27 - 09 - 2024

بعد استدعاء الخوف من الحكم المدني وتهديد عروش المنطقة: هل ينجو السودان من المصيدة الرباعية؟!

بعد استدعاء الخوف من الحكم المدني وتهديد عروش المنطقة: هل ينجو السودان من المصيدة الرباعية؟!

- الأحزاب الكبيرة لا ترغب في "الاستوزار" والداخلية والدفاع "عسكرية"
- معتصم محمود: المجلس السيادي المختلف عليه بين المدني والعسكري نذير خطر
- على حسنين: الدستور الانتقالي وقوانين محاسبة الفساد ورموزه بين يدي الشعب 
- حسن سلمان: الثورات غالبا تنجح في مقاومة الاستبداد وتسقط في التبعية الخارجية
- الصادق المهدي: تأجيل قضية «الدين والدولة» والعلمانية ودور الجيش إلى «المؤتمر الدستوري»

بينما الثورة السودانية تستكمل أهدافها بإقامة حكم ديمقراطي مدني٬ وتناضل من أجل ذلك٬ تظهر قوى خارجية، بعضها عربي لوقف هذا الاتجاه وتغيير مسار الثورة، ويشكل تحالف مصر والسعودية والإمارات ومعهم البحرين واجهة هذا التحالف الأبرز والأكثر تأثيرا في مستقبل السودان كما يبدو للمحللين السياسيين، لتدخل الدوحة أيضا على الخط في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حكم الإخوان المسلمين في السودان، فإلى أين يسير الاتجاه، وهل سينجو السودان من هذه المخططات التي تحاول التأثير على ثورته والمطالبة بحقه في حكومة ديمقراطية؟ 

يوضح الكاتب الصحفي بأخبار اليوم السودانية معتصم محمود أن الأوضاع في السودان إلى انفراج وإن كان نسبيا٬ خاصة بعد لقاء تجمع المهنيين السودانيين والمجلس العسكري٬ ويقول: هناك اتفاق كامل على مجلس الوزراء٬ ولا يوجد خلاف حول التمثيل النيابي٬ الخلاف الآن على مجلس السيادة٬ فالعسكر يريدونه عسكريا بالكامل٬ والمدنيين يريدونه مدنيا خالصا٬ وتحالف إعلان الحرية والتغيير يريده مدنيا مدعوما ببعض العسكريين، وهنا موطن الخلاف٬ ولكن اعتقد أن الأمور يمكن أن تسير إلى الأفضل إذا كان الحل يمر بمراحل، تبدأ بتشكيل مجلس الوزراء٬ ثم المجلس النيابي٬ والبرلمان٬ ثم مجلس السيادة المختلف عليه.

ويضيف: بالنسبة لمجلس الوزراء المجلس العسكري يطالب بوزارتي الداخلية والدفاع٬ وترك اختيار بقية الوزرات لتجمع المهنيين٬ وترشيح من يناسب كل وزارة٬ والتجمع موافق تماما على هذا الطرح٬ والأحزاب الكبيرة والمشاركة في الثورة وهي حزب الأمة والحزب الشيوعي والمؤتمر السوداني كلهم أعلنوا عدم رغبتهم في “الاستوزار” ٬ فالواضح أن التجمع سيشكل الوزارات بشكل تكنوقراطي من أصحاب الخبرات والكفاءات.

قوى الخارج

أما بالنسبة للتدخلات الخارجية فيقول معتصم عنها: الدول الواضحة على الشاشة والأقرب للمجلس العسكري هي مصر والسعودية والإمارات، وبعد تمديد الرئيس السيسي للمجلس العسكري في القمة الإفريقية 3-6 شهور بدلا من 15 يوما التي حددها المجلس الإفريقي، هناك غضب شعبي، والمواطنون السودانيون اعتبروا هذا التصريح دعما للمجلس العسكري وهو أمر مرفوض، أما السعودية فأحد مستشاري ولي العهد السعودي في الشأن السوداني والإفريقي هو الفريق طه عثمان الذي كان وزيرا سودانيا مقرب من الرئيس البشير٬ وتأثيره واضح في التحركات السعودية والإماراتية وعلاقته جيدة بالمجلس العسكري، والبصمة السعودية الإماراتية واضحة في مسألة حكم السودان، وهناك توقيع اتفاق "ترتيبات أمنية" وشيك بين العسكري والحركات بأبو ظبي، وبالتالي قطر معادية لهذا التجمع المصري السعودي الإماراتي، لأنها داعمة للنظام السابق وحركة الإخوان المسلمين في السودان.  

أدوار محسومة

بينما أكد علي محمود حسنين رئيس الجبهة الوطنية العريضة أن الشعب السوداني عندما ثار أجمع على ضرورة إزالة النظام ورموزه، وعندما قام المجلس العسكري في صورته الجديدة، كانت مهمته -إن كان يعبر بالفعل عن مطالب الأمة- أن ينفذ ما يريده الشعب السوداني كأولوية ضد سلطة الانقاذ٬ وهو ما وعد به باجتثاث كل رموز النظام السابق، ولكن كان عليه إذا كان جادا تصفية مكونات الانقاذ ممثلا في المؤتمر الوطني، ولكن لم يصدر أي قرار بحله، وهناك مؤسسات أمنية جاءت لخدمة الانقاذ تقوم على فكر عقائدي إسلاموي، أيضا ما زالت مستمرة، بل وأكد الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" أنه لا نية لحل جهاز الأمن!

فكان يجب أولا حل الشرطة الشعبية والأمن الشعبي، وكل المؤسسات المكونة للنظام، والتحفظ على الرموز وليس فقط محاسبة الفاسدين ومن ارتكبوا جرائم قتل، هناك جرائم غير ذلك، جرائم سياسية بالدرجة الأولى وخاصة بتفتيت الوطن.

عندما تحركت القوات المسلحة كانت انحيازا لحراك الجماهير، والآن لا نقول ماذا عليها أن تفعل أو لا تفعل، ولكن لابد من اجتثاث رموز الانقاذ، ولكن لم يتبع ذلك تفعيل حقيقي. 

فيدرالية

ويوضح حسنين، نريد حكما ديمقراطيا مدنيا، ولا نريد قرارات من الحكم العسكري، إنما ينفذ أهداف الثورة ويكون صمام أمان للثورة ودعمها، وهو ما يستطيع القيام به أكثر من المدنيين، بعد الجلوس مع القوى السياسية لابد من الاستجابة للثوار، وتحقيق مطالب وأهداف الثورة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتطهيرها من رموز الانقاذ، وإعادة هيكلة الدولة على أساس فيدرالي حقيقي تتمثل فيه كل قوى الشعب السوداني من الأقاليم الستة. 

أما آلية تشكيل الحكومة المدنية سيحددها مدى استجابة المجلس العسكري وتحديد صلاحياته وما هي سلطاته وسلطات الحكومة المدنية، والسلطة التشريعية هل ستكون مدنية أم عسكرية أم خليط بين هذا وذاك، كل ذلك لم يحسم بعد، الأمل والطموح كان تسليم السلطة للمدنيين وتفرغ السلطة العسكرية لمحاكمة النظام السابق وحماية أمن الدولة وحدودها، وليس الانخراط في السلطة السياسية، وإعادة بناء القوات النظامية والأمنية وتحقيق السلام في السودان.

والجبهة الوطنية العريضة لديها دستور انتقالي، وقانون لمحاسبة الفاسدين، وقانون تنظيم الأحزاب السياسية، وبرنامج متكامل طرحناه على الشعب السوداني، وننتظر تفعيله، وهو ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.   

المهدي من جديد

من جهته أكد المعارض الصادق المهدي أهمية انضمام السودان للمحكمة الجنائية الدولية وفوراً، وإثبات أن الجيش لم ينفذ انقلاباً عسكرياً ضد المعزول عمر البشير، بل انحاز لمطالب الشعب، ما يسهل إمكانية تحقيق مطالب الثوار بـ«حكومة مدنية». 

وقال المهدي زعيم حزب الأمة الموقع على «إعلان الحرية والتغيير»، إنه يؤيد المحكمة الجنائية الدولية، ويطالب بالانضمام إليها فوراً، لا سيما أن السودان موقع تكوين المحكمة. وتابع: «عندما كان أحد المطلوبين رئيساً للدولة، كنا ننادي بالتوفيق بين العدالة الجنائية والاستقرار». وأضاف: «لكن الآن لا مانع من الاستجابة لمطالبها، وينبغي الانضمام إليها فوراً». 

مهلة الإفريقي

ووصف المهدي تمديد مهلة الاتحاد الأفريقي للمجلس العسكري الانتقالي بتسليم السلطة للمدنيين من 15 يوماً إلى 3 أشهر بـأنها «غير ملزمة للسودانيين»، وتابع: «إنها مجرد توصية، والمدة المقترحة ليست ملزمة، فقد نقوم بالواجب في ظرف أسبوع». ودعا المهدي للتعامل مع المجلس العسكري الانتقالي بالحكمة وليس بالانفعال، وقال: «المجلس العسكري يمثل أكثر من قيادة، ويرجى أن نتعامل معه بالحكمة لا بالانفعال»، واستطرد: «من المهم الاتفاق معه لتحديد دوره في الفترة الانتقالية». 

ونصح المهدي الإسلاميين ومؤيدي النظام المعزول «بمراجعة أنفسهم والاعتراف بجريمة الانقلاب على الديمقراطية، وبالإساءة للإسلام الذي لطخوا ثوبه الناصع باستغلاله شعاراً للبطش والإكراه كأنه مؤسسة عقابية».

وقطع المهدي باتفاق قوى «إعلان الحرية والتغيير» على برامج المرحلة الانتقالية وأهدافها، بيد أنه أشار إلى مسائل خلافية موجودة بينها، بقوله: «هناك مسائل خلافية، مثلاً أعلن بعضنا تجميد الاتصال مع المجلس العسكري، نحن عارضنا ذلك، وينبغي التعامل معه بالحكمة لا بالانفعال، ولا تجميد بل حوار».

ودعا المهدي لتأجيل نظر قضية «الدين والدولة» والعلمانية ودور الجيش إلى «المؤتمر الدستوري»، وقال مشيراً إلى مطالب علمانية الدولة: «مثل هذه التصريحات إنما توفر ذخيرة للثورة المضادة، سوف يحتج السدنة بنصر الشريعة تارة ودعم الجيش تارة.

وقال المهدي إن جهوداً تبذلها جهات كثيرة لاسترداد الأموال السودانية المخبأة في بنوك العالم، «هناك أكثر من 150 مليار دولار هي عائدات البترول؛ أين ذهبت؟». وأشار المهدي إلى ارتباط إعفاء ديون السودان البالغة نحو 60 مليار دولار أميركي، بالتطبيع مع الأسرة الدولية، الذي يتطلب بدوره «حل مشكلتنا مع المحكمة الجنائية الدولية».

أدوات الضبط

واعتبر الدكتور حسن سلمان الباحث في الشؤون الإفريقية أن الموجة الثانية من ثورات الربيع العربي استفادت كثيرا من الموجات الأولى٬ وهناك ارتفاع كبير في مستوى الوعي الشعبي٬ وقال: لا أتوقع أن تنخدع الشعوب بترويج شعارات على شاكلة "الجيش والشعب يد واحدة"٬ أو " نحن زاهدون في السلطة" والتي يعيد النظام العسكري ترويجها، فقد ثبت أن الجيوش في منطقتنا هي أدوات للضبط والسيطرة وتمثل أداة الغرب في السيطرة أكثر مما تمثل تطلعات الشعوب، والشعب السوداني معروف بالثورات، وأنه شعب دائم التطلع للحريات، ولا يخضع للاستبداد، ووصل الوضع إلي حد لا يطاق في السياسات والاقتصاد، فنزل إلى الشارع يحمل شعارات السلام والعدالة التي التف حولها الشارع كاملا والأحزاب، ليقود السودان إلى حراك لم يكن مستنكرا حتى من النظام لأنه حراك دستوري سلمي، واليوم وصل إلى اسقاط رأس السلطة السياسية، والآن ينازع على لمن تكون السلطة، هل للمجلس العسكري الذي تعاطف مع الشارع، أم أن يكون تابعا للسلطة المدنية كما هو الحال في سائر الدول الديمقراطية.

وكان استدعاء القوى الثورية للقوى العسكرية بمثابة تصريح للجيش للتدخل واعتراف بسلطته السيادية كمرحلة انتقالية، إلى أن يتسلم المدنيون السلطة، ولكن فلسفة الثورة وجوهرها هو التحرر من الاستبداد والتبعية الخارجية والثورات غالبا تنجح في مقاومة الاستبداد وتسقط في التبعية الخارجية.

موقف الرباعية

ونوه سلمان إلى التدخل العربي خاصة مصر بأن الموقف المصري منذ البداية كان منحازا للسلطة، وقال: الشارع السوداني يربط بين موقف "الرباعية" مصر والسعودية والإمارات والبحرين، فيما يتعلق بمجريات الأحداث في المنطقة، وهو ما لا يمكن فصله عما تقوم به الحكومة المصرية، والدور المصري واضح، وتأييده للمجلس العسكري بما يفهم منه أنه لا يريد الانتقال إلى حكومة مدنية، يؤكدها الزيارات المتبادلة بين المجلس العسكري السوداني والحكومة المصرية والجهات السيادية، بما يعطي رسائل سلبية بقطع الطريق على الثوار، وانتقال الحكم لسلطة مدنية، وهو ما يعود بالذاكرة إلى الحركة الثورية التي قادها الصادق المهدي وكانت مزعجة لمنطقة الخليج ومصر، والآن في ظل حالة الثورات والخوف من نجاحها في أي من دول الجوار المصري والخليجي سيؤدي إلى إلهام الشعوب، وهو ما تخشاه الحكومة المصرية.

الحكومة الجديدة

  • أشارت مصادر مطلعة أن من المرشحين لرئاسة الحكومة السودانية الانتقالية من قبل قوى الحرية والتغيير الخبيرين الاقتصاديين عبد الله حمدوك وابراهيم البدوي وبروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه.
  • قدمت قوى إعلان الحرية والتغيير مقترحا لتشكيل المجلس الرئاسي من (9) بينهم ثلاثة من الجيش وممثلي قوى الثورة.
  • يشير البيان إلى أن الحكومة التنفيذية ستكون من (17) وزيراً من الكفاءات الوطنية، وفيما يتعلق بالمجلس التشريعي الانتقالي يقتصر تكوينه على 120 عضو بنسبة 40% من النساء مع ميزانية محدودة مراعاةً للوضع الاقتصادي.
  • بدأ ضباط في الشرطة إضرابا مطالبين بـ "تنظيف الشرطة من سيطرة النظام البائد"، وفق ما أفاد به تجمع المهنيين السودانيين٬ ويطالبون بمحاسبة المتورطين في "فتح مخازن الشرطة ومنح زيها الرسمي وعرباتها للمليشيات الخارجة عن القانون."
  • طالب تجمع المهنيين السودانيين المواطنين بدعم مطالب المضربين و"التعاون مع ضباط وضباط صف وجنود الشرطة المضربين حتى ننعم جميعا بجهاز شرطي مهني يخدم الشعب في دولة القانون والمواطنة".
  • أدانت قوى إعلان الحرية والتغيير الاعتداء الذي تعرض له اجتماع حزب المؤتمر الشعبي بالخرطوم؛ داعية كل صاحب مظلمة ضد النظام القديم وحلفائه إلى اللجوء للقانون لا العنف.
    -----------------------
    تقرير – آمال رتيب