17 - 07 - 2024

بعد التراجع عن إلغاء الدعم خوفاً من تردي المعيشة: الموازنة الجديدة تسير في طريق صندوق النقد

بعد التراجع عن إلغاء الدعم خوفاً من تردي المعيشة: الموازنة الجديدة تسير في طريق صندوق النقد

- اقتصاديون: تقسيم الدعم إلى شرائح خطوة إيجابية.. ومحدودو الدخل أكثر الطبقات تضرراً
- خبراء يطالبون بتعويض المواطنين مقابل رفع الدعم عن المحروقات والسلع
- النحاس: تقسيم الدعم يحتاج إلى آلية دقيقة تحقق العدالة فى التوزيع
- عبدالمطلب: الغاء الدعم يرفع تكاليف النقل وأسعار السلع خلال الفترة المقبلة
- النجار: الموازنة الجديدة تلبي طلبات صندوق النقد الدولي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي

اعتبر خبراء اقتصاديون أن اتجاه الحكومة نحو تقسيم دعم السلع والمحروقات التي يحصل عليها المواطنون إلى شرائح مختلفة حسب استهلاك الأسر خطوة ايجابية، بيد أنهم اشترطوا أن يتم ذلك وفق آلية دقيقة تحقق العدالة في التوزيع.

وحسب الخبراء فإن الحكومة كانت تستهدف إلغاء الدعم بشكل كامل عن المحروقات، في موازنة العام المقبل، ولكنها تراجعت عن ذلك بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، على أمل أن تحقق ذلك بموازنة 2022، مستدلين بقرارها تحرير سعر بنزين 95 في الموازنة الجديدة، بعد شهرين من الاختبار.

وشهد مشروع الموازنة العامة الذي أعلنته الحكومة للعام المالي 2019/2020، قفزات كبيرة في إطار خطتها لإلغاء الدعم عن المحروقات والخدمات الأساسية بشكل كامل، مع حلول عام 2022، بعد أن قلصت دعم المحروقات بنسبة 42%.

ويرى المختصون أن الأرقام التي أعلنتها الحكومة في مشروع الموازنة جيدة، غير أنهم استبعدوا تحقيقها على أرض الواقع، بسبب السياسات الاقتصادية التي ترتكز على زيادة موارد الضرائب، بينما لم تشهد باقي موارد الدولة أي تقدم في خطة الحكومة للعام المقبل.

وقلصت الحكومة دعم المحروقات، لكنها في  المقابل رفعت الدعم المخصص للإسكان الاجتماعي ليصل إلى 3.9 مليار جنيه، كما رفعت استثماراتها المتوقعة في البنية الأساسية إلى 130 مليار جنيه، بهدف توفير 800 ألف فرصة عمل، لخفض معدل البطالة إلى 9.1%.

آلية دقيقة

الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس، يرى أن تقسيم الدعم إلى شرائح خطوة إيجابية، في ظل وجود فئات عديدة غير مستحقة لهذا الدعم، إذ لا يعقل أن يتساوى شخص فاتورة تليفونه تتجاوز الـ800 جنيه شهرياً مع آخر فاتورته تبلغ 50 جنيها.

ويضيف أن تقسيم الدعم إلى شرائح يحتاج إلى آلية دقيقة تقوم على تحقيق العدالة فى التوزيع، بحيث يتم تقسيم الشرائح حسب دخل الأسرة ككل، وليس دخل الفرد فقط، وعلى سبيل المثال فقد يبلغ دخل رب الأسرة 1200 جنيه فقط، بينما يتجاوز دخل الأسرة ككل شاملا الزوجة والأولاد أكثر من 25 ألف جنيه شهريا، وبالتالي فهذه الأسرة تعد غير مستحقة للدعم.

وعن كيفية تقسيم الشرائح، يوضح الخبير الاقتصادي، أن الفئات الأقل احتياجاً، سيتم خفض الدعم الموجه لها، بحيث يكون على سبيل المثال 30 جنيهاً بدلاً من 50 جنيهاً بالنسبة للسلع التموينية، وصولاً إلى الفئات الأكثر احتياجاً والتي ستحصل على المبلغ المخصص للدعم كاملاً.

وتمنح وزارة التموين أكثر من 120 جنيهاً كدعم شهري لكل مواطن، مقسمة إلى 50 جنيهاً دعماً سلعياً، و70 جنيهاً دعم خبز، وهو ما يسجل إجمالي 120 جنيهاً للفرد الواحد في الشهر. ويبلغ عدد المستفيدين من دعم الخبز ما يقرب من نحو 81 مليون فرد، بينما يبلغ عدد المستفيدين من دعم السلع التموينية نحو 68 مليون فرد، بحسب تصريحات الدكتور علي المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية.

إعادة هيكلة الدعم

ومن جانبه يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عامر ، أن الحكومة قامت طبقاً لخطة الإصلاح الاقتصادي، بإعادة هيكلة منظومة الدعم لضمان وصوله للمستحقين الحقيقيين، إذ جرى وضع خطة طويلة الأجل لتخفيض قيمة الدعم الممنوح على السلع والخدمات، مع توفير إجراءات لحماية الفئات المستحقة.

ويبلغ دعم السلع التموينية في موازنة العام الجاري 2018-2019 نحو 86.17 مليار جنيه، مقابل نحو 63 مليار جنيه في موازنة العام الماضي 2017-2018، ويشمل دعم السلع التموينية كلا من دعم الخبز ودعم البطاقات التموينية.

ويتفق الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب مع النحاس في أن الحكومة ستواصل إلغاء الدعم بالكامل عن المنتجات البترولية، وسيترتب على ذلك كما يقول زيادة في أسعار تكاليف النقل، وفي معظم السلع الاستهلاكية خلال الفترة المقبلة، إلى جانب فقدان الصناعة للكثير من قدرتها التنافسية، لذلك يجب تعويض المواطنين من خلال زيادة الأجور والمعاش.

ومن المؤكد كما يضيف فإنه بإلغاء الدعم، تتحول الدولة من إنفاق تحولي لا يؤدي إلى زيادة الإنتاج أو تحسين جودة المنتجات، إلى إنفاق حقيقي، يؤدي إلى زيادة في إنتاجه.

ويؤكد الخبير الاقتصادي أيمن النجار، أن الموازنة الجديدة تسير في نفس الطريق الذي رسمه صندوق النقد الدولي، لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة المصرية منذ 2016، والذي يأتي في مقدمته إلغاء الدعم المخصص لمحدودي الدخل.

ويضيف: "كانت هناك أراء لإلغاء الدعم بشكل كامل على المحروقات لالتهامه أكثر من 50 مليار جنيه، من الموازنة، وهو ما يساعد الحكومة على علاج العجز الكلي، ولكن المناقشات انتهت لإلغائه على مراحل، بما يساعد في تقليص العجز الكلي إلى 7.2 % من الناتج المحلي.

ويتابع أنه في مقابل إلغاء الدعم، فإن الحكومة أعلنت عن تطوير منظومة الضرائب بالموازنة الجديدة، ما يعني أن العبء الذي يتحمله المواطن سوف يتضاعف، لأنه سيتحمل رفع أسعار المحروقات التي تؤثر على الأسعار بالسلب، كما أنه سيكون مجبراً على دفع ضرائب أكثر، ليكون في النهاية بين فكي الحكومة تلتهمه كيفما تشاء.

ويؤكد النجار أن الأرقام التي طرحتها الحكومة بزيادة الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية والإسكان الاجتماعي والاستثمارات الحكومية في مشروعات البنية التحتية، لتصل إلى 130 مليار جنيه، بزيادة 30% عن موازنة العام المالي الحالي، يؤكد أن الحكومة توجه أموال الموازنة لخدمة المشروعات التي تنفذها القوات المسلحة.

قص ولزق

ويتفق الخبير الاقتصادي وليد مسعود مع الرأي السابق في أن الموازنة الجديدة لا تختلف في مجملها عن السابقة، فالحكومة كالعادة لم تضع فيها أي خطط واضحة لزيادة معدلات الاستثمار سواء المحلي أو الخارجي، كما لم تشير إلى خطواتها من أجل تحسين البيئة الاقتصادية، ولا خطتها في تقليص الديون إلى 89%، وهو ما يجعل الموازنة في النهاية أقرب للطموحات التي ليس لها أي أساس بأرض الواقع.

ويشير إلى غياب تطوير المحور الاجتماعي بالموازنة والمتعلق بالإنفاق على التعليم والصحة، وهو ما يرسخ فكرة أن الحكومة الحالية، تعيش على سياسة القص واللزق، فهي تأخذ من هذا البند لتطرحه في بند آخر، دون أن تقدم طفرة حقيقية في موارد الدولة، بعيداً عن فرض المزيد من الضرائب، وإلغاء المزيد من الدعم.

ويضيف مسعود قائلاً: "لا يختلف أحد على أن دعم المحروقات، لا يصل إلى مستحقيه، ولكن الحكومة في مقابل إلغائه لا تقوم بتعويض المواطنين عن ذلك، وحتى من يتم تعويضهم من العاملين بالدولة بضم العلاوات الدورية، فإنها بذلك تقوم بتعويض فئة واحدة، لا تمثل النسبة الأكبر في سوق العمل، وهي الموجودة في القطاع الخاص.

القرار ليس حكومياً

ويرى الدكتور فخرى الفقي، المساعد السابق لمدير صندوق النقد الدولي، أن خفض دعم الوقود بالموازنة العامة للدولة أمر لا مفر منه، ولم يعد قراراً حكومياً يتمتع بالرفاهية في ظل عجز الموازنة وارتفاع أسعار النفط عالمياً.

ويشير إلى أن دعم الوقود يستفيد منه المصري والأجنبي والفقير والغنى والمستحق وغير المستحق، ويكون في النهاية على حساب المصري الفقير المستحق، معرباً عن تأييده لإجراءات الحكومة الخاصة بنقل الدعم العيني إلى دعم نقدى حتى يستفيد من يستحق.

وبشأن البنود الأخرى الواردة في الموازنة الجديدة، يرى أستاذ الاقتصاد مصطفى شاهين، أن زيادة الدولار في الموازنة العامة للدولة سيكون لها أثر سلبي كبير، مؤكداً أن "هذا القرار بمثابة إعلان لتقليل الدعم المقدم للمصريين، كالصحة والتعليم والطرق".

ويضيف، أنه إذا أرادت الحكومة أن تحافظ على نفس المستوى السابق من الخدمات كالصحة والتعليم، سيكون بنفقات أعلى وزيادة أكبر؛ نظرا لارتفاع سعر الدولار، مما يزيد العجز في الموازنة العامة للدولة.

أما الخبير البترولي رمضان أبو العلا فيرى أن الزيادة المرتقبة في أسعار المواد البترولية، أمر متوقع،وليس من الضروري أن يكون ذلك التزام بموجب ببان صندوق النقد، حتى لا يحدث تذمر في الشارع، ذلك أن مستهلكي بنزين 80 أو السولار، محصورة  في سائقي التاكسي، والمواصلات العامة، والنقل، والتي يترتب عليها زيادة الأجرة، ومعاناة المواطن، في حين أن الزيادة المرتقبة ستكون في تعرفة بنزين 92.

ويرى الخبير البترولي إبراهيم زهران، أن بنزين 95 أعلى من السعر العالمي، والحكومة المصرية، لا تقدم خدمات السعر العالمي، والشارع المصري ليس بحاجة إلى هذه الزيادة في الوقت الحالي.
--------------------
كتب: رامي الحضري