24 - 07 - 2024

مبروك.. كان عندك عيد أم وراح!

مبروك.. كان عندك عيد أم وراح!

يأتى عيد الأم هذا العام، وأنا حزينة كالعادة منذ أن فقدت أمى، ولكن ما ضاعف حجم الحزن بداخلى هذا العام هو أننى عاجزة أن أرفع عينى فى عين أى أم، فأنا أعترف أننى قد إقترفت جريمة ليس فقط فى حق الأمهات، بل وحق الآباء والأجداد والبشرية جمعاء.

لا أعلم من أى قبيلة ينحدر ذلك الشيطان الجاحد الذى أوحى إلى أن أطلب من تلاميذى - فى العام الأخير من المرحلة الإبتدائية - أن يكتبوا موضوعا تعبيريا عن الأم، ولولا أنى أعرف يقينا أن الله قد أمهلهم (أى الشياطين) إلى يوم القيامة، لظننت أنه شيطان يتيم فقد أمه، وأراد بدوره أن (ينكد) على بنى البشر، أو أنه شيطان "ذكر" يحقد على معشر الرجال لأن الله وضع حدا لمعاناتهم مع زوجاتهم بالموت، بينما هو لا يستطيع أن يتخلص من حياته أو حياتها، حتى وإن دسَّ لها (بوليس النجدة) فى صحن المسقعة الذى تعشقه، فأراد أن يُسَمم بدن بنات حواء على ألسنة أبنائها وفلذات الأكباد الذين أصابوا الأم واللغة "الأم" فى مقتل .

أخذت أحدث الصغار عن فضل الأم عليهم منذ أن حملتهم أَجِنٌة، حتى بلغوا من العمر أرذله (مفيش أرذل من السن دا الصراحة.)

فى اليوم التالى طلبت من كل تلميذ أن يُلقى على الموجودين تلك الدُرَرْ القَيٌمَة التى خطها بيديه الكريمتين .

- وعلى طريقة الدكتور الشيخ مبروك عطية، قلت لأول تلميذة : إتفضلى يا زينبو، سمعينا يا بنيتى.

فبدأت التلميذة فى القراءة بحماس: إن فضل الأمهات علينا عظيم، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمى .. ثم أمى لحد آخر يوم فى عمرى.

- هنا تحجرت مقلتاى وكشرت عن أنيابى قائلة: الرسول قال أمى لحد آخر يوم فى عمرى!.. ثم أخذت أتأملها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها أكثر من مرة، علنى أستطيع أن أسبر اغوارها وأنا أقول: يا بت ..يا بت، أنا طلبت موضوع عن فضل الأم مش عن (فضل شاكر) يابت .

ثم أشرت إلى تلميذ بجوارها قائلة: إتفضل يا عبد الله .

- تلجلج الولد قليلا ثم قال: يعجز لسانى فلا أستطيع التعبير عن هذا الموضوع الشٌيِق.

قاطعته بلطف قائلة : انت بدأت بداية جميلة جدا، بس ياريت تلغى كلمة "الشٌيِق" دى، وتستبدلها بكلمات أكثر حميمية  زى - الثرى بالمشاعر الدافئة - مثلا.

أومأ برأسه موافقا ومرددًا: يعجز لسانى فلا أستطيع التعبير عن هذا الموضوع الثرى بالمشاعر الدافئة.

ثم سكت .

نظرت إليه مُشَجِعَة وأنا أقول : كمل يا عبد الله ، برافو.

- فأجاب ببرود قائلا:  مش قادر .

سألته بغضب: انت ما عملتش الواجب؟

- فأجاب بخوف : عملته والله يا ميس.

رددت قائلة : يعنى سكوتك دا على أساس إنك عاجز عن التعبير فعلا زى ما قلت فى الموجز يعنى ولا إيه!!ثم أشرت إليه بالجلوس قائلة فى نفسى: إترزع ياض ، وإن شاء الله أنا حابلغ أمك، وهى تتصرف بمعرفتها وتخليك عاجز - بجد - مش أقل من يومين قدام.

إتفضل يا عمر، هكذا قلت لأحد التلاميذ وأنا أشير إليه.

- بدا الولد واثقًا من نفسه وهو يُلقى الموضوع قائلاً: أمى هى الحنان والحب، فهى التى سهرت على راحتى وكانت تُطعمنى وتُشجعنى على الأشياء المفيدة كالأكل وسماع المهرجانات و . . ..

وهنا قاطعته قائلة بإعجاب: هو بغض النظر عن إنك مفجوع وحاصر دور والدتك فى تفويل كرشك بإنتظام، بس بتشجعك على سماع المهرجانات إزاى يعنى؟ بتوديك مهرجان القراءة للجميع واللا مهرجان القلعة؟

الولد بسرور وثقة: لا يا ميس، مهرجانات زى مفيش صاحب بيتصاحب ومهرجان إلعب يلا و.......

قاطعته متظاهرة بالوقار وأنا أتلاشى نجومًا أخذت تنفجر من عيني على إثر الصدمة قائلة: طب إقعد يلا.

- قومى يا إسراء واقرئى موضوعك.. هكذا قلت للتلميذة التى أصابها الدور، فانطلقت لا فُضٌ فوها قائلة: أمى هى أحسن شخص فى الدنيا، لا أعلم ماذا سأفعل عندما تموت......

يخرب بيت كآبتك!! هكذا قلت فى نفسى وأنا أمسك برأسى، وعلى ما يبدو أن (طَشٌة الكآبة) التى ألقتها عليَّ - دون أن تَشْهق- كان لها أثر على ملامح وجهى، خاصة عينيَّ اللتين كاد سوادهما أن يلتقي لتصبح ملامحى أقرب مايكون إلى طبق ملوخية "بايتة"، لولا وجود الحاجز الأنفى.

- قالت بقلق: هو أنا غلطت يا ميس؟

أجبت فى نفسى: لا، العفو .. دا أنا اللى غلطت وأستاهل ضرب البُلْغَة.. ثم أجبتها وأنا أحاول أن أنتقى الكلمات: يا حبيبتى ربنا يدى لماما طولة العمر، دى حفلة عيد الأم مش حفلة تأبين الأم يا أمى، إلغى الجزء الأخير دا وكملى.

- أومأت برأسها ثم أخذت تقرأ بحماس: أمى هى أحسن شخص فى الدنيا وهى تحبنى كثيرًا، و لا أعلم ماذا ستفعل عندما أموت ......

أشرت إليها مقاطعة وأنا أقول بثبات: كفاية ما تكمليش.. مادام وصلتى للمرحلة دى، ماتكمليش، أنا من رأيى نقلبه عيد "هالوين" وتدخلى ع الست الوالدة لابسة "ماسك"أسد "أخنف" ونْخَلٌص الليلة .

.....................

وبالرغم من هذه الكتابات الإعجازية التى سُقْتها لحضراتكم، وهذه المرحلة العمرية (الرذلة) إلا أننى أحب تلاميذى وأسعد كثيرا بالأوقات التى أقضيها معهم، و أزعم أن لدى تلاميذ يفوقوننى فى الكتابة والإلقاء، وما قصدت أن أنتقى هذه النماذج التى وردت بالمقال، إلا للتخفيف عن المكلومين أمثالى، ليس فقط لأنهم فقدوا أمهاتهم.. "أبسلوتلى"، ولكن لأن دولاب الفضية يكاد "يشتمنى" بسبب تكدسه بأطقم (الكوبايات) التى يتحفنى بها الصغار كل عام تعبيرا عن حبهم و إمتنانهم لشخصى.

كل عام وكل أم ما زالت تعيش بيننا أو سبقتنا إلى الجنة بخير وسعادة وراحة بال.
------------------------
بقلم: أماني قاسم
من المشهد الأسبوعي .. اليوم مع الباعة


مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف