا عشان نتجوز".

ويشير إلى أن حملة "خليها تعنس "لها شق إيجابي، حيث تمثل صرخة في وجوه أمهات وآباء البنات، الذين يغالون في طلباتهم بشكل لا يناسب قدرات الشباب، خصوصا مع إرتفاع الأسعار.

أما الشق السلبي لها فهو الخروج عن الروح الأخلاقية السمحة والهجوم الحاد العنيف غير المبرر.

ويتابع: هناك حق ولكن تم طلبه بشكل مسييء جعلنا ندخل في حالة عناد، فأطلقت البنات حملة "خليك في حضن أمك" وبذلك دخلنا في سكة اللي يروح ميرجعش ، وتحولت إلى حرب بين الشباب والبنات، إذا لم يتم إيقافها ندخل في نتائج سلبية غير مستحبة.

وعلق الغندور علي حملة  "خليك جنب أمك "قائلا: رغم أن كل البنات تحلم بالزواج من يوم أن تعي الدنيا وتعيش حلم الفستان الأبيض والكوشة، خرج اسم الحملة بالشكل الخطأ، فعندما يذهب الشاب لخطبة البنت يسمع كلاما مهينا يتجاوز الخطوط الحمراء لكرامته وكبريائه فيخرج ساخرا ويقول: "خليكي عندهم وشوفي مين اللي هيتجوزك"  والبنت في هذه الحالة تكون غلبانة ومقهورة، ولا تملك شيئا من أمر نفسها، وحتي لو كانت تريد الشاب فإنها تواجه برفض الأب والأم.

وأشار استشاري التحليل والتأهيل النفسي الي حدوث مقارنات في العائلة ويقال للبنت: "شوفي بنت خالتك أو بنت عمك جالها كذا" فهذه المقارنة تكون قاتلة ومدمرة فتصبح هي الضحية، وعلي الجانب الأخر نجد الشاب يحتاج أن يستقر وتصبح له أسرة، وعندما يفشل بلجأ للزواج العرفي أو عمل علاقة خارج إطار الزواج لاتكلفه شيئا، وفي النهاية فإن البنت والشاب هما من يدفعان الثمن.

يضيف الغندور: لهذه الأسباب أطلقت حملة "ساعدونا عشان نتجوز"، وأقصد هنا الأب والأم للبنت، والأب والأم للشاب، ومؤسسات الدولة، والإعلام ومراكز التوعية، في جميع الأماكن وكبار التجار، فمن الواجب على رجال الأعمال أن يساعدوا في حفلات زواج جماعي ويساهمون ببعض الأجهزة الكهربائية.

ويناشد الغندور أصحاب المصانع، وإصدار تعليمات لهم بالأمر المباشر من الجهات المختصة بعمل تخفيض خاص علي الأجهزة الكهربائية، وبيعها بسعر التكلفة بموجب قسيمة الزواج، وأيضا على الجمعيات الأهلية أن تلعب دورا أكبر في تسهيل الزواج، وعلى وزارة التضامن الاجتماعي والأزهر الشريف القيام بدورهما في التوعية وتقديم المساعدات. ومن واجب كل وزارة أن تخصص جزءا من ميزانيتها لمساعدة الشباب، وأطلب من القوات المسلحة أن تخصص جزءا من ميزانياتهالتزويج الشباب عبر مساعدات بالأجهزة الكهربائية وحفلات زفاف جماعي في أنديتها.

واستطرد قائلا: الكل يقول للأمهات حرام عليكم.. يسروا الأمور لتتزوج البنات، ولكل الأباء التوقف عن التشدد والمغالاة. وأوضح أن هناك برنامج تأهيل نفسي وفكري وسلوكي للمقبلين علي الزواج، حتى يتعلم الشباب معني مسئولية الزواج والخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها وكيفية ايجاد حلول لكل المشاكل في حدود إمكانياتهم الشخصية حتى لا يحدث طلاق.

وقال الغندور إن هناك 14 مليون عانس منهم لم يتزوجن وبينهم مطلقات وأرامل، فالشباب قبل الزواج يظهر أجمل مافيه وكذلك البنت، وبعد الزواج يتعرون جسديا وفكريا ونفسيا وسلوكيا، فتحدث النتيجة المؤسفة خلال شهرين أو ثلاثة ويتم الطلاق، فلابد من كورس لبرنامج تأهيل يتم فيه أكساب مهارات كيف تبدأ حياة جديدة بدون ذكريات قديمة وتتعلم فيه الأنثى من أخطائها وأخطاء طليقها.

رد فعل

من جانبه يقول الدكتور علي الجلبي أستاذ علم الأجتماع بجامعة الأسكندرية: هذه ردود فعل للهموم والمعاناة والأوضاع المتردية، ولا توجد ضوابط، كل شخص يريد أن يكسب وينهب ويفعل كل مايريده دون مراعاة للأخرين .

وأشار الجلبي  إلي ضرورة وجود تعاون واتفاق، حتي يكون هناك سلام إجتماعي، فالظروف حاليا أصبحت صعبة جدا بعد تعويم الجنيه، ويتساءل كيف لشاب وفتاة يريدان الزواج أن يفعلا في ظل هذه الظروف، إن كانت الأسر تفرض شقة بمواصفات معينة و"عفشا" من نوع معين. 

ويتابع قائلا :البنت يحاولون رفع قدرها بطريقة خطأ، فهي غالية بقيمتها وذاتها وتعليمها ومكانتها، لا توجد بنت تظل عانسا، لأن الزواج رزق ونصيب، ولكن في وقته المحدد، ولابد أن يكون الارتباط في ظروف مناسبة ومتواقفة، ولا داعي للتسرع في الزواج.

ويشير الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية إلى اختلاف الظواهر الأجتماعية وتعدد وسائل انتشارها بإختلاف الزمان والمكان والثقافة والبيئة الإجتماعية، فبعد انتشار تكنولوجيا الاتصال، أصبح الموبايل والانترنت في أيدي الجميع، وهو ما انعكس في حملة "خليها تعنس" وأوضح هندي أن مثل هذه الحملات لها جوانب إيجابية كإلقاء الضوء علي المشكلة والفشل الإدارى في معالجة حقيقية لها، ولها العديد من الجوانب السلبية مثل التناول غير الرشيد واختيار مسميات مبتذلة تسيء إلي أصحاب تلك الظواهر، وتعمل علي تعميق إحساسهم بالمشكلة وتصدير مشاعر التوتر والقلق ووصمهم بصفات ليست مستحبة، وعندما نريد تكوين رأي عام تجاه مشكلة، فعلينا أن نبحث في أسبابها المختلفة ولا نكتفي بتبني وجهة نظر واحدة.

ويشير الدكتور هندي إلي  أن ظاهرة العنوسة ترجع لعدة أسباب وليست لسبب واحد هو الناحية المادية، فهناك من تقدم به العمر دون زواج نتيجة صعوبة اختيار الشريك الأمثل أو بسبب وضع أولويات أخري كالتعليم مثلا، أو الحصول علي وظيفة مرموقة، أو عدم الرغبة في خوض تجربة معرضة للفشل، فمن المسيء تناول الأمر بمثل هذه الطريقة. 

ونعت الآخر بصفات غير مرغوبة تنال من ذواتهم ويجرمها الشرع والدين الذي ينهي عن التمايز بالألقاب.

ويحذر هندي من الانسياق وراء أي مبادرة أو حملة وأن يتحول البعض إلى أداة لها ومسوق لفاعلها والذي غالبا مايكون مجهول الهوية، فقد تكون مجرد بداية لحملات أخري أشد خطورة وأكثر خبثا، قد تدفع المجتمع الي مالا يحمد عقباه، فمن وراء هذه الحملات يبدأون بأمور حياتية بسيطة حتي نعتاد علي المشاركة، وفي اللحظة الذي يتشبع وجداننا بتكرار تلك الحملات قد تطرح مبادرة أو أخري تكون إحدى أدوات الحرب النفسية التي تثير البلبلة والشكوك أو تصدر لنا الاحباط، فيتم التحكم في مشاعرنا والسيطرة علي تفكيرنا وتغيير سلوكنا، عبر ذلك المجهول الذي طرح علينا تلك الحملات تباعا دون أي مجهود يذكر 

فاض الكيل 

الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة يقول: العبارات المذكورة في حملة "خليها تعنس" هي نتيجة الظروف الاقتصادية وعدم وجود وظائف للشباب، وتنم عن أن الشباب فاض بهم الكيل.. فبعض الفتيات والأهل يبالغون في المهر والأثاث ويفرضون شروطا من الماضي وكأن الظروف المادية تساعد الشباب والوظائف متوافرة!! غير مدركين أن التكلفة أصبحت عالية علي الشباب، ولم تعد لديهم الإمكانيات التي تمكنهم من تلبية الشروط.

وأضاف" سعيد" يجب علي أهل البنت أن يكتفوا بغرفة بمنافعها أو أستديو، كما في الخارج، وان يكون هناك قبول بالواقع. كما يوصي الشباب والفتيات أن يكتفوا بأسرة صغيرة بها طفل أو طفلين في ظل هذه الظروف الاقتصادية.

وتختلف الدكتورة اعتماد عبد الحميد أستاذ علم الاجتماع، مع الرأي السابق فترى أن هذه الحملة " خليها تعنس" قلة أدب، وتضيف بغضب: "البنت دي برقبتك وبرقبة صاحب الحملة غير الأخلاقية، والبنت لها الحرية أن تعيش مع رجل أو ترفض، وهي لاتفعل شيئا خطأ، حين تقول: أريد العيش بمفردي، أو ظروفي لاتسمح بالزواج أو الرجل الذي تقدم ليس مناسبا لي". 

وتابعت قائلة: يفترض عمل حملة للمطالبة بخفض تكاليف الزواج، وحين تتيسر الأمور وتتحسن الظروف يذهبون لشقة أكبر. 

وأضافت: لابد أن نعمل حملة "خللي عندنا أخلاق" فالزواج مودة ورحمة "واللي يغلط في بنت ياخد فوق  دماغه لأنه بيغلط في أمه وبنته وأخته فالبنت حاليا بمليون رجل وعندها المقدرة أن تعيش حياتها وتتحمل مسؤولية أهلها لما الأم أو الأب يتعبوا".

وأوضحت: "هناك فتنة في الوقت الحالي  والغرض  منها أن نكون ضد بعضنا وهذا أسلوب جديد للاستعمار، وعلينا ألا ننساق وراء كل كلمة تقال"

قال الدكتور جمال  فرويز أستشاري الطب النفسي أن الغرض من أي حملة هو التوعية مثل حملة "خليها تصدي"  حيث أن هناك جشع من بعض التجار فيتراجع الناس عن الشراء لفترة محدودة لكي تنخفض الأسعار، فهذه حملة جيدة وفيها صالح الجمهور، لكن حملة "خليها تعنس" فيها إساءة وإستخدام ألفاظ لاتليق بفتاة مصرية وهذه الحملة لاتأتي بنتيجة، فحين أريد شراء سيارة ذلك أمر اختياري كل علي حسب قدرته وإمكانياته، ولكن الزواج رغبة مهما كانت التكاليف عالية، يمكن التفاوض في تكاليفه، ولكن لا أقول خليها جنبك لأن الارتباط شيء مرغوب فيه.

ونصح فرويز بتقليل تكاليف الزواج والتنازل عن أشياء ليس لها قيمة مثل "النيش" و"أوضة الصالون" فلا أحد يجلس فيها، ونقلل في ثمن الذهب ولكن هناك أساسيات منها أن تشعر البنت بقيمتها أمام الزوج الذي يرتبط بها.

بذر الخلاف

اللواء عماد فوزي الخبير الأمني  يرى أن حملة "خليها تعنس "وحملة "خليك جنب امك " لهما اكتر من هدف في تأكيد الإصرار على بذر الشقاق في المجتمع، وإيقاع الخلاف بين الجنسين لإضعاف تماسك الشعب، وكذلك التركيز على واقع متأزم متمثل في ضعف الحالة الاقتصادية للدولة التي انعكست على الحالة الاقتصادية للمواطنين وأدت إلى قلة الزواج.

نفس الكلام ينطبق على حملة "خليها تصدي"، فمن غير حملة اطمئنوا .. الشعب مفيش فلوس معاه أصلا ليشترى سيارات او عقارات!!

ويوضح" فوزي "كلما كان الهدف  الطيب متفقا مع الفعل ، كان ذلك مطلوبا، ولكن اذا كان الهدف سيئا كلما اتضح من تصرفات فاعله، وهنا  الهدف سيء، لأن الحملة كان يمكن أن تأخذ شكلا آخر بدون استفزاز، مثل  "زواج بأقل التكاليف" أو أي كلام آخر يحمل الدعابة ولكنه يوصل الرسالة بدون استفزاز

وأنتقدت مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون ومركز البيت العربي للبحوث والدراسات حملتي "خليها تعنس" و"خليك في حضن أمك" اللتين أطلقهما عدد من الشباب على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، رفضاً لارتفاع تكلفة الزواج، باعتبارها أحد أشكال العنف الاجتماعي ضد النساء.

وقالت المنظمتان في بيان مشترك لها: إن هذا النوع من الحملات هو تعبير عن ثقافة مجتمعية ترسخ لمفاهيم العنف الممارس ضد النساء، عبر محاولات تسليع أجسادهن.

وأشار البيان إلى أن الحملة التي تنتقد ارتفاع تكاليف الزواج وسط الحالة الاقتصادية المتردية التي يعاني منها الغالبية العظمى من الشباب كانت تعبيراً عن النظرة النمطية للمرأة التي تحقر من شأنها وتتعامل معها باعتبارها سلعة تباع وتشترى.

قراءة اجتماعية ونفسية لحملتي "خليها تعنس" و"خليك في حضن أمك"

وانتقدت المنظمتان اسم حملة "خليها تعنس" باعتبارها "محاولة لنشر النظرة النمطية لدور المرأة في المجتمع والمتمثل في الزواج والإنجاب وتهديداً مباشراً لها بحرمانها من هذا الدور باعتباره أنه القيمة الوحيدة للنساء داخل المجتمع. وهو أحد أهم أشكال العنف الممارس ضد النساء ومحاولات إقصائهن على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

واعتبر أن تلك الحملات التي ترسخ للعنف ضد النساء "ليست وليدة الأزمة الاقتصادية أو ارتفاع معدلات البطالة ولكنها تعبير عن ثقافة مجتمعية تدعمها بنية تشريعية تميز بين النساء والرجال داخل المجتمع وتنتهج مفاهيم تحقر من شأن المرأة وتنزع عنها حق الاختيار باعتبارها سلعة تنتقل بين تجار وآخر من أجل تحقيق مكاسب اجتماعية على حساب النساء.
---------------
تحقيق: آمال عبدالله