23 - 04 - 2024

اقتصاد عبد الناصر وعبد الفتاح

اقتصاد عبد الناصر وعبد الفتاح

"ملكية الشعب لأدوات الإنتاج" شعار أطلق في عام 1959 مع الخطة الخمسية الأولى، لم يكن من أهداف نظام يوليو 1952 التأميم الشامل، و لكن الصراع السياسي حتم التغير، الإصلاح الزراعي كان على أجندة البنك الدولي وروشتة الرأسمالية الأمريكية لكل دول العالم ، فالرأسمالية هي العدو الأكبر والأول للإقطاع الزراعي، ليس في مصر و لكن في العالم كله، الهدف تحريًرا للموارد الطبيعية والبشرية لنشاط أكثر إنتاجية

البقاء السياسي لأي نظام سياسي - لا يرتكن على قوة حزبية و لا طبقية - يكون بتملك وسائل الإنتاج، رأسمالية الدولة مفهوم قديم في مصر من عهد محمد علي، النظم السياسية الشمولية كانت حتى القرن 18 تريد حصة في كل الأنشطة الإقتصادية بغية تنمية مواردها لخدمة أهداف الدولة أو السلطة الحاكمة أو الإثنين معًا. 

النظام النازي في ألمانيا و الفاشي في إيطاليا ضخم القطاع الإقتصادي الذي تملكه الدولة للتحكم في الإقتصاد بغية التنمية أو الإنقاذ من الأزمة العالمية، النموذج الثاني الستاليني كان "قدسًا من الأقداس" من أجل التنمية الصناعية السريعة أو المتسرعة، الحرب العالمية أفادت الإتحاد السوفييتي بنقل التكنولوجيا والمصنوعات والأسلحة والقروض الرأسمالية من العالم الرأسمالي الذي كان يفرض حصارًا اقتصاديا على الإتحاد السوفييتي حتى سنة 1941 .

كبار ملاك الأراضي في مصر والصناعيين كانوا الطبقة التي لا تأتمن النظام الجديد، بدون نظام دستوري و قانوني تشارك فيه تلك النخبة ودعنا نسميها "النصف في المئة" ! لم تكن لتسلم أقدارها لنظام "التسعين ضابطا". نفس الطبقة لم تكن في موقع "متحالف أو مؤيد" في حرب السويس 1956. المفاجأة و المباغتة جاءت متى انفرد عبد الناصر بالسلطة تماما، هاجم النخبة الإقتصادية بالتأميمات سنة 1961، بعد أن حرمها من التمثيل السياسي بحظر الأحزاب سنة 1953

حتى لا نتوه في المجادلات السياسية، أسأل سؤالا واحدًا : من كان مسئولا عن القطاع الإقتصادي "القطاع العام" في مصر؟ الإجابة دون مراوغة كان المشير عبد الحكيم عامر، المسئول الأول عن قطاع المؤسسات الإقتصادية. 

ملكية الشعب العامة لم تكن مطلبًا شعبيًا ، ولا شارك الشعب في الإدارة، تسيد المؤسسة العسكرية للقطاعات الإقتصادية كان هو الحاجة الملحة للنظام، بعد أغسطس/سبتمبر 1967، إحتار النظام السياسي في إدارة القطاع في ظروف الحرب، و كانت موازنات الشركات العامة مدمجة في الموازنة العامة للحكومة المصرية. التخبط الإداري من إنشاء المؤسسات العامة حتى الشركات القابضة وما بينهما، والتنظيم و إعادة التنظيم كانت سمة رئيسية في الإدارة العامة للقطاع العام حتى عشية يناير 2011 .

دراويش القطاع العام ( كنت أنا منهم) يرون أن فساد الخصخصة خطيئة عظمى تورد صاحبها للجحيم المقيم! و لكن ما رأي حضراتكم في الخسائر المتواصلة لشركات الغزل و النسيج والسكك الحديد و المترو والصحف القومية واتحاد الإذاعة و التلفزيون والقنوات الخاصة التي اشترتها الأجهزة السيادية! و خسائر هيئات الموانئ وشركات المقاولات العامة ، والقروض والديون الضخمة للقطاع العام والهيئات الإقتصادية للبنوك العامة ولبنك الإستمثار القومي؟

الرئيس أنور السادات أدرك أن القطاع الخاص الكبير كان يشكل تهديدا مباشرا لسيطرته السياسية على البلاد، فإن كنا نتفهم صراعه مع اليسار والناصريين والقوميين، فما هوسبب صدامه مع حزب الوفد الجديد؟ ناهيك عن تفاصيل معارضة اتفاقية السلام

الرئيس مبارك ظل على النهج الساداتي، و لم يتحرك نحو الخصخصة أو إعادة الهيكلة إلا بعد 1991، رضوخًا لشروط نادي باريس في تسوية ديون مصر ولنصائح صندوق النقد الدولي. و لكنه إخترع قطاعا خاصا كبيرا موال له، إما بالدفع بأفراد من داخل النظام للسيطرة على شركات القطاع العام الخاسرة أو المباعة (أحمد عز)، أو إغراق الشركات بالقروض والديون لبنوك الدولة (أمثلة كثيرة)، أو إستمالة "قادة و رواد الأعمال" لعلاقات خاصة بالهيئات السيادية بالدولة (تريبل إيه ، محمد نصير، نجيب ساويرس و غيرهم )، فالقطاع الخاص الكبير لا يخشى شيئًا أكثر من سطوة الدولة وألاعيبها القاسية. 

الظرف السياسي / الإقتصادي الآني، في ظل القيادة السياسية للرئيس عبد الفتاح السيسي، لا تختلف كثيرًا عن متطلبات عبد الناصر في السيطرة على الإقتصاد، الإختلاف الوحيد أن عبد الفتاح أكثر نضجا من عبد الناصر و أكبر سنًا حاليا مما كان عليه عبد الناصر سنة 1959/1960، فبدلا من إنشاء القطاع العام من جديد، ثم محاولة إدارته، تقوم جهات "من القوات المسلحة" بإدارة المشروع من الألف للياء وتنشئ شركة "خاصة" لا تخضع لقوانين ولوائح الدولة .

مثلا بدلا من الإصلاح المالي والإداري لشركتي بيع المنتجات البترولية ( مصر للبترول، والتعاون) تقوم الشركة الوطنية بعمل شركة "وطنية" لبيع المنتجات البترولية مستفيدة من عدم خضوعها للضرائب و تحصل على العمالة الرخيصة من المجندين، كما تحصل على الأراضي بالمجان. 

غير خافيا على أحد أن المؤسسة العسكرية هي التي أجلت و أخرت تنفيذ الضرائب العقارية، حتى لا تخضع المؤسسات الإقتصادية أو الأندية (التابعة لها ) للضريبة العقارية، كما أن الشركة الوطنية للطرق مارست نشاطها أثناء حكم الرئيس مبارك وبالفعل أنشأت طرق العين السخنة/القاهرة، و طريق القاهرة/ سوهاج الصحراوي الشرقي، فبدلا من إصلاح الهيئة العامة للطرق و الكباري، تقوم الشركة الوطنية للطرق بالإدارة، يقول قائل و ما الفارق ، فالمؤسسة العسكرية جزء من الدولة ، وهي ملكية عامة! إجابتي بسيطة هل نسمح لوزارة الزراعة بإنشاء مصانع للحديد والصلب بدلا من وزارة الصناعة؟ 

و لماذا التعب و حيرة البال، لماذا لا نلغي كل الوزارت و الإدارات الحكومية ونجعل شركات الجيش تدير دولاب العمل في وزاراتنا المدنية غير الفعالة وغير الكفؤة؟ 

الجديد ليس "وي" للإتصالات، ولا الوطنية للفنادق و السياحة ( ترايومف – توليب- الماسة)، و لا الشركة الوطنية للذرة، و لا الشركة الوطنية للإنتاج الحيواني والزراعي، و لا الشركة الوطنية للمزارع السمكية ، ما رأيكم في إحياء التقاليد المملوكية في إنشاء الشركة المصرية لتكنولوجيا التجارة الإلكترونية التي تقوم بعمل الجمارك بدلا من وزارة المالية؟

"ألف باء" الإدارة للشركات الخاصة أو العامة هو "الحوكمة و الشفافية"، إعلان الميزانيات، الأرباح والخسائر، المراجعات الداخلية و الخارجية! طبعا في دولة ببرلمان مثل برلماننا المُهَندَس وراثيًا ليكون "ختما" بالموافقة، في ظل ما حدث للمستشار السابق رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.. نحن أمام نظام سياسي شره في الإستئثار والإقصاء، نحن أمام جوقة من "المؤيدين" التي ترمي أصحاب الأسئلة بتهم الخيانة و العمالة! و طبقة "سياسية" مصرة على الإنفراد وموغلة في الإعتقاد أنها وحدها التي ترى و تسمع، و تفهم و تعمل، و كل ما عداها "حمير أو خرفان". 

محدودي الدخل أو "البعد الإجتماعي" كان ذريعة لإستبداد السلطة السياسية لأنها "الحامية أو الراعية لمصالح القاعدة العريضة"! الوجه الآخر لهذه العملة هو تكريس ملك فرعون واحد للهرم المصري. إن ظن قارئ أنني مهلوس، دعني أسأله لماذا هربت الشركات العالمية من الإستثمار الكبير في مصر من سنة 1971 (تاريخ أول قانون إستثمار)؟ 

الإستثناء الوحيد للاستثمار الصناعي الأجنبي الكبير في مصر طوال 40 سنة الماضية، كان شركات الأسمنت العالمية، وهي الآن تعاني من منافسة "الوطنية للأسمنت.
---------------------
بقلم: شريف العصفوري

مقالات اخرى للكاتب

اقتصاد عبد الناصر وعبد الفتاح





اعلان