17 - 07 - 2024

العشماوي في قبضة الدولة، حسنا، ولكن كيف تحول ضابط متميز إلى إرهابي مخيف

العشماوي في قبضة الدولة، حسنا، ولكن كيف تحول ضابط متميز إلى إرهابي مخيف

هل اتهام العشماوى فى مذبحة دير الأنبا صموئيل صحيح؟
المخابرات العامة المصرية تتسلم أمير "المرابطين" وعمرو سعد المطلوب الأخطر بعد العشماوى
الإعدام ينتظر العشماوى بعد فتح الصندوق الأسود لإرهابيي المنطقة

ترى ما الذى اختلج فى قلب ومشاعر، وعقيدة ضابط بالجيش المصرى ينتمى الى سلاح الصاعقة، حتى يتحول الى إرهابي؟! ما الذى طرأ عليه من تغيير؟! أم ان التطرف كان راسخاً، ولم يجد منفذاً ليخرج منه الى حينما اقترن بالقوة المتمثلة فى خبرة التعامل مع السلاح والصحراء، والمعلومات التى لا تتاح الا لعناصر القوات المسلحة، ما الذى يدفع المنوط بالحماية لخيانة وطن وشعب، وجودهما يسبق وجود الأديان، ويسمو فوق العقائد المغلوطة التى تفتق ضميره على اعتناقها، انه هشام على عشماوى مسعد ابراهيم، ذلك الضابط المتميز الذى انضم للكلية الحربية في 1996 عندما كان عمره 18 عاما، ليثبت تفوقا ونباهة مقارنة ببقية الطلاب.ظهرت عليه علامات التشدد الدينى؛ مما دفع أجهزة الاستخبارات لمراقبته. وحوكم عسكرياً بعد اكتشاف تحريضه للجنود على عدم الإنصياع لأوامر القيادات.

وبعيداً عن مراحل التحول التى يبدو انها استغرقت وقتاً طويلاً، لإبعاده عن موقعه، اذ تم فصله فى عام 2011، ساعد وجوده فى القوات المسلحة ومعرفته بمنطقة سيناء –تحديداً- فى تكوين الحصيلة المعرفية لديه من معلومات عن طبيعة الاماكن والتعامل مع الكمائن، والضباط، وأعداد الأفراد فى الكتائب، وغيرها من الطبيعة الجبلية الوعرة التى تساعده وأنصاره على الهرب بعد أى عملية ارهابية، وهو ما مكنه من النجاح فى عدد كبير من العمليات التى نفذها ضد الجيش والشرطة. مستخدماً تكتيكات الصفوف التى خدم سابقا فيها!

وتبلور حنينه لتسييد ما يعتقده على المجتمع، خلال حكم الاخوان، وبعد الإطاحة بهم صار ينفذ عملياته الانتقامية ضد كل من قاوم ذلك الحكم، كوّن "عشماوي"، المكنى بأبو عمر المهاجر، خلية إرهابية، والتحق بتنظيم "أنصار بيت المقدس" الذي اسمى نفسه بعد ذلك "ولاية سيناء" بعد مبايعته لتنظيم "داعش"، ثم انشق عن "داعش" واعلن تكوين جماعة "المرابطين" التى تتبع فكر تنظيم القاعدة.

لماذا المرابطون؟

بعد هجوم الواحات الذي قاده العشماوى على كمين الجيش فى أكتوبر 2017، توجه إلى ليبيا، ليتسنى له إمارة تنظيم "المرابطون" هناك، التنظيم عبارة عن جماعة مسلحة تتبنى الفكر "السلفي الجهادي"، أُعلن تأسيسها في 23 أغسطس عام 2013، بعد اندماج فصيلين من أنشط الفصائل الإسلامية المسلحة بشمال مالي والصحراء الكبرى. حسب "رويترز".

المفاصلة الجهادية

يؤمن عناصر التنظيم بالرؤية الفكرية لتنظيم القاعدة، والمؤسسة على ضرورة "المفاصلة الجهادية" مع الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي و"حلفائها الغربيين"، تمهيدا لإقامة "دولة الخلافة الإسلامية" لتطبيق أحكام الإسلام. - طبقا لبوابة الحركات الاسلامية -، وهو ما يدفعنا للتفكير، كم من الاشخاص العاديين فى مجتمعنا يؤمنون بضرورة ارساء دولة الخلافة؟ كم عشماوي يسكنون بيننا، ويتجولون ليل نهار، بل ولهم حزب سياسي يشرعن وجودهم خلاله،  والبعض منهم ينتظر الفرصة او الجرأة أو المبرر، لحمل السلاح وتفريغه فى صدور ابناء الجيش والشرطة، مضافا إليهم الاقباط، باعتبارهم المانع الأكبر لتأسيس حلم الخلافة.

 بنظرة فاحصة وقراءة متأنية للأفكار التى نفاجأ بها فى بعض البرامج التليفزيونية، وبعض الصحف، والأبحاث، وبعض مناهج التعليم الازهرية، وفضفضات الموتورين على مواقع التواصل الاجتماعى، وعمليات الذئاب المنفردة التى لا تنتمى لتنظيمات، وكراهية المختلفين دينياً، وصرخات الأئمة المتطرفين فى خطب الجمعة، وحملات تكفير الاخر الدينى، التى لا تنقطع، وقضايا ازدراء الاديان التى لنا فيها خير مثال.

 بعد تأمل كل هذا، سوف نجد الف عشماوي فى وسطنا، لم يكن هشام ارهابياً لكنه اصبح كذلك، لأن الفكر تمكن منه، فالأصل فى الإرهاب فكرة، إذا اصلحناها وفرنا حماية اكبر للمستقبل.

كل متطرف هو مشروع إرهابى، يهدد أمن ومستقبل مصر، ومزيد من القمع لن يصلح التفكير، لابد من تجفيف منابع الأفكار، عبر التخلص من تراث أسود لأئمة الدم، الذين يمثلون للبعض مرجعا شرعياً، وما هم إلا مرجع دموي.

انظروا للمتعاطفين معه عبر مواقع التواصل الاجتماعى وانتم تتيقنون مما اقول، فبالرغم من أن عشماوي هو المتهم الأول والرئيسي فى «مذبحة الفرافرة»، إلا أن بعض المنتمين الى التيار السلفى، تعاطفوا معه ودونوا ذلك على صفحات "فيس بوك" الخاصة بهم، وهو ما يثير الدهشة، وقد استغل أسوأ استغلال من الإعلام المعادى لمصر، حتى أن بعض المنابر الإعلامية، منها موقع "يورو نيوز" الإخبارى، نشر أنه المعارض البارز، مما اثار استياء المصريين، وألقى بظلاله على دور هيئة الاستعلامات فى التعامل مع الإعلام الاجنبى وتوصيف الارهابيين بالمعارضين، واعتذر الموقع عن تلك السقطة، لكن هناك دائما وجه آخر للأحداث، فقناعة من يكتب وينشر ظهرت فى البصمة الاولى للخبر، تلك القناعة التى تتملك جزء من مجتمعنا، فيتصورون أنهم يخدمون الله باستهداف الجيش والشرطة والاقباط.

التجنيد المرعب

الأمر الأكثر خطورة أن هشام لم يكن الضابط الوحيد الذى استولى الارهاب على نفسه، وصور له أنه أحد حُماة الاسلام، ومرسى دعائم دولة الخلافة، بل إن هناك من تشارك معه ذلك فى قضية الواحات، وكان ضابطا مفصولا أيضا من سلاح الصاعقة، إنه عماد عبد الحميد الذى عاش داخل أسرة ميسورة الحال في مدينة سموحة بمحافظة الإسكندرية، وتخرج في الكلية الحربية بسلاح الصاعقة عام 1998، وخدم في أنشاص، حتى صدر قرار بفصله ونقله إلى وظيفة مدنية عام 2006. دخل "عماد" 41 سنة، في مشادة مع قائده أثناء أحد الاجتماعات "قاطع كلامه عدة مرات"، وعلى إثرها تم عمل تحريات تسببت في فصله ونقله إلى وظيفة بالإدارة المحلية، حسبما يقول صديقه المقرب نادر عبد الرازق، ضابط قوات مسلحة بالمعاش، والمتهم في القضية 160 عسكرية "المعروفة بـ "الهجوم على مأمورية الواحات"، لتمويله الإرهابيين بالطعام، أى أن نادر أيضا كان ضابطا لكنه بالمعاش، وذلك طبقا لنص تحقيقات النيابة المعلنة والمنشورة، في القضية رقم 160 عسكرية، والمعروفة بـ"الهجوم على مأمورية الواحات".وتضم القضية 53 متهمًا بينهم 37 محبوسًا و10 هاربين و6 آخرين مخلى سبيلهم بتدابير احترازية، وأبرزهم عبدالرحيم محمد عبدالله المسماري "ليبي الجنسية".

توطدت علاقة عماد بالإرهابي هشام عشماوي، ولاحظ المتهم فى نفس القضية نادر عبد الرازق، ظهور أفكار "جديدة وغريبة" على صديقه عماد عبد الحميد؛ بدءًا من رفضه الانتخابات مبررًا "دي مش من الدين"، إضافة إلى حضوره دروس دين مع شيخ يدعى محمد بسيوني في مسجد "حمزة" بمدينة سموحة. يقول المتهم نادر إن "عماد" أبلغه إن الشيخ يتحدث فقط عن الجهاد، وفي أحد المرات أثناء ذهابه للصلاة شاهده وهشام عشماوي يحضران الدرس. وتحولت حياة عماد الدين إلى التطرف أكثر بعد تولي "مرسي" الحكم آنذاك، فبدأ يحاول إقناع صديقه بالحاكمية (أي الحكم لله وحده وما عداه فهو كفر)، مستشهدًا في حديثه بالآية الكريمة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون". هذا ما يفعله بعض المشايخ فى دروس الدين فى مساجدنا، يحندون الإرهابيين فكرياً ويبثون فى نفس كل واحد منهم الرغبة فى حمل السلاح.

الكلام لا يحتاج إلى تعليق لأن حالة عماد تؤكد أن تجنيد أى شخص مهما كانت هويته المهنية، والوطنية، أمر يعتمد على سيولة أفكاره تجاه مسألة حكم الدين، وهكذا كان عماد على طريق هشام وهو المتهم رقم 10 في القضية التي حملت رقم 423 لسنة 2013 والمعروفة بـ"تنظيم أنصار بيت المقدس" 1"

ويوم 20 أكتوبر 2017، هاجمت قوات الشرطة (قطاع العمليات الخاصة والأمن الوطني) معسكر "الشيخ حاتم" ما أسفر عن استشهاد 16 ضابطًا وإصابة 11 آخرين، ومقتل وإصابة 15 آخرين، وهروبه وآخرين في الصحراء رفقة الضابط المحتجز آنذاك محمد الحايس. وتمكنت القوات المسلحة من قتل الإرهابي عماد عبد الحميد و8 إرهابيين آخرين وتحرير الضابط محمد الحايس، والقبض على الإرهابي الليبي عبدالرحيم المسماري الذي يُحاكم وآخرين بقضية "الهجوم على مأمورية"

فى انتظار الاعدام

تنتظر أحكام الإعدام هشام العشماوى،بعد أن تسلمته مصر خلال زيارة الوزير عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية إلى ليبيا، الثلاثاء الماضى، بعد قرابة سبعة أشهر من إلقاء القبض عليه في مدينة درنة الليبية. وذلك طبقاً للبيان الصادر عن الجيش الوطني الليبي، ذلك الحكم الصادر غيابياً، بحق هشام علي عشماوي مسعد إبراهيم، مع 13 آخرين في ديسمبر 2017، بعد إدانتهم بقتل ضابطين و26 مجنداً فى القضية التي تحمل الرقم 1 لسنة 2014 إدارة المدعي العام العسكري، والمعروفة إعلاميًا بـ«مذبحة الفرافرة»،.وكذلك فى القضية المعروفة إعلامياً بـ«أنصار بيت المقدس الثالثة» في فبراير 2015، التي استهدفت الكتيبة "101"، وقتل فيها 29 عنصراً من القوات المسلحة المصرية، وصدر الحكم فيها فى أكتوبر 2017 بالإعدام غيابياً له و10 آخرين فى القضية التي تضمنت 3 وقائع رئيسية هي تفجير القنصلية الإيطالية بالقاهرة ومقر الأمن الوطني بشبرا الخيمة ومحاولة اغتيال المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة. وذلك من واقع اوراق القضايا محل الذكر.ومن المقرر قانوناً، أن تشرع النيابة في إجراءات إعادة محاكمته فى القضيتين المحكوم عليه فيهما أمام محكمة الجنايات العسكرية.

مذبحة دير الأنبا صموئيل

عن ضلوع هشام العشماوى فى ارتكاب حادث دير الأنبا صموئيل، هذه المعلومة غير دقيقة، فالإرهابى المتحفظ عليه حالياً ارتكب عدد من الجرائم الإرهابية، ليس من بينها حادث المدق، لأن تنظيم داعش اعلن حينها مسؤوليته عن الحادث والعشماوى انشق عن داعش منذ فترة طويلة، كما أن أجهزة الأمن أعلنت حينها أن الشبهات تحوم حول خلية الإرهابى الهارب عمرو سعد عباس ابراهيم - داعش الصعيد- الذى يتبنى تفجيرات الكنائس. وشارك في العمليات الإرهابية التي استهدفت الهجوم على كنيستي مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، وأعلنت وزارة الداخلية عن مكافأة مالية بمبلغ 500 ألف جنيه لمن يتقدم بمعلومة تُمكن أجهزة الأمن من ضبطه".

وأعلن هشام في مقطع صوتي، تم تداوله في يوليو 2015، تأسيس تنظيم "المرابطين" الموالي لتنظيم القاعدة، داعياً إلى "الجهاد"، وبعد بث التسجيل الصوتى اصدر" داعش" إعلانا أهدر فيه دم هشام عشماوى، لانه انشق عنها، وذلك كما ذكرنا فى عام 2015، بينما وقع حادث دير الانبا صموئيل فى يونيو 2017، واعلن داعش مسؤوليته فكيف يكون هشام شريكاً فيه ؟ وبالطبع لا نقارن التواريخ لنفى الاتهام عنه، ولكن لضبط الجانى الحقيقى الذى أعلنت الداخلية حينها أن الشبهات تحوم حوله.

إن اعترافات عشماوي وشريكه بهاء على الذى تسلمته مصر ايضا، تمثل "الصندوق الأسود للجماعات الإرهابية". الذى سيكشف من أين وكيف يأتى السلاح والأموال لهم، وهو ما يعتبره الخبراء مكسباً كبيراً للمخابرات العامة المصرية، وكنزاً من المعلومات لتجفيف منابع تمويل الإرهاب فى الصحراء الغربية.

واخيراً، تقفز التساؤلات المحيرة الى أذهاننا حينما نسمع تصريحات ناصر أحمد النجدي، قائد كتبية "169" التابعة للجيش الليبي، كان عشماوي يخطط للهروب، حينما تم القبض عليه فى درنة، وكان برفقته شخصان وامرأتان، إحداهما زوجة الإرهابي المصري المقتول محمد رفاعي سرور. الذى قيل ان لولا فتاواه لتَعَرّض تنظيم «القاعدة» في ليبيا، لسحب عناصره إلى تنظيم «داعش»!! يا ويل مصر من أولئك الذين يحافظون على بقاء التنظيمات!! أليس من الأجدر بنا ان نحلل ذلك التميز الإرهابى لمن أنجبتهم مصر، لماذا تتميز العناصر الارهابية المصرية فى التنظيمات الاجنبية؟ لماذا يتميز أمراء الدم فى وطننا؟
---------------------
تحليل - حنان فكرى