17 - 07 - 2024

حملات اعلانية تتكلف الملايين وتطارد المشاهدين: تبرعات رمضان أسرار عسكرية!

حملات اعلانية تتكلف الملايين وتطارد المشاهدين: تبرعات رمضان أسرار عسكرية!

- وزارة التضامن تكتفي بإصدار تصاريح "جمع المال" ولكنها لا تراقب مصادر إنفاقه
- 55 مليار جنيه حجم نشاط العمل الخيري في مصر، وشهر رمضان الأكثر رواجاً
- معز الشهدي: بنك الطعام يوفر الغذاء للأسر الفقيرة المسجلة لدى 9000 جمعية خيرية
- عبدالحسيب: جمعية الأورمان توزع 750 ألف "كرتونة سلع" على الأسر المحتاجة 

حملات إعلانية لاتتوقف في كافة وسائل الاعلام خلال رمضان لجمعيات خيرية ومستشفيات تطلب العون، وتدعو المصريين الذي يفضل غالبيتهم إخراج زكاتهم وصدقاتهم في الشهر الفضيل إلى التبرع، الجمعيات والمؤسسات تعتبر الشهر ”لحظة مواتية" لإعلانات مثيرة للعواطف، حتى تحصد أكبر حجم من التبرعات.

ويبقى التساؤل الذي يثار مع كل رمضان، هل تخضع هذه التبرعات لرقابة وزارة التضامن الجهة المشرفة على عمل هذه الجمعيات؟ وهل هناك احصاءات رسمية عن حجم التبرعات التي يتم جمعها خلال الشهر ومصادر إنفاقها؟ وهل تصدر الجمعيات الخيرية والمستشفيات العلاجية التي تعتمد على التبرعات تقارير مالية معتمدة عن حجم ايراداتها ومصادر انفاقها؟

تفعيل الرقابة

حسب غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، يوجد في مصر نحو 48300 جمعية أهلية منها 22102 جمعية غير مسجلة، تنفق 12 ألف جمعية منها 10 مليارات جنيه سنوياً على العمل المجتمعي، لتحتل مصر بذلك المرتبة الأولى شرق أوسطياً، وذلك خلال العام 2018. 

ويبلغ حجم النشاط الخيري في مصر حسب التقديرات نحو 55 مليار جنيه من إجمالي 655 مليار جنيه على مستوى العالم، ويعد رمضان الموسم الأكثر رواجاً لسوق العمل الخيري، وهو مايكشفه حجم الإعلانات المنتشرة، حيث تتهافت وكالات الدعاية على هذه الأنشطة في هذا الوقت من كل عام، الأمر الذي يرفع تكلفة الاعلانات الرمضانية لهذه النوعية من الاعلانات، إذ وصل سعر اعلان مدته 30 ثانية فقط على إحدي القنوات الفضائية إلى 11 مليون جنيه.. وهنا السؤال: كم مليون من التبرعات سيجلبها هذا الاعلان؟

في دراسة أجرتها مؤسسة "شركاء من أجل الشفافية"، لمعرفة أوجه إنفاق التبرعات التي تحصل عليها الجمعيات الخيرية، من باب حق المتبرعين في معرفة أين تنفق أموالهم، كشفت الدراسة أنه لا توجد جمعية تقوم بنشر حساباتها وموازناتها على موقعها الإلكتروني، سوى بنك الطعام المصري، إذ ترفض الجمعيات الخيرية الإفصاح عن حجم التبرعات التي تحصل عليها، كونها حسبما ذكر مسؤولون بهذه الجمعيات أمور سرية لا يجوز لأحد الإطلاع عليها، وقال مسؤول بإحدى المؤسسات الخيرية أن أمين صندوق المؤسسة، هو الوحيد الذي يعرف حجم التبرعات، إذ ترى الإدارة أنها أرقام خاصة وسرية للغاية.

ولا ترى وزارة التضامن الاجتماعي أن التدقيق في مصادر انفاق التبرعات من صلب اختصاصاتها، إذ أن دور الوزارة بحسب ما يقوله الدكتور محمد العقبي المتحدث الرسمي بإسم الوزارة، يقتصر على مراقبة الجمعيات الخيرية المرخص لها بالعمل رسميا للتأكد من ترخيصها، وأن التبرعات التي تتلقاها تدخل فى حساباتها لتصل إلى مستحقيها، وأن تقوم الجمعية بصرفها على الأنشطة المرخصة بها، ويتعين على الجمعيات الخيرية تقديم حساب ختامى تذكر فيه الأموال التي دخلت فى حسابها وتلك التي أنفقتها.

وعند سؤاله عن حجم التبرعات التي تتلقاها الجمعيات والمؤسسات الخيرية فى رمضان هذا العام قال العقبي:" الوزارة عادة تتلقى التقارير المالية بنهاية العام المالي، وليس في شهر رمضان، وهى تقارير مالية ملزمة يتعين على الجمعيات رفعها للوزارة ضمن ميزانياتها الخاصة عن طريق حساب ختامى للعام الخاص بها، والتبرعات التى دخلت لها ومصادرها، والأموال التى أنفقتها".

ويضيف أن وزارة التضامن الإجتماعى مسئولة فقط على الإشراف والمراقبة، وإعطاء تصريح لجمع المال، ولا تتدخل نهائياً في جمع التبرعات أو معرفة أبرز المتبرعين للجمعيات الخيرية، لكن في حال تلقت الوزارة بلاغاً ضد جمعية خيرية ما، فإنها تشكل لجنة تحقيق، وإذا ثبت للجنة وقوع تلاعب مالى لدى الجمعية المشكو في حقها، فإنه يجري تحويل القائمين عليها إلى النيابة العامة، لكن إذا أظهرت التحقيقات وقوع ما يسمى بالفساد الإدارى، فإنه يكتفي بتوجيه الانذار لإصلاح تلك المخالفات.

قاعدة بيانات للمستحقين

"المشهد" قامت بمحاولة لمعرفة ما يجري لأموال التبرعات التي تتلقاها الجمعيات الخيرية، وكانت البداية مع بنك الطعام المصري المؤسسة الوحيدة التي تصدر ميزانية مالية عن أعمالها. يقول الدكتور معز الشهدي الرئيس التنفيذي للبنك، ان نشاط بنك الطعام يقوم على توزيع مواد غذائية على قاعدة بيانات مدروسة للمحتاجين على مستوي أنحاء الجمهورية من خلال العمل مع الجمعيات الخيرية، وليس من خلال العمل المباشر مع المحتاجين.

ويضيف:" لدى كل جمعية خيرية قاعدة بيانات للأسر المحتاجة لديها، ويقوم بنك الطعام بمراجعة قاعدة البيانات بكل دقة للتأكد من صحتها، وأن الأسر التي تحصل على المساعدات هى من الأسر المحتاجة فعلا، لأننا كثيرا ما نكتشف من خلال قاعدة بيانات الجمعيات الخيرية، أن هناك عدد كبير لا يستحق المساعدة، لذلك نقوم بحذفهم نهائياً، طبقاً لمعايير تم وضعها للمستحقين، إذ يقوم بعض الأشخاص بإضافة أسمائهم فى أكثر من جمعية خيرية، لذلك نقوم بتصفية القواعد البيانية، حتى تستفيد الأسر التى تحتاج المساعدة بالفعل، ويعمل تحت مظلة بنك الطعام أكثر من 9 الاف جمعية، تم اعتمادها بعد التأكد بعدم إنتمائها لأى حزب سياسي".

ويتابع بأن بنك الطعام يقوم بتوزيع الطرود الغذائية موسمياً على الأسر المستحقة فقط، ولا يدعم البنك الأشخاص القادرين على العمل، لأنه إذا قدم البنك الطعام لهؤلاء، فلن يقوم أحد منهم بالعمل نهائياً، وخلال شهر رمضان نقدم الطعام للجميع بإعتباره عملا موسميا بعكس عملنا الشهري الذي يذهب للأسر المستحقة فقط.

وعند سؤاله عن معايير الإستحقاق يقول الشهدي:" بنك الطعام يوفر المواد الغذائية لعائل أسرة أصيب بمرض مزمن ويحتاج  إلى مساعدة، أو شخص سببت له إصابة نسبة إعاقة، وكبار السن، ودور الأيتام والمسنيين، إذ يوفر البنك لهؤلاء الطعام حتى يعيشوا طوال الشهر، لكن في شهر رمضان حيث ترتفع التبرعات يقوم البنك بتوفير الطعام الجميع بما في ذلك غير القادر على العمل في رمضان، إذ يتم تصنيفه تحت مسمي "الإطعام الموسمي".

 ويتابع أن بنك الطعام يقيم موائد رمضانية فى المناطق الفقيرة التى تحتاج إلى المساعدة، إذ لا يرحب البنك بإقامة ما نسميه بالموائد العشوائية التي تجذب كثير منها أشخاصا مقتدرين.

هدف حملات رمضان

ويرى الشهدي أن الحملات الإعلانية التى يبثها بنك الطعام المصري خلال شهر رمضان تكون في فترات محدودة، وهدفها أن يكون عائدها 8 إلى 10 أضعاف تكلفتها، لذلك يسميها البنك إستثماراً وليس إنفاقاً أو مصروفاً، بمعنى إذ لم يقم بنك الطعام بتلك الحملة الإعلانية لن يستطيع أن يخدم الفقراء بالكفاءة والحجم المطلوبين.. على سبيل المثال من الممكن صرف مليون جنيه لخدمة عدد معين من المحتاجين، لكن لو وضع المبلغ في حملة إعلانية مثلا، فإن  سيجلب لي المليون 10 ملايين اخرى سيتم إنفاقها على عدد أكبر، وعادة إذا لم تعط الحملة عائداً يتراوح بين 8 الى 10 أضعاف تكلفتها لا نقوم بها.

ويؤكد الشهدي أن التبرعات التي يتلقاها بنك الطعام والكثير من الجمعيات الخيرية التي يتعامل معها يتم انفاقها على المستحقين، أما الحديث عن كثرة الإعلانات التي تذيعها الجمعيات والمؤسسات الخيرية فى شهر رمضان، فإن ذلك يرجع إلى أن الأسر المصرية تتابع التلفزيون بكثافة فى رمضان أكثر من أى وقت أخر، وتتفاعل مع المسلسلات والبرامج وهو ما يعني درجة عالية من مشاهدة الاعلانات، فضلاً عن أن الكثير من الأشخاص يفضلون إخراج زكواتهم فى رمضان دون بقية شهور العام للحصول على الثواب الأكبر، وبالتالى تكون الفائدة أكبر للجمعيات الخيرية في هذا الشهر الفضيل.

ويضيف أن ميول الناس تختلف بشأن الجهة التي يذهب اليها التبرع، فهناك بعض المتبرعين يريدون التبرع للأيتام، وآخرون لمستشفيات علاج السرطان وغيرها من المستشفيات العلاجية،  فكل شخص له ميوله فى التبرعات، مما يولد تنوعاً مطلوباً لمساعدة كل محتاج.

جمعية الأورمان

ومن جانبه يقول رضا عبد الحسيب، نائب مدير جمعية الأورمان، إن الجمعية وزعت نحو 750 ألف كرتونة سلع غذائية على المحتاجين بكافة أنحاء الجمهورية، إضافة إلى 1500 طن من اللحوم، وذلك فى وجود أصحاب الجمعية الخيرية والشؤون الإجتماعية ووكيل الوزارة، وبعض المحافظين أو نواب عنهم.

ويضيف أن جمعية الأورمان إحدى الجمعيات الخيرية التي لديها اعلانات مكثفة على الفضائيات تساعد أكثر من 5 الاف جمعية خيرية لديها ملفات عن الحالات التى تقوم بمساعدتها طوال العام، وعادة ما تعطى الأولوية للأرامل والمطلقات والأيتام ومحدودى الدخل والمرضي.
-----------------
تحقيق- بسمة رمضان  
من المشهد الأسبوعي - اليوم مع الباعة