17 - 07 - 2024

قراءة في أحوال المشمولين بالعفو: "الباب الدوار".. سياسة النظام مع معتقلي الرأي

قراءة في أحوال المشمولين بالعفو:

السيسي الأكثر عفوا عن المسجونين بـ 8661 مسجونًا بينهم متهمون مثيرون للجدل ولا يستحقون العفو
 رواد التواصل الاجتماعي: تقييد حرية النبلاء كان كارثة والإفراج عنهم تصحيح متأخر
- د. محمد الذهبي: لا محاكمات استثنائية ولا عفو استثنائي حتى لا نهدر الأحكام القضائية
- طارق نجيدة: نظريا يمكن أن يقدموا للمحاكمة وفعليا العفو أسقط القضية
- نجاد البرعي:
 صعب أن نعتبر هذا الإجراء يمثل انفراجة للحريات في مصر

نادرا ما يتفق الرأي العام السياسي على أمر أو قرار٬ إلا أن قرار النيابة بإخلاء سبيل 5 من "معتقلي العيد" المتهمين بمشاركة جماعة محظورة في تحقيق أهدافها، هم السفير معصوم مرزوق والدكتور يحيى القزاز  والدكتور رائد سلامة والدكتور عبد الفتاح البنا ونيرمين حسين، كان مثار احتفاء من الجميع.

وجاء قرار النيابة بعد أيام قليلة من إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخميس23 مايو، قرارًا بالعفو عن 560 سجينًا٬ ليصل بذلك عدد من شملهم العفو الرئاسي منذ تولي الرئيس السيسي الحكم في يونيو 2014، نحو 8661 مسجونًا. ونص القرار على أن يعفى 560 في هذه القائمة من العقوبة الأصلية أو ما تبقى منها والعقوبة التابعة المحكوم بها، ما لم يكن أيٌّ منهم محكوماً عليه في قضايا أخرى.

ورغم أن هذا القرار بإطلاق السراح والإفراج أسعد الكثيرين، إلا أنه جاء محملا بالتساؤلات في ظل وضع انتظار محاكمة المخلى سبيلهم من الحبس الاحتياطي٬ واستمرار غيرهم في الحبس بنفس التهمة! 

وقال مصدر قضائي إن التحقيقات في القضية لا تزال جارية، على الرغم من قرار إخلاء سبيل المتهمين، الذي اتخذته النيابة في إطار استكمال عناصر التحقيق في القضية، التي لم يتم التصرف فيها بالحفظ أو الإحالة إلى المحاكمة حتى الآن.

غير مسبوق

من جهته أكد الدكتور محمد الذهبي أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة أن قرار العفو الرئاسي أحد السلطات التي يمنحها الدستور للرئيس٬ ولم يتغير هذا الحق مع تغيرات أو تعديلات الدستور المصري٬ ولكن الملفت بحسب الدكتور الذهبي استخدام الرئيس السيسي المكثف لهذا الحق٬ وهو ما لم تشهده مصر في عهد السادات سوى مرتين٬ ولم يستخدمه الرئيس مبارك مطلقا خلال 30عاما، ولكن استخدمه الرئيس مرسي وأثار الرأي العام كونه عفا عن عدد من المحكومين في قضايا إرهاب، واستخدمه الرئيس السيسي بشكل أكبر.

وأضاف: عادة يتم العفو وفقا لشروط لائحة السجون٬ والأعراف والتقاليد٬ ولكن من الملاحظ أن بعض المفرج عنهم ممن شملهم العفو الرئاسي أثار اللغط٬ لأن منهم من لم يمضِ نصف المدة أو محكوم بحكم نهائي، فحتى لا نهدر الأحكام القضائية لابد ألا يكون هناك محاكمات استثنائية ولا إفراج استثنائي.

العفو والإفراج

وأوضح المحامي طارق نجيدة أن العفو الرئاسي يعني إسقاط العقوبة والحكم، أما الإفراج من الحبس الاحتياطي، فهؤلاء متهمون في قضايا لم تصل إلى المحاكمة٬ وبالعفو الذي شملهم أصبحوا أحرارا.

وأكد أنه من الناحية النظرية يمكن أن يقدموا للمحاكمة وتنظر القضايا المقدمة ضدهم، ولكن فعليا لن يتم ذلك، فهو يسقط القضية ضمنا، كما أن العفو الرئاسي عن محكومين ليس له شروط، ويجوز لرئيس الجمهورية أن يعفو عن أي شخص حتى لو بعد يوم من صدور الحكم.

أما الإفراج الشرطي فيكون وفقا لعدد من الشروط متى انطبقت على المسجون كان الإفراج حقا له، وتبعا لما صرح به الرئيس السيسي في مطالبته للجنة العفو أن الحالات التي يتم بحثها يجب ألا تكون متهمة بالإرهاب أو القتل أو المخدرات. 

وأوضح حسن أبو العينين المحامي بالنقض أن "قرار العفو الرئاسي استهدف فئة الشباب" مشيرا إلى أن قرارات العفو الرئاسية توالت تباعا منذ انطلاق مؤتمر الشباب الأول عام 2016 تحت رعاية الرئيس وكأحد ثمار حوار السيسي مع الشباب. 

وتضم القائمة فتيات ألقي القبض عليهن عام 2015 خلال مظاهرة بمدينة دمياط الساحلية والمعروفة إعلاميا بقضية "بنات دمياط".

تصحيح متأخر وجزئي

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، مع إخلاء سبيل 5 من الناشطين السياسيين وهم السفير معصوم مرزوق وعبدالفتاح الصعيدي البنا والدكتور رائد سلامة والدكتور يحيى القزاز والناشطة نرمين حسين، على خلفية الاتهامات الموجهة إليهم بالانضمام إلى جماعة محظورة وتكدير السلم والأمن العام ونشر أخبار كاذبة.

وبين عدم التصديق والترحيب والريبة من استغلال ذلك، جاءت تدوينات المغردين حول الخبر، خصوصاً أن الإخلاء جاء متزامناً مع استمرار حبس آخرين.

وأعاد الحقوقي جمال عيد صياغة الخبر: "‏تم وقف استمرار الظلم والإفراج عن ٤ سجناء رأي، معصوم مرزوق، رائد سلامة، يحيى القزاز، نرمين حسين.. العدل هو منع حدوث الظلم أو عقاب الظالم، والإفراج عن الآلاف من الأبرياء في السجون".

وقال الكاتب الصحفي الكبير أحمد النجار: "تقييد حرية النبلاء (السفير معصوم مرزوق، والدكتور رائد سلامة، والدكتور يحيى القزاز، والأستاذة نرمين حسين، والأستاذ عبد الفتاح البنا) كان كارثة لحرية الرأي، والإفراج عنهم تصحيح متأخر وجزئي وننتظر الإفراج عن كل أصحاب الرأي السلميين.

وقائع دامية

وعلى الرغم من أن قائمة العفو الرئاسي تضم عددا من المحكوم عليهم في قضايا أعقبت وقائع دامية شهيرة بالإسكندرية والقاهرة والجيزة ومحافظات أخرى، إلا أن المحامي الحقوقي نجاد البرعي لا يرى رسالة سياسية واضحة من قرار العفو.

وقال البرعي: من الصعب أن نعتبر أن هذا الإجراء يمثل انفراجة للحريات في مصر، ربما تكون هذه سياسة الباب الدوار، فهناك من يخرج من السجن في نفس الوقت الذي يدخل فيه آخرون٬ حينما اطّلعت على القائمة تبدّى لي أن بعض الأسماء تعود لأشخاص كان قد حكم عليهم بالسجن المؤبد في أحداث مجلس الوزراء عام 2011، وأيضا هناك عدد من الأسماء أدين أصحابها فيما يعرف بمذبحة كرداسة، ومعروف أن معظم المحكومين في هذه القضية من الإخوان المسلمين، لكن هذا لا يعني أن هناك تطورا كبيرا رغم أهمية هذا العفو.

 وتابع "الإفراج عن الكاتب عبد الحليم قنديل لا يعني أن حرية التعبير في مصر تشهد انفراجة، ما تزال هناك مشاكل كبيرة تتعلق بإغلاق مواقع إلكترونية وحبس عدد كبير من الصحفيين، مثل رئيس تحرير مصر العربية وغيره، وقبل أيام ألقي القبض على اثنين من الناشطين اللذين تخليا عن الاشتغال بالسياسة منذ فترة طويلة، ووجهت لهما اتهامات متنوعة من بينها مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها".

تساؤلات القرار

ولم يمر قرار العفو الرئاسي الأخير دون إثارة التساؤل فعلق خالد داود الرئيس السابق لحزب الدستور، قائلًا على حسابه في فيسبوك: "الله على الرأفة الرئاسية، شهرين فقط في الحبس بعد قتل أربعة مواطنين أبرياء عن طريق الخطأ ثم عفو رئاسي للضباط المدانين، طيب مفيش للسادة الضباط حبس احتياطي زي اللي احنا بنعاني منه 15 في 15 ثم 45 في 45 إلى أبد الآبدين؟".

القرار لم يكن هو وحده سبب الجدال بسبب تضمنه إطلاق سراح 9 ضباط شرطة قتلوا 4 أفراد من أسرة واحدة، وسجنوا شهرين فقط من بعد صدور حكم نهائي بحبسهم 7 سنوات.

  • عام 2017 أصدر الرئيس السيسي قرارًا بالإفراج عن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي المتهم بقتل المطربة سوزان تميم بعدما كان محكومًا عليه بالمؤبد 15 عاما وخرج بعد نصف المدة.
  • أيضًا سبقه  قرار رئاسي بالعفو عن صبري نخنوخ، والمحكوم عليه بالسجن 28 عامًا بتهمة حيازة أسلحة بدون ترخيص.
  • كان مع "نخنوخ" في نفس قرار العفو رجل الأعمال مجدي طبيخة، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في جريمة قتل شاب عمدًا، بسبب تعطل سيارته أمام قصره في مدينة رشيد، وجاء العفو بعد أيام قليلة من تأييد محكمة النقض للحكم الصادر ضد "طبيخة" بالسجن المؤبد.
  • أول مرة يتم إطلاق سراح معتقلين سياسيين من المحسوبين على التيار الإسلامي بهذاالعدد، خاصة وأن من بين المفرج عنهم 14 من المتهمين فيما يسمي بـ"مذبحة كرادسة".
    -----------------------
    تقرير – آمال رتيب