20 - 04 - 2024

بين شباب مصر وتونس مرة أخرى

بين شباب مصر وتونس مرة أخرى

 حرصت على حضور مناقشة رسالة الماجستير للباحث الشاب المتميز "عصام شعبان" بكلية الدراسات الأفريقية العليا في جامعة القاهرة.وعنوانها " أثر الحراك الشبابي في ثورتي مصر وتونس: دراسة مقارنة في الانثروبولوجيا السياسية". وبعدها عدت لأجد في بريدي الإلكتروني ـ وكالعادة ـ مجموعة يومية من التنويهات والبيانات عن وقفات احتجاجية وانشطة احتجاجية ضد البطالة والتهميش جاءتني من تونس حيث امضيت قرابة العامين حتى أغسطس الماضي.

رسالة صديقنا عصام كان قد حدثني عنها في إحدى زياراته للعاصمة التونسية قبل نحو أربعة أعوام، وها هو ينجزها ويهدي الجامعات المصرية بحثا يستحق النشر بأمل أن يعبر اسوارها، ويصل الى القارئ العام كي تعم الفائدة. 

وما يعنيني بين فصولها وصفحاتها ـ وأنا الذي طالما استمعت في العديد من المدن والأحياء والقرى في مختلف أرجاء تونس إلى شباب غاضب طامح يشعر بأن ما ثار من أجله قبل نحو ثمانية سنوات لا يزال بعيد المنال ـ  نتائج الاستبيان لعينة من 168 شابة وشاب بين الثامنة عشر والخامسة والثلاثين في البلدين. وهذا الاستبيان يتضمن عدة اسئلة ذكية عن الشباب و العقد السابق مباشرة للثورة وعن آرائهم في اللحظة وحول المستقبل. 

ولعل من أهم نتائج اجابات الاستبيان هو أن الأغلبية الساحقة وبنسبة 96 في المائة لم تقتنع بتشويه انتفاضات وثورات " الربيع العربي " والزعم بانها مؤامرة خارجية على  الوطن. 

لكن ثمة في نتائج هذا الاستبيان ما يؤكد مزيجا من الإحباط والسخط يغلب على شباب البلدين. وهذا لأن ما تحقق على أرض الواقع لم يبلغ مستوى الأماني والمطالب والتضحيات خلال الثورات، وحيث يتضح أن الطموح الشبابي أبعد حتى  من تغيير النظام السياسي كما جرى في تونس . قال نحو 79 في المائة من اجمالي العينة المصرية التونسية أن مطالبهم عبر الثورة لم تتحقق بعد، وبخاصة تلك المتعلقة بتغيير النظام الاجتماعي والقضاء على البطالة و اعتمادتنمية عادلة بين الطبقات و المناطق.

كما أفاد نحو 85 في المائة من هذا الشباب باغترابه عن الأحزاب السياسية في مجملها وانها عجزت عن اكتساب ثقته، وهو ما يشكل معضلة كبيرة، و حتى بالنسبة لتونس حيث النظام السياسي بعد الثورة أكثر انفتاحا واخذا بالتعددية وحرية التنظيم والاحتجاج والتعبير . 

ومع هذا فنتائج الاستبيان في هذه الرسالة العلمية لا تدعو لليأس تماما، وعلى الأقل أجابت الأغلبية وبنسبة نحو 83 في المائة بأن الشباب سيستكمل السعي لتحقيق مطالبه وأهدافه من الثورة مستقبلا . وجاءت النسبة متقاربة بين شباب مصر (83 في المائة ) وشباب تونس (82 في المائة ). وهذا على الرغم من الاختلاف في بيئة العمل السياسي والاحتجاج بين البلدين حاليا . 

وفقط قال 17 في المائة من عينة الشباب المصري والتونسي أنهم لا يعتقدون بأنهم سيتحركون للثورة مرة اخرى للمطالبة بحقوقهم، وثمة نتائج اضافية لاستبيان هذه الرسالة، لعل من أكثرها مدعاة للالتفات عدم الاقتناع بالدعاية العنصرية التي تقول بأن العرب استثناء من الديمقراطية، وانهم لا يستحقون الحريات ودولة المواطنة والقانون. 

نتائج رسالة الباحث المصري عصام شعبان تدعو لبصيص أمل في ليل حالك يخيم على القاهرة والمنطقة بأسرها، وهذا مع انني انزعجت عندما قارنت بين حال الجامعة المصرية والجامعة التونسية التي حضرت في العديد من كلياتها مناقشات لرسائل ماجستير ودكتوراه في العلوم الاجتماعية.

حقا صدمني ما اصبحت عليه بعض كلياتنا مقارنة بنظيرتها في تونس من مظاهرة نقص في جدية الأساتذة المناقشين وامتداد نقيصة نفاق الرؤساء ـ عمداء و رئيس الدولة ـ من الفضاء العام وقد لوثته تماما إلى جدران كليات جامعة القاهرة الداخلية والخارجية، ناهيك عن فجاجة ذوق في وضع زهور صناعية فوق منصة قاعة الدرس ( المدرج) وكأننا داخل "محل عصير"، وإن تكرم الطالب الباحث بتغيير الصناعي بالطبيعي قبل لحظات من المناقشة.

ولأنني كنت قد حضرت في كلية العلوم الانسانية والاجتماعية ( 9 ابريل ) بالجامعة التونسية خلال شهر مارس 2018 مؤتمرا علميا معتبرا يحتفي بمرور خمسين عاما على الحركة الطلابية بها (مارس 1968) وبرعاية إدارة الجامعة نفسها فيما غاب عن مصر وجامعة القاهرة العريقة ذكرى محطة تاريخية مماثلة للحركة الطلابية المصرية في العام نفسه 1968، فقد زاد الأسف لما اصبح عليه حال الجامعة المصرية والمصريين . وزاد على هذا و ذلك أنني تأملت عندما طالعت رسائل الغضب الشبابي القادمة إلى بريدي الإلكتروني من تونس في الفارق بين حال شبابنا وشبابهم العاطلين عن العمل، بل وأحوال المواطن في مصر والمواطن في تونس . 

هناك لا يزال الناس يتجهون إلى الدولة طالبين الحق في العمل، وهو بلد طالما وصمه اشتراكيو البعث والناصرية والقومية في المشرق العربي بأنه رأسمالي موال للغرب زمن بورقيبة، وهنا في مصر لم يعد أهلها وشبابها يتعشم من الدولة فرصة عمل أو حتى خدمة تعليم أو صحة أو مرافق لائقة. 

فقط يأمل الناس هنا ويدعون أن تتركهم الدولة لحال سبيلهم، وألا تثقل عليهم ضنك العيش بالمزيد من الضرائب والغرامات والإتاوات وأسعار الخدمات المبالغ فيها، هناك يبحث الشاب عن الدولة ويلاحقها طلبا فيما يعتقد أنها التزامات عليها ازاء المواطن، وهنا يفر الشاب من الدولة ويختبئ بعيدا عنها إيثارا لسلامة النفس والجيب. 

وهذا الفارق لا أظن عزيزي القاريء أنك ستجده بين صفحات رسالة الماجستير المهمة هذه عن شباب البلدين . والله أعلم. 
----------------------------
بقلم: كارم يحيى 

مقالات اخرى للكاتب

29 أكتوبر 56: العدوان الثلاثي ومذبحة عمال





اعلان