18 - 07 - 2024

شهادتي على الحوار المجتمعي حول تعديل الدستور

شهادتي على الحوار المجتمعي حول تعديل الدستور

شاركت في الحوارالمجتمعي حول التعديلات الدستورية مساء الخميس بناء علي دعوة تلقيتها مساء الأربعاء من مكتب الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب، وسألت ما إذا كنت سأحضر كمستمع أم أنه سيتاح لي التحدث، وأكد مكتب الدكتور عبد العال أن لي حق المداخلة كما أري، وقد قبلت الدعوة أولا كمواطن له الحق في أن يساهم في مناقشة الأمور العامة ، وثانيا كأستاذ علوم سياسية واجبه أن يستجيب لدعوة السلطات العامة أن يقدم المشورة عندما يطلب منه ذلك. وسأطرح في هذا التعليق بعض الملاحظات علي الإجتماع ذاته ، وما قلته فيه، لأن الصحف التي قرأتها في نسختها الورقية اكتفت بذكر ما قاله الدكتور علي عبد العال.

المدعوون في جلسة الحوار المجتمعي التي حضرتها كانوا من مجموعتين، إحداهما للشخصيات العامة والثانية لممثلي المجتمع المدني. فهمت من دعوتي أني حضرت بصفتي من الشخصيات العامة. الذين تحدثوا بهذه الصفة كانوا في أغلبيتهم الساحقة من الوزراء والمسئولين السابقين. أما ممثلو المجتمع المدني فكانوا أيضا في أغلبيتهم الساحقة من رؤساء الاتحادات الإقليمية والنوعية للجمعيات الأهلية بما في ذلك الدكتور طلعت عبد القوي رئيس الاتحاد. وكذلك حضر في هذه المجموعة الدكتور حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. وكان من أبرز من لم يحضروا من الشخصيات العامة كل من الدكتور محمد غنيم معتذرا بمرضه، والدكتور زياد بهاء الدين والدكتور مجدي يعقوب والأستاذ منير فخري عبد النور والفنان محمد صبحي.وكذلك الدكتورة هبة حندوسة التي كانت قد دعيت باعتبارها رئيسة لجمعية أهلية ، وأعتبرها أنا من الشخصيات العامة .

الدكتور علي عبد العال قبل ما ذكره في اعتذاره، الدكتور محمد غنيم أنه كان قد أبدي رأيه في مقاله الذي نشرته له جريدة المصري اليوم، وطلب رئيس مجلس النواب قراءة ملاحظات الدكتور غنيم كما جاءت في ذلك المقال وقرر ضمها لمحضر الجلسة. 

فوجئت بأن الدكتور علي عبد العال دعاني للحديث في بداية الجلسة قبل أي من الشخصيات العامة الأخري، وكنت أنتظر أن يأتي دوري بعد الوزراء والمسئولين السابقين، وكنت قد أعددت ملاحظاتي علي بلوك نوت أخذته معي لهذه المناسبة ، ولما كان قد حدد لكل متحدث خمس دقائق فقط، وكنت أتصور أني سأتحدث لمدة عشر دقائق، فقد أوجزت ما كنت أريد قوله في نقاط محددة وهي كما يلي:

اعتراضي جملة وتفصيلا علي التعديلات الدستورية للأسباب التالية:

أولا-أن هدف أي نظام قانوني ودستوري هو أن يبعث روح الطمأنينة في نفوس المواطنين، بأن القواعد الدستورية والقانونية الحاكمة لحياتهم مستقرة وراسخة ولا تتغير إلا عندما تقتضيها الضرورة، ولذلك فإن تعديل نصوص دستورية قبل أن يبدأ تطبيقها وبعد فترة لا تتجاوز خمس سنوات من إقرارها من الشعب بأغلبية ساحقة، ينفي عن هذه القواعد مصداقيتها ويشكك في جدية السلطات العامة في التعامل مع أي قاعدة دستورية أو قانونية لا تروق لها.

ثانيا - أن الهدف الحقيقي من التعديلات الدستورية هو تعزيز قبضة رأس السلطة التنفيذية علي كافة مؤسسات الدولة القضائية والتشريعية بتوليه سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية وكذلك تعيين ثلث أعضاء مجلس الشيوخ المقترح، وهو ما يتناقض مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي يقوم عليه الدستور.

ثالثا- أن سحب اختصاص مجلس الدولة في مراجعة مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة يترك صياغة التشريعات القانونية رهنا بإرادة الحكومة ومستشاريها دون أن يحظي إعدادها بالدقة والصياغة السليمة من جانب هيئة قضائية متخصصة.

رابعا- أن دعوة القوات المسلحة لتكون حكما علي الممارسة الديمقراطية ومدنية الدولة يدخلها في أتون الخلافات السياسية التي يجب أن ترتفع فوقها جميعها لكي تكرس كل جهودها لحماية الوطن من الإعتداءات الخارجية ومع الترحيب بمشاركتها في التنمية الإقتصادية إلي جانب كل من القطاعين الخاص والعام.

وأنهيت كلمتي بدعوة مجلس النواب لعدم الموافقة علي هذه التعديلات.

وقد خصني الدكتور علي عبد العال بتعليق مسهب علي مداخلتي، ذكر فيه أن بعض الدساتير جري تعديلها بعد فترة قصيرة من اعتمادها، وذكر في هذا السياق كلا من الدستور الأمريكي ودستور الجمهورية الخامسة في فرنسا، كما أشار إلي أن رئيس الدولة يقوم بتعيين القضاة في العديد من الدول. 

لم يكن تنظيم الجلسة يسمح لي بالرد علي الدكتور علي عبد العال، الذي شدد علي احترامه لما قلت، وأن المسألة مجرد خلاف في الرأي. 

والحقيقة أنه لو كان سمح لي بالرد لقلت أن السياق مختلف .. تعديلات الدستور الأمريكي العشر الأولي استهدفت تضمينه للحريات المدنية والسياسية، وتعديل دستور الجمهورية الخامسة في فرنسا لم يهددالمباديء الأساسية الديمقراطية التي يقوم عليها النظام الفرنسي ، كما أن تعيين القضاة في الدول الغربية التي ذكرها هو مهمة تشترك فيها السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية أو تتولاها لجان مختصة ويكون دور رئيس الدولة هو التصديق علي ما تنتهي إليه هذه اللجان.

أما كل من شاركوا في الحوار بعد ذلك فقد أيدوا جميعا التعديلات الدستورية، وإن كانوا قد طالبوا إما بزيادة نسب تمثيل المرأة أو حتي بإسقاط النسبة الخاصة بالمسيحيين علي اعتبار أنهم مواطنون مثل سائر المواطنين. الوحيد الذي خرج علي هذا الإجماع معي كان الوزير السابق كمال أبو عيطة الذي ألقي خطابا مفعما بالعواطف حذر فيه الرئيس السيسي ومجلس النواب من إقرار مثل هذه التعديلات.

طرحت هذا التقرير التفصيلي لأن صحفنا الموصوفة بالقومية وكذا الصحف الخاصة المستقلة في نسختها الورقية لم تشر إلا لما قاله الدكتور عبد العال والذي كان واسع الصدر في التعامل مع الجميع الذين تجاوزوا جميعا مدة الدقائق الخمس التي حددها لكل مداخلة وكنت الوحيد الذي التزم بها.
------------------------------
بقلم: د. مصطفى كامل السيد
(من صفحة الكاتب على فيس بوك)

مقالات اخرى للكاتب

شهادتي على الحوار المجتمعي حول تعديل الدستور