17 - 08 - 2024

لسان حال السلطة: "خذوها فغلوها".. ماذا تبقى من ثورة 25 يناير؟

لسان حال السلطة:

لا عيش توفر ولا حرية دامت ولا عدالة اجتماعية تحققت
جورج اسحق: الدستور هو المكسب الوحيد ويسعون إلى تعديله 
د. محمد غنيم: قدرة المصريين على التغيير مكسب معنوي تحقق
د. ياسر عبدالعزيز: "الحكم الرشيد" هو ملخص مطالب الثورة 
د. محمد أبو الغار: الثورات الكبرى تحتاج إلى سنوات حتى تبلغ أهدافها
أحمد طنطاوي: مصر تحكم الآن بالثورة المضادة، وتعيد إنتاج نظام مبارك بكفاءة أقل
أحمد زيدان: ثورة يناير مبتغاها جيد لكن اختطفتها جماعة الأخوان
خالد يوسف: الثورة لم تفشل رغم عدم تحقيق أحلام المصريين
- هيثم الحريري: 25 يناير ثورة شعبية كاملة وإن رأها البعض مؤامرة 

"قوية كالفولاذ٬ حمراء كالجمر٬ باقية كالسنديان٬ عميقة كحبنا الوحشي للوطن.. عند الحاجة نموت من أجل الثورة٬ ولكن الأفضل أن نعيش لأجلها" هذه كلمات تشي جيفارا عن الثورة٬ كفكرة وقناعة٬ وسواء كانت حاضرة أم غائبة في الوجدان الجمعي لدى ملايين المصريين الذين نزلوا الشوارع والميادين في يناير 2011٬ كانت هي المحرك أيضا. 

أما الروائي الإنجليزي جورج أوريل فيقول:" الثورة سلطة ليست وسيلة وإنما هي غاية، لا يوجد من يؤسس دكتاتورية لحماية الثورة، ولكن يوجد من يقوم بثورة لتأسيس دكتاتورية٬ فلا زيادة الثروة ولا تحسن الأخلاق ولا الإصلاح ولا الثورات نجحت في الاقتراب ولو مليمتر واحد من المساواة الإنسانية" 

في الوقت الذي نحتفل فيه بمئوية ثورة 1919 ودستورها العظيم الذي يعد أهم مكتسباتها٬ ننظر بأسى وأسف على وأد آخر ما تبقى من ثورة، ما زال دم شهدائها لم يجف.

محاولات انقضاض٬ وتشويه حقائق لها شهود عيان وفيديوهات وصور توثق أحداثها٬ ولا يمكن إنكارها، عن هذا الحدث السياسي والاجتماعي الفريد من نوعه في العصر الحديث٬ وبين تحذيرات رسمية ووعد بعدم تكرار أحداثها٬ هناك من يراها تتقدم، وغالبية تراها مختطفة، ومجهضة. 

ويظل السؤال.. ماذا تبقى من ثورة رواها دم شهداء شبابها؟

الدستور..المكسب الوحيد

يرى جورج اسحق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن الدستور هو ما تبقى، ويمثل المكسب الوحيد٬ ولذلك نحن ضد التعديلات المراد ادخالها عليه،  وكان يتعين أن تنفذ الدستور أولا وتستقي منه تشريعاته تضعه موضع التطبيق٬ قبل أن تدخل تعديلات عليه، فهو "العقد الاجتماعي" الذي اتفق 98 % من المصريين عليه.

ويضيف:"  الدستور نص على تداول السلطة بمعناه الحقيقي وإجراء انتخابات حقيقية٬ فالاستقرار الذي تبحث عنه السلطة لن يتحقق إلا بتطبيق الدستور٬ أما بغير ذلك فتكون الثورة قد "أكلت أولادها".

أما شعارات الثورة الأربع "عيش. حرية. كرامة إنسانية. عدالة اجتماعية" فيسأل عنها رجل الشارع٬ هل تحقق له العيش الرغد٬ أو تحققت له العدالة الاجتماعية؟ يتابع :" السلطة تتكلم عن مشاريع عملاقة.. ومصر بالفعل تحتاج هذه المشاريع٬ ولكن أين بناء الإنسان٬ وتحقيق كرامته في ظل تعالي البنيان؟ فهل ما تحقق لثورة يناير هو اسقاط اسم (مبارك) فقط؟ في حين أن نظامه والدولة العميقة مازالت تضرب بجذورها في مصر.

الجانب المعنوي

الدكتور محمد غنيم عضو المجلس الاستشاري العلمي الأسبق لرئيس الجمهورية٬ يؤكد أن ما تبقى من يناير 2011 هو الجانب المعنوي٬ ويفسر ذلك بقدرة المصريين إذا طفح بهم الكيل، على أن يغيروا بأيديهم ما صبروا عليه سنوات.

ويضيف: " الجانب الآخر الذي يعتبر أهم مكتسبات يناير 2011 هو دستور 2014 الذي ترجم طموحات وآمال المصريين في إقامة دولة مدنية حقيقية مكتملة الأركان٬ وحريات وحقوق اقتصادية٬ والتي لم يطبق أي منها حتى الآن".

ولا يعتبر الدكتور ياسر عبد العزيز المستشار في مجالات الاتصال والإعلام أحداث يناير أو يونيو ثورات إنما يسميها "انتفاضة"٬ ويقول: " هذه الانتفاضة بلورت مطالب حيوية ومشروعة٬ وهذه المطالب مثلت حداً أدنى من التوافق لقطاعات حية في الجمهور والسياسة المصرية".

 ويضيف: عندما نسأل "ماذا تبقى؟"٬ نقول بأن ما تبقى هو هذا التوافق المتمثل في "عيش٬ حرية٬ عدالة اجتماعية٬ كرامة إنسانية"٬ وهذا التوافق ما زال موجوداً بين القطاعات الحية الأكثر اتصالا بالقيم العالمية٬ والتي يتم ترجمة هذه القيم بمفهوم "الحكم الرشيد".

كما تبقى عدد من الدروس والاخفاقات والآلام٬ درس الفوضى والتخريب٬ ودرس الفاشية الدينية٬ ودرس عدم وجود حياة سياسية حية٬ ودرس دور الإعلام المثير للجدل.

ويوضح أن مشكلة الإعلام تكمن في اكتشافنا بأن المنظومة الإعلامية المصرية بائسة ومتدهورة٬ ولديها قابلية للأداء المنحرف٬ بمعنى التحريض على العنف والكراهية٬ وإشاعة التمييز٬ واختلاق الوقائع٬ وخلط الرأي بالخبر.

وعلى مستوى الملكية، اكتشفنا أن الإعلام لا يتخطى صوت مالكه٬ ولم نستطع ضبط فكرة التعددية٬ فبعد الانتفاضة تم فتح الباب للتعدد على مصراعيه٬ فحدثت اختراقات٬ وبعد انتفاضة 30 يونيو أغلق الباب تماما٬ فأصبحنا في ظل الصوت الواحد!

ويوكد الدكتور ياسر أن المطلوب هو العودة إلى بيان التوافق الذي تمت بلورته٬ كما ظهر في شعار القوى المتصلة بالقيم العالمية٬ والذي يتلخص في جملة واحدة " الحكم الرشيد"٬ ومازال هذا البيان مطلب القطاعات المطلعة على تجارب الدول الديمقراطية٬ وبالتالي تتوسل هذه القطاعات بالقيم الدولية٬ والمطلوب استخلاص الدروس من كل ما مر علينا من أحداث٬ ونشدد على التوافق على الحكم الرشيد٬ وبناء حياة سياسية حية٬ حتى لا نسلم الدولة للفراغ٬ وأن نحارب الفاشية الدينية٬ أما المجال الإعلامي فعليه أن يخضع للضبط ويسمح له بالتعدد تحت سقف الانضباط والقانون.

الثورات الكبرى

ويرى د. محمد أبو الغار -عضو لجنة الخمسين - أن بعض أهداف الثورة لم تتحقق كاملة، لكن بعضها تحقق فعلاً، ويقول: " الثورة بالتأكيد لم تحقق أهدافها، ويرجع ذلك إلى أنها لم يكن لها قيادة واعية قادرة على أن تلم الشمل٬ ولم يكن هناك قوى أو أحزاب مدنية منظمة، وكان الثوار من مختلف الاتجاهات، يريدون التغيير السلمي٬ ولكن بدون هدف أو نظام محدد. 

ويضيف: " ثورة 25 يناير مثلها مثل كل الثورات الكبرى في التاريخ، لم تحقق أهدافها بالكامل، ولكنها بالتأكيد حققت بعضاً منها، ولْنتذكر أن أعظم ثورة في التاريخ، وهي الثورة الفرنسية، حققت أهدافها بعد عدد كبير من السنوات، وانتشرت أفكارها لتغطى القارة الأوروبية ولتنتشر في العالم كله".

ويرى أن مصر يجب أن تتقدم إلى الأمام بعمل ديمقراطي يحقق الحريات بدون فوضى، لأن ظروفنا الاقتصادية والظروف العامة في المنطقة، تشير إلى مخاطر حقيقية على الدولة المصرية التي يجب أن نحافظ عليها، بينما نحقق الديمقراطية والحرية القادمة بدون شك ولو بعد حين.

مخاوف من الإدلاء بالرأي

حاولت "المشهد" التواصل مع قياديين في حزبي "مستقبل وطن" و"حماة الوطن" لاستطلاع رأيهمها إلا أنهم رفضوا التعقيب،  وبرر أمين حزب "حماة الوطن" بالجيزة رفضه بوجوده في إحدى المناسبات ولا يستطيع الحديث، بعد ترحابه في البداية بالحوار، فيما طلب امين تنظيم حزب "مستقبل وطن" اعفاءه، بعد معرفته أن التساؤل عما تبقى من ثورة يناير.

النائب أحمد طنطاوي يقول: "لكل ثورة طبيعتها وخصوصيتها، وتعتبر ثورة 25 يناير على المستوى الشعبي، من اجمل وانبل الظواهر في التاريخ المصري كله، لكن لم يكن لديها برنامج محدد ولا قيادة واضحة، وهو ما سهل من مهمة الثورة المضادة في الانقضاض عليها ودفعها للانحراف عن مسارها"

ويضيف:" مشكلة ثورة 25 يناير الحقيقية، أنها لم تحكم، ولذلك من الظلم أن يتم محاكمتها ، لأنها كانت بحاجة الى تنظيم يؤمن باهدافها في البناء، ويعمل على تحقيقها، من خلال التعبير عن أصوات المصريين الذين خرجوا في الميادين، وترجمتها إلى سياسات وقرارات وتشريعات.

 ويتابع قائلاً :" المسافة بين الميدان والديوان كانت قصيرة وبسيطة للغاية، لكن سياسيا انحرف أبناء الثورة عن مسارها، وتاهت منهم في أوقات كثيرة، هذا لا يعني أنها فشلت، ولعلنا نتعلم من ثورة 1919، ذلك أن النجاح الحقيقي والكبير لها أنها جاءت بدستور 1923 أي بعد 4 سنوات والرسالة هنا أن الثورات تسطيع أن تنتصر ولو بعد حين".

يضيف طنطاوي : "يناير لا تزال وستظل حلماً يعيش في نفوس من شاركوا فيها ومن احبوها ولم يشاركوا فيه، هناك أناس تبدلت مشاعرهم من الثورة بسبب تصرفات ممن تصدروا المشهد باعتبارهم رموزا لثورة يناير، وهذا ظلم كبير في أن نحمل الثورة التي شارك فيها ملايين المصريين وتعاطف معها عشرات الملايين "وزر" عدد قليل منهم، وإن كان البعض بارادة مخططة أصر على تصديرهم للمشهد حتى يسهل عليه تشويه الثورة .

والمؤكد أن الحكم على نجاح ثورة يناير من عدمه سابق لأوانه، خاصة وأننا نعيش لحظات تراجع، سببها الرئيسي أن مصر تحكم الآن بالثورة المضادة، وبأناس يرون أن النجاح الحقيقي أن يعيدوا انتاج نظام مبارك بكفاءات أقل.

وينهي طنطاوي كلامه بالقول: "إن المصريين خرجوا من أجل مستقبل أفضل ولكن السلطة مصرة على إعادتهم للماضي" .

 اختطفها الإخوان

ويرى النائب أحمد زيدان أن مبتغى ثورة يناير كان جيداً، لكنها اختطفت من قبل جماعة الاخوان، الأمر الذي أدى إلى قيام ثورة 30 يونيو بهدف تعديل المسار، وهو ما قاد إلى  استقرار البلد، ومؤسسات الدولة التي عادت بكامل قوتها وعهدها، من خلال وحدة الشعب المصري.

ويضيف: " ثورة يناير مذكورة في نص الدستور، ولا يستطيع أحد انكار ذلك كونها ثورة قام بها الشعب"

واعتبر النائب السابق مصطفى جعفر ثورة يناير سلاحا ذو حدين على حد وصفه، جانبها الطيب الاطاحة بنظام ظل 30 عاماً، وكان يريد الاستحواذ على الحكم وتوريثه، وجانب الآخر أنه لم يكن هناك بديل، إذ أن الكيان السياسي الوحيد الذي حل محل الحزب الوطني، هو حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان والذي أعاد مصر إلى الخلف سنين طويلة.

 ويؤيد جعفر تصريحات الرئيس السيسي عن ثورة يناير في أن 30 يونيه كانت تصحيحا لمسارها .

ووصف النائب خالد يوسف، ثورة 25 يناير بأنها الأنبل في تاريخ الحركة الوطنية المصرية، وأعظم ما صنعه المصريون في تاريخهم الحديث، حيث توحد المصريون بكافة الأطياف على هدف واحد.

 ويضيف: "الثورة لم تفشل، وعدم تحقيق ما حلم به المصريون حتى الآن، ليس فشلاً، كما أن ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حركة شعبية واحدة".

ووصف النائب هيثم الحريري ثورة 25 يناير بأنها ثورة شعبية كاملة حتى لو رأها البعض مؤامرة وإن لم تحقق شيئاً مادياً ملموساً للمواطن حتى الآن.
-------------------
تحقيق – آمال رتيب وأحمد صلاح سلمان
من المشهد الأسبوعي