18 - 07 - 2024

خبراء في الاستراتيجية والأمن القومي: "الناتو العربي" فكرة مرفوضة في مصر لهذه الأسباب

خبراء في الاستراتيجية والأمن القومي:

- محاولة أمريكية للقفز على واقع مرير بهدف دمج إسرائيل بالمنطقة 
- القاهرة لن تقبل أي تحالف عسكري بقيادة غير مصرية أو خارج مظلة الجامعة العربية  
- حماية أمن اسرائيل وتمكينها من تصفية القضية الفلسطينية وتسللها عسكريا للمنطقة أبرز الأهداف 
- محمد رشاد: أمريكا تلقي بجزء من أعبائها على العرب.. وتستنزف ثرواتهم المادية والبشرية
- جمال بيومي: مصر ليس لديها رغبة للتورط في أي تحالفات عسكرية خارج  الجامعة 

يرجع تاريخ فكرة تحالف عسكري أو "ناتو عربي" إلى بدايات الربيع العربي عام 2011، وأعيد التفكير فيه مجددا عام 2015، وطرحت الفكرة مجددا في العام الماضي قبل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية بعد الإعلان عن صفقات أسلحة ضخمة، وقعها الجانب السعودي مع الأمريكي، ورغم ذلك تخوف المحللين السياسيين والاستراتيجيين من فكرة "الناتو العربي"، حتى لا تستطيع الولايات المتحدة من خلاله دمج الكيان الصهيوني في المنطقة عسكريا ومن ثم سياسيا واقتصاديا، بحجة تجميع قوى المنطقة وقواتها العسكرية لمواجهة البعبع الإيراني.

وتعمل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على إنشاء تحالف أمني من ست دول خليجية إضافة لمصر والأردن، والذي يعرف بشكل غير رسمي باسم "الناتو العربي"، والدول الخليجية الست هي السعودية والإمارت والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين.

ورفض المحللون  فكرة إنشاء "ناتو عربي" خارج مظلة جامعة الدول العربية، حتى لا يستطيع الكيان الصهيوني التسلل إليه، إضافة إلى العقبات الكثيرة التي تواجهه والتي تعيق تحقيق الفكرة على أرض الواقع، خاصة وأن هناك خلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن مصر ترفض المشاركة فيه حتى لا تكون تابعة وتحت قيادة من هم أقل منها خبرة بالأمور العسكرية، إضافة إلى الانشقاقات العربية، نتيجة انه يتضمن عددا محدود من الدول العربية وليس جميعها.

بداية قال اللواء محمد رشاد رئيس مركز الوعي العربي للدراسات الاستراتيجية، وكيل جهاز المخابرات الأسبق، إن الناتو العربي هو مسعى أمريكي لدمج إسرائيل في المنطقة عسكريا وسياسيا واقتصاديا، مستغلة العصا الإيرانية، باعتبار "طهران" تمثل تهديداً مباشراً لدول الخليج، مضيفا أن الرئيس الأمريكي يحاول التخلص من جزء من عبء مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية وإلقائها على عاتق العرب.

وأكد أن مصر ترفض فكرة "الناتو العربي" لأنه محاولة لدمج إسرائيل عسكريا في المنطقة إضافة إلى أنه استنزاف لأموال العرب وقوات الجيوش العربية لأنه في الغالب سيمثل الجيش المصري القسم الأكبر من هذه القوات إذا قبل الفكرة وشارك، موضحا أن مصر ترفض المشاركة في أي تحالفات أو تشكيلات عسكرية خارج مظلة جامعة الدول العربية.

وأوضح رئيس مركز الوعي للدرسات الاستراتيجية، أن السعودية تسعى للعمل خارج مظلة جامعة الدول العربية، حتى يتمتع الناتو بالغطاء الأمريكي، وتتولى الولايات المتحدة دعمه سياسيا وعسكريا، وربما تكون القيادة سعودية بدعم امريكي، وهذا ما ترفضه مصر لأنه لا يمكن أن تشارك في تشكيل قوات دون توليها دفة القيادة لأنها الأكثر خبرة من خلال الحروب التي خاضتها مع إسرائيل ومشاركتها في حرب تحرير الكويت.

واوضح وكيل جهاز المخابرات الأسبق، أن الولايات المتحدة تريد دمج إسرائيل في المنطقة وهي تعي تماما أن مصر سترفض دمج الكيان الصهيوني مهما كانت الأسباب، كما أنه لو تم تأسيس قوات تحت مظلة جامعة الدول العربية لن تتمكن إسرائيل من التسلل إليها، مؤكدا أن السعودية ستنفذ الفكرة حتى لو لم تشارك مصر فيها.

وشككت صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية، في قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على تنفيذ فكرة إنشاء "حلف ناتو عربي"، التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معللة عدم نجاحها بالخلافات الداخلية بين الدول المعنية، فدول السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر، قطعت العلاقات مع قطر، فمنذ يونيو من عام 2017، دخلت دول المنظومة الخليجية أزمة دبلوماسية أثرت سلباً على التعاون الأمني والدفاعي بين تلك الدول.

وترى الصحيفة، أن السبب الذي دفع البيت الأبيض للتفكير في إنشاء الحلف يعود إلى اهتزاز الثقة بحلف شمال الأطلسي "الناتو" في أوروبا، وخاصة بعد أن أعلنت إدارة ترامب أن دوله "فشلت في الإيفاء بتعهداتها لرفع ميزانيات الدفاع، كما أن "الفكرة ولّدت شكوكاً كبيرة حيال إمكانية تحقيقها، وذلك بسبب تعثر الجهود الكبيرة التي بُذلت من أجل توحيد الصف العربي، وأيضاً جدول الأعمال السياسية لمثل هذا المشروع والتي تعثرت كثيراً.

ويقول دوغ باندو، المساعد الخاص للرئيس الأسبق رونالد ريغان، إن إنشاء تحالف مثل "الأطلسي" في منطقة الشرق الأوسط "معيب بطبيعته"، مشيراً في ذلك إلى أحلاف قديمة سابقة، ومنها "حلف بغداد" الذي لم يستمر طويلاً، قائلا: إن الحلف يفترض أن يكون مواجهاً لمشاريع إيران وما تشكله من تهديد للمنطقة والغرب، والحقيقة أن هناك مبالغة في هذا الخطر، كما أن المشاكل الحقيقية في المنطقة مشاكل داخلية.

واعتبرت الصحيفة أن "إسرائيل، التي تعتبر عدوة لإيران ولها مصلحة في تشكيل مثل هذا التحالف، ستكون معضلة، فإلى الآن ما زالت تعتبر المعيق الأول لتحقيق السلام في المنطقة من وجهة نظر العديد من الدول العربية، بل إن بعض الدول "ما زالت ترى في إسرائيل الخطر الأكبر الذي يهدد الأمن والاستقرار العربي، وطالما لم تتوصل إلى حل سلمي وشامل للصراع، فلن يكون هناك استقرار.

وتضيف: "مشكلة أخرى قد تواجه الحلف، تتمثل بأن دول مجلس التعاون الخليجي لديها علاقات مختلفة مع إيران، ففي الوقت الذي اتخذت السعودية والإمارات موقفاً متشدداً تجاه طهران، فإن الكويت تريد علاقات أفضل، كما أن الأزمة التي افتعلتها السعودية والإمارات مع قطر، دفعت بالأخيرة إلى التقارب مع إيران وتركيا".

مصر لن تتورط

من جانبه قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر ليس لديها رغبة للتورط في أي تحالفات عسكرية، خاصة وأنها ليس لها عدائيات تطلب الممشاركة في أي تشكيلات عسكرية، كما أن جيشها قادر على مواجهة كافة العدائيات أو التهديدات على كافة الجهات.

واكد أنه لا جدوى من تأسيس "ناتو عربي" بقيادة أي دولة عربية غير مصر، لأن القيادة المصرية ليس لديها النية للمشاركة في تحالف عسكري لا تكون لها دور القيادة فيه حتى لا تتعرض لضغوط خارجية، ولا يليق بها أن تكون تابعة لدول لا تتكافأ جيوشها مع قدرات وامكانيات قواتنا المسلحة التي خاضت عدة حروب انتهت بانتصارت عظيمة.

وأوضح، أن هناك عقبات ستواجه "الناتو العربي" من بين العقبات منها المقاطعة المستمرة من جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر، كما أن الرؤية تشمل سلطنة عمان، فمن المستبعد أن تقبل بالفكرة والتخلي دورها الحيادي، موضحا أن هناك اختلاف في بعض أولويات دول الخليج  أو الدول العربية عموما وعدم اتفاقها على من هو العدو الرئيسي.

كما يعلن بيومي، رفضه لأي فكرة إنشاء تحالفات عسكرية خارج نطاق جامعة الدول العربية، حتى تكون خاضعة لإشراف عربي كامل وليست تحت القيادة الأمريكية التي من الممكن أن توظفها حسب مصالحها، إضافة إلى أن الشرعية العربية تمكن مصر من قيادتها، خاصة وان هناك اتفاقية دفاع عربي ومجلس لرؤساء أركان الجيوش العربية.

وقال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج العربي، تيم لاندركينغ، إن الإدارة الأمريكية تخطط لعقد قمة لتدشين الحلف الجديد، الذي من المتوقع أن يضم تسع دول عربية على رأسها دول التعاون الخليجي، بالإضافة لمصر والأردن والولايات المتحدة، وذلك في مقابلة مع صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية.

وقال متحدث أمريكي إن الهدف من هذا التحالف هو "التصدي للعدوان الإيراني والإرهاب والتطرف وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط"، وذلك بعد أن زاد التوتر مع إيران منذ أن أعلن ترامب في مايو الماضي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع في 2015 للحد من الطموحات النووية لطهران.

3 ملاحظات

وفي سياق أخر أبدى الدكتور علي الدين هلال، في مقال له نشرته صحيفة الأهرام الحكومية، ثلاث ملاحظات حول "الناتو العربي" تم اقتطاف الأتي منها: الملاحظة الأولي أن الفكرة تقفز علي الواقع الراهن للعلاقات بين دول مجلس التعاون، وتفترض اتفاقا في الرؤي السياسية بينها لا وجود له في الحقيقة، فهناك ثلاث دول خليجية تفرض مقاطعة اقتصادية وسياسية علي قطر وتتهمها بالتدخل في شئونها الداخلية، وهناك سلطنة عمان التي تسلك منهجا مستقلا في سياستها الخارجية، فلم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع العراق إبان حربها ضد إيران، ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع ايران وقامت بدور الوساطة وترتيب مباحثات سرية بين أمريكا وإيران قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015. وهناك قطر التي تجمعها مع ايران علاقات وثيقة.

والملاحظة الثانية، أن أمريكا تنطلق من أن الخطر الأساسي للاستقرار في الشرق الأوسط هو السياسات التوسعية الايرانية، وتتجاهل قضايا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وسعي اسرائيل لضم هضبة الجولان وهي أراض سورية محتلة، وكلها قضايا صدر بشأنها قرارات دولية واجبة التنفيذ. ولم يتناول الوزير الأمريكي هذا الصراع في خطابه بالجامعة الامريكية سوي في جملة واحدة موجزة، ولم يشرح الرؤية الامريكية لحل القضية الفلسطينية. فهل يمكن القول بأن هذا الحماس الأمريكي في العداء لإيران وتعقبها يهدف في الحقيقة الي حماية أمن اسرائيل وتمكينها من تصفية القضية الفلسطينية. 

والملاحظة الثالثة، أن هذه الفكرة يكون من شأنها تشجيع سياسة المحاور في المنطقة، بمعني انها تقتصر علي مجموعة من الدول العربية دون غيرها ولا تفتح الباب أمام مشاركة دول عربية أخري، ويدعم ذلك الانقسامات بين البلاد العربية بشكل مؤسسي وصريح، واتصور أن الطريق الصحيح هو احياء فكرة القوة العسكرية العربية المشتركة التي اقترحها الرئيس السيسي عام 2015.
---------------------
تقرير - رامـــــي إبراهيم
من المشهد الأسبوعي