30 - 06 - 2024

فلسطين غرام الدكتورة عواطف: الحكومات الأقل إخلاصا للديمقراطية أيسر على الاختراق الصهيوني

فلسطين غرام الدكتورة عواطف: الحكومات الأقل إخلاصا للديمقراطية أيسر على الاختراق الصهيوني

ذكرى النكبة وسيناء في "صفقة القرن" تدعونا لمراجعة كتابها الأخير 

 في الذكرى السنوية الحادية والسبعين للنكبة (اغتصاب فلسطين العربية) 15 مايو الجاري تذكرت أعلام فطاحل مصريين من مختلف التخصصات العلمية تبقي كتابتهم نبراسا هاديا للأجيال في فهم الصراع العربي - الصهيوني وأصوله وراهنه ومستقبله وآفاقه. ويحضرني اليوم ـ وعلى سبيل المثال ـ اسماء وأعمال الراحلين رحمهم الله الدكتور “حامد ربيع" في علوم السياسة والدعاية، والدكتور"عبد الوهاب المسيري" بموسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" ويتشرف كاتب هذا المقال بالمشاركة والاسهام في كتابتها، و الدكتور "عادل غنيم" عميد أبحاث تاريخ القضية الفلسطينية في جامعاتنا المصرية، وقد ربطت بيننا صداقة في الأعوام الأخيرة قبل رحيله الذي فجعني وأنا خارج مصر. و كان قد روى خلال زيارات تعددت لمنزله كواليس وصعوبات اعداد موسوعته "مصر والقضية الفلسطينية "الصادرة عن لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة. ولا أعلم مصير اجزائها المتبقية عن حربي 1967 و1973، بعدما أشرف على انجاز أربعة مجلدات منها قبل أن يغادرنا الى رحمه الله صيف 2017. 

 وفي هذا السياق، اتوقف عند أستاذة الصحافة وأستاذتي بكلية إعلام جامعة القاهرة الدكتورة "عواطف عبد الرحمن" اطال الله عمرها ومتعها بالصحة والعافية. فقد كانت فلسطين بالنسبة لها بمثابة غرام وسيرة حياة و وطن وبحث وعلم وكتابه وعمل منذ رسالتها لنيل الدكتوراه عام 1975 بعنوان "الصحافة المصرية والقضية الفلسطينية منذ وعد بلفور 1917 حتى الثورة الفلسطينية 1936". ولاحقا قدمت للمكتبة العربية العديد من المؤلفات المعتبرة في التلاحم العضوي بين المصير المصري  والصراع العربي الصهيوني. ولعل اصدار سلسلة "عالم المعرفة" كتابها " مصر وفلسطين " في طبعته الأولى عام 1980 وتوزيعه في مصر في توقيت صدمة صلح السادات مع تل أبيب بمثابة طلقة مدفعية ثقيلة ضد التطبيع على جبهة الوعي. 

واليوم ومع قرب افصاح الإدارة الأمريكية برئاسة "ترامب" عما يسمى بـ " صفقة القرن " ومع اللغط بشأن موضع سيناء الحبيبة في هذه الصفقة عدت الى آخر كتب الدكتورة عواطف الصادر من القاهرة تحت عنوان "المشروع الصهيوني لمصر من 1917 حتى 2017"، أبحث في صفحاته عن عون على ما هو آت . 

ويلفت الانتباه اعتبارا من مقدمة الكتاب الاشارة الى دراسة للباحث الإسرائيلي "أوفير فاتر" صدرت من معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل ابيب منذ نحو  ثلاثة أعوام بعنوان "السلام مع إسرائيل في الكتب المدرسية المصرية وما الذي تغير بين عهدي مبارك والسيسي". وقد انتهت في نتائجها  الى مزيد من التحولات اللافتة في اتجاه تحسين صورة إسرائيل وطمس القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني .وهذا من قبيل حذف ما خاضته مصر من حروب 48 و67 والاستنزاف و 1973. وأيضا ما يتعلق بمعاناة الشعب الفلسطيني ونضالاته وثوراته ضد هذا الإحتلال العنصري الاستيطاني الإحلالي. 

وفي هذا السياق ورد أن الكتب الدراسية التي صدرت حتى عام 2002 كانت تحتوي 32 صفحة عن الحروب العربية الصهيونية و3 صفحات فقط عن السلام مع اسرائيل فيما خصصت المناهج الدراسية الجديدة 12 صفحة فقط لهذه الحروب و 4 صفحات للسلام.. وهكذا وغيرها من التحولات التي تشمل تهميش القضية الفلسطينية وتجاهل نضال المصريين من أجلها ومن أجل أمنهم القومي في  مواجهة الصهيونية ومخاطرها وأطماعها وإرهابها . 

وبخصوص سيناء تحديدا، كشفت الدكتورة "عواطف" عن أرشيفات تفيد بوعي الزعيم مصطفي النحاس كرئيس لوزراء مصر خلال مباحثاته مع البريطانيين عام 1937 بخطورة تقسيم فلسطين حين أوضح للسفير "مايلز لامبسون"  ـ مبكرا وقبل عشر سنوات من قرار الأمم المتحدة ـ انه لا يستطيع ان يشعر بالاطمئنان وهو يفكر في قيام "دولة يهودية" على حدود مصر. وقال:"و ما الذي يمنع اليهود حينها من ادعاء حقوق لهم بسيناء". وكشفت أستاذتنا أيضا عن أن الصحافة الوفدية ممثلة في "كوكب الشرق" وبتاريخ 28 ديسمبر 1928 بدورها كانت قد نشرت محذرة ترجمة لمقال في الصحافة الصهيونية بالعبرية يدعو الى جعل فلسطين وطنا لليهود على ان تصبح مستعمرة بريطانية مثل كندا واستراليا وأن يجرى ضم شبه جزيرة سيناء إليها بعد اقتطاعها من مصر، وكذا الزعم بأن الحكومة المصرية كانت قد وافقت خلال زيارة الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل للقاهرة 1904 على إرسال بعثة لسيناء لدراسة امكانية اتخاذها وطنا لليهود. كما وثق الكتاب رفضمصر الرسمية في ديسمبر 2003 اقتراحا من مجرم الحرب الصهيوني ورئيس وزراء اسرائيل حينها "شارون" تحمل السلطات المصرية مسئولية الأمن بقطاع غزة لحساب تل أبيب وهي تزمع الانسحاب من القطاع تحت ضغط المقاومة الفلسطينية. و في تتبعها لمسارات التطبيع ومقاومته بعد كامب ديفيد، نبهت الدكتورة "عواطف" إلى قيام اسرائيل بسحب كميات كبيرة من المياه الجوفية بسيناء لصالح مستعمراتها في النقب وإلقاء المخلفات الضارة بالبيئة لمستعمرة "جوش قطيف" في أراضي سيناء. 

ناهيك عن المشروعات و المساعي المتوالية لشراء مساحات من أراضي سيناء واقامة مناطق استصلاح زراعي عليها لإسرائيليين يحملون جنسيات أجنبية. وفي كل هذا استعرضت جهودا مصرية للتصدي للاختراق الصهيوني، وإن تكررت محاولات الاختراق دون كلل. 

ويوثق كتاب الدكتورة "عواطف" أيضا، التصورات الاسرائيلية عن مستقبل مصر بعد ثورة 25 يناير وما تلاها من تطورات والخشية من تحول الرأي العام المعادي للصهيونية والمؤيد للحقوق الفلسطينية والعربية الى رقم في معادلة العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.

وفي هذا السياق، ظهرت في وسائل الإعلام هناك دعوات للاستعداد لاحتلال سيناء مجددا،و كما جاء على لسان المحلل العسكري للجيش الإسرائيلي "آفي فرحان" في القناة السابعة الإسرائيلية 24 فبراير 2011.

ومما يلفت النظر في تاريخ مصر مع القضية الفلسطينية ـ كما يفيد الكتاب ـ كون ان الحكومات والأحزاب والاتجاهات والرموز ضعيفة الصلة بالشعب والأقل اخلاصا للديمقراطية، كانت هي الأيسر على الاختراق الصهيوني والعمل لخدمة إسرائيل والأكثر معاداة للحقوق الفلسطينية واستعدادا للتفريط فيها.. وكذا حقوق الأمة المصرية أيضا. 

واكتفى من بين وقائع عديدة وثقتها الدكتورة "عواطف" من مصادرها بأن صحيفة " السياسة " لسان حزب الأحرار الدستوريين (حزب أقلية موالي للقصر الذي انقلب على دستور1923 وحكومات الوفد المنتخبة) مارست في عام 1929 مع انتفاضة "البراق" تحريض السلطات ضد الفلسطينيين المقيمين في مصر، كما اتخذت حكومة القبضة الحديدية برئاسة "محمد محمود" مواقف ضد انتفاضة الشعب الفلسطيني حينها، وكون الدكتاتور"إسماعيل صدقي" عندما تولي الحكومة عام 1930 شمل برعايته الصحف الصهيونية التي كانت تصدر بمصر فيما صادر ولاحق الصحف الوطنية المصرية والفلسطينية. كما كان كوزير داخلية عام 1925 هو الذي اعتقل الوطنيين الفلسطينيين الذين هتفوا ضد اللورد البريطاني بلفور عند مروره بالقاهرة في طريقه لافتتاح الجامعة العبرية بفلسطين عام 1925. 

وبالطبع استند كتاب الدكتورة "عواطف" على تراث بحثي وعلمي وصحفي وافر سابق ومقدر في مقاومة التطبيع. فثمة الاسهامات المتميزة للأستاذ "محسن عوض " وموسوعة " التطبيع والمطبعون"للدكتور "رفعت سيد أحمد" ومدرسة الآداب والترجمات العبرية بجامعاتنا، وبخاصة الدكتور إبراهيم البحراوي.وغيرهم هناك العديد ممن أضاءوا الوعي بكتابتهم الأكاديمية والبحثية والصحفية . 

فلهم جميعا الرحمة على من رحل والتحية لمن على قيد الحياة في ذكرى النكبة والتي تستنفر بدروها الحاجة لكل اشكال المقاومة .  
--------------------------
بقلم: كارم يحيى 






اعلان