بعد سيطرة ضباط يوليو1952على مصر..وبعد انتشار(شعارات العروبة) والقومية العربية.. وتوأمتها الوحدة العربية..و((إننا لانخشى إسرائيل..ولامن هم وراء إسرائيل)) وكذلك دأب كثيرون من كبارالمتعلمين المصريين على وصف إسرائيل بأنها (دولة مزعومة) وكان من بين هؤلاء المتعلمين الكبار د.جمال حمدان الذى وصل به الشطط لدرجة أن كتب أنّ ((كل حل لايزيل إسرائيل من الوجود لامحل له من البحث (العلمى) ليس ذلك (فقط) وإنما- كما أضاف- فإنّ ((كل حل لايـُـعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل1948 بل قبل 1918 مرفوض بلا نقاش)) أنظركتابه: اليهود أنثروبولوجيا- كتاب الهلال- فبراير1996- ص49، 50) ولذلك كان تابعه وتلميذه (د.عبدالوهاب المسيرى) على حق عندما كتب فى تقديمه للكتاب: إنّ جمال حمدان بلا منازع هو واحد من أهم ((فلاسفة ثورة23يوليو1952، فقد بلور رؤيتها للذات ووضع الأسس الفلسفية لمشروعها الحضارى الثورى..إلخ)) (المصدرالسابق- ص20) وعند ترجمة هذا الكلام.. ومطابقته على الواقع، تكون النتيجة أنّ جمال حمدان- الذى قرأ آلاف الكتب- رضى على نفسه أنْ يكون مجرد (بوق) يـُـردّد كلمات عبدالناصر.. وبصفة خاصة أنّ (مصر عربية) تنفيذًا للمخطط الأنجلو أميركى (تعريب مصر) وليس (تمصير العرب)
***
وبالتطابق مع هذه الشعارات قال القيادى الحمساوى (فحى حماد) فى كلمة أمام حشود فلسطينية: إنّ الأوضاع ستنفجر فى وجه إسرائيل، إذا لم ترفع الحصارعن غزة.. ولن يكون ذلك فى غزة (فقط) بل فى الضفة الغربية.. وخارج فلسطين.. ولدينا 7 مليون فلسطينى يجب عليهم الرد على إسرائيل.. ويكون بالهجوم على (كل) يهودى على الكرة الأرضية ((ذبحـًـا وقتلا)) ثـمّ وجـّـه النداء لسكان الضفة فقال لهم: وأنتم إلى متى تسكتون؟ يجب إشهارالسكاكين.
وقد انتقد أمين سراللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية (صائب عريقات) هذا الكلام الحمساوى.. وكذلك أمين عام الأمم المتحدة، بينما قال (عوفير) المتحدث باسم رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو: إنّ هذه التصريحات تــُـظهر حقيقة حماس، فقال الحمساوى (فتحى حماد) نحن نــُـمهل إسرائيل أسبوعـًـا لإنهاء الحصار، (وإلاّ...)
وأعتقد أنّ السيد الحمساوى (فتحى حماد) لم يأت بجديد.. ويبدوأنه خريج مدرسة العروبة الناصرية.. وهى المدرسة التى ابتدعتْ (مؤتمرات القمة العربية) وفى أحد هذه المؤتمرات قرّر العرب فى بيان القيادة السياسية الموحدة فى شهرمايو65 أنّ ((الهدف العربى القومى هو القضاء على إسرائيل)) (نقلا عن ضابط المخابرات المصرى فتحى الديب- فى كتابه: عبدالناصر وتحرير المشرق العربى- مركزالأهرام للسياسات الاستراتيجية- عام2000باب الملاحق- ص 688)
وإسرائيل التى وصفها الإعلام العروبى بأنها (دولة مزعومة) ضربت 11 قاعدة جوية مصرية فى وقت واحد من العريش إلى الأقصر(نقلا عن الصحابى (بالباء وليس بحرف الفاء) الأول (هيكل) لنبى العروبة عبدالناصرفى كتاب الانفجار- ص 713) وتحت شعارالقومية العربية أتاح نبى العروبة لإسرائيل، ليس احتلال سيناء فقط.. وإنما أيضًا القدس والضفة الغربية وغزة والجولان السورية.. والأكثرفداحة ما ذكره ماكنمارا وزيرالدفاع الأمريكى من أنّ ((دولة عربية طلبتْ كمية من الأسلحة لمواجهة السوفيت، وأننا وافقنا بشرط أنْ لاتُستخدم أسلحتنا ضد إسرائيل)) (الانفجار- 241- 242)
وكتب هيكل: إنّ طاقة مصر وحدها لاتستطيع إحراز النصر المرتجى فى الصراع الراهن فى أزمة الشرق الأوسط)) (أهرام 6/7/73) أى قبل حرب أكتوبر73 بثلاثة شهور.. ولم يكتف هيكل بإنكار قوة مصر الذاتية، وإنما وصفها فى نفس المقال بأنها ((شظية اسمها مصر)) ونظرًا لإيمانه ب (الوحدة العربية) رغم فشل الوحدة المصرية السورية، قال ((لامستقبل للكيانات الشظايا. شظية اسمها السعودية. وشظية اسمها ليبيا ..إلخ )) وفى الأسبوع التالى كرّر نفسه ولكن بمزيد من الهدم لمبدأ الاعتماد على القوة الذاتية لأية دولة، فذكر لو أنّ ((كل بلد عربى وجد الوسيلة لتنمية مستقلة، فمعنى ذلك أننا سندخل فى عصر من المنافسة الطاحنة بين الضعفاء)) فما هى النتيجة فى رأى الأستاذ الكاتب الكبير كما تصفه الثقافة السائدة وكل تلامذته البؤساء؟ كتب ((شظايا تصطدم مع الشظايا. فتات يأكل الفتات)) ولشدة ولعه باللعب بالألفاظ (على طريقة جمال حمدان) أضاف ((أننا إذا لم ننجح فى التنمية المستقلة وقعنا فى الخطر.. وإذا نجحنا فى التنمية المستقلة وقعنا فى الأخطر)) فهل ينكر أى عاقل أنّ هذا الكلام يصب فى مصلحة الرأسمالية العالمية؟
لقد أضحكنى هيكل عندما سمعتُ أحاديثه فى قناة الجزيرة عام2009.. حيث قال: إنّ مصر لاشيىء بدون العرب.. وتذكــّـرتُ مقالاته فى الأهرام حيث كتب فى عام 73 إنّ ((الأمة العربية أمامها فترة محدودة– ثلاث سنوات أو خمس على أكثر تقدير- فإذا لم تستطع خلالها أنْ تبدأ بنوع من العمل العربى.. وتختم بنوع من الوحدة العربية، فإنّ هذه الأمة سوف تفقد مكانها على الخريطة السياسية للعالم الجديد. بل أكاد أقول إنها مُهددة بفقد مكانها على الخريطة الجغرافية لهذا العالم أيضًا.. وسوف تكون عاجزة عن مواجهة التحدى الإسرائيلى القائم فعلا)) (أهرام 13/7/73) فإذا أخذنا الحد الأقصى الذى حدّده هيكل لفقدان الأمة العربية لمكانها (والأدق لغويُا مكانتها) فإنّ المدة تنتهى فى عام 1978، فما هى حالته العقلية فى 2009 وهويبيع بضاعته القديمة لقناة الجزيرة، عندما أصرّ على أهمية العرب لمصر لحماية أمنها القومى، بعد أنْ فقدوا مكانتهم حســــــب قوله؟
وكما أضحكنى هيكل، كذلك أضحكنى الحمساوى السيد (فتحى حماد) الذى هـدّد (بذبح كل يهودى على وجه الكرة الأرضية) أى أنه تفوّق على هتلر.. وتجاوزالموطن الجغرافى، ليـُـلاحق اليهود فى كل مكان فى العالم، بمعنى أنّ لديه الامكانيات التى تتجاوزملاحقتهم على أرض فلسطين. فهل يمتلك الفريق الحمساوى أسلحة (نووية) كما تمتلك إسرائيل؟ أم أنهم سيكتفون (بالسكاكين) كما طلب السيد حماد من أهالى الضفة الغربية، بأنْ يستعدوا و(يشحذوا سكاكينهم)؟
وبينما هذا هو مستوى تفكيرأحد أقطاب حماس، فإنّ إسرائيل التى لم تعرف (مرض) الشعارات الجوفاء، فإنها لاتحارب بالسكاكين، بل تستعد بالرؤوس النووية.
وفى أحدث التقارير الدولية عن القدرات النووية الإسرائيلية، ذكر تقرير معهد ستكهولم الدولى لبحوث السلام يوم 17 يونيو2019، أنّ إسرائيل تمتلك ما بين80- 90 رأسًـا نوويـًـا، بالرغم من تكتمها على قدراتها فى هذا المجال.. وأنّ إسرائيل لديها سياسة طويلة الأمد فى مجال ترسانتها النووية.. ويعتقد المعهد المذكور بصحة الرقم.. وذلك وفق ما جاء على الموقع الالكترونى (عرب48) وبالرغم من ذلك فإنّ إسرائيل تــُـهاجم إيران.. وتعترض على تطوير برنامجها النووى.. وعارضتْ الاتفاق الدولى مع طهران، الذى تـمّ التوصل إليه فى يوليو 2015 (دنيا الوطن17يونيو2019)
--------------------------
بقلم: طلعت رضوان
* المقال يتناقض كليا مع السياسة التحريرية للصحيفة وثوابتها تجاه العروبة والصراع العربي - الإسرائيلي .. والمشهد تنشره إيمانا منها بحرية الجميع في نشر آرائهم