20 - 10 - 2024

بالمستندات.. صحيفة إستقصائية بريطانية: تسريبات تفضح دعم تركيا لتسلل الإرهابيين إلى سوريا

بالمستندات.. صحيفة إستقصائية بريطانية: تسريبات تفضح دعم تركيا لتسلل الإرهابيين إلى سوريا

نشرت صحيفة ذَا إنڤيستيجيتيڤ چورنال "تي أي چيه"، التي يترأس مجلس تحريرها الصحفي المصري الدولي محمد فهمي، ويقع مقرها في لندن بالمملكة بالمتحدة؛ تقريراً مطولاً من تسعة عشرة صفحة عن الدور التركي في تسهيل دخول الإرهابيين من حول العالم إلى داخل سوريا عبر الحدود البرية بين الدولتين. 

وقام التقرير الذي أعده الصحفي الاستقصائي عبدالله بوزكرت بمراجعة المئات من التسجيلات السرية للاتصالات التي حصل عليها من خلال مصادر خاصة في العاصمة التركية أنقرة. فضحت هذه التسجيلات الدور الذي تلعبه الحكومة التركية الإسلامية بقيادة رجب طيب إردوغان في تمكين، بل وتسهيل حركة المسلحين الأتراك والأجانب عبر الحدود التركية إلى سوريا ليحاربوا إلى جانب الجهاديين التابعين للدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش". 

وثيقة لرجل يُعرِّف نفسه على أنه مواطن أذربيجاني يُبلغ أمير الحدود لداعش إلهامي بالي بأنه وستة آخرين سيصلون قريبًا إلى محطة الحافلات في مقاطعة جازيانتيب التركية الحدودية، ويقول إن ستة آخرين سيأتون في الحافلة التالية للانضمام إليهم. يسأل عن موقع الوصول للعبور بشكل غير قانوني إلى سوريا.

يتحدث أمير حدود داعش، إلهامي بالي، عن نقل أبو عبد الله غريب الذي يهرّب جهاديي داعش الجرحى إلى تركيا التسجيلات، والتي خرج بعضها للعلن في قضية خاصة بداعش تم إغلاقها سريعاً في أغسطس ٢٠١٨، تظهر وجود إتفاق ضمني بين داعش والمسئولين الأمنيين الأتراك سمح للمهربين بالعمل بحرية على على جانبي الحدود بين البلدين والتي تمتد ل٨٢٢ كيلومتراً بدون أي تبعات من الحكومة الإردوغانية. 

الاتفاق أيضاً سمح لداعش بإدارة خطوط لوچستية عبر الحدود لنقل المقاتلين الجرحى من الجبهة إلى تركيا لتلقي العلاج! المناقشات المسجلة بين الفاعلين في داعش تكشف قصة مختلفة عمّا تردده حكومة إردوغان في العلن؛ ما يظهر هو تقديم الحكومة لغطاء سياسي لا غنى عنه لداعش حتى تستطيع العمل وتتفادى طائلة القضاء من جهة أخرى. التسجيلات التي تم الحصول عليها تمت بإذن قضائي كجزء من تحقيق قانوني عن داعش تم إطلاقه في ٢٠١٤ من قبل مكتب المدعي العام في أنقره.

على الرغم من ذلك، وباستثناء بعض المعلومات المتعلقة بقضية أخرى لتنظيم داعش تجري في أنقره، لم يتم خروج تلك التسجيلات للعلن أبداً، الواقع هو أن التنصت على متعاملي داعش الرئيسيين تم إيقافه في ٢٧ إبريل ٢٠١٥، بل وتم تدمير بعض التسجيلات طبقاً لتعليمات محققي الشرطة الأتراك تحت ادعاء أنه لم تكن ثمة جريمة مرتكبة.

بدأ تقرير تي أي چيه بتقديم شخصية الوسيط، وهو مواطن تركي سعودي المولد ذَا لحية كثة مع شارب وشعر قصيرين؛ في السادسة والثلاثين من عمر ويحمل إسم إلهامي بالي. أصبح الشخص الذي ينادونه بكنيته "أبو بكر" قائداً ذَا نفوذ على المنطقة الحدودية يقوم بتسهيل وإدارة مرور أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب والأتراك والسوريين ذهاباً وإياباً عبر الحدود التركية السورية.

إلهامي بالي: في منتصف الصورة، والذي لعب دورا هاما في تهريب مقاتلي داعش عبر الحدود التركية – السورية 

السجلات الرسمية أوضحت أنه مسجل كمقيم في بلدة ريهانلي التركية الحدودية في مقاطعة هاتاي الواقعة في جنوب شرق البلاد، ويعتقد أنه حالياً متواجد في شمالي سوريا. بالي ظل تحت مراقبة السلطات التركية لفترة طويلة، وظل هاتفه تحت المراقبة بأمر من محكمة الجنايات. المحاكم التركية كانت قد أدانته سابقاً في تحقيق قبل الأزمة السورية في ٢٠١١ في تهم تتعلق بانتمائه لتنظيم القاعدة وحكم عليه بالسجن لثلاثة سنوات. من المرجح أن بالي انتقل للحياة في سوريا في ٢٠١٢. 

التسريبات المسجلة توضح دور بالي المحوري في إدارة عمليات التهريب عبر الحدود، متضمناً استقبال المقاتلين في المطارات ومحطات الأتوبيس في المحافظات التركية الجنوب شرقية وترتيب لقاءات لهم مع المهربين لتمرير المتطلعين للانضمام إلى داعش عبر الحدود إلى سوريا. تكشف التسريبات أيضاً أن بالي قام بنقل البضائع عبر الحدود لصالح داعش والتي اشتملت على الأحذية والملابس وصولاً إلى الأغلال الحديدية وأجزاء الطائرات بدون طيار، النظارات المعظمة، الخيم، كشافات ذات قوة عالية وأيضاً قارب بحري! بالإضافة إلى ذلك تكشف التسريبات عن أن الحكومة التركية كانت تعلم أسماء وأماكن ٣٣ مواطناً تركياً تعهدوا بالعمل كسائقين لصالح شبكة التهريب التابعة لداعش. تم احتجاز بالي مؤقتاً قبل محاكمته بين الثاني من إبريل والتاسع عشر من سبتمبر ٢٠١٢، بتهم تتعلق بانتمائه لتنظيم القاعدة ولكن السلطات التركية أطلقت سراحه.

عندما تمت إدانة بالي في ٢٠١٥ والحكم عليه بستة سنوات وثلاثة أشهر من السجن، كان بالي قد اختفى من تركيا وانتقل إلى سوريا. في نفس القضية التي اتهم فيها بالي أدانت المحكمة المتهم الثاني، حسن أيدن، الذي تم القبض عليه في نفس الْيَوْمَ مع بالي، وحصل على نفس الحكم بستة سنوات وثلاثة أشهر ولكنه أطلق سراحه في الثالث من ديسمبر ٢٠١٢ لينتقل بعدها للإقامة في سوريا.

أصدرت المحاكم التركية أوامر بالقبض على بالي في الأعوام ٢٠١٤ و٢٠١٥ بعد القبض على عدد من الأشخاص أثناء عبورهم الحدود في طريقهم إلى الانضمام إلى داعش. طبقاً للاتهامات التي أطلقها المدعين الأتراك، فإن أصابع الاتهام تشير إلى بالي بصفته العقل المدبر خلف تفجيرات أنقرة الإرهابية في ٢٠١٥ والتي أودت بحياة ١٤٢ شخصاً، وأيضاً التفجير الانتحاري الذي تم من قبل داعش مستهدفاً منظمات المجتمع المدني المؤيدة لليسار الكردي في مظاهراتهم السلمية خارج محطة قطار أنقرة قبل انتخابات نوڤمبر ٢٠١٥ ومؤدياً لمصرع ١٠٥ شخصاً منهم.

على الرغم من وجود عدة أوامر للقبض على بالي، وكما أوضحت التسجيلات التليفونية فإن السلطات التركية كانت تعلم موقعه بالتحديد، فإن أياً منها لم يطبق؛ ونجح هذا الإرهابي الداعشي الخطير في مراوغة المنظومة الجنائية التركية ومتابعة الحركة بحرية من وإلى سوريا.

أظهرت التسجيلات التليفونية كيف أدارت داعش مركزاً جهادياً من خلال تركيا يتضمن خطوطً ساخنة للاتصال ومركزاً للاتصالات يتواصل، ويوجه، ويستقبل الإرهابيين الراغبين في الانخراط في الحرب السورية. أدارت قيادة داعش خطاً تليفونياً من مدينة تل البياض الحدودية ، وأظهرت التسجيلات قيام بالي بتحويل المكالمات الواردة إلى مركز اتصالات داعش للحصول على موافقتهم والحصول على الضوء الأخضر لإدخالهم إلى سوريا.

أوضحت التسجيلات أيضاً أنماط داعش في العمل كطريقتهم في ترتيب اللقاءات بين الجهاديين والمهربين والمتعاملين، تلقى بالي في أحد التسجيلات اتصالاً من أرقام مسجلة بأسماء چيورچية وروسية لمناقشة توزيع هواتف محمولة على المجاهدين الأجانب. كما أوضحت الاتصالات قيامه بالترتيبات لمجموعات من المجاهدين كانوا في انتظار التقاطهم في أحد المولات التجارية وفي أحد الفنادق في مدينة جازيانتپ التركية الحدودية، نصحهم بالي بالركوب لنقطة لقاء متفق عليها حيث سيقوم بالتقاطهم لبدء رحلة العبور الحدودية.

أظهرت التقارير قيام داعش باستخدام داعش محطات الوقود، المساجد وحتى ملاعب كرة القدم كنقاط للقاء، كما وقع اختيارهم على فنادق جازيانتپ التي لا يهتم موظفوها بطلب بطاقات هوية أو جوازات سفر رسمية للحجز وذلك بالمخالفة للقوانين التركية التي تطالب الفنادق ببث تسجيل دخول جميع النزلاء إلى الفنادق للشطة لتعقب المطلوبين والقبض عليهم اثناء إقامتهم. أظهرت التسجيلات أن السلطات التركية على علم كامل بعدد الجهاديين الذين يقوم بالي من هم على شاكلته بتهريبها عبر الحدود.

في أحد الاستجوابات القضائية في ٢٠١٦، اعترف المتهم الداعشي يعقوب شاهين والذي كان يخضع للمحاكمة لقيامه بشراء نترات الأمونيا المستخدمة في صناعة القنابل بأنه يعلم جيداً من ذهبوا إلى سوريا، وفِي تسجيلات أخرى يسمع بالي وهو يناقش الأعداد التي تعبر الحدود ويقدم بها تقارير شهرية لقادة داعش من أجل الحصول على مستحقاته بمتوسطات من ٥٠ إلى ١٠٠ شخص في الْيَوْمَ الواحد مما يصل بالأعداد إلى قرابة ال ١٥٠ ألف جهادي سنوياً!

وتحت عنوان "الدعم والرعاية الطبية لداعش في تركيا" يناقش التقرير التهريب عبر الحدود في اتجاه عكس التيار السائد من تركيا إلى سوريا، حيث يتغير الاتجاه أحياناً للعبور العكسي إلى تركيا خاصة للمصابين الذين يبحثون عن الرعاية الطبية.

ويبدو أن داعش قد تعاقدت مع مستشفى دانيسمانليك التخصصي بأنقرة لمعالجة المصابين من مسلحي داعش حيث توضح التسجيلات مناقشات بين بالي وصاحب المستشفى لترتيب دفع مبلغ ٦٢ ألف دولار كنفقات علاج ل١٦ مصاباً من مسلحي داعش في المستشفيات التركية والذين زارهم بالي بعلم السلطات التركية بدون أن يتم إلقاء القبض عليه، كما يشتكي صاحب المستشفى من تأخر سداد ١٥٠ الف دولار حساب للعمليات التي أجريت للإرهابيين مع ترتيب حجزهم في غرف خاصة بعيدة عن الأعين لشهور والتي وصلت تكاليف الفندقة فيها لأكثر من ٤٠ الف دولار مع التنبيه عليهم بحلاقة لحاهم لإبعادهم عن الشبهات. 

وفِي تفريغ لتسجيلات ل ٩٩٧ مكالمة هاتفية بين المشتبه في تبعيتهم لداعش، أتبين أن داعش لا تدعم الجهاديين فقط ولكن تقدم الدعم لعائلاتهم التي تركوها خلفهم في تركيا، وذلك بتحويل آلاف الدولارات لتغطية تكاليف الطعام والسكن بالإضافة إلى مرتبات وتكاليف شبكة التهريب. عندما كانت تشكو العائلات من قلة الموارد المالية المتاحة كان بالي يرد بأن المجاهدين يحاربون في سيريا في سبيل الله وليس في سبيل توفير مكتسبات لأسرهم، وفِي نفس السياق أقامت داعش محاكم شرعية للأسرة في سوريا حيث توضح التسجيلات جهود زوجة تركية للحصول على الطلاق من زوجها الجهادي والعودة إلى تركيا.

وفِي ضربة قوية، كشف التقرير عن أن الاستخبارات التركية "MIT" والمختصة بجمع المعلومات عن مصادر الخطرا الخارجية والداخلية، قد تكون قد تورطت أيضاً في دعم سياسة إردوغان في دعم الجهاديين داخل تركيا وخارجها، بل وتوفير معلومات لهم من شأنها مساعدتهم على تفادي الوقع في قبضة الشرطة التركية ذات نفسها، أي أن الانحراف قد وصل إل درجة أن تعمل الاستخبارات ضد أجهزة بلادها الأمنية ذات نفسها! تزويد قطر للمقاتلين في سوريا بالأسلحة جوا "تم تنظيم شحنتين أو ثلاث شحنات على أساس أسبوعي يتم تسليمها بواسطة الشاحنات في مطار ايزنبوجا تحت غطاء الليل دون الجمارك ودون وجود سجل للشحن الجوي الوارد في سجلات المطار" يقول مصدر كان يعمل لصالح المؤسسة الأمنية في تركيا، وكان يعمل في مهمة في المطار في ذلك الوقت. 

وأضاف المصدر أن "العملية التي شهدت هبوط الطائرات القطرية المحملة بالأسلحة المشحونة كانت تدار من قبل وكالة الاستخبارات التركية". ووفقًا للمصدر، فإن عميل المخابرات الذي تم تحديده فقط باسم "أوغر" أشرف على العمليات وكان يشغل منصب كبير ضباط البروتوكول المكلفين من قبل الحكومة لمطار ايزنبوجا.  يذكر المصدر أن [العميل] كان معروفًا باللقب يالانشي الكذاب، "أوغر" لأننا كنا نعرف أنه لن يخبر الحقيقة متى سئل عن طبيعة العمل الذي شارك فيه.

وقعت الحالة الثانية لاعتراض شحنة أسلحة في 19 يناير 2014 بعد تقدم قدمه ضابط مخابرات الدرك التركي جولتيكين أفتشي، الذي كان يحقق في أنشطة تجار المخدرات وعصابة سرقة السيارات التي تعمل خارج العاصمة التركية.  

قامت وحدة باستغلال الاتصالات الهاتفية لـ 29 شخصًا ١٥ الذين ارتبطوا بالعصابة. في 18 يناير 2014، يُظهر التنصت على المكالمات الهاتفية أحد المشتبه بهم الذين قالوا على الهاتف إنهم يستقبلون ثلاثة ضيوف ليلا ويوافقون على الاجتماع في نفس المكان "في منتصف الليل كالعادة تقريبًا"، بمساعدة تتبع إشارة الهاتف المحمول عبر الأبراج، قاموا بتحديد موقع المشتبه بهم في محيط مطار ايزنبوج وباستخدام السيارة لمطاردة الإشارة ومراقبة تحركات المشتبه بهم اكتشفوا أن الإشارة كانت قادمة من قافلة من ثلاث شاحنات تتحرك من المدينة ومتجهة إلى محافظة أضنة، بالقرب من الحدود التركية السورية. 

اتضح أن ستة من المشتبه بهم 16 في شبكة المخدرات قيد التحقيق هم عملاء المخابرات التركية، وأن زوجة أحد المشتبه بهم تعمل لصالح وكالة الاستخبارات التركية أيضا. لم يكن أفتشي وأعضاء فريقه على علم بأنهم تعثروا في عملية سرية خارج الكتاب تديرها الاستخبارات التركية، والتي تعد انتهاكًا واضحًا للقانون التركي. قبل عدة أشهر، شاركت وحدة الدرك نفسها في أنقرة في الكشف عن شبكة التهريب التي كانت تسرق الشاحنات. هذه شاحنات يمكن تحميلها بمدفع رشاش وتحظى بشعبية لدى الجماعات الجهادية في سوريا. يقول أفتشي إن ثلاثة من المشتبه بهم الـ 19 الذين تم احتجازهم في تلك العملية كانوا من متشددي القاعدة الذين شاركوا أيضًا في نقل المقاتلين الأجانب إلى سوريا.

تحتوي الحاويات الستة المصنوعة من الصلب الموضوعة في ثلاث شاحنات على ما مجموعه 1000 قذيفة مدفعية و 50 ألف قذيفة مدفع رشاشة و 30 ألف مدفع رشاشة ثقيلة و 1000 قذيفة هاون. في حاوية واحدة من الصلب، سجل المفتشون حوالي عشرين مدفع هاون بقياس حوالي ياردة "مترين" وطولها 5.9 بوصات "15 سم"، أغلفة الملاط المعدنية بأحجام أصغر؛ حوالي 10-15 صندوقًا خشبيًا، تحتوي كل منها على 24 وحدة من الأسلحة الآلية التي تطلق القذائف المتفجرة حوالي 30 صندوقًا بقذائف هاون 2.3 بوصة "60 ملم"؛ خمسة أو ستة أكياس من الذخيرة المضادة للطائرات. 

وتم إجراء الفحص الشرعي الأولي للعينات المأخوذة من الحاويات من قبل فرع الدرك في أضنة في 20 يناير 2014 بناءً على طلب المدعي العام. وشملت عينات الحاوية قذيفة هاون لخزان أو مدفعية، وصمامتين ومدفعية مضادة للطائرات. كان طول الهاون حوالي "103 سم" وطولها قطر "100 ملم"، وقراءة الأحرف الموجودة على هيكل القشرة

الرسائل. في التقرير، خلص الخبراء إلى أن قذيفة الهاون تم تصنيعها في بلغاريا كجزء من ترسانة من الذخيرة شديدة الانفجار من الدرجة العسكرية. وقالوا أيضًا إن الصمامات صنعت في بلغاريا للأسلحة OG-7 المضاد للدبابات والقذائف الصاروخية، لم يتمكنوا من تتبع أصل القذيفة المضادة للطائرات. 

وأُرسلت أيضًا عينة الذخيرة المأخوذة من الشاحنات إلى مختبرات إجرامية تابعة لقيادة الدرك العامة في أنقرة لإجراء فحص شامل. وفقًا لتقرير الخبير، 23 الذي أشار إلى كتيب الذخيرة كمرجع، تم تحليل العينة المرسلة من مكتب المدعي العام - فتيل 4 بوصة (106 ملم) × 1.5 بوصة (40 ملم) مع الحروف B-429- ( (11)) - 1-77 r 03 - جاهز للاستخدام في القذائف المدفعية التي يتراوح حجمها من 3.3 إلى 5.9 بوصة (85-152 ملم). كان نموذجًا روسيًا من V-42 يتم تصنيعه في العديد من الدول الكتلة السوفيتية السابقة مثل بلغاريا وأوكرانيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك. 

وقال التقرير إن الأسلحة - التي يمكن ضبطها أيضًا للتأخير في القنابل المصممة لينفجر بعد اصطدامه بالهدف ويكون مستعدًا للانفجار عند الاصطدام - يطلق عليه "Super-Quick" في مصطلحات الصناعة. 

واتفق الخبراء على أن الصمامات تحتوي على مواد حارقة للغاية ومتفجرات خاضعة للرقابة بموجب القانون التركي. شملت العينة الثانية على خرطوشة مدفعية بحجم 0.5 بوصة × 4.25 بوصة (12.7 مم × 108 مم) تم تعريفها على أنها AP1-B32 ،والتي تستخدم في الرشاشات الثقيلة. تم استخدام خرطوشة armorpiercing في أنواع مختلفة من أسلحة رشاشات وبنادق مثل DShK و NSV / NVSVT و YakB-12.7 والنوع 77 و 85 و 88 (QJC-88) و 89 (QJZ-89) و Gepard و V-94 ، OSV96 ، KSVK. قامت الخرطوشة أيضًا بطباعة * 188 * 81 رقماً على قاعدتها، مشيرة إلى أنها صنعت في نوفوسيبيرسك السوفيتية الروسية.

وأشارت أصابع الاتهام مباشرة إلى الاستخبارات التي يترأسها هاكان فيدان الإسلامي المقرب من إردوغان عندما ضبطت الشرطة المحلية في ٢٠١٤ سيارات نقل محملة بالأسلحة في طريقها إلى سوريا برفقة ضباط مخابرات أتراك؛ كان رد الحكومة الإردوغانية وقتها بتمرير قانون بسرعة من خلال الپرلمان يعفي ضباط المخابرات من المسائلة الجنائية. 

تظهر التسجيلات أيضاً أن أحد الجنود الأتراك كان يخاطب بالي بلقب "شيهيم" والتي تعني "شيخي" بالعربية معبراً عن احترامه وتقديره للمهرب الداعشي، يتفق الطرفان خلال المكالمة على رعاية المصالح للطرفين ويخبر بالي الجندي أنه يتقبل يوميات طلبات من الحكومة التركية وأن داعش قد عممت أمراً يقضي بتفادي إيقاع أي ضرر بأفراد الحراسة الأتراك، ويؤمن الجندي على أنهم لم يواجهوا أي مشاكل باستثناء مشكلة فردية في الأول من سبتمبر ويتعهد بالحفاظ على الوضع القائم.  

تكشف التسريبات أيضاً عن ترتيب داعش لتوفير حماية قانونية للأجانب المحتجزين في السجون التركية مما يؤدي غالباً للإفراج عنهم، وأصبح روتينياً أن يحتجز المواطنين الأتراك المتوجهين إلى سوريا لعدة أيام قبل إطلاق سراحهم وتهريبهم إلى داعش. تلجأ داعش إلى مخططات عدة للتمويه منها نقل الجهاديين في مجموعات صغيرة من ٥-١٠ أشخاص والتنبيه عليهم بعدم حمل متاع زائد لعدم لفت الأنظار. 

يظهر أحد المواقف في يناير ٢٠١٥ كيف تجاهلت الشرطة التركية الفرص السانحة لتقويض الشبكة التابعة لداعش لو أرادوا، ففي هذا الْيَوْمَ كان يتم نقل سيدتين وأطفال إلى داخل سوريا وكانت إحداهما وهي طليقة لضابط شرطة تركي عامل في طريقها للزواج من أحد الجهاديين داخل سوريا مما يترتب عليه فصل أطفالها عن والدهم. كعلامة على تضامن الشرطة التركية مع زميلهم بدأوا في القبض على المهربين والجهاديين على الحدود في محاولة للضغط على داعش لإعادة الأطفال، وتظهر التسجيلات بوضوح حوار الشرطة مع الدواعش مطالبين بتسليم الأطفال، لا المرأة؛ مع تأكيدهم أنهم يعلمون نوعية نشاط الجهاديين ومستعدين ان يسمحوا باستئنافه طالما سلموا الأطفال.

حتى على الرغم من تصعيد الشرطة المحلية، يناقش بالي الموضوع مع أحد ضباط الاستخبارات التركية الذي ينصحه بتجاهل موضوع اختطاف الأطفال الأتراك إلى داخل سوريا موضحاً أنه لا يوجد أي شيء في سلطة الشرطة المحلية يستطيع إعاقة عمل بالي. 

وفي فصل بعنوان كيف ضحت تركيا بأحد الدواعش لتخفيف الضغط الدولي ناقش التقرير أحد أهم القضايا المتعلقة بتهريب البشر. ففي فبراير ٢٠١٥ وصلت ثلاثة طالبات مدارس بريطانيات مراهقات "شميمه بيجوم، أميره عباس، خديجة سلطان" إلى مدينة جازيانتپ الحدودية التركية حيث قابلهم طبيب الأسنان محمد الرشاد المعروف في أوساط المهربين باسم "الدكتور" ليقوم باجراءات السمسرة وإيصال الفتيات إلى أيدي متعاملي داعش لتهريبهن إلى داخل سوريا. يرتبط الدكتور رسمياً بالجيش السوري الحر، وهي مجموعة مدعومة وممولة علناً من الحكومة التركية، ودوره كان هو استقبال القادمين في إسطنبول وإيصالهم إن أيدي بالي ورفاقه وهو ما فعله بالمراهقات البريطانيات!

كان الرشاد معروفاً للسلطات التركية الذين كانوا يتابعون نشاطه في الاتجار بالبشر منذ ٢٠١٣ ولكنهم لم يكونوا يتعرضون له قبل هذه الحادثة التي جلبت الوبال على الحكومة الإردوغانية؛ وانهالت الانتقادات من بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهم من أعضاء التحالف الدولي ضد داعش لعدم عمل الجهود الكافية لإيقاف عمل شبكات الاتجار بالبشر العاملة في تركيا. دفع هذا الموقف الحكومة التركية لقلب المائدة على حلفائها مدعية أن الدكتور كان على تواصل مع المسئولين الفرنسيين، البريطانيين والكنديين مخبرات إياهم بتفاصيل الجهاديين الأجانب ولَم تفعل هذه الدول شيئاً لمنع المسلحين من السفر إلى تركيا. 

بعد القبض عليه أدلى الرشاد باعترافات تتماهى مع الرواية التركية وتم نشرها على نطاق واسع في الاعلام التركي والذي يتضمن شبكة الهابر التلفزيونية المملوكة لأسرة إردوغان في محاولة لنقل اللوم إلى حلفاء تركيا، وقام وزير الخارجية التركي بإجراء حوار متلفز حصري معلناً أن الرشاد كان يعمل لصالح دولة عضو في التحالف الدولي ضد داعش (أعلن بعدها أنها كندا!) وتم تلفيق صورة له كجاسوس عمل لصالح الكنديين والبريطانيين. وعلى الرغم من الضغط الدولي لم تتعقب السلطات التركية بالي، شريك الرشاد في الجريمة والذي توجد تسجيلات له يناقش دوره فيها والمتعامل الرئيسي معه في الاتجار في البشر عبر الحدود. 

تطرق التقرير بعد ذلك إلى منطقة أخرى غير متصورة، وهي كيف استفاد إردوغان من تحالفه مع داعش، وكيف ساعدت الأخيرة حزب العدالة والتنمية التركي في استعادة الأغلبية البرلمانية. ويقر التقرير أن داعش والجماعات الجهادية يعتبروا بمثابة عملاء مفيدين لدفع أهداف إردوغان السياسية في تركيا. 

لإيضاح ذلك يقول تقرير "ذَا إنڤيستيجيتيڤ چورنال" الاستقصائي أن بعد الهجمات الإرهابية على أنقره في أكتوبر ٢٠١٥، صرح أحمد داودأوغلو رئيس الوزراء التركي وقتها قد قال أن شعبية حزب العدالة والتنمية أصبحت في ازدياد بعد التفجيرات. وتوضح المستندات القضائية أن السلطات التركية كانت تعلم هوية المتهمين الرئيسيين المسئولين عن التخطيط، ومن ثم تنفيذ تفجيرات السيارات الانتحارية؛ ولكنهم تقاعسوا عن اعتقالهم. وفِي ظهور على التلفزيون الرسمي قال داودأوغلو أن الدولة لا تستطيع اعتقال الانتحاريين حتى ينفذوا أعمالهم، ذلك على الرغم من امتلاك الحكومة قائمة بأسماء الانتحاريين المحتملين. 

وبالفعل جاءت التفجيرات برياح طيبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، كان الكثير من الناخبين قد ابتعدوا عن الحزب في انتخابات يونيو ٢٠١٥مما أدى لفقدانه الأغلبية البرلمانية لأول مرة، ولكن هؤلاء أعدوا مدفوعين بالخوف بعد الهجمات ليرتموا في أحضان الحزب الحاكم ويستعيد أغلبيته بناء على ذلك. جاء تقرير صادر عن جهاز الاستخبارات التابع للاتحاد الأوروپية "إيوانتسن" ليقترح أن الهجوم الانتحاري قد يكون قد حدث بناء على تعليمات من حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه إردوغان. 

الشيء الجديد هنا أن هناك روايات شديدة الإقناع عن أسباب تسهيل الحكومة لهجمات مثل هذه ضد الشعب التركي نفسه. قبل التفجيرات مباشرة كان هناك ٦٢ تقريراً استخباراتياً يحذرون من هجمات داعية محتملة في تركيا، تم تعميم هذه التقارير على وحدات المباحث وأقسام الشرطة بطول البلاد وعرضها. في الرابع عشر من سبتمبر ٢٠١٥ قام قسم مكافحة الإرهاب بالداخلية التركية بإصدار تحذير استخباراتي مفصل ومنفصل عن تدريبات لفريق داعش مخصوص في مخيم بمدينة دير الزُّور في شرق سوريا، وأن هدفهم هو تنفيذ عملية انتحارية تفجيرية كبرى لأحد اللقاءات الجماهيرية الكبرى في تركيا أو اختطاف إحدى الطائرات أو السفن. ولكن هذا التحذير لم يصل أبداً لمحافظ أنقره، أو لرئيس شرطتها، أو لإدارات المباحث في أنقره المسئولة عن إجراءات التأمين في العاصمة أثناء اللقاءات والمظاهرات الكبرى في المدينة أوالاحداث في الأماكن الحيوية بها. 

وكأنما لا تكفي كل هذه الأدلة، تم فجأة إزالة جميع نقاط التفتيش والارتكاز الأمنية في الليلة السابقة على الهجمات، مما سمح لمسلحي داعش بقيادة سياراتهم المفخخة بسهولة وحرية إلى قلب العاصمة بدون مسائلة. جاءت التحقيقات الأولية في الحادث لتضع علامات استفهام بدون إجابات عن هذا التصرف بدون إجابات حقيقية خاصة مع إدانة داعش في هجومين إرهابيين في شهري يونيو ويوليو قبلها بوقت قصير أحدهما ضد حزب الشعب الديمقراطي الكردي في ديار بكر والذي أدى إلى مصرع أربعة أشخاص والثاني تفجير سوروك والذي حصد ٣٣ ضحية.

تطرقت التحقيقات أيضاً إلى أن بوليس انقرة كلّف ٢٠٤٤ شرطياً بالعمل يومها لتأمين الاجتماع ولكن وقت الهجمات لم يكن هناك سوى ٧٦ ضابطاً متمركزين حول المكان، ويبدو أن يداً خفية في حكومة إردوغان قد عملت لإخلاء الطريق أمام داعش لتنفيذ التفجيرات الانتحارية وإزالة معظم العقبات مقدماً. لا تتحدث التقارير عن هوية الشخص الذي أمر بالتخفيضات المخل في عدد المكلفين بالتأمين أو لماذا ولكن محكمة أنقرة أدانت إلهامي بالي كصاحب القرار بتنفيذ الهجمتين الانتحاريين في سوروك وأنقره.

وتحت عنوان "الحصانة لسماسرة داعش في الحكومة التركية" يطرق التقرير زاوية أخرى عن كيفية تأمين عمل العناصر التركية الحكومية مع أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم. والحقيقة هنا أن الحكومة التركية حاولت طمس المعلومات الصادرة عن إجراءات المحاكمة لمتهم تفجيرات محطة قطار أنقره، وتزامن ذلك من منع استجواب اَي مسئول حكومي أو شرطي، أو استخباراتي، أو أي من العاملين في الأجهزة المختلفة التي لعبت دوراً في السماح لداعش بتنفيذ أكثر الهجمات دموية في التاريخ التركي.

 ما حدث هناك كان أنه على الرغم من الالتماسات والدعاوى المتكررة من قبل محاميّ الضحايا وأسرهم، لم تستجيب الحكومة لأي من طلبات المحاكم بتوفير المزيد من المعلومات، ولَم يسمح القضاة للمحققين الجدد بالبحث العميق! أصبح من المعتاد أن يرفض القضاة طلبات المدعين في الوقت الذي يتجاهلون فيه الأدلة على تواطؤ السلطات في التفجيرات. وصل الأمر أن المحكمة الدستورية في تركيا رفضت شكوى من أسر الضحايا قائلة أن الحكومة لم تخرق الحقوق الأساسية للمواطنين عبر قيامها بحظر الوصول إلى الملفات القضائية للدفاع أثناء التحقيق.

طبقاً للقانون التركي، فإن المحاكمة الجنائية للمسئولين العموميين تحتاج موافقة الحكومة لو كانت الجريمة المنظورة قد تم ارتكابها أثناء أدائهم لواجباتهم. في حالة هجمات أنقرة قامت الحكومة بحماية رؤساء الشرطة الذين تقاعسوا عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعها؛ ولَم يقم حسين أوزغور رئيس وحدة سي لمكافحة الإرهاب التحذير الاستخباراتي بخصوص الهجمات الوشيكة في أنقره.

على الرغمن من أن تحقيقات وزارة الداخلية قد خلصت إلى أن أوزغور وآخرين يجب وأن يحاكموا على أقل تقدير بتهمة التقصير في مهامهم الوظيفية، ولكن إردوغان رفض هذه التوصية. تباعاً فإن الحكومة رفضت طلب المدعي بإطلاق تحقيقات مع رئيس شرطة أنقره سيهانجير أولوسوي، ورئيس قسم مكافحة الإرهاب حقان دومان، ورئيس قسم الأمن العام السابق أدم أرسلان اوغلو ورئيس وحدة سي أوزغور غور. لم يحاول مكتب المدعي العام التركي استئناف رفض الحكومة أمام القضاء الإداري، واختار إغلاق القضية!

تمت إدانة تسعة من المشتبه فيهم الغير ظاهرين وصدرت ضدهم أحكام مشددة بالسجن مدى الحياة، ولكن العقول المدبرة الحقيقية ظلوا مطلقي السراح، والمسئولين الحكوميين الذين لعبوا دوراً في الهجمه ظلوا محصنين. تظل هذه القضية علامة فارقة توضح كيفية التعامل مع القضايا التي تخص داعش، والقاعدة، وغيرها من التنظيمات الجهادية والتحقيق، والادعاء، والمحاكمة فيها في تركيا. إن الرقم الضئيل بشكل مدهش من الإدانات في هذه القضايا يوضح أن الحكومة التركية غير راغبة في تحريك قضايا داعش.

ويشير التقرير إلى أن الحكومة الإردوغانية عمدت لتقليل أرقام كل ما يتعلق بداعش، بل أنها تحاول إخفاء أي أرقام تتعلق بأعداد الدواعش داخل تركيا، وبالطبع أرقام من خضعوا للتحقيق أو المحاكمة أو الإدانة على أراضيها. المسئولين الأتراك دأبوا على إعطاء تصريحات متضاربة عن داخل تركيا وجود داعش، وعندما حاولت المعارضة التركية من خلال دستة من طلبات الإحاطة بالبرلمان أن تنشئ لجنة للتحقيق في الوجود الداعشي والجهادي على أرض تركيا، تمت هزيمتهم في كل مرة من قبل حزب إردوغان الحاكم صاحب الأغلبية مما أدى إلى غياب الرقابة التشريعية أيضاً.

كان آخر عدد لسجناء داعش، والذي ورد على لسان إردوغان نفسه في إحدى خطبه ٢٠٠٠ سجينا في السادس من نوڤمبر ٢٠١٨، لم يذكر إردوغان كم منهم تمت إدانته، حيث أن المحاكم قد تبدو عديمة الفاعلية بالنسبة للجهاديين في معظم الأحوال، ويتماطلاق سراحهم بانتظام بعد فترات متفاوتة من الاحتجاز قبل المحاكمات. أرقام إردوغان تعارضت مع أرقام رئيس الوزراء وقتها، رئيس البرلمان الحالي، بينالي يلدريم الذي صرح في مؤتمر للأمن في ٢٠١٨ أن تركيا لديها ١٠ ألاف سجيناً من مسلحي داعش.

السؤال هو ماذا حدث للـ 8 ألاف سجين الآخرين في الثمانية أشهر بين التصريحين؟ لربما افتعل يلدرين المقرب من إردوغان هذه الأرقام حتى يصغي له الحضور لأن وزير العدل التركي عبد الحميد حول كان قد صرح قبلها بأسبوع واحد أن عدد الدواعش في السجون لا يزيد عن ١٣٥٤. 

كانت آخر تصريحات شاركتها الحكومة التركية عن الإدانات في قضايا داعش قد صدرت في ٢٠١٧ كرد من وزير العدل على تساؤل برلماني أكدت أن ٢٨ داعشيا تمت ادانتهم بتهم تتعلق بالإرهاب، ويظل ٤٧٠ مشتبها فيه محجوزين على ذمة قضاياهم، أي أن العدد كان أقل من ٥٠٠ شخص محكوم عليه في السجون التركية في ٢٠١٧، كانت الأرقام أسوأ في ٢٠١٦ حيث كانت هناك سبع إدانات من أصل ٥١٣ محتجزاً يتضمّنون ٢٧٤ أجنبياً. 

الخلاصة:

أظهرت التسجيلات المسربة أن تركيا الْيَوْمَ هي دولة تمر بمرحلة تحول من الديمقراطية والعلمانية إلى نظام إسلامي تحكمي. يعكف رجب طيب إردوغان على بناء دوله تحمل طابعه وصورته هو، وهو متحمس لتصدير أفكاره الجهادية إلى ما بعد الحدود، انه من المخيف أن نرى إيران جديده في نفس المنطقة المتأزمة من العالم، ونجد أن إردوغان أيضاً يستخدم الجماعات الجهادية المسلحة كوكلاء له لدعم مخططاته الشخصية والسياسية.

المؤسسات التركية التي تئن تحت ضغط حكم إردوغان بدأت في التداعي ولكن لازالت هناك بعض علامات المقاومة الضعيفة مثل ما حدث من تسريب للتسجيلات الهاتفية أو لتفاصيل القضايا.

نشرت صحيفة ذَا إنڤيستيجيتيڤ چورنال البريطانية "تي أي چيه"، والتي يترأس مجلس تحريرها الصحفي المصري الدولي محمد فهمي؛ تقريرها الثاني عن العلاقات المتشعبة بين الحكومة التركية وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف إعلامياً باسم "داعش". 

وقام التقرير الذي أعده أيضاً الصحفي الاستقصائي التركي عبدالله بوزكرت بمراجعة المئات من الوثائق السرية ومستندات التقاضي شديدة السرية التي تم الحصول عليها من مصادر شديدة الخصوصية لتكشف كيف قامت حكومة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الإسلامية بإرسال الآلاف من شحنات الأسلحة الثقيلة والذخيرة الغير قانونية لمساعدة المجموعات الجهادية العاملة في سوريا عبر الحدود المشتركة بين البلدين. التحركات التركية أشارت إلى عزم أنقره إنشاء نظام إسلامي تابع لها ليحل محل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مما أضاف المزيد من الوقود للخلافات المستعرة منذ ثمانية سنوات بين الدولتين منذ انتفاضة الربيع العربي التي تأزمت بسبب الخلاف الداخلي السورى. 

قامت صحيفة ذا إنڤيستيجيتيڤ چورنال الاستقصائية بترتيب عدد من الحوارات مع أخصائيين أمنيين ممن اعتادوا العمل لدى الحكومة التركية ولديهم سابق اطلاع على العمليات التركية السرية. أكدت الحوارات ما كشفته الوثائق المسربة من قبل، بل وأضافت الكثير من التفاصيل عن شحنات الأسلحة التي كانت تصل جواً إلى تركيا بطرق غير قانونية قبل تهريبها باستخدام الشاحنات والمقطورات عبر الحدود التركية-السورية.

أشارت الوثائق المسربة كيف تم نقل شحنات الأسلحة جواً من قبل موزعين أجانب باستخدام طائرات شحن إلى مطار إسنبوجا في العاصمة التركية أنقره والذي تم استخدامه بدلاً من المطارات القريبة من الحدود لتفادي إثارة الشبهات، من هنا كان يتم نقل الأسلحة لأسطول من سيارات النقل والمقطورات في جزء منعزل من المطار ليحملوا الشحنات لمسافة ٦٥٠ كيلومتراً عبر تركيا لنقطة توزيع معدة مسبقاً قريبة من الحدود التركية-السورية تخرج منها الشحنات إلى نقاط مختلفة في الداخل السوري لتصل إلى أيدي الفصائل الجهادية المختلفة لاستخدامها في عملياتهم الإرهابية المختلفة.

تشرح الوثائق المسربة واللقاءات بالتفصيل أيضاً أسلوب العمل السري الذي يتم التنسيق له من قبل جهاز المخابرات الوطنية التركية "إم أي تي" بالمخالفة الصريحة لعدد من القوانين التركية والدولية. إن إدخال الأسلحة والمتفجرات إلى تركيا بدون تسجيل أو مرور على الجمارك، أو وجود أي تراخيص هو جريمة محققة بنص القانون التركي، هذه القواعد تنطبق أيضاً على الصادرات والتي تتطلب موافقة الحكومة ووزارة الخارجية قبل أي ترخيص رسمي. 

خطاب سري للغاية من المدير الإقليمي للاستخبارات التركية ينير أكباديار يشهد بأن الشاحنات يتم تشغيلها من قبل المخابرات ومطالباً المحافظ بضمان إطلاق سراحهم. 

إضافة إلى ذلك فإن الاستخبارات التركية لم يكن مصرح لها بنقل الأسلحة طبقاً للقوانين المطبقة في ذلك الوقت، والتي كانت تلزم الاستخبارات بإبلاغ السلطات المحلية لتنسيق مثل هذه الشحنات بما يضمن أمن وسلامة المناطق السكنية التي تمر بها، ولكن بالطبع لم يحدث هذا بسبب الحماية التي تتمتع بها الاستخبارات وعملائها الذين تم تفويضهم من قبل إردوغان شخصياً، ولم يعلم بأمر الشحنات حتى المدير الإقليمي للاستخبارات ذاتها. 

كانت لقاءات تي أي چيه السرية مع المسئولين الحكوميين الأتراك السابقين والتي أكدت هذه المعلومات قد تمت بشرط الحفاظ على سرية هويتهم، وذلك لخوفها على نفسهم وعلى أسرهم وأعمالهم داخل تركيا. يعتبر ذلك عادياً مع السمعة الحالية لتركيا كأكبر سجان في العالم للصحفيين "١٨٨ صحفياً موجودين بالسجون التركية الآن طبقاً لبيانات مركز ستوكهولم للحريات"، مع زيادة التضييق والتحرش الالكتروني بالصحفيين والمعارضين الذين يشاركون أية كتابات على وسائل التواصل الاجتماعي قد تنتقد إردوغان ونظامه"تم اعتقال ١٦٥٦ شخصاً بسبب منشورات على وسائل التواصل بين ديسمبر ٢٠١٦ ومايو ٢٠١٧".

الخلاصة

الحكومة التركية بقيادة رجب طيب إردوغان لم تقم فقط بتسليح الجهاديين في سوريا، ولكنها أيضاً قامت بتوفير دعم لوچستي، وعلاج طبي وجراحي للمسلحين والجهاديين المصابين، كما سهلت الحكومة التركية انتقال ودخول المحاربين الأجانب من وإلى سوريا وأغمضت العين عن التحويلات المالية التي تدفقت على سوريا لتمويل الإرهاب.

فشل النظام القضائي التركي في أن يتحرك بقوة ضد الجماعات الجهادية الموجودة داخل تركيا، حيث تم إطلاق سراح معظمهم تحت البيئة المهاودة الغير معلنة التي وفرتها لهم الحكومة الإردوغانية. ظل هدف إردوغان هو ليس فقط الإطاحة بالأسد، ولكن أن ينشئ نظاماً عميلاً له يساعده في عملياته القذرة وقتما وأينما يشاء. 

عندما تم اعتقال أحد ظباط الاستخبارات من قبل السلطات المحلية أثناء استيقاف إحدى شحنات الأسلحة في إحدى المحافظات الحدودية، كتب تقريراً للواقعة لخص الوضع بإيجاز. كان الضابط يصرخ، ويسب ويلعن مطالباً بالحديث مباشرة مع رئيس الوزراء وقتها، إردوغان؛ لأن العملية تم التصريح لها من قبل إردوغان نفسه على الرغم من مخالفتها للقوانين التركية. كان هذا السبب الذي دفع حكومة إردوغان لتعديل قانون المخابرات في ابريل ٢٠١٤ بما يضمن لهم وللمخابرات المزيد من الحماية، ويوفر الحصانة للاستخبارات التركية حينما تنكشف عملياتهم. 

دليل آخر على تورط إردوغان الشخصي جاء في شهادة محافظ أدانا حسين أڤني كوتش، والذي وصل إلى مكان الواقعة بصحبة ٤٠٠ شرطي في ١٩ يونيو لإيقاف البحث فيها وليأمر المدعي الجنائي تاكشي أن يطق سراح الشاحنات لأن إردوغان قد اتصل به شخصياً وطلب منه إطلاق سراح الشحنة هذه المرة فقط ريثما يقومون بتعديل قانون المخابرات بما يمنع حدوث هذه المشكلات في المستقبل؛ كوتش أقسم أن يصل الصدام إلى حد الموت حتى يضمن إطلاق سراح شاحنات المخابرات. 

هذه الشهادة في حد ذاتها تثبت أن حكومة إردوغان كان تعلم أن شحنات الأسلحة من قبل الاستخبارات كانت فير قانونية، وأنهم سعوا لتوفير الغطاء القانوني لها عند اكتشافها. ويبدو أن القلق من الملاحقة القانونية دفع إردوغان لإزالة كل السلطات القضائية، والشرطيين والعسكريين الذين اشتركوا في كشف عملية تسليح الجهاديين. الكثيرين منهم، بالإضافة إلى الصحفيين الذين غطوا الأحداث تم الزج بهم خلف القضبان حتى اليوم أو اضطروا إلى الهرب من البلاد. 

تستمر حملة التحرش ضد الصحفيين حتى خارج تركيا، حيث يتعقبهم عملاء إردوغان بلا هوادة مع تهديدات تصل إلى الاغتيال أحياناً. تقبع تركيا حالياً في المركز ١٥٧ من أصل ١٨٠ دولة في مقياس انتهاكات حقوق الانسان بالنسبة للصحفيين كما ذكر في تقرير منظمة صحفيين بلا حدود للحريات الصحفية حول العالم.

هناك أيضاً أكثر من ١٠٠٠ محامياً تمت محاكمتهم وسجن ٥٠٠ منهم؛ ١١٠ ألف مسئولاً حكومياً تم عزلهم بدون اتخاذ الإجراءات القانونية بداية من يوليو ٢٠١٦؛ ٤٠ عسكرياً يواجهون السجن مدى الحياة في اتهامات تتعلق بانقلاب ٢٠١٦ الفاشل، بالإضافة لعشرات من الأكاديميين، والمدرسين، والحقوقيين الذين تم اعتقالهم وفصلهم.

في ظل نظام حكمها الإسلامي الحالي، تلعب تركيا بالنار كونها دولة قوامها ٨١ مليوناً غالبيتهم من المسلمين السنة، ويتم تشجيع التطرف بينهم علناً من قبل الحكومة. تشكل هذه الدولة تهديدا حقيقياً لحلفائها وشركائها بقيامها بدعم المجموعات الجهادية، وتصدير المسلحين إلى خارج الحدود، بالإضافة إلى نشر أفكارهم المتطرفة الخطرة تحت غطاء الإسلام السياسي الذي يلعب دوره في تمكين كل أشكال جماعات التطرف الديني حول العالم.