27 - 09 - 2024

الإعلام المصرى وسر الغيبوبة Coma

الإعلام المصرى وسر الغيبوبة Coma

المفكرون من أصحاب العقول الحرة اتفقوا على مقولة: أنّ جهازالإعلام لديه القدرة على دفع الوطن للتقدم.. وبنفس القدرة والإمكانيات يتسبب فى تخلف الوطن، والبؤس للمواطنين.. وأنه بتوجيهات من نظام الحكم، يستطيع الإعلام- بقدراته الخارقة/ الساحرة تحويل الشعب من اليمين إلى اليسار فى مدة ستة شهور. 

وقد استفادتْ أنظمة الاستبداد من تجربة الحزب النازى الذى نجح فى انتخابات (ديمقراطية) بالرغم من كل مساوىء النازية.. وكان السر فى خضوع الشعب وتأييده الظاهرى لهتلر يكمن فى ذلك الجهاز الساحر(الإعلام) كما استفادتْ أنظمة الاستبداد من شخصية جوبلز(وزير الدعاية السياسية) فى عهد هتلر.. وهو الذى روّج  لمزاعم هتلر العنصرية (عن الجنس الآرى) وأنه فى (قمة الهرم البشرى) ومن نصائحه الشهيرة للحاكم المستبد: اكذب ثم اكذب حتى يـُـصدقك الناس.. ولاتكف عن الكذب حتى يصير هو الصدق.. ونظرًا لكراهيته الشديدة للحقيقة.. وإدراكه بأنّ حاملى شعلة التنوير هم المثقفون المحترمون المعارضون للاستبداد، لذلك قال جملته الشهيرة: ((كلــّـما سمعتُ كلمة مثقف تحسستُ مسدسى))  

***

وعن دورالإعلام ووظيفته المُـفترضة كتب الشاعر فاروق جويدة مقالا تناول فيه (سلبيات) الإعلام المصرى.. (صحيفة المصرى اليوم بتاريخ 11 مايو2019) بعنوان (الإعلام المصرى ودورنا الغائب) 

تضمن المقال بعض الزوايا شديدة الأهمية عن (حالة التردى) فى الإعلام المصرى.. وضرب عدة أمثلة عن الغياب المُـتعمّـد فى تغطية الأحداث الجارية.. وهى الأحداث المُـذاعة فى معظم الفضائيات العالمية والعربية. 

وبدأ مقاله بداية مُـلفتة للنظر فقال: الإعلام المصرى بكل ألوانه غائب تمامًا عن كل ما يجرى على الساحة العربية، رغم أنه كان يومًا يلعب أهم الأدوار في الأحداث الكبر.. كان الإعلام المصرى هومصدر المعلومات والتغطية الجادة والرأى السديد. 

ولم يكن غريبًا أنْ يكون إعلام مصر فى آخر القائمة في مستوى الأداء والمهنية والتغطية الجادة.. حتى فيما يخص ما يجرى في الساحة المصرية نفسها.. لقد غلب الأداء الإعلانى على ما يقدمه الإعلام المصرى من الموضوعات والأخبار والتحليلات.. وهذا النوع من الأداء يفتقد في أحيان كثيرة المصداقية والتأثير، لأنه يفتقد الرأى الآخر.. ويكون أقرب إلى التقارير الموجهة بعيدًا عن مفهوم الإعلام السليم. إن المنافسة الجادة لاتكون بالمسلسلات وبرامج التسلية والغناء الردىء. 

ثم تطرّق لغياب الإعلام المصري عن انتفاضة الشعب السودانى.. بالرغم من العمق التاريخى والجغرافى الذى يربط شعب مصر بالشعب السودانى.. ونفس الغياب الإعلامى حدث بالنسبة لانتفاضة شعب الجزائر.. ونفس الغياب عن الأحداث الجارية فى ليبيا.. والإمدادات العسكرية الواردة من تركيا.. وأضاف (ومن قطر) بينما معظم الفضائيات العالمية والعربية تــُـشير إلى السعودية والإمارات العربية فى إمداد قوات خليفة حفتر الذى تــُـدعمه بعض الأنظمة العربية ومصر.. ومبرّرهذه الأنظمة أنّ حفتر يتصدى للإرهابيين.. وذلك بالرغم من الشـُـبهات التى تحوم حول أهدافه الحقيقية من استمرار الصراع بينه وبين الفصائل الأخرى المسلحة، والخاسرالوحيد هوالشعب الليبى.. وتدمير بنية المرافق الليبية.. وعندما دخل طرابس استخدم اللغة الدينية فقال لأتباعه في 4 أبريل 2019 حيث الزحف نحو طرابلس، وذلك في تسجيل صوتى ((حان موعدنا مع الفتح العظيم وادخلوها بأمان سالمين لاترفعوا السلاح إلاّ على من رفعه في وجوهكم.. ومن ترك سلاحه فهو آمن.. ومن لزم بيته فهو آمن.. وومن رفع الراية البيضاء فهوآمن.. وسلامة أهلنا وممتلكاتهم وسلامة ضيوفنا الأجانب ومؤسساتنا أمانة بأيديكم.. ولاتعتدوا وتذكروا قوله تعالى (ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين) لغة دينة تقمّـص فيها شخصية نبى الإسلام عندما قال: من دخل دار أبى سفيان فهو آمن.. ومن دخل المسجد فهو آمن.. ومن أغلق بابه فهو آمن..إلخ.  

وبالرغم من أنّ جويدة تناول الأحداث الجارية فى معظم العواصم العربية، فإنه تجاهل مأساة الشعب اليمنى.. ولم يذكر اليمن إلاّ بكلمة (واحدة) فى سياق كلامه عن غياب الإعلام المصرى عما يدور في طرابلس على حدودنا، أوما ينطلق كل ليلة من عشرات الصواريخ على غزة، أوما وصلت إليه الأحداث في سوريا (واليمن) والعراق. فلماذا لم يذكر دورالسعودية والإمارات العربية فى قتل الشعب اليمنى وتدمير المرافق اليمنية.. وحقيقة العلاقة بين الحوثيين والسعودية والإمارات؟ 

إنّ الشعب اليمنى- ومنذ عدة سنوات- يتربـّـص به أكثرمن عدو (إيران- بواسطة الحوثيين- والسعودية والإمارات العربية) وهذا التربص ليس سياسيـًـا (فقط) وإنما شمل قتل اليمنيين- الذين لاعلاقة لهم بأطماع السياسيين الاستعمارية- وشمل تخريب مرافق الدولة وتدمير البنية الأساسية للدولة اليمنية.. ومن لاتقتله المدافع، يقتله الجوع. 

لذلك جاءتْ كلمة وزيرالتجارة والصناعة اليمنى (محمد المتيمى) على هامش مؤتمرالقمة العربية/ الاقتصادية فى بيروت، غاية فى الأهمية حيث قال إن22مليون يمنى- من أصل 29 مليون مجموع الشعب اليمنى- لاتتوفر لهم أبسط قواعد الأمان.. ومن بينهم 12 مليون يتهدّدهم شبح المجاعة القاتلة.. وذكر وجود نصف مليون لاجىء خارج اليمن (وكالة سبأ اليمنية- ومراسل دنيا الوطن من رام الله- 21يناير2019)  

وأعتقد أنّ أهمية كلام الوزير اليمنى، أنه نزع كل الأقنعة القبيحة عن الأنظمة العربية، التى ترفع شعارات حماية الإسلام والعروبة.  

***

تبدو الأحداث فى اليمن (ظاهريًا) أنها صراع بين السنة والشيعة، أى بين السعودية وإيران، وفى التاريخ القديم تعرّض اليمن لغزوالحبشة.. وكانت (الحجة) دينية بينما الأسباب اقتصادية.. وقد استعان (سيف بن ذى يزن) بالفرس لإنقاذ بلاده من الأحباش.. وكان العالم آنذاك جبهتيْن: (الروم والفرس) سخــّـرالروم قواهم السياسية للهيمنة على جزيرة العرب وإبعادها عن الفرس.. وعمل الفرس على تحطيم مؤيدى الروم، لمنع سفنهم من الدخول إلى البحرالهندى.. وعمل المعسكران على نشر وسائل الدعاية للتأثيرعلى العقول، فسعى الروم والفرس لنشرالمسيحية، بينما الهدف الاستيلاء على اليمن.. والسيطرة البحرالأحمرومضيق باب المندب والمحيط الهندى.  

ولخــّـص الكاتب الليبى (أبوالقاسم صميدة) الوضع العربى فكتب ((الكارثة أنّ العرب لم يتخلــّـصوا من ثقافة داحس والغبراء، ولم ينسوا تقاليد حرب البسوس.. وسلوكيات الثأر والسلب والقبائل والعراك البدائى)) (أهرام 16/11/2003) أما الشيخ حمد بن جاسم (وزيرخارجية قطرالأسبق) فقال ((على دول الخليج ألاّ تخجل من الاحتماء بالولايات المتحدة الأمريكية.. ولاتخجل من وجود القوات الأمريكية فى المنطقة)) (أهرام 12/1/2004) 

وكما غاب الإعلامى المصرى عن الأحداث.. كذلك غاب عن الشاعر الكبير جويدة النظر إلى مأساة الشعب اليمنى.. ولكنه كان موفقــّـا عندما ذكر حالة الضباب المُـحيط بالإعلام المصرى، المشغول بالمسلسلات والبرامج التافهة وكرة القدم وكل ما هو هابط حتى المدعو (فن).   
-------------------
بقلم: طلعت رضوان 

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟