21 - 12 - 2024

كلنا أعضاء في "تحالف الأمل"

كلنا أعضاء في

ما قابلت سياسيا ولا كاتبا من المخلصين لبلدهم، على امتداد السنوات القليلة الماضية، إلا وكان موضوع الفراغ السياسي الموجود – بحكم المنع والقهر الأمني – هو الموضوع الرئيسي لحوارنا.

كان ذلك صلب نقاشي المطول مع حمدين صباحي، في الحوار الذي نشر في يناير الماضي- وأقام الدنيا ولم يقعدها، وقبل وبعد الحوار، كما كان "تحالف الأمل" هو جوهر الحوار الذي أجراه زميلي أحمد صلاح سلمان بداية رمضان الماضي، مع السياسي المخضرم مدحت الزاهد، ونشر على جزأين بالمشهد، كشف الرجل فيه عن هذا التحالف بمكوناته السياسية وأهدافه وخطط عمله والأحزاب والشخصيات المشاركة فيه.

نحن إذن أمام عمل سياسي معلن، يتم في النور وعلى رؤوس الأشهاد وبعلم تام من الأجهزة التي تراقب هواتفنا وصفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي ولقاءاتنا ومواعيد خروجنا من بيوتنا ومواعيد نومنا ونقاشاتنا مع أسرنا وربما تحاول أن تتلصص على أفكارنا!

المنطق جوهر التصديق، والذين يأتون بأشياء خارجة عن المنطق هم وحدهم الأنبياء والرسل والصالحون المخلَصون الذين انتهى زمانهم كالخضر، وحين تحاول الأجهزة الأمنية ومن يدور في ركابها إقناعنا بأن زياد العليمي – ابن الزميلة إكرام يوسف الذي صنع على أعيننا – أو الزميل حسام مؤنس مدير الحملة الانتخابية لحمدين صباحي أو الزميل هشام فؤاد، ذلك الصحفي والكاتب اليساري النابه أو د.عمر الشنيطي الكاتب الاقتصادي الرائع، كلهم أو أي منهم ينسق مع "تنظيم الإخوان"، ذلك يفترض فينا البلاهة ويستخف بعقولنا، ولا أدري كيف يمكن أن يصدق الناس بعد ذلك أي بيان حكومي من أي نوع، من يكذب في شيء يمكن أن يكذب في كل شيء، كيف نصدقهم حين يتحدثون عن التحديات التي تواجه مصر والمؤامرات التي تحاك ضدها والإنجازات التي تتم، وأوضاع السجون التي تصرخ قضبانها لحبس بعض من فيها وحرية بعض من هم خارجها، ومكافحة الفساد، وبناء مستقبل الأجيال المقبلة.

"تحالف الأمل" كان محاولة إنقاذ أخيرة لصنع بديل سياسي، ينتشل مصر من هوة سحيقة بين فاشيتين، فاشية النظام القديم الذي أعاد تشكيل نفسه بمخالب وأنياب تنغرس في رقاب كل مصري.. تكتم أنفاسه وتقطع رزقه وتقتل أمله وأمل أبنائه في المستقبل وتصنع له غدا أسوأ من حاضره، وفاشية دينية خلعها المصريون من حكم كان يخطط له أن يدوم لخمسين عاما، يقصي المخالف ويحول مصر من وطن يشع حضارة وإلهاما وتجددا وتسامحا، إلى ولاية يمكن أن يحكمها ماليزي أو اندونيسي أو تركي، ومن تعددية دينية وثقافية ألهمت العالم ثقافة التعايش إلى ضيق الفكر والحكم والنهج، من استقلالية إلى تبعية ومن استقرار إلى بؤرة تطرف تمثل كعبة لكل صاحب فكر ضال، يرى العنف وسيلة مشروعة في مواجهة الشعوب والحكومات.

هذا التحالف كان يعني البحث عن دولة مدنية ديمقراطية سمحة، تنعم بتداول للسلطة وتتيح للناس تصحيح مسار حكوماتهم حتى نصل إلى حكم رشيد يليق بحضارة مصر وشعبها، تتيح الفرصة لشعب سيد في وطن سيد أن ينجز ويتقدم ويخترع ويجذب – مرة أخرى – عقوله وكفاءاته المهاجرة، تكون سيادة القانون والدستور فيه أعلى من كل صاحب نفوذ وسلطان، لا يستبد حاكم فيه بالسلطة ولا يستقوي على شعب ضعيف، فالشعب هو الجبل القوي الذي تستند السلطات إليه، دولة تكافح الفساد والإرهاب وتخلعه من جذوره، لاتوظفه أو تغض البصر عنه، ووطن نتساوى فيه جميعا وتتكافأ فيه فرصنا في الحرية والعدالة والحقوق والكرامة والعمل والعيش، يدفع فيه كل مخطيء ثمن خطئه ويجازي فيه كل محسن على قدر انجازه وتميزه، يكرم من ضحى واستشهد ويوفر حياة كريمة لأسرته في الواقع وليس أمام الكاميرات.

انطلاقا من هذا فإن كل مصري حر، ما يزال يحتفظ ببقية من عقل، ولا يصدق إلا واقعه الذي يحيا، غير ناظر إلى دعاية حكم إقصائي مقيت ولا جماعة فاشية تبث سمومها من الخارج والداخل وتتجر بالأحزان والمآسي، هو جزء من هذا التحالف حي الضمير.

***
في مداخلة تليفزيونية تساءل د. سيف الدين عبد الفتاح – حين أنكرت المعارضة من خارج مصر، خوفا من الالتحاق بأجندات غير وطنية -تساءل قائلا: وما الذي يبقيك في مصر غير أنك تطبل للسيسي؟ بدا الرجل مصدقا تماما لما يقول، وربما تصور أن مشاهدي القناة سيصفقون له، باعتباره فائزا بالضربة القاضية.

يريد "تنظيم الإخوان" تحويل مصر إلى وطن بلقع تهجره كفاءاته، ما أحب لهم أن يهاجر من مصر المثقفون والسياسيون والعلماء والفنانون والأطباء والمهندسون وكل أصحاب الكفاءات، ذلك يخدم عزف سيمفونية "المظلومية" التي لم يعد لهم غيرها، وهو هدف مشترك لهم مع النظام الذي يفرض معادلة "اصمت أو هاجر" وإلا فإن مصيرك السجن، ليس هذا هو المشترك الوحيد، فالاثنان وجهان لعملة واحدة استبداد وإقصاء، نحكمكم أو نقتل أملكم.

السياسيون والاقتصاديون والمثقفون والكتاب والصحفيون والعلماء الذين يقاومون هذه المعادلة البائسة ويصرون على البقاء في وطنهم ويجهرون بما يعتقدون في صحته، أملا في انصلاح أحواله، ويرضون بالتضييق وتحمل مخاطر العمل في مناخ بائس، هم الأجدر بالاحترام والتقدير الوطني، ولا يليق بالسلطة – ولا بالوجه الآخر لها – تشويههم والحط من شأنهم والكيد لهم وتلفيق الاتهامات والحصار والسجن.

***
اتصالا بما سبق، تقدم ابني لمنحة ومن بين الأوراق المطلوبة لها تقديم كشف حساب بنكي لوالده، طلب مني ابني هذا الكشف قبل ساعات، أشفقت عليه وانحبست الدموع في عيني، فتقديم كشف يثبت واقع الحال قد يضيع عليه هذه المنحة، ولوهلة أجريت مقارنة بين حالي وحال زملاء وتلاميذ يتقلبون في النعيم وربما لا يستطيعون إحصاء ثرواتهم المتنامية، وأنا على هذا الحال بعد أن تركت وظيفة مرتبها 10 آلاف دولار شهريا في الخارج ورفضت بعدها عملا بـ 30 ألف دولار شهريا وفضلت أن أبقى هنا .. أعيش على الكفاف، فربما أشارك بوجودي وصمودي في جزء بسيط من صنع مستقبل وطني، ومع ذلك لا أجد غير الإنكار والشك والتهم والحصار والتهديد.

و"معتقلو الأمل" أشرف وأطهر وأكثر وطنية وإخلاصا من جلاديهم.. وممن يكيدون لهم.. وأظن أن حال كثيرين منهم لا يختلف عن حالي.
----------------
بقلم: مجدي شندي

مقالات اخرى للكاتب

أيام تشبه بعضها | وجع لبنان