30 - 06 - 2024

كيف تتجنب السقوط فى فخ نشر وترويج الشائعات؟

كيف تتجنب السقوط فى فخ نشر وترويج الشائعات؟

كانت الصدمة عنيفة ومدوية وعبارة عن "فضيحة مهنية"!

عدد كبير من وسائل إعلامية مصرية، بعضها له اعتباره المهنى، سقط فى فخ الأخبار الزائفة نقلا عن مواقع التواصل الاجتماعى، هذه المؤسسات نقلت عن حساب مجهول على "تويتر" ما اعتبرته خبطة صحفية، ونشرت خبر ترشح المهندس "محمد وجيه عبد العزيز" لتولى حقيبة وزارة النقل خلفا للدكتور هشام عرفات الذى استقال عقب كارثة حريق محطة مصر.

لم يتوقف الأمر عند نشر الخبر نقلا عن "مصادر مطلعة" أو "مصادر بوزارة النقل"، ولكن المواقع والفضائيات أسهبت فى الحديث عن مؤهلات وقدرات المرشح الجديد لوزارة النقل بأنه الشخص وراء "إنشاء جميع محطات وأنفاق السكة الحديد المطورة بفرنسا" وأنه أيضا "صاحب الطفرة فى السكك الحديدية التى حدثت بالسويد على مدار 18 سنة ماضية".

الخبر الذى انتشر انتشار النار فى الهشيم اتضح أنه مجرد اختلاق كامل، عندما كشف أحد مستخدمى "تويتر" أن هذا المرشح ليس إلا والده المتوفى عام 2008، وأن الخبر مصدره الأصلى تغريدة نشرها على حسابه الشخصى لأنه ضاق ذرعا بانتشار الشائعات على شبكات التواصل دون التأكد من حقيقتها وأنه قرر أن يختبر هذا الأمر بنفسه عن طريق تغريدة ترشح المهندس محمد وجيه لتولى وزارة النقل والتى نقلتها العديد من المواقع والقنوات دون أدنى محاولة للتحقق من المعلومات الواردة بها.

بعض الوسائل الإعلامية التى نشرت هذا الخبر المختلق، سارعت بحذفه من مواقعها عقب انكشاف الحقيقة، فى حين قام البعض الآخر بتعديل التفاصيل ليصبح الموضوع "فرقعة من السوشيال ميديا"، بينما اعتذرت بعض المواقع اعتذارا واضحا لا لبس فيه عن هذا الخبر.

آ 

آ 

تلك التجربة القاسية تكشف بوضوح غياب المعايير المهنية البسيطة بين قطاع معتبر من العاملين فى مهنة الصحافة الذين لا يحاولون حتى الإجابة عن الأسئلة الخمسة الأساسية: من، متى، ماذا، أين، ولماذا؟ أو حتى محاولة التحقق من المعلومة قبل نشرها، وربما يعود هذا الأمر للاستسهال فى عصر "السوشيال ميديا" حيث كان الحديث مع المصدر، وتأكيد المعلومة من أكثر من مصدر من الممارسات القياسية لأى صحفى فى عهود سابقة. وتلك الحادثة تطرح من جديد السؤال الهام: كيف يمكن التحقق من المعلومات بشكل عام أو بالتحديد تلك المنشورة عبر الإنترنت؟

التحقق جوهر عمل الصحفى:

العنصر الأساسى الذى يميز الصحفى هو بحثه الدائم عن حقيقة الأشياء، وهو ما يعنى باختصار التحقق من كل معلومة سيقوم بنقلها للقارىء، ويجب أن يمتلك الصحفى الحس المتشكك دائما، وهذا هو السبب الرئيسى وراء منطق تدقيق المعلومة عبر مصادر مختلفة، قبل اتخاذ قرار النشر، فلا يمكن لصحفى أو مؤسسة معتبرة أن تنشر معلومة لم تتحقق منها، كما أن عمليات التحقق تقلل تماما فرصة استخدام الصحفى جسرا لعبور الأخطاء والشائعات أو خدمة أهداف أطراف خارجية، وبطبيعة الحال فإن عمليات التحقق هى حجر الزاوية لبناء المهنية الشخصية، وصناعة اسم المؤسسة الإعلامية كمصدر ثقة.

تقييم المصدر

جزء أساسى من ثقة الصحفى بمعلوماته يأتى من تقييم المصادر، وهناك عدد من الأسئلة التى يجب أن يطرحها الصحفى على نفسه فيما يتعلق بالمصدر: هل له أجندة أو مصلحة شخصية؟ هل يعتنق وجهة نظر معينة ويرغب فى ترويجها؟ لماذا اختارك بالتحديد أو اختار مؤسستك الصحفية؟

بعد ذلك تأتى أسئلة الثقة فى هذا المصدر: هل تعاملت معه وأخذت عنه من قبل؟ ما هى درجة مصداقيته؟ ودرجة دقة معلوماته؟ ما هو مدى اطلاعه على الموضوع محل المناقشة أو المعلومات؟ هل يمتلك إمكانية الوصول إلى معلومات ووثائق فى مصادرها الأصلية؟ ما هى سمعته العامة بين زملائه ومعارفه؟

آليات التحقق من المعلومات:

فى المدرسة الإعلامية القديمة فإن القاعدة الذهبية هى الاتصال بالمصدر مباشرة والتحقق من أقواله، بالإضافة إلى تأكيد الحدث من خلال الشهود، واستخدام الذكاء فى طرح الأسئلة للوصول إلى زوايا وتفاصيل مختلفة وتأكيد المعلومات الأصلية. ويجب الأخذ فى الاعتبار عملية التحليل المنطقى الذى يركز على إعمال العقل والشك والقبول والرفض، فليس كل ما يقوله المصدر حقيقة مؤكدة.

التحقق يعنى الحركة البطيئة، والتأنى، وليست محاولة السبق الصحفى قفزا على الحقائق (يصعب سلوك هذا الطريق فى عصر الإعلام الرقمى ولكنه الحل الآمن)، ومراجعة كل المعلومات مرة وأخرى، ومحاولة فهم دوافع وقيم المصدر، والحرص على التفرقة بين المصادر الأصلية أو الأولية والمصادر الثانوية.

نقطة أخرى مهمة، وهى ضرورة التحقق من سلامة نقل المعلومات أو الوثائق أو الترجمات، فكم من ترجمة خاطئة أو نقل مبتور، أو إغفال السياق أدى إلى نتائج كارثية عند نشر الموضوع النهائى.

هذه النقاط تتعلق بعملية التحقق فى شكلها العام، أما بالنسبة للعصر الرقمى فهناك بعض القواعد العامة للتحقق من المعلومات المنتشرة على الإنترنت، ويمكن إجمال تلك النقاط فيما يلى:

اعتمد على الشهود قدر الإمكان: لا تنشر أبدا خبرا لم تتأكد من معلوماته من مصدر موثوق، وتذكر دائما أنه من الممكن أن تفوت على نفسك السبق الصحفى مقابل الحفاظ على سمعتك المهنية.

التحقق المباشر: ويتم ذلك من خلال العودة للمدرسة القديمة بالاتصال بالمصدر مباشرة وتأكيد المعلومة، وفى حالة النشر عن أحد حسابات التواصل الإجتماعى يجب الاتصال بصاحب الحساب واستكشاف حقيقة المعلومة عبر الحوار معه.

التدقيق في خلفية المصدر على وسائل الإعلام الاجتماعية: المراجعة العامة لحساب ناشر المعلومة على الإنترنت تعطيك فكرة جيدة عنه. راجع متى تم إنشاء الحساب، وخذ الحذر من الحسابات المنشأة حديثا لأنها غالبا تقوم بمهمة معينة، راجع تحديثات هذا الحساب هل ينشر بانتظام؟ ما الذى ينشره؟ هل لديهم أصدقاء ومتابعين ممن تثق بهم؟

التحقق من الفيديو

مع انتشار مواد الفيديو القادمة من المواطن، والمنشورة على شبكة الإنترنت، يجب التحقق الدقيق من هذه المواد قبل استخدامها فى المادة الصحفية الخاصة بالتليفزيون أو المواقع، وقد طورت عدد من القنوات الشهيرة مجموعة قواعد أساسية يجب الالتزام بها للتحقق من حقيقة المادة المصورة.

على سبيل المثال تستخدمآ BBCآ القاعدة الذهبية الأولى والتى تقول بضرورة التواصل مع المصدر بشكل مباشر، وهنا يتم إنجاز خطوتين للتحقق من آ المعلومات فى آن واحد: الأولى هى سؤال المصدر عن خلفية اللقطات التى قام بتصويرها والظروف المحيطة بها، والثانى هو الحصول على موافقة رسمية بحق نشر المادة التى يمتلك حقوقها. لذلك فإن البحث عن مصدر اللقطات هو القاعدة الأساسية لأى عملية تحقق.

بالإضافة إلى ذلك فإن هناك عدد من القواعد العامة المرتبطة التى يجب أن يستكشفها الصحفى قبل اتخاذ قرار النشر ومن بينها: أين جرى تحميل المادة أولا؟، التاريخ الذى تم فيه تحميل المادة؟ هل هناك دوافع وصلات حول اختيار موقع معين لتحميل المادة؟

أما التحقق من المحتوى المصور نفسه فيتم من خلال طرح أسئلة منطقية من بينها: هل هناك تطابق بين الأماكن والوقائع المصورة والمعطيات المعروفة؟ هل الكلام فى الفيديو مفهوم؟ هل اللهجة معروفة؟ ولتحقيق ذلك يمكن العودة للمراسلين المحليين فى مناطق التصوير.

إضافة إلى ذلك هناك الكثير من الأدوات التقنية المتاحة حاليا للتأكد من عدم التلاعب بالتسجيلات أو الفيديو، من بينها قراءة البيانات الوصفية المرتبطة بالفيديو، أو مراجعة خرائط جوجل، أو قت التسجيل، أو حتى حالة الطقس. ولمن يرغب فى التوسع فى تلك التقنيات يمكن مراجعة هذا الرابط

تطبيق تلك القواعد العامة تضمن لك عدم السقوط فى فخ نشر الشائعات، أو التورط فى خبر لا أساس له من الصحة، وهى الأمر الذى يضرب سمعة الصحفى المهنية فى مقتل قبل أن ينسحب الأمر على المؤسسة الإعلامية التى يعمل بها.
----------------------
تقرير- ايهاب الزلاقى 
(نقلا عن النيوزليتر)






اعلان