30 - 06 - 2024

سودان ما بعد الاتفاق يؤول إلى العسكر: «فيتو» عسكري على أحكام القضاء والمحاكمات (تحقيق)

سودان ما بعد الاتفاق يؤول إلى العسكر: «فيتو» عسكري على أحكام القضاء والمحاكمات (تحقيق)

 5 أسباب لرفض الجبهة الوطنية العريضة المشاركة في التوقيع وتصفه بـ" الخيانة العظمي"
- قوى الحرية والتغيير: الجبهة تجيد التنظير من لندن ولا تعيش الواقع
- عمار قاسم حمودة: نعلم أن الاتفاق محفوف بالمخاطر والغلبة بالجاهزية الجماهيرية 

اتفاق متعسر، وآراء متضاربة، وقوى خفية تجهز الخطط للمجلس العسكري السوداني، في حين بدأت الانشقاقات تدب بين 20 كيانا الذين يمثلون قوي الحرية والتغيير، لدرجة وصلت بالجبهة الوطنية العريضة لوصم الاتفاق بأنه "خيانة عظمي" وشرعنة لعسكر الانقلاب، فهل سيفضي الاتفاق إلى مزيد من الخلافات بين قوى المعارضة السودانية، لتتشرذم من جديد، وفي كل الأحوال كما وصف بعض المحللين الموقف أنه لصالح العسكر في كلا الحالتين، خاصة في ظل الإعلان عن حدوث انقلابات من حين لآخر يتم اجهاضها، المشهد يتابع ملف الثورة السودانية ويناقش مع الأطراف المعنية أسباب رفض الاتفاق..

حكومة الاعتصام

ويوضح هشام أبو ريدة عضو الهيئة القيادية للجبهة الوطنية العريضة٬ أن في الجبهة منذ قيامها في 2010  أول من رفع شعار "تسقط بس"، ويقول: كانت قائمة على مبدأين فقط لا ثالث لهما، وهما اسقاط النظام، ومبدأ المحاسبة، فنحن عندما قامت الثورة قامت على هدف واحد استراتيجي هو اسقاط نظام البشير، كمطلب أساسي وجوهري، بدون أي شروط، وشاركنا في الحرية والتغيير لتحقيق السلام في مناطق النزاعات، إضافة إلى بعض الرؤي التي توافقنا عليها، ولكن بعد انتفاضة أبريل وفي ساحة الاعتصام طلب الأستاذ علي محمود حسنين- عليه رحمة الله – من شركائنا في الحرية والتغيير الإعلان عن حكومة داخل ساحة الاعتصام، لأن الساحة كانت بمثابة برلمان الثورة، ولكن بكل أسف لم يستمعوا إلى نصحه، وقضى كل عمره في التنديد بالأنظمة الشمولية، بكل ما كان لديه من حنكة سياسية وقانونية، ولا يوجد له مثيل في الساحة السياسية الآن، ولم ينصاعوا لطلبه بتشكيل حكومة وتقديمها للمجتمع الدولي، وكان ما قد كان، وفي 8 رمضان تم إلحاق عدد كبير من شبابنا مما زاد من تفاقم الأمر، فلابد أن يكون المطلب اسقاط المجلس العسكري، واعتباره امتداد للنظام السابق، وأنهم شاركوا في إراقة دماء الشعب السوداني، بدلا من أن يكونوا منحازين للثورة، تحولوا إلي حجر عثرة في مواجهة محاكمة كل من ارتكبوا جرائم ضد الشعب السوداني منذ 1989، وحتى اندلاع ثورة ديسمبر 2018 وحتى يومنا هذا، هنالك كيانات منضوية تحت الحرية والتغيير كنا نتخوف منها، لأنها كيانات تعمل دوما على التصالح مع النظام تحت ما يسمى بالتفاوض، وهي تكرس للتفاوض، وقلنا لهم مرارا وتكرارا هذا لا يجدي نفعا، والمطلب واضح هو بإقامة سلطة مدنية، مع وجود للعسكر ممثلا في وزارتي الداخلية والدفاع، ولكن في الجبهة الوطنية العريضة بعد المجزرة في 29 رمضان قلناها لهم صراحة أن هذا المجلس ارتكب أفظع الجرائم والمطلب الآن ، أن لا يوجد للمجلس العسكري وجود في الحكومة المدنية، كما هو الحال في الدول المتقدمة.

وبعد تفويت هذه الفرصة، توقعنا من شركائنا في الحرية والتغيير أن يستغلوا هبة الجماهير في 30يونيو، وأن يقووا بالجماهير والحشود ويفرضوا شروطهم، لكن للأسف لم يتم ذلك أيضا، واتخذوا موقف الخذلان ويقبلون الآن بشروط العسكري، التي تضعه موضع الشرعية، بكل أسف،نحن كلنا نعلم النتيجة التي سوف يتوصلون لها.

انقلابات صورية

وعلق أبو ريدة على اعلان الانقلاب، وقال: إن خبر الانقلاب هو دائما أسلوب لـ"الجرجرة"، ومماطلة الوقت، وهذا أسلوب العسكر، سوف يضيعون الوقت ولن يوقعوا على الاتفاق، فهم لا أمان لهم، وقد يجدون ذريعة بأن هناك انقلاب يمنع التوقيع علي الاتفاقية، ولكن الأخطر من ذلك هو إتمام الاتفاق والتوقيع عليه وينالون الشرعية الدولية، ثم يعلنون للعالم أن الدولة غير آمنة، فاستلام الفترة الأولى، وقيام انقلابات صورية ليستمروا في الحكم، وهو السيناريو الغالب، لذلك ما نسمع عنه عن إحباط انقلاب فاشل وما إلى ذلك من عناوين ما هي إلا مسرحيات هزلية، حتى تلفزيون السودان لا يتعامل مع هذه الأخبار بجدية، فهي مسرحية معروفة، والشعب السوداني شعب ذكي ولماح، ونحن في الجبهة الوطنية العريضة نطلب من الشارع أن يتمسك بتقرير مصيره، أما إذا اعتلى العسكر السلطة فلن تتحقق الدولة السودانية المدنية، ولن يفصل في قضايا المناطق ذات النزاعات وتحقيق السلام. 

الخيانة العظمى

ويوضح د. عبدالحميد خالد الامين السياسي للجبهة الوطنية العريضة وعضو هيئة القيادة، سبب تسمية الجبهة العريضة للبيان الموقع في قحط بالخيانة العظمى، وخيانة لدماء شهداء الوطن، لأنه وصول إلى قمة السقوط الإنساني والوطني، وبيع للقضية الوطنية وانتحار سياسي، ويقول: إن مشاركة هؤلاء القتلة السلطة، جعلت أصحاب الفيتو في قحط «نداء السودان والمجتمع المدني وتجمع المهنيين وقوى الاجتماع الوطني والتجمع الاتحادي» غير مؤهلين تماما لقيادة الثورة والثوار، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ائتمانهم بعد ذلك على استكمال الثورة وتحقيق مطالبها.

وبالتفصيل: الاتفاق يقول إنه بموجبه تنشأ ثلاث سلطات، مجلس سيادة، وسلطة مجلس وزراء، والتشريعي يقوم به مجلس السيادة ومجلس الوزراء لمدة ثلاثة شهور بعد الاتفاق، ثم ينشأ مجلس تشريعي مستقل، بموجب هذا الاتفاق يصبح للمجلس العسكري شرعية، والانقلاب الذي هو امتداد للإنقاذ يصبح شرعيا، وتصبح هذه الميليشيات واقعا، والناس تتعايش معهم.

الاتفاق قال بأن مجلس السيادة بواقع 50 %+ واحد، أي 45% للعسكر، و%45 لقوى الحرية والتغيير، و10% لمدني محايد، ورئاسة المجلس تكون دورية، الفترة الأولي تؤول للعسكر، و18 شهرا المتبقية من الفترة الانتقالية تكون لقوى الحرية والتغيير، القرارات في مجلس السيادة إما أن تتخذ بالإجماع، أو بموافقة ثلثي الأعضاء، وهذا هو الفخ، فمن يحتاج إلى اتخاذ قرار في مجلس السيادة، المجلس العسكري هم جزء من اللجنة الأمنية، وهم من قاموا بالانقلاب، وهم جزء أصيل من النظام البائد، وارتكبوا جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية في دارفور وجبال النوبة وغيرها، وليس لديهم أية مصلحة أن تنصب محاكمات للمجرمين والفاسدين، فأيديهم ملوثة، وليس لديهم مصلحة في اجتثاث النظام من جذوره، ولا إعادة بناء الدولة السودانية، سواء إعادة بناء القضاء أو القوات النظامية أو كل مؤسسات الدولة.

ومن هذا المنطلق نجد أن قوى الحرية والتغيير هي التي تريد بناء الدولة، وإقامة المؤسسات، وتجتث النظام من جذوره وتقدم رؤوسه وأعوانه للمحاكمة، ولتحقيق هذه المطالب المدنية العادلة نحتاج إلى قضاء نزيه وعادل يحاكم هؤلاء، ولكن نجد أن «بن عوف» عندما قرأ بيان عزل البشير وادعى انحياز القوات المسلحة للشعب، كان كاذبا فهذا انقلاب وليس انحياز، وتضحية بشخص أو بعض رموز النظام والإبقاء على الغالبية، وذكر في البيان أنه حل السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية والبرلمان وأبقى على السلطة القضائية، لأنهم يعرفون تماما أن هذا القضاء مسيس، وتابع لنظام الإنقاذ، وبالتالي غير مؤهل لمحاكمة المجرمين من النظام، لذلك أبقوا على السلطة القضائية.

وماذا قال الاتفاق عن السلطة القضائية، بأن مجلس السيادة يشكل مجلس القضاء العالي، وهذا يتطلب موافقة العسكر داخل مجلس السيادة، فلا يستطيع المجلس المدني إنفاذ أي قرار بدون موافقة البرهان وحميدتي، فبالتالي أي قرار لابد من موافقة العسكر لما يمثلون من أغلبية، وهذا يحتم عدم استطاعة المجلس المدني تعيين رئيس القضاء العالي، ولا تسطيع تعيين من يقوم بهذه المهمة، وبالتالي سيظل القضاء كما هو، قضاء غير مؤهل، وغير قادر على اتخاذ قرارات نزيهة عادلة، وتقديم النظام وأعوانه للمساءلة والمحاسبة على جرائم ظل يرتكبها لمدة ثلاثين عاما في حق الشعب السوداني، وهكذا الحال مع النائب العام، الذي يستطيع أن يقوم بتقديم الاتهام والتحري لكل المجرمين، وما اقترفوه من جرائم إبادة وعنصرية وتغييب للوعي وجرائم التعليم والصحة، بالإضافة إلى الجرائم التي تمت أثناء الثورة وفض الاعتصام، كذلك مجلس السيادة مخول بحل الميليشيات وإعادة القوات النظامية، فهل قوى الثورة تستطيع حل كتائب الظل التي تحدث عنها علي عثمان طه وغيره، والمتمثلة في الأمن الشعبي والأمن الطلابي والدعم السريع، وبموجب الاتفاق أصبحت قوات الدعم السريع بجانب القوات المسلحة، وهي القوات النظامية، بجانب الشرطة وقوات الأمن، فمليشيات الدعم السريع أصبح وضعها شرعيا بناء على هذا الاتفاق الموقع، فهل الثورة تحتاج هذه الميليشيات؟ وهل يمكن للعسكري التخلص منها؟، بالطبع الإجابة لا، على العكس هم يصرون على وجود هذه القوات ليؤمنوا وجودهم في السلطة، بالإضافة إلى ذلك الثورة تحتاج إلى إعادة بناء القوات النظامية ممثلة في قوات الشرطة، والقوات العسكرية، وقوات الأمن، فالقوات المسلحة هي مؤسسة مسيسة، ومنذ العام 1989 وكل كادرها يأتي من الحركة الإسلامية، وهؤلاء يأتون بالولاء والحظوة، وليس بالتفوق والقدرة، وهذا لا يعني أنه لا يوجد في القوات المسلحة شرفاء،وهكذا الحال بالنسبة لقوات الشرطة وجهاز الأمن الذي يمتلك الآن الأسلحة، في حين أن سلاحه يجب أن يكون للحماية الشخصية فقط، لا يعتقل ولا يجرم أو يضبط، كما أنه الآن قوة اقتصادية تمتلك الشركات والمحلات التجارية والمصانع والاستثمارات، في حين أن جهاز الأمن مهمته حفظ الزمن وسلامة المواطنين، وبالتالي أنت لا تستطيع إعادة بناء جهاز قوى الأمن. 

أسوأ من نميري

ولنتذكر أحداث 1985عندما قامت الثورة وأتوا بنائب عام غير مؤهل ولم يستطع محاسبة رجال النميري، فقامت محاكم صورية لم تحاسب المجرمين أو الفاسدين، وفي نهاية الفترة الانتقالية تمت الانتخابات، ونفذ قادة نظام النميري وأعوانهم في الانتخابات ففازوا فيها، فكان 80% من البرلمان من أزلام النميري، لأنه لم يتم تطهير الحياة السياسية من الفاسدين، وهذه المرة سيحدث ما هو أسوأ، لأن في عهد النميري لم يكن هناك قضاء مسيس ولا ميليشيات ولا القوات المسلحة مسيسة، وبالتالي نتوقع أن الفترة الانتقالية لن تستطيع أن تنجز مهامها، إضافة إلى أن مجلس السيادة بحسب الاتفاق أن القوات تظل نافذة حتى انتهاء الفترة الانتقالية، فالقوات المتواجدة في اليمن لا يمكن سحبها إلا بموافقة حميدتي والبرهان، بالإضافة إلى المصادقة على أحكام الإعدام التي تصدر من القضاء، لابد أن مجلس السيادة يوافق على عقوبة الإعدام أو يصدر العفو كما يمكنه إصدار أحكاما بالإعدام، وهنا أيضا خطورة أخرى على مكتسبات الثورة، فالمجلس السيادي يحق له إصدار الأحكام، ولكن إذا رفض العسكري، فلن يستطيع المدني إنفاذ الحكم. 

تشويه وثيقة الحقوق

وأكد الدكتور خالد بأن الاتفاقية شوهت وثيقة الحقوق والحريات التي قدمتها الجبهة الوطنية العريضة في شكل دستور، خاصة فيما يتعلق بأحكام الإعدام، التي قدمها التجمع الاتحادي لقوى الحرية والتغيير، فتم تشويه هذه الوثيقة في المادة المتعلقة بعقوبة الإعدام، المادة 45، فحذفوا بعض المواد، وبتروا أخرى، وشوهوا البعض الآخر.

لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام إلا بحكم قضائي بات، والفقرة الثانية تنص على عدم جواز توقيع عقوبة الإعدام على من هم دون الثامنة عشر وقت ارتكاب الجريمة أو من تجاوز السبعين، وهم اكتفوا بهذه النقطة، ولكن وثيقة الجبهة كانت بها إضافة "في غير جرائم القصاص"، وهنا أي شخص دون 18 أو تجاوز السبعين وارتكب جريمة تستوجب القصاص لا يمكن محاسبته، في تحايل منهم لتبرئة النظام ممن ارتكبوا جرائم في حق المواطن والوطن. 

كذلك رسوم التعليم، والعلاج، فأدخلوا الرعاية الصحية الأولية، فتم تشويه الوثيقة في بنود الحقوق والحريات، كما أن مجلس السيادة مسؤول عن ملف السلام، وكيف يمكن أن يكون أعضاء مجلس السيادة من العسكر مسؤولين عن ملف السلام لحركات هم من قاموا بقتلهم وارتكاب جرائم بحقهم، فهل يقوم من يده لطخت بالدماء يكون مسؤولا عن السلام، وكذلك من مهمة المجلس إعلان الحرب وحالة الطوارئ وكذلك تعيين المراجع العام، الذي يقوم بمراجعة كل المؤسسات الحكومية وتعرية الفساد وفضحه، وفي تصريح لحميدتي أنهم يريدون تطبيق قانون" من أين لك هذا"، فإذا تم تطبيق هذا القانون سيكون أول من يجرد من أمواله، فقبل أن ينضم للنظام كان لا يملك شيئا، وأيضا الموافقة على تعيين رئيس مجلس الوزراء، فجلس الوزراء ليس كما قال "برهان" أن لديهم فيتو عليه، ولكن لديهم فيتو على كل شيء، بنص هذه الاتفاقية، وهذه هي الأسباب التي جعلتنا نوسمها بأنها "خيانة عظمي"، لأنها وضعت كل السلطات في يد العسكر، وللأسف أن بوضع هذه الاتفاقية تعطي الشرعية للنظام العسكري.

فالاتفاقية جملة وتفصيلا في صالح العسكر، لأنها كرست السلطة في أيديهم، ولو خرج الناس على هذه الأوضاع سيصبح من حق العسكر إلقاء القبض عليهم وإعدامهم لأنهم خرجوا على الدستور، في حين أن هناك حماية للعسكر.

للخلف در

وأضاف: نحن في الجبهة الوطنية العريضة نرفض أن نعطي أي من المجلس العسكري أي شرعية، ونطالب العودة إلى الوضع القديم، بمعنى أن المجلس العسكري هو مجلس انقلابي إجرامي، ولا نعترف بالاتفاقية، وسنخرج للشارع لإسقاط المجلس والاتفاقية التي تعطيهم الشرعية المزيفة، والتي لا ترقى لمستوى الثورة، ولن تحقق مطالب الثوار، وتكرس للمجلس العسكري كل السلطات، وستكون يد قوى الحرية والتغيير مغلولة بأن تتخذ زي قرار أو تقدم أي من المجرمين للمحاكمة، إلى أن تنتهي الفترة الانتقالية، وبعدها سينفذ قوى النظام إلى السلطة.

والحرية والتغيير تنظيم غير ديمقراطي، موقع عليها 20 كيان، وبداخلها خمسة فقط هم من يتخذون القرار، وبداخلها ثمان لجان، ولا تشارك كل الكيانات في اتخاذ القرارات، ولكنهم مجرد "كومبارس" لا يشاركون ولا يحركون ساكنا، وهذا وضع مشوه لا نوافق عليه، وتقدمنا للسكرتارية بطلب للتغيير وقبولنا للمشاركة والمساهمة في كل اللجان، ولكنه لم يتم الالتفات إلى الطلب، أو طلبات لقوى مشابهة، فنحن نتبرأ من الاتفاق، ولدينا وثيقة من أربعة أهداف: إسقاط المجلس العسكري الانتقالي، رفض التفاوض والحوار مع المجلس العسكري، ورفض الاتفاق المبرم بين المجلس وقوى الحرية والتغيير، إقامة سلطة مدنية على مستوى السلطة الثلاث: مجلس سيادي، مجلس الوزراء والمجلس التشريعي، وتقديم قادة النظام وأعوانهم ميليشياتهم للمحاكمة على كافة الجرائم والموبقات التي ارتكبوها على مدار 30عاما، وسوف نحلل ونقدم تفاصيل للاتفاق بكل الوسائل الممكنة.   

محفوف بالمخاطر

وعلى العكس لا يتبنى عمار قاسم حمودة أمين الاعلام الخارجي بالتجمع الاتحادي رأي الجبهة الوطنية، انما على النقيض من موقفها، ويقول: «أنا مع موقف التجمع الاتحادي الذي هو أحد أعمدة قوى إعلان الحرية والتغيير.

ويضيف: الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري - والذي نحن في التجمع الاتحادي جزء منه - نعلم أنه محفوف بالمخاطر، من جانبين، أولا من جانب تسلط واستحواذ العسكر للسلطة أو عرقلة سلاسة الأمور، ولا سبيل إلى التغلب على هذه المخاطر الا عبر الجاهزية الجماهيرية حال انحراف مسار الاتفاق عن تلبية تطلعات الجماهير. ومحفوف كذلك بخطر تصدع قوى الحرية والتغيير في الفترة الانتقالية، وهذه علاجها عبر الوحدة السياسية وإنجاز مطلوبات العبور نحو الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة بالتجرد اللازم. 

إذا عبرنا الخطرين الكبيرين اعلاه، فإن الثورة تكون قد اكتملت، وإذا وقعنا في الخطر بدون العلاج الفوري فذلك يجهض الثورة بلا شك. 

خيارات أخرى

وقال بإن الخيارات التي كانت متاحة هي إما الاستمرار في التصعيد الثوري السلمي، بما في ذلك المواجهات مع الجهات المسلحة، وتكرار سيناريو سبتمبر ٢٠١٣، الذي هدأ بعد صدامات واستشهاد أعداد كبيرة من المتظاهرين، أو الذهاب الي خيار تسليح الثورة وهذا خيار نراه غير حميد اطلاقا، وهو الميدان الذي تحاول القوى المضادة للثورة جر المتظاهرين السلميين اليه فيما يشبه النموذج السوري..

وكلما طال أمد الفراغ الدستوري، وتماطل المجلس العسكري في تحقيق شعارات الثورة بالدولة المدنية، فإن كل الاحتمالات واردة سواء من الثوار، أو حتى من قوى الثورة المضادة. هذه الأيام هي الأكثر هشاشة أمنية والقابلية لافتعال الانقلابات واردة، ولكنها لن تعمينا عن الهدف الأسمى وهو الحرية والسلام والعدالة التي سوف تتحقق عبر الدولة المدنية، ولا اعتقد أن هناك أي حظوظ للقبول بسلطة عسكرية بعد هذه الثورة العظيمة المحروسة بيقظة الثوار السلميين.

انتصار الثورة

ويعتبر الصحفي والمحلل السياسي معتصم محمود أن الاتفاق انتصار للثورة، ويقول: حقيقة أنه لم يتحقق كل الآمال والأهداف، ولكنه حقق الحد الأدنى، والهدف الأهم وهو "حكومة مدنية"، مجلس الوزراء مدني، حكومات الولايات أو المحافظات مدنية، المجلس العسكري يشارك بنصف أعضاء مجلس السيادة، وهو يمثل رئاسة الجمهورية، وصلاحياته هامشية، لا تتدخل في العمل التنفيذي، وهي اعتماد السفراء، وهي كلها شكلية من وجهة نظري، والرئاسة في 21شهر الأولى ستكون عسكرية، ثم التي تليها مدنية، وأكاد أجزم أن العسكر في الدورة المدنية سيستقيلون من مجلس السيادة، وستتحول مدنية بشكل كامل.

الجبهة الوطنية العريضة وإعلانها بأن الاتفاق "خيانة"، كانت تبحث عن مقاعد في التشكيل الجديد، ولم تجد، والجبهة الوطنية في حقيقتها كان يمثلها شخص واحد هو رمز من رموز العمل الوطني الثوري السوداني – المرحوم- علي محمودحسنين، الذي توفي بعد عودته إلى السودان من منفاه في لندن، وذلك خلال مشاركته في أحداث الثورة، ومن كان حوله من معارضين الخارج في لندن، لم يكن لديهم وزن سياسي، بل كانوا يستغلون اسم على محمود حسنين، ويريدون جزءا من كعكة السلطة، ولكن هذه الجبهة، ليس لها تواجد حقيقي على أرض الواقع، ولا تداخل مع الشارع السوداني والثوار، ولا أعتقد أن البيان الصادر عنهم يساوي أكثر من الحبر الذي كتب به، ولا يوجد في الساحة الآن سوى قوى الحرية والتغيير وما تضمه من نقابات وأحزاب، وهؤلاء هم المؤثرين، حتي الحركات المتمردة تحولت إلى مجرد مكاتب  ليس لها أي عرض على الميدان، وليس لهم وجود، ولهذا اعتقد أن الاتفاق حقق الحد الأدنى، وأن قوى التغيير ستتمكن عندما تتولى السلطة في الأسابيع القادمة، وستكون سلطة مركزية، وسلطة في الولايات، وستسير الأمور قدما، والشعب السوداني أثبت أن له الكلمة العليا خاصة في 30يونيو عندما خرجت الجماهير من كل مدن السودان، وهذا المشهد هو ما جعل العسكر ينصاع ويطلب الجلوس وإعادة المفاوضات مع قوى التغيير، فالمواكب الجماهيرية هي الضمان الأول لنجاح الثورة، والضمان الأكيد لعدم تلاعب العسكر، والضمان الثاني هو الأسرة الدولية وموقفها القوي، وإصرارها على تشكيل حكومة مدنية نزولا على رغبة الشعب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي الذي علق عضوية السودان، فالاتحاد الإفريقي لعب دور أساسي في دعم الثورة، على عكس الموقف العربي المتخاذل، ومن تدخل منهم كان تدخلا سلبيالدعم العسكر، والجامعة العربية وموقفها الذي لم تتخذه إلا بعد تحرك إثيوبيا، وهناك اعتقاد  عام أن وساطة الجامعة العربية كانت لتنحي المحاولة الإثيوبية، والوسيط الإثيوبي هو صاحب الفكرة والدور الأكبر، وهو الذي جمع العسكر وقوى التغيير على طاولة واحدة، والمؤثر الثاني كان لوزير خارجية موريتانيا السابق، أما الجامعة العربية فكان موقفها ضعيفا، لدرجة دفعت بعض الجهات السودانية تطالب بالخروج من الجامعة، لموقفها المتخاذل والذي جاء على لسان أمينها العام "هذا شأن محلي "، وحينما انتصرت الثورة بدأت الوفود العربية تتكاثر حول الخرطوم، والعقل الجمعي السوداني لديه رفض للجامعة، الذي ظلت علي مدار 30عاما داعمة لنظام البشير ولحكم وانتهاكات الإخوان بالسودان.
--------------------
تحقيق- آمال رتيب






اعلان