17 - 07 - 2024

حلايب وشلاتين ودونية بعض المصريين

حلايب وشلاتين ودونية بعض المصريين

لماذا يكون الانتماء الدينى على حساب الوطن؟ ولماذا تشابه موقف الأصوليين مع الرأسمالية الطفيلية؟

يتجـدّد (الكلام) عن النزاع بين مصر والسودان حول حلايب وشلاتين بين فترة وأخرى، خاصة بعد الموقف غيرالحكيم الذى اتخذه حسنى مبارك، عقب محاولة إغتياله فى أثيوبيا عام 1995، حيث وصلتْ حماقته بانْ خلط الخاص بالعام، ووصلتْ تلك الحماقة لدرجة إتهام السودان بتدبير محاولة إغتياله، مُـتجاهلا الوضع الشائك لمنطقة حلايب وشلاتين.  ثـمّ كانت الحماقة الثانية، عندما رفض مبارك حضور وزير خارجية مصر للمشاركة فى اجتماع وزراء الاتحاد الإفريقى، مما يؤكد إصراره على خلط الخاص بالعام.

وقد بدأ النزاع يأخذ شكلا واضحـًـا عندما استخدمتْ مصر حقها فى رفض طلب حكومة السودان السماح لها بالتنقيب عن البترول فى المياه العميقة لمثلث حلايب من خلال شركة تنقيب عالمية، وبناءً على رفض مصر تقدّمت السودان بمذكرة إلى الأمم المتحدة ضد مصر.  

وبغض النظر عن أنّ السودان كانت تابعة لمصر (طوال فترة الاحتلال الإنجليزى) فإنّ خريطة ترسيم الحدود بين مصر والسودان، بموجب اتفاقية عام1899، أوضحتْ أنّ منطقة حلايب وشلاتين ضمن الحدود المصرية.والخريطة الأصلية موجودة بمكتبة معهد العلوم والبحار بالغردقة، محافظة البحرالأحمر. 

وكما خلط مبارك الخاص بالعام وضربهما فى (الخلاط الجهنمى) الذى لايعترف بمصلحة الوطن، كذلك فعل بعض السياسيين، الذين خلطوا موضوع حلايب وشلاتين بنزعتهم الأصولية الإسلامية وضربهما فى (نفس الخلاط الفاسد) كما فعل إبراهيم شكرى وحزب العمل، حيث كتبتْ صحيفة الشعب الصادرة عن الحزب، أنّ منطقة حلايب وشلاتين سودانية. وهكذا بسبب التوجه الإسلامى (والأخوة الإسلامية) تغاضى الأصوليون فى حزب العمل عن الخرائط والوثائق التى تؤكد (مصرية) حلاب وشلاتين. 

بعد ذلك جاء الدورعلى د. السيد البدوى رئيس حزب الوفد، الذى وضع مصالح شركاته، مع موضوع حلايب وشلاتين وضربهما (فى نفس الخلاط الفاسد) حيث دافع عن الرئيس السودانى عمر البشير الذى يـُـصر على أنّ حلايب وشلاتين سودانيتان. وكتب السيد البدوى فى افتتاحية من افتتاحيات جريدة الوفد خلال شهرمارس2017، مقالا كله مديح فى (وطنية الرئيس البشير) وأكــّـد (بإصرار) على رفضه أى هجوم أو نقد للبشير. 

وإذا كان من حق السيد البدوى أنْ يُـدافع عن أمير المؤمنين عمر حسن البشير، فلماذا تجاهل دور البشير فى تهريب يهود الفلاشا إلى إسرائيل عن طريق السودان؟ فترة حكم أميرالمؤمنين السابق (جعفرالنميرى) كما أنّ السيد البدوى لم يكتب رأيه فى توظيف الدين لأغراض السياسة، كما فعل كل من النميرى والبشير. فما سر هذا الصمت حول هذا التوجه الإسلامى الذى كبـّـل الشعب السودنى، وقيـّـده بسلاسل العصورالوسطى؟ أودور أميرالمؤمنين البشير فى فصل شمال السودان عن الجنوب، بسبب إصراره على تطبيق الشريعة الإسلامية على أبناء الجنوب.  وإذا كان البعض اتهم الجنوب الانفصال، فإنّ مواطنة من (الشمال) الذى يُسيطر عليه البشير، قالت عن الانفصال ((إنه يُشبه قطع يدى أو قدمى أو قطعة من جسدى. وترى أنّ البشيرهوالذى تسبّب فى هذا الانفصال أوشارك بالجزء الأكبر فى انفصال الجنوب بسياساته المتردية اقتصاديًا وسياسيًا وإنسانيًا ضد أبناء الجنوب ولسنوات حكمه منذ عام 1989 بعد سنوات من خلع النميرى فى انقلاب عسكرى. 

وكانت الشريعة الإسلامية والتهديد بتطبيق أحكامها على الجميع دون استثناء حتى ولوكانوا غيرمسلمين، احدى أدوات البشيرفى مواجهة أبناء الجنوب ومعظمهم يدين بمعتقدات تقليدية إفريقية المنشأ بنسبة لاتقل عن 60% من جملة عددهم، إلى جانب المسيحيين ويُمثلون حوالى ربع عدد سكان الجنوب أو أقل قليلا، فكيف لهم أنْ يخضعوا لما يتعارض مع معتقداتهم؟ وكان التهديد بقطع الأيدى والجلد سيفــًـا مُسلطــًـا ليس على الجنوبيين فقط، ولكن على الشماليين أيضًا من المسلمين (رسالة السيدة السودانية فى مقال د. درية شرف الدين- المصرى اليوم 12/7/2011)  ويتذكر كل الأحرار منظرالسيدة السودانية التى لاحقها جندى وبيده كرباج ويضربها به على كل جزء من جسدها وهى تتلوى على الأرض وتزحف أمامه من مكان إلى آخر، والسبب أنها خالفتْ الشريعة الإسلامية ولبستْ البنطلون (رغم أنّ القرآن– المصدرالرئيسى للإسلاميين- ليس فيه أى نص عن تحريم لبس البنطلون) 

البداية: هى مأساة 6مليون إنسان من إقليم دارفور. بدأ الصراع بين هؤلاء البشر وحكومة السودان منذ عام 2003. ووفق ما ذكرته منظمة هيومن رايتس ووتش أنّ قوات الحكومة السودانية واحدى الميلشيات الإثنية (الجنجويد) خاضتْ حربًا مع جماعتيْن مسلحتيْن هما حركة تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة. وفى سياق هذه الحرب قامت القوات الحكومية بشن حملة منهجية من التطهير العرقى ضد المدنيين. وبين عامي 03 ، 2005 أقدمتْ الحكومة وقوات الجنجويد على إحراق وتدمير مئات القرى والاغتصاب والاعتداء على آلاف النساء. وأكدت المنظمة أنّ استمرار تدهورالوضع فى دارفور يرجع  إلى دعم الحكومة للميليشيات الإثنية والسماح بانتهاك القانون الدولى دون خوف من عقاب. وقد أدى ذلك إلى هروب أكثر من 2 مليون شخص إلى الدول المجاورة وقتل حوالى 450 ألف إنسان. بخلاف العراقيل التى تضعها الحكومة أمام فرق الإغاثة والمنظمات الإنسانية لتوصيل المساعدات لنحو 3 مليون إنسان ظلوا فى دارفور. 

وفى يوم 16/9/2004 أعربتْ 31  منظمة حقوقية عربية عن قلقها إزاء مايحدث من إبادة لأهالى دارفور. وأنّ سياسة الحكومة أدّتْ إلى تفاقم الكارثة. خاصة وأنها لم تحترم إتفاقية (أنجمينا) لوقف إطلاق النارمع جماعتىْ المعارضة. 

فمن هم الجنجويد؟ عرّفهم الكاتب السودانى عبدالرحمن عوض بأنّ الكلمة مأخوذة من قاطع طريق من عرب دارفور اسمه حامد جنجويد قام بالحرابة مع عصابته ضد القرى الافريقية من حرق ونهب عام 1985. ولما نشأ تحالف بين37 قبيلة عربية فى دارفورعام 87 إتهمتْ الحركة الشعبية لتحريرالسودان حكومات الصادق المهدى والبشير برعاية هذه القبائل العربية. فبثــّـتْ هذه القبائل الرعب فى قلوب الأطفال والنساء الأفارقة (صحيفة القاهرة5/2/2008).

 المسكوت عنه فى  الإعلام العروبى أنّ القبائل العربية قتلتْ مئات الألوف من الأفارقة المسلمين الموحدين بنفس ديانة العرب. فلماذا يقتل مسلمون موحدون مسلمين موحدين مثلهم؟ لأنّ القاتل عربى والقتيل إفريقى. ومقابل دور البشير فى فصل جنوب السودان عن شماله، حمته الإدارة الأمريكية من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، لانتهاكه حقوق الإنسان  

فهل دفاع السيد البدوى عن البشير بسبب الأراضى التى حصل عليها من السودان لإقامة مشروعات استثمارية، مُـصنــّـفة ضمن (الرأسمالية الطفيلية) وامتيازات أخرى لشركة الأدوية التى يمتلكها فى السودان؟  
----------------------
بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟