17 - 07 - 2024

القصة الكاملة لما حدث في الكرنك: الجرافات تنتصر علي العقل والمواطنين العزل في (ابو عصبه)

القصة الكاملة لما حدث في الكرنك: الجرافات تنتصر علي العقل والمواطنين العزل في (ابو عصبه)

الهجوم بدأ مع خيوط الفجر الأولى ..وهدم البيوت تم في  وجود العفش والاحياء   

هزم منطق الجرافات والخيار الأمني، منطق التفاوض والوصول الي حلول توافقية في أزمة (نجع ابوعصبة والشقيرات) في كرنك الاقصر، الصادر ضدها قرارات إزالة لإكمال طريق الكباش بين الكرنك والاقصر، حيث شهدت القرية هجوما كاسحا شاركت فيه قوات شرطة كثيفة وجرافات وأطلقت فيه قنابل مسيلة للدموع وطلقات تحذيرية، وسبب الهجوم حالة من الفزع وسط الأهالي الذين فوجئوا بالجرافات تهدم منازلهم أثناء وجودهم بها، والذين استطاع بعضهم بالكاد انتشال عفشه منها. 

أصل المشكلة

تعتبر مشكلة (نجع ابو عصبه- الشقيرات) جزءا من مشكلة أكبر، تعد قديمة متجددة في الكرنك والأقصر المدينة والبر الغربي، وربما مناطق اخري في محيط الاقصر، وهي  صدور قرارات حكومية مفاجئة بإزالة هذه الاماكن، دون منهج واضح من الحكومة يراعي (مصلحة البشر قبل الحجر)، بما يضع المواطنين الذين يجدون أنفسهم وأطفالهم وعائلاتهم فجأة في العراء في حالة صدام مع الحكومة، قد تنتهي باعتقالات وجرحي وقتلي. وقد تكرر هذا الصدام عدة مرات، كان أبرزها في مظاهرات 2009، بسبب نجع ابو عصبه نفسه واعتراضا علي القرارات.

يعود وضع ابوعصبه الملاصق لمعبد الكرنك، بحسب المهندس صفوت سمعان المتابع لملف الإزالات، الى الستينات حيث كان أهالي النجع يسكنون المعبد من الداخل، فتم اقناعهم من السلطات بالتزحزح إلي جوار المعبد، لكن هذا لايعني انفصال نسيجهم الاجتماعي والقبلي عن نسيج باقي الكرنك – القديم والجديد –بنجوعه الثمانية عشرة، ولايعني انطباق هذه المشكلة علي "الشقيرات" الموجودين منذ عقود علي أطراف المعبد، شأنهم شان باقي نجوع وعائلات الكرنك المحيطة بالمعبد مثل البهايجة أو التماسيح أو الهمامية أو السبتيه أو الملقطة، أو غيرها.

موقف أهالي نجع ابوعصبه منذ صدورقرار إزالة منازلهم، هو قبول القرار بوصفه قرار دولة ومصلحة عليا، لكن مع المطالبة ببديل إنساني معقول لهم، وهم في هذا المجال حددوا مطلبهم في أحد خيارين، إما تعويض معقول يستطيعون أن يجدوا به مسكنا، أو مساكن بديله كما حدث مع تجارب شبيهة، وقد ظلت المشكلة في مد وجزر منذ صدور القرار حتى أحداث الثلاثاء الدامي الأخيرة، وضاعف من المشكلة هزالة التعويض المقدم من الحكومة والذي دار حول مبلغ الـ100 ألف جنيه للبيت، بوصف الأرض ليس ملك الأهالي وهي تعوضهم عن المباني فقط، وحتي هذه بأسعار لحظة إصدار القرار، دون مراعاة للتعويم والتضخم، وهي حتي ارقام هزيلة مقارنة بتعويضات 2009 في زمن اللواء سمير فرج" 

وقال المواطن الكرنكاوي محمد حسين لـ" المشهد" إن "المشكلة الحقيقية أن الحكومة تتعامل معنا بوصفنا متعدين علي أرض الآثار، وهذا غير حقيقي، نحن نمثل الجيل السادس أو السابع علي أرض الكرنك، ونحن جزء من نسيج الكرنك الاجتماعي والقبلي والعائلي ومتداخلين فيه، جاء أجدادنا مع مجيء الهجرات العربية وسكنوا قري الكرنك والزينية والعوامية، وبالتالي نحن سكان أصليون، أبناء هذه الأرض، لا اعتدينا ولا تعدينا علي أحد، وعندما تستيقظ من نومك ليقول لك أحد أن هذه البيوت التي تعيش فيها والتي ورثتها عن آبائك وأجدادك، ليست لك فإن هذا أمر ليس سهلا، وكان علي الحكومة أن تتعامل مع هذا الأمر باستعداد من كل الزوايا ماليا ونفسيا واجتماعيا، وان تضع اعتبارا للبشر قبل الحجر في أي قرار"

وتابع حسين إن "الحكومة تعاملت بشكل صادم مع الأزمة، وكنا نحن الذين نطرح الحلول تلو الحلول، بينما الحكومة تعتبر أنها يجب أن تأمر فتطاع، وقد طالبنا بديلا للسكن بسكن، علي أن تكون مساكن متجاورة حتي نعيش بنفس الجو الاجتماعي الذي كنا فيه، فضرب بمطالبنا عرض الحائط، ثم قررت التعويضات، وقامت علي أساس استبعاد التعويض عن الأرض ، باعتبار أننا (متعدين) واختصار تعويضنا في المباني، وزاد الامر سوءا، التمييز بين المباني بالطوب الاخضر أو بالطوب الأحمر، وهناك عدد من البيوت متوارث عن الأجداد بالطوب الأخضر وتعويضاتها آلاف هزيلة، أما تعويض البيوت المبينة بالطوب الأحمر فدارت في فلك الـ100 ألف جنيه  ثمنا للشقة، وهناك تعويضات لم تتعد الـ48 الف جنيه، وهو ثمن هزيل جدا بأسعار اليوم".

وقال المواطن الكرنكاوي محمود مدكور لـ "المشهد" إن "الأزمة كانت موضوعة على الرف منذ سنوات، وكانت جولات التفاوض متواصلة، وكان التصور الموجود عند الأهالي أن الحكومة ستعيد النظر في التعويضات، وتحاول أن تنصف الناس أو تقترب من مطالبهم، وحتى عندما أشيع أن القرار سينفذ بالقوة الجبرية، كان هذا عبارة عن كلام شفوي، فلم يحدث أن أرسلت للناس إنذارات مكتوبة تشعرهم بأن التنفيذ سيبدأ، لم يسمع الناس بانطلاق الحملة جديا إلا قبل الهجوم بساعات قليلة، وبدقه الساعة 12، بينما الهجوم بدأ بعد السحور بقليل، بمعني أنه حتي لو كان كل الناس علموا بالهجوم، وهذا لم يحصل، كان من الصعب أن يدبروا حالهم ويسحبوا عفشهم قبل الفجر ".

وقال شاهد عيان علي حملة هدم ابوعصبة لـ "المشهد": "ماجري كان بشعا، وهناك تعمد لإثارة الرعب والفزع لأقصي درجة باعتبار أن هذا هو السبيل لإجبار الاهالي علي الامتثال للقرار، دون الوضع في الاعتبار أن هناك أطفال ونساء ومرضي وبشر لايستحقون هذا، قوات ضخمة من الشرطة، قنابل مسيلة للدموع، صافرات متواصلة، وطلقات في الهواء، علاوة علي أن الجرافات دخلت علي البيوت والأهالي بها فكانت تهدم علي العفش وهم بها، وكان الأهالي ينتشلون العفش انتشالا، ولم يتمكن من انتشال كل عفشه في هذه العجالة وهذا الجو الإرهابي إلا من استطاع حشد أكبر عدد من الشباب معه، ونظرا لأن الجميع مشغول، والبعض كان محجوزا بالخارج غير مسموح له بالدخول، والبعض كان مشتبكا مع الشرطة، فلم يستطع الجميع سحب عفشه، وهناك أناس رأوا بعض عفشهم بأعينهم ينزل عليه الهدم"؟

وتساءل الشاهد "لم كل هذا حتى علي مستوى التنفيذ، ألم يكن من السهل أن ترسل الحكومة لنا إنذارات رسمية قبلها بأسبوع، هل كانت تتوقع مثلا أننا سنستعين بقوات من الخارج مثلا أو نطالب بالتدخل  الدولي أو نقيم متاريس مثلا؟ نحن في النهاية مواطنون عزل، أيا ماكان الامر كنا سنمتثل، لكن علي الأقل كنا سنخرج دون هذه الإهانات". وختم الشاهد": الغريب في الأمر أن النواب أخبروا الناس قبلها بأيام أن الأمر كله سيؤجل لما بعد العيد، فهل كانت هذه خدعة؟ وهل يجوز في الشهر الكريم أن يتم بهدلة الناس بهذه الطريقة".   

هذا وقد شهد محيط منطقة ابو عصبة التحامات بين شباب من المنطقة وقوات الشرطة، وتأكد اصابة شاب واحد، بينما راجت أنباء عن إصابة اخرين، كما راجت أنباء عن احتجاز  الشرطة لأعداد من الشباب "تردد" أن أعدادهم وصلت الستين شابا، ولم تصدر من الشرطة بيانات تنفي أو تؤكد ذلك.

وقد شهدت منطقة "الهيلتون" بالنجع التحتاني بالكرنك، صباح أمس الأربعاء مناوشات بين الشرطة والأهالي، تم تطويقها.

على الصعيد الإنساني، شهدت الكرنك أكبر حالة تضامن إنساني في تاريخها مع ضحايا القرار، حيث تجمع عشرات الشباب من مختلف النجوع والعائلات منذ فجر الثلاثاء حول نجع ابوعصبه ومنطقة الشقيرات دعما لأهالي المنطقتين، وساعدت أعداد كبيرة من الشباب في انتشال العفش ومساعدة الأهالي علي الخروج، كما كتبت مجموعات شبابية وجمعيات مدنية نداءات علي الفيس بوك، طالبت فيها بتوجه سباكين وكهربائيه ونجارين متطوعين لنجع ابوعصبه من أجل البيوت التيلازالت تنتظر الهدم" كي  تكون البيوت خالية تماماً من أي شئ مثل المراوح والتكييفات والأبواب والشبابيك والألومتال والحمامات، حتي لايحدث ماوقع يوم الثلاثاء الدامي. 

كما خرج المئات من سكان الكرنك بوجبات إفطار يوم الثلاثاء، مادفع الأهالي إلي تنظيم هذه الوجبات بحيث تقدم لكل ناحية أو منطقة 200 وجبة افطار كل يوم بالتوالي، كما تم توفير  شقق ومساكن للحالات العاجلة. 

من جهتها، دعت مبادرة (لم شمل الكرنك) أبناء الكرنك إلي تحرك عاجل يدعو الي توسيط عقلاء وشخصيات عامة لاحتواء الموقف. ودعا المستشار ياسر طامع علي صفحة المبادرة إلى  "تدخل أصحاب الرأى والمشورة لدى القيادات التنفيذية لإيقاف التصعيد المستمر لما له من خطورة على أبناء الكرنك وعلى الأمن العام، وبعد أن تم إغلاق الأذان عن الاستماع إليهم، وحتى نخرج من هذه الدائرة المغلقة.
--------------------
خاص – المشهد