17 - 08 - 2024

أحدث أشكال البلطجة العصرية: ادفع لأحميك

أحدث أشكال البلطجة العصرية: ادفع لأحميك

يعلم أصغر باحث فى العلوم السياسية، أنّ الإدارة الأمريكية - منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بصفة خاصة - هى الوريث الأكبر للإستعمار القديم.. وأنها فرضتْ شروطها على الأنظمة العربية، المعادية لشعوبها.. وبالتالى ترغب فى حماية دولية. وحيث أنّ ملوك ورؤساء تلك الأنظمة العربية، أدركوا أنّ أهم وأشهر (بلطجى) عالمى مكانه فى البيت الأبيض الأمريكى، لذلك ارتموا تحت الأقدام الأمريكية، وأعلنوا قسم الولاء والطاعة.. وإذا كان كل رؤساء أمريكا نفــّـذوا شروطهم واستنزفوا أموال الشعوب، التى شاء سوء حظها أنْ يحكمها ملوك ورؤساء داروا فى الفلك الأمريكى.. ودفعوا ثمن الحماية الأمريكية.. وكانت الإدارة الأمريكية تتقبل هذه الأموال/ الرشاوى (فى صمت) دون الإعلان الصريح أنها مقابل حماية الأنظمة التابعة والعميلة.. ولكن ترامب وصلتْ به فجاجته ليـُـعلن (على الملأ) أنّ من يريد حمايتنا عليه أنْ يدفع، قال ذلك فى السعودية فى عام 2018 وكرّره فى يونيو 2019. 

وفى آخر حديث أدلى به لقناة إن بى سى أكــّـد على أنّ المصالح الأمريكية مع السعودية، أهم من التركيز على محاسبة السعوديين فى قضايا مثل مقتل خاشقجى. وكرّر كلامه السابق.. والذى قاله بحضورالملك السعودى.. وولى عهده، حيث قال فى حديثه الأخير: يتوجب على السعوديين دفع ثمن الحماية التى توفرها لهم أمريكا.. وقال: لقد تحدثتُ مع محمد بن سلمان.. وأخبرته بأنه يجب أنْ يدفع لنحميه.. وأضاف: أنا لستُ ذلك الغبى الذى يقول: لن نتعامل مع السعودية. لقد استفدنا من السعوديين.. وجعلتهم ينفقون 450 مليار دولار لشراء الأسلحة الأمريكية.. ولو أنهم أوقفوا التعامل التجارى معنا، سوف يتعاملون مع روسيا والصين (دنيا الوطن- 24يونيو2019)  

***

وأعتقد أنّ السؤال المسكوت عنه فى الإعلام العروبى هو: هذا الرقم  450 مليار دولار + 200 مليار دولار لصفقات تجارية أخرى، هل لصالح الشعب السعودى؟ أم لأغراض أخرى؟ والسؤال الثانى: هذه الأسلحة ستــُـستخدم ضد من؟ هل هى (مخزون) احتياطى فى حالة نشوب حرب إيرانية/ سعودية، مثل الحرب الإيرانية/ العراقية؟ وحتى لو كانت السعودية ليست الطرف المباشر، أليس من المُـتوقع أنّ القوات الأمريكية المُـتمركزة فى السعودية هى التى ستستخدم تلك الأسلحة لضرب إيران؟ أم انّ تلك الأسلحة تــُـستخدم لتدمير اليمن.. وقتل الشعب اليمنى.. وهو ما حدث منذ أربع سنوات.. ومازال مسلسل القتل والتدمير مستمرًا؟  

وأعتقد أنّ الاتهامات المُـتبادلة بين إيران وأمريكا حول (موضوع السلاح النووى الإيرانى) فيه تذكير بما حدث مع صدام حسين بحجة امتلاك العراق للسلاح النووى، بالرغم من تخبط إدارة بوش ((حيث اعتمدتْ على معلومات زائفة حول امتلاك العراق أسلحة نووية، بينما أجمعتْ تقارير الأمم المتحدة أنّ العراق.. ومنذ حقبة السبعينيات أنهى أى نوع من تطوير تكنولوجيا الأسلحة النووية.. وقال (هانزبليكس) ومحمد البرادعى وغيرهما من خبراء الأمم المتحدة ((لم يكن العدوان على العراق مبررًا وفق الأدلة المتاحة (والتى تنفى إمتلاك العراق للسلاح النووى) وقال (بليكس) أمام وزيرالخارجية الأمريكى كولن باول.. وأمام مجلس الأمن بالأمم المتحدة فى فبراير2003، أنّ المصادر الأمريكية ((غيرجديرة بالثقة)) وأنه يستند إلى تصريح سبق أنْ قالته كوندليزا رايس (مستشارة الأمن القومى) وقال البرادعى إنه لديه الدليل على أنّ العراق لم يستأنف برنامجه النووى.. وهوالبرنامج الذى قامتْ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفكيكه عام1997.. وقال (بليكس) أنّ صانعى السياسة فى واشنطن تجاهلوا تلك المعلومات (د.بكيل أحمد الزندانى- فى كتابه: عقيدة بوش والشرق الأوسط الكبير- مؤسسة أروقة للنشر- عام 2012 - ص144)   

والمغزى أنّ الإدارة الأمريكية كانت (مُـبيتة النية على غزو العراق واحتلاله) وأنّ موضوع السلاح النووى (حجة أو شماعة لتبرير الغزو) وكانت النتيجة أنْ انقسم العرب، ما بين أنظمة وقفتْ مع العراق.. وأنظمة صـدّقتْ الملعوب الأمريكى (سواء عن اقتناع أو لمجرد تأييد السيد الأمريكى) خاصة وأنّ أحدًا لم يتعظ مما حدث فى ليبيا عندما نجح بوش فى اقناع القذافى بالتخلى عن برنامج الأسلحة النووية (المصدرالسابق- ص143) ومن المهم ربط ذلك (والكلام عن العروبة) بما قاله سيف الإسلام القذافى: إننا لا نــُـمانع فى ((منح قواعد عسكرية لقوات بريطانية وأمريكية)) وأضاف ((إننا نتخلى عن أسلحتنا ومن ثم فنحن نحتاج إلى مظلة دولية لحمايتنا)) وقال الشيخ حمد بن جاسم (وزيرالخارجية القطرية) على دول الخليج ألا تخجل من الاحتماء بأمريكا.. ولاتخجل لوجود القوات الأمريكية فى المنطقة (أهرام12يناير2004) ومؤخرًا أعلنتْ الدوحة أنها تبحث مع أمريكا تحويل (قاعدة العديد) الجوية (أكبر قاعدة أمريكية فى المنطقة إلى قاعدة دائمة) وذلك كما ذكرتْ وكالة الأنباء القطرية الرسمية.. وأضافتْ الوكالة أنّ قطر تعمل حاليـًـا مع حليفها الاستراتيجى الأمريكى على رسم خريطة الطريق لمستقبل العلاقات الثنائية بين البلديْن، ليشمل ضم قاعدة العديد الجوية لقائمة القواعد العسكرية الدائمة التابعة لأمريكا (أهرام25يوليو2018) 

والسؤال (هل الحماية الأمريكية لدول الخليج) بدون مقابل؟ وأليس الكلام الذى قيل سنة 2004 هو ما يطبقه ترمب؟ ولكن بفجاجته المُـباشرة.   

إنّ ما أخشاه- كما أعتقد- أنّ الحملة التى يقودها ترمب ضد إيران، تستهدف حشد أنظمة دول الخليج، تمهيدًا للحظة المجابهة العسكرية.. وبالتالى يكون قد حقــّـق أكثرمن هدف: 1- تأجيج الحرب المذهبية بين الشيعة والسنة، ليس على مستوى دول الخليج وإيران (فقط) وإنما على مستوى شعوب المنطقة حيث التواجد المكثف للشيعة فى معظم الدول العربية 2- الحرب المسلحة بين دول الخليج وإيران، كما فعلتْ أمريكا عندما ورّطت بلهاء العراق وإيران فى حرب دموية/عبثية لمدة ثمانى سنوات، مات فيها عشرات الألوف من الشعبيْن بخلاف الدمار فى البنية الأساسية للدولتيْن 3- سيتكرّر نفس السيناريو بشأن الحصول على السلاح.. والمُـستفيد شركات السلاح الأمريكية التى ستبيع للطرفيْن المُـتنازعين 4- بعد إنتهاء كارثة الحرب، (وغالبـًـا لا منتصر ولامهزوم) (يبدأ سيناريوالإعمار) والمُـستفيد شركات المقاولات الأمريكية (ولا بأس من بعض الشركات الأوروبية) بالضبط كما حدث بعد خروج الجيش العراقى من الكويت (وكان نصيب مصر إزالة الألغام، بمراعاة أنّ الإنسان المصرى ليس له ثمن من وجهة نظر الحاكم المصرى)

أما الاستفزاز الأكثر سفورًا فى موضوع الأسلحة النووية، فيطرحه هذا السؤال: هل إيران (فقط) التى تسعى لامتلاك السلاح النووى؟ وهل كوريا الشمالية (فقط) من تمتلك السلاح النووى؟ أوليستْ إسرائيل دولة نووية منذ عام 1970؟
---------------------
بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟