30 - 06 - 2024

من المشهد الأسبوعي: عملية "خداع علمية" عابرة للقارات تتورط فيها 57357

من المشهد الأسبوعي: عملية

- المستشفى تعلن ووزير التعليم يكرم والصحف تنشر.. والمؤسسات الدولية تسخر!
- فضيحة البحث استخدام الفوتوشوب فى عرض صور وهو مايدخل تحت نطاق انتهاك الأمانة العلميةآ 
- الباحثون طالبوا بسحب الورقة بسبب مشكلات في عرض البيانات الأساسية ولا يستطيعون تأكيد النتائج وفق الأرقام المنشورة!

فى يوم 22 فبراير الماضي تم الكشف عن فضيحة علمية إرتكبها عدد من الباحثين بمؤسسة ومستشفى 57357 وعبر زفة تسويقية حاكتها أصابع ادارة المؤسسة والمستشفى، تتلخص فى واقعة فساد ليست مادية أو فنية ولكنها واقعة تخص عملية خداع للمجتمع العلمى العالمى، عبر ما أطلقوا عليه كشف علمى لعلاج سرطان المخ لدى الاطفال.

كانت واقعة البحث العلمى الوهمى الذى روجت له إدارة المستشفى، وبشعار (رحلة علم هدفها الحياة) رغم أنها لم تكن فى الحقيقة سوى (رحلة وهم ) .. تضمنت الفضيحة العالمية، سحب البحث الذى تم تكريم أطباء 57357 عنه قبل 4 شهور والذي أصبح فضيحة دولية حيث ثبُت لدى المؤسسات العلمية ارتكاب وقائع نقل لأجزاء من البحث وغيرها مما يؤكد أن فساد إدارة 57357 ، آ لم يكن كما كنا نظن أنه يقتصر على تجارب سريرية تجرى على الاطفال بالمخالفة لكل القوانين والاعراف والانسانية.. ولكنه يمتد الى خداع مؤسسات البحث العلمى العالمى.

لكن الغريب والمريب أن يتم الآن التستر على تلك الفضيحة الدولية من جانب وزير التعليم العالى والبحث العلمى الذى لم يُعلن إعتذاره عن مشاركته فى تسويق أوهام آ 57357، بينما يظل كل ما يتعلق بالمستشفى دون مساءلة.

ولنبدأ سرد الحكاية من بداية الكشف العلمى الوهمى انتهاء بصمت مريب ليؤكد أن تجاوزات 57357 أكبر عدو لمؤسسة ومستشفى بناها الشعب بتبرعاته.

فى يوم 3 أكتوبرآ فوجئت بمعظم الصحف المصرية تنشر تكريم وزير التعليم العالى خالد عبد الغفار لفريق بحثى من 57357 عن توصلهم إلى آلية مهمة لمهاجمة سرطان "الجليوبلاستوما". وبإعتبار أن المستشفى قد حظيت بتكريم من وزير التعليم العالى ليكسبها حصانة ومنعة أخرى.

كانت العديد من الصحف المصرية أخذت تهلل وتطبل للكشف العلمى الذى أعلنت عنه إدارة 57357، وتضمن البحث العلمى الذى زعمت الدعاية الاعلامية توصل باحثى 57357 اليه أن تضمن إكتشاف تقنية تعمل على تعزيز قدرة الخلايا المناعية على الوصول إلى خلايا الورم واستهدافها، وتم نشر البحث فى دوريةآ (NATURE)آ الشهيرة فى سبتمبر الماضى، وهي دورية علمية متعددة التخصصات، تنشر مجموعة من الأخبار المتعلقة بالعلوم وملخصات للأبحاث وتعليقات مختلفة وموضوعات علمية أخرى متنوعة وقالت ادارة المستشفى أن فريق 57357 من الاطباء الباحثين قد قاموا بتطبيق البحث بنجاح على فئران التجارب، وأن الفريق البحثى يستعد لإجراء التجارب السريرية قريبا بالولايات المتحدة الأمريكية.

وفى يوم 3 أكتوبر 2018 كرم الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، الدكتورة هبة سماحة والدكتورة شاهندة النجار من أعضاء الفريق البحثى الطبى بمستشفى سرطان الأطفال 57357 لمشاركتهما العلمية المتميزة فى بحث علمى يقدم علاجا فعالا لسرطان الدماغ والذى يعد طفرة علمية فى البحث العلمى فى هذا المجال.

وأشاد الدكتور عبد الغفار بدور مستشفى 57357 الطبى والبحثى واهتمامها بالبحث العلمى وسعيها الدؤوب نحو الارتقاء به وفق المعايير العلمية، موضحا أن المستشفى يضم كوكبة من العلماء المصريين المتميزين الذين تلقوا تعليمهم بأهم الجامعات والمراكز البحثية فى العالم واكتسبوا خبرات العمل فى الخارج.

ويستمر وزير التعليم العالى والبحث العلمى فى اشادته مؤكدًا أن هؤلاء العلماء آثروا خدمة الوطن فى الداخل، معربا عن تمنياته للفريق البحثى بالنجاح فى أبحاثه لإيجاد علاج طبى فعال للسرطان يسهم فى تخفيف المعاناة عن كاهل المرضى داخل مصر وخارجها، وأبدى الرجل إستعداد وزارة التعليم العالى والبحث العلمى تقديم كافة الدعم لمؤسسة 57357 وتذليل كافة المصاعب التى تعوق رسالتها النبيلة.

لم يكن التكريم مقتصرًا على الباحثين فقط ولكن كان فى المقدمة بالطبع الدكتور عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالى الأسبق ورئيس مجلس أمناء مؤسسة سرطان الأطفال والدكتور شريف أبوالنجا الرئيس التنفيذى لمجموعة 57357 والمدير العام للمستشفى، إضافة لفريق البحث العلمى بالمستشفى الذى يضم الدكتور سامح على رئيس وحدة بيولوجيا الأورام فى المستشفى، والدكتور أحمد عبد العزيز مدير وحدة أبحاث الجينوميكس، والدكتور أحمد معوض مدير وحدة المناعة بقسم البحث العلمى بالمستشفى، والدكتور محمد هاشم رئيس وحدة الأوبئة الإكلينيكية.

وعلى صفحات الصحف تبارى الفريق البحثى بمؤسسة ومستشفى 57357 فى سرد قصة البحث بداية من رسم صورة للخلايا والتى وصفت بأنها على شكل نجمة بأذرع أخطبوطية متعددة، وتوجد تلك الخلايا النجمية عميقًا داخل دماغك، تمد أذرعها العديدة فى مختلف الاتجاهات لتقدم الدعم المستمر لخلايا الدماغ العصبية، حيث تنقل لها الغذاء وتحافظ على توازن نسب الأيونات. كذلك تساهم الخلايا النجمية فى إصلاح وترميم الأعطاب التى تصيب الدماغ على مدار الحياة، إلا أن بعض الأعطاب قد تصيبها، فتحولها إلى حالة جنونية من الانقسام غير المنضبط، لتُشكل بذلك كتلاً ورمية خبيثة سريعة النمو، تضغط على الخلايا العصبية وتعطل عملياتها الحيوية، مما قد يؤدى إلى الوفاة فى أقل من 14 شهرًا فيما يُعرف بحالة الجليوبلاستوماآ glioblastoma.

وقال الفريق إن سرطان الجليوبلاستوما يصيب أقل من 10 أشخاص من أصل 100 ألف حول العالم، إلا أن معدلات النجاة المنخفضة لمصابيه تجعل منه قضية صحية طارئة.

وتحت عنوان فرعى "تأشيرة عبور" تحكى الصحف المغامرة العلمية لـ"هبة سماحة" الباحثة فى 57357 فتقول:

فى أواخر عام 2015، حملت «هبة سماحة» أحد الباحثين المشاركين فى تلك الدراسة، معداتها وتذكرة سفر فى رحلة إلى الولايات المتحدة، حتى تعمل ضمن مشروع بحثى يهدف إلى ابتكار وسيلة لمنح الخلايا المناعية «تأشيرة عبور» تمكنها من التسلسل عبر «الحاجز الدموى الدماغى»؛ وهو تكوين مميز لجدران الأوعية الدموية يمنع الخلايا المناعية من الوصول إلى الدماغ، لما قد تحدثه من التهابات ضارة.

وتضيف «هبة سماحة» فى تصريحاتها للصحف: «فى حالة وجود أورام دماغية فتاكة كالجليوبلاستوما، قد يمثل تسلسل تلك الخلايا ــ غير المرغوب فيها ــ الحل الأمثل لمواجهة الخلايا السرطانية".

بينما توضح «شاهندة النجار» مديرة إدارة البحث العلمى فى مستشفى 57، وإحدى المشاركات فى الدراسة فى حديثها للصحف أن التأسيس للمشروع بدأ منذ فترة طويلة من خلال علاقات تعاون مع الدكتور «نبيل أحمد» المؤلف الرئيسى للدراسة أثناء وجوده بالمعهد القومى للأورام قبل سفره لاستكمال أبحاثه فى تطوير علاجات مناعية للسرطان فى «مستشفى تكساس للأطفال». أثمر ذلك التعاون هذا المشروع، الذى اُختيرت «سماحة» للمشاركة فيه نظرًا لتميزها، وبهدف نقل الخبرات والتطورات الحديثة فى مجال العلاج بالخلايا المناعية.

ماذا بعد؟

وفقًا لسماحة، فإن الخطوة القادمة أمام المشروع هى تقديم مذكرة لإدارة الغذاء والدواء الأمريكيةآ آ FDA، حتى يتسنى دخول تلك الآلية إلى مرحلة التجارب السريرية.

ومن ناحيتها أضافت «النجار» أن مستشفى 57357 سيسعى فى المستقبل إلى تأسيس وحدة أبحاث للعلاج المناعى بمساعدة الدكتور «نبيل» لتنضم إلى البرامج البحثية الحالية التى تشمل أبحاث بيولوجيا الأورام، والأبحاث الجينومية والبروتيومية وغيرها.

ومن جانبه علق الدكتور «سامح سعد على» مدير برنامج بيولوجيا الأورام بمستشفى 57357 فى تصريحه لاحد المواقع الاخبارية قائلا: «بالرغم من أن العلاج لن يُستخدم على الأغلب فى وقت قريب، إلا أنه دليل قوى أن مستشفى 57357 ليس فقط تجربة طبية فريدة، بل له دور بحثى قوى يشارك فيه العالم حربه الشاملة ضد السرطان".

الفضيحة

لم تمر أكثر من 4 شهور وتحديدا فى 21 فبراير حتى أعلنت دورية "نيتشر" ــ أكبر دورية فى العالم لنشر الأبحاث العلمية ــ، عن سحب بحث طبى أجراه فريق بحثى من مستشفى 57357، وباحثين من جامعة بايلور الأمريكية، ومستشفى تكساس للأطفال، عن علاج نوع من أورام الدماغ، وذلك بطلب من الباحثين بعد فضيحة عالمية اتهم فيها القائمون على البحث بتعديل بعض الصور.

وقالت الدورية إن الفريق البحثى المشار إليه والذى عمل تحت إشراف د. نبيل أحمد، المستشار العلمى لمستشفى 57357، وأستاذ الأورام فى جامعة بايلور بتكساس قد أعلن نجاحه فى تطوير آلية مهمة لمهاجمة سرطان الجليوبلاستوما.

وبحسب الدورية فإن القائمين على البحث، طالبوا بسحب هذه الورقة لتصحيح الأدبيات العلمية، بسبب مشكلات فى عرض الأرقام والبيانات الأساسية ولا يستطيعون تأكيد النتائج فى الوقت الحالى بالأرقام المنشورة، وبالتالى يرغبون فى سحب الورقة عدا باحثة واحدة تدعى هبة سماحة ترفض السحب.

وبحسب مواقع علمية فإن فضيحة البحث كانت فى استخدام الفوتوشوب فى عرض صور فى البحث، وهو ما يدخل تحت نطاق انتهاك الأمانة العلمية للبحث، ويتم الآن التحقيق فى الأمر.

ومن جانبنا، ننتظر رد وزير التعليم العالى على تلك الفضيحة، خاصة أنه كَرّم ومنح الفريق البحثى شهادات ودروعًا وغيرها آ عن بحث اكتشفنا أنه آ "مضروب". فهل يصمت الوزير عن هذه الفضيحة؟ وهل يستمر مستغلًا موقعه كوزير للتعليم العالى والبحث العلمى ممثلًا للحكومة فى دعم استمرار قيادة شريف أبوالنجا لمؤسسة ومستشفى بناها الشعب المصرى بأموال التبرعات التى انسابت عليه متدفقة وبالمليارات وتم تبديدها فى أمور وهمية؟!.

وهل يستمر أعضاء آخرون من الحكومة ومنهم وزيرة الصحة التى شاركت فى قيادة أكاديمية 57357 غير الشرعية لمدة سنوات وتقاضت منها أجورا تتجاوز مئات الالاف سنويًا، ووزيرة التضامن الاجتماعى التى مارس مرؤسوها وقائع تزوير لصالح شريف أبوالنجا حتى يصبح من المؤسسين للمستشفى بالباطل، أقول: هل يستمرون فى دعم إدارة57357 التي تجاوزت خطاياها حدود الدولة وأصبحت عابرة للقارات ؟. نحن فى انتظار الرد!

أيضًا هل يصمت المجلس الاعلى للإعلام الذى سبق وأصدر قراره بحظر النشر ليحصن 57357 من النقد وكشف الفساد بها؟ وهل تبقى نقابة الصحفيين ومجلسها الموقر صامتين أمام فضيحة تبنِي الصحف نشر أخبار التكريم لفريق 57357 بينما لم تنشر سطرًا واحدًا عن فضيحة الكشف العلمى الوهمى موضوع التكريم وكأنها أبواق دعاية لإدارة 57357 ؟!.
--------------------------
بقلم – أسامة داوود






اعلان