16 - 08 - 2024

الرقميون.. ابتسم أنت مُراقب

الرقميون.. ابتسم أنت مُراقب

(أنت مُراقب 24/24 .. إنهم يعرفون عنك كل شئ : انتمائك السياسى، تحركاتك، ماذا تشترى، وحتى ماذا تحب)، هكذا صَدَرَ ستيفن بايكر كتابه (الرقميون). للوهلة الأولى، يتصور البعض أن ثمة مبالغة قُصد منها إضافة طابع إثارة للكتاب بهدف التسويق. ما إن تشرع فى القراءة، حتى تتأكد من الحقيقة الصادمة. تتوزع أقسام الكتاب على سبع فصول (العامل، المتسوق، الناخب، المحرر، الإرهابى، المريض، العاشق).

اعتمد ستيفن،فى إعداد كتابه، على خبرته العميقة بمجالات الإنترنت والمعلومات،إلى جانب مقابلات شخصية مع متخصصين فى فروع دقيقة. سافر إلى العديد من الولايات. قابل باحثين متخصصين وصاغ نظرياتهم العلمية فى مجالات التكنولوجيا الرقمية فى قالب أدبى يستطيع القارئ غير المتخصص التعامل معه ضمن إطار جذاب نكتشف في ذواتنا، فنحن المستهلكون الذين يذهبون للتسوقفى العطلات، والعاملون فى مؤسسات تختلف خدماتها، ونحن أيضاً الناخبون الذين يبحثون عن مرشحين يعبرون عنهم ويساعدون فىالتنمية والتطوير ومواجهة الأزمات. 

تتوزع أيقونات البرامج على سطح شاشات الكمبيوتر والهواتف المحمولة. برامج عمل، واخرى لتنظيم الوقت، والعاب نتسلى بها حال الملل بعد ما عز وقت الفراغ. عادة نحصل على هذه البرامج مجاناً، مُكتفين بالضغط على زر (موافق) أسفل صفحة سياسة الاستخدام، والتى تتضمن حقوق الشركة وصلاحياتها. نادراً ما يقرأ المستخدمون الشروط، بموافقتهم، تحتفظ الشركة بحقها فى الاطلاع على ملفاتنا، ومتابعة رسائلنا الإليكترونية، ومواقع تواجدنا، وغيرها من البيانات. يجرى التسلل إلى بياناتنا وخصوصياتنا عبر زرع بُرَيمِج (تصغير برنامج)، يسمى (كوكى)، فى حواسيبنا وهواتفنا.

ما الذى تستفيده شركات البرمجيات وهل نمتلك ما يستحق أن يبحثوا عنه. تخيل أنك زرت موقع أحد الجرائد، وقرأت عموداً عن أسعار الفائدة وأثره على الاستثمار، ثم انتقلت إلى صفحة العقارات، من المحتمل أن تتنوع اهتماماتك بين البحث عن استثمار عقارى إلى البحث عن شقة للإيجار، وقد تنتقل بعد ذلك إلى أحد مواقع (السوبر ماركت)، وبينما تتجول بين منتجاته، تضغط بين الحين والآخر على أيقونات علب القهوة والحليب وأكياس الخضار وبعض ما تحتاجه فى البيت، ثم تؤكد على طلباتك بالضغط على زر موافق أسفل قائمة الطلبات التى اخترتها.

بعد نصف ساعة، أو أكثر قليلاً، يرن جرس الباب، يُسلمك مندوب المحل الأكياس المكتظة بطلباتك ومعها فاتورة الشراء، فتسلمه بطاقة الإئتمان ليمررها بخفة فى الشق المخصص لها، ويعيدها لك مع نسخة من إيصال الدفع وكلمات شكر لحرصك على الشراء من المتجر.

عبر هذه السلسلة الطويلة والممتدة من الإجراءات العفويةالتى نقوم بها على مدار اليوم عبر شاشات الكمبيوتر والهاتف، يتولى كوكى رصد كافة العمليات وإرسالها إلى خوادم الشركة (Servers) لتتولى برامج متخصصة تحليلها وإيجاد الروابط فيما بينها، العلاقة بين آلية تصفح الشاشات واتخاذ قرارات الشراء، وأيضاً معرفة/استنتاج الخطوات التالية التى يقوم بها المتصفح. يقف علماء وعباقرة الرياضيات خلف هذه التحليلات والقرارات، فهم الوحيدون القادرون على نمذجة تصرفاتنا، بمعنى تحويلنا إلى رموز ضمن معادلات رياضية، يسهل التنبوء بسلوكها وسبل اتخاذها القرارات.

بُريمج صغير لا يشغل حيزا يذكر على القرص الصلب المثبت عليه كافة معلوماتنا وبياناتنا، يتولى المراقبة والعمل، دون كلل ودون ما تغمض له عين، يرسل كل ما تقع عليه عيناه عبر الإنترنت لتتولى برامج الذكاء الإصطناعى فحصها وتدقيقها وفرزها، عقب الفرز يتحدد ثمن السلعة ووجهة الشراء، يقيناً أن لكل سلعة، مهما كانت قيمتها، من يرغب فى شرائها.
----------------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]

من العدد الأسبوعي .. اليوم مع الباعة


مقالات اخرى للكاتب

نوتردام.. تولد من جديد