18 - 07 - 2024

هل كانت مصر بحاجة لقرض صندوق النقد الدولي.. أم تلاعبت السياسة بالاقتصاد؟

هل كانت مصر بحاجة لقرض صندوق النقد الدولي.. أم تلاعبت السياسة بالاقتصاد؟

مع تسلم الشريحة الأخيرة ليصل إجمالي القرض إلى 12 مليار دولار
- خبراء يتحفظون على أهداف الاقتراض من الصندوق .. ويحذرون من رفع الدعم كلياً
- عبدالنبي عبدالمطلب: القرض ذهب لسد عجز الموازنة...ولا فوائد جناها المصريون
- سمير رمزي: قرض الصندوق كان يستهدف استقطاب تأييد دولي لإجراءات سياسية

مع استلام مصر  خلال الأيام المقبلة للشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمتها ملياري دولار، ليصل إجمالي قيمة القروض التي حصلت عليها مصر من الصندوق إلى 12 مليار دولار على مدار ست شرائح.

 وعلى مدار السنوات الثلاثة الماضية ووفقا لبنود اتفاقها مع الصندوق الدولي الموقع في نوفمبر 2016، طبقت الحكومات المصرية المتعاقبة جملة من الاصلاحات الاقتصادية، تركزت غالبيتها على الغاء الدعم عن مشتقات الكهرباء والطاقة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعات متواصلة في أسعار السلع كافة، مما أرهق طبقات الشعب.

وبنهاية اتفاق الصندوق، تثار العديد من التساؤلات: هل احس الشعب المصري بآثار ما يسمى بالاصلاحات الاقتصادية التي جرى على أساسها الاقتراض منه؟ هل كانت مصر في حاجة من الأساس لقرض الصندوق؟ هل ذهبت قروض الصندوق الـ 12 مليار دولار إلى إصلاحات حقيقية؟ ومتى يجني الشعب المصري ثمار ما يسمى بإصلاحات صندوق النقد؟

أهداف الاقتراض

الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب يرى في البداية، أن مصر لم تكن في حاجة ملحة للحصول على مساعدات صندوق النقد الدولي، بل ذهبت للصندوق من أجل المساعدة في سياسة تؤمن بها القيادة السياسية، وهي ضرورة إلغاء الدعم، والتحول إلى النظام الرأسمالي بشكل كامل، بما يسهل للحكومة المضي قدماً في سياسات الخصخصة.

 هذة هي خلاصة الرؤية الاقتصادية للنظام الحاكم، وهو ما يفسر لجوء القيادة المصرية للصندوق من الأساس، كما أن ما يؤكد عدم حاجة مصر لقرض الصندوق، أنه وقبل أن تتوجه الحكومة للصندوق الدولي وبفترة قصيرة، طرحت شهادات استثمار لمشروع قناة السويس، واستطاعت آنذاك أن تحصل في خلال أسبوع عمل على ما يقرب من 68 مليار جنيه، منها 28 مليار جنيه من خارج الجهاز المصرفي، أي الأموال التي يحتفظ بها المصريون في بيوتهم.

ويضيف:" في ذلك الوقت كان من الممكن إصدار سندات لمشروعات قومية عملاقة للمصريين في الخارج، وكان من السهل على الحكومة أن تحصل على أضعاف ما حصلت عليه من قرض الصندوق، إذ أن تحويلات المصريين العاملين في الخارج وفقًا للبنك المركزي المصري كانت تقترب من 20 مليار دولار سنوياً، وفي حال جرى طرح أسهم وسندات للمصريين بالخارج، كان ممكناً جمع ما لايقل عن 30 مليار دولار، أكبر بكثير من القرض الذي حصلت عليه مصر من صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار".

 وفي رأى عبدالمطلب أن المصريين لم يستفيدوا بشكل مباشر أو غير مباشر، من قرض الصندوق بل ذهبت قيمة القرض مباشرة لسد عجز الموازنة، وظلت كل النفقات في حالة ارتفاع كما ارتفعت أسعار كافة السلع بلا استثناء، كما أن الإجراءات الناتجة عن قيمة القرض جعلت المواطن لا يشعر بنتائج معدلات النمو التي يتم الإعلان عنها، وكذلك حال الاحتياطي النقدي الأجنبي لضعف ما كان عليه قبل عام 2013. 

لا لرفع الدعم

وتستعد الحكومة خلال الأيام المقبلة لرفع جديد لأسعار الكهرباء ومشتقات الطاقة، ويمكن للحكومة، وفقاً لعبدالمطلب، ألا ترفع الدعم كلية عن الوقود، إذ يمكنها من خلال مجموعة من الإجراءات القانونية أن تثبت أنها أوفت بكافة التزاماتها مع صندوق النقد الدولي.

ويضيف أنه طبقاً للمؤشرات العالمية، فإن الدولار مقوم بأكثر من قيمته في مصر، وتراجع الدولار خلال الشهرين الأخيرين خير دليل على ذلك، كما أن لدى مصر الآن احتياطي نقدي يزيد عن 40 مليار دولار، وهناك زيادة في التصدير بنسبة تقترب من 15%، كما أن عوائد المصريين في الخارج ارتفعت بنسبة ملحوظة، وبالتالي يمكن أن يصل الدولار إلى 15 جنيهاً في نهاية يونيو 2019، وبذلك فإن سعر الوقود في مصر، طبقاً للأسعار العالمية سيكون مطبقًا فعلياً في مصر. 

ومن هذا المنطلق فإن مصر ليست مضطرة لرفع الدعم بالكامل عن الوقود، لأنها بالفعل تبيعه بالأسعار العالمية، ولكن في حال أقدمت الحكومة على رفع جديد للأسعار قبل بداية يوليو، فإن ذلك يؤكد على هدف الحكومة من الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وهو رفع الدعم كلياً عن كافة ما تدعمه الدولة.

ويتابع أن رفع أسعار الوقود من شأنه أن يعيد التضخم إلى الارتفاع مرة أخرى، كما سيلقي رفع أسعار الوقود بظلاله على ارتفاع أسعار كافة السلع، ومنها الأدوية والحبوب وفواتير المحمول ومصروفات النقل وكافة أسعار السلع الأخرى، وبذلك سيتحول مفهوم القروض من كونه مساعدة للشعوب، إلى أداة لوضع معاناة أكبر عليهم. 

وفي رأي الخبير الاقتصادي، أن الأزمة الأكبر في مصر، عدم وجود مفكرين اقتصاديين يشاركون في صنع القرار، إذ أن الشخصيات التي تتولى المسوؤلية هى شخصيات تنفيذيين فقط، وأكبر دليل على ذلك ما حدث في عام 1995، حينما حدث خلاف كبير بين إدارة صندوق النقد الدولي والإدارة المصرية آنذاك، إذ كانت شروط الصندوق تضمن تعويم العملة المصرية، وهو ما رفضته الحكومة وقتها، وبعدها بعامين في 1997، انهار اقتصاد دول جنوب شرق آسيا، بسبب هذه الشروط والتي كان يروج لها الصندوق في البداية على أنها معجزة اقتصادية.

أهداف سياسية

ومن جهته يرى المحلل الاقتصادي سمير رمزي، أن الدوافع التي دفعت مصر للجوء إلى صندوق النقد الدولي، كانت بهدف إضفاء مشروعية على إعادة هيكل قوى الاقتصاد، حيث عمد السيسي منذ توليه الحكم، إلى إعادة ترتيب جماعات القوى داخل الاقتصاد، بسبب أن القوى الاقتصادية في مصر، كانت مقسمة إلى رجال أعمال قريبين من السلطة أو معارضين، والأخيرة، كانت تشتمل على رجال أعمال من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين، وسعى النظام تحت غطاء إعادة الهيكلة، إلى فرض حراسة ومصادرة على مشروعات وأموال جماعة الاخوان، في مقابل انخراط مكثف للقوات المسلحة في بعض المشاريع الاقتصادية، بالإضافة إلى خفض سطوة القطاعات المدنية في الدولة.

ويضيف أن القرض يضمن التأييد الدولي للإجراءات السياسية، حيث كان يطمح نظام السيسي أن يوفر الصندوق الغطاء السياسي المناسب في قمع الاحتجاجات والتضييق على القوى المعارضة، لأنه سبق وتعرض النظام الحالي للعديد من الانتقادات الدولية، خاصة فيما يتعلق بموقفه من قضايا حقوق الإنسان، والقمع السياسي، وللصندوق سجل حافل بتأييد قمع الاحتجاجات السياسية في الدولة المقترضة، ومنها الأرجنتين وتشيلي وغيرهما. 

ويتابع رمزي في ورقة بحثية نشرها مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، أنه في الوقت الذي طالب فيه السيسي المصريين بتحمل تبعات وتكلفة استقلال القرار المصري، كان هو نفسه يفاوض صندوق النقد الدولي، للحصول على القرض لدعم الاقتصاد، ويتعارض التعاون مع الصندوق بشكل كبير مع ما يدعيه السيسي من الاستقلال بالقرار الاقتصادي والسياسي.

ويرى أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تتوجه بها الحكومة لقرض صندوق النقد الدولي، فقد سبق وأعلنت حكومة الببلاوي عن نيتها التوجه للصندوق في 2014، لكنها فشلت بسبب عدم قدرة الحكومة على مواجهة الضغوط السياسية، وجماعات المعارضة ،والقطاعات المتضررة داخل الدولة، بينما في ظل قيادة السيسي أصبح السياق السياسي أكثر ملائمة، فالسيسي منذ بداية حكمه، عمل على غلق المجال العام، وإضعاف المعارضة، كما أن للسيسي دوافع سياسية للجوء للصندوق. 



كادر

صندوق النقد: هذه هى ثمار القرض لمصر 

حرص صندوق النقد الدولي طيلة المراجعات الخمس لأداء الحكومة المصرية للموافقة على شريحة جديدة من القرض على الترويج لما أسماه بالانجازات التي حققتها الحكومة المصرية في برنامجه.

وذكر الصندوق في أخر تقاريره عدداً من التوقعات الايجابية لأداء الاقتصاد المصرى فى العامين الماليين الحالى والمقبل، أهمها بحسب ما قال ارتفاع معدل النمو الاقتصادى إلى 5.5% للعام المالى الحالى، و5.9% فى عام 2019/2020.

 وبذلك يسجل الناتج المحلى لمصر 6 تريليون و458 مليار جنيه أى 3 أضعاف ناتج عام 2015/2016 البالغ 2 تريليون و709 مليار جنيه ليرتفع بذلك نصيب الفرد من الناتج إلى 3314 دولارا العام المالى المقبل، مقارنة مع 3052 دولار العام المالى الحالى.

 وتوقع التقرير، تراجع معدلات البطالة إلى 9.6% العام المالى الحالى، وإلى 8.3% العام المالى المقبل، كما يتوقع انخفاض معدل التضخم من 14.5% للعام المالى الحالى، إلى 10.7% العام المالى المقبل، لينخفض بذلك متوسط معدل التضخم المسجل فى الفترة من عام 2015/2016 إلى عام 2019/2020 إلى نحو 12.8% على أساس سنوى مقابل 15.8% بالتوقعات الحالية.
-----------------
تقرير - عبدالرحمن العربي