30 - 06 - 2024

الآثار المصرية.. تاريخ من التهريب والتشريع

الآثار المصرية.. تاريخ من التهريب والتشريع

تاريخ طويل لتهريب الآثار المصرية للخارج، بدايته جاءت مع قدوم الحملة الفرنسية ما بين عامي 1798-1801م، وكان بداية للولع الغربي بالآثار المصرية، ولم تكن هناك أية تشريعات تخص تجارة الآثار بمصر حتى منتصف القرن التاسع عشر، فكانت القطع الأثرية تعامل كالهدايا يهديها الأمراء والملوك للتجار والوجهاء والدبلوماسيين الأجانب، ففي عام1855م حينما زار الأرشيدوق النمساوي "ماكسميليان" وهو أحد أفراد العائلة المالكة في النمسا، أبدى إعجابه بمجموعة أثرية، فقام والي مصر "عباس باشا" بإهدائها إليه ونقلت بعدها إلى فيينا، ونتيجة لتكرار هذا السلوك واستمرار إهدار ثروة مصر الأثرية عن طريق الهدايا والتهريب كان لابد من اتخاذ إجراءات حاسمة للحفاظ على الآثار المصرية التي لم يكن هناك تشريع يحميها ويصونها ولا مؤسسة أو مصلحة رسمية تقوم على صيانتها وعرضها بشكل يليق بحضارة مصر العظيمة. 

تشريعات قانونية لحماية الآثار

بدأت أولى خطوات الحد من انتشار ظاهرة إخراج الآثار المصرية خارج البلاد، في عهد محمد علي باشا والي مصر، الذي أصدر مرسومًا في 15 أغسطس عام 1835م يحظر تمامًا تصدير جميع الآثار المصرية والاتجار بها، لكن بوفاة محمد على باشا عام 1849، عادت الأمور مرة أخرى إلى عهدها الأول، وفي مارس 1869، في عهد الخديوي إسماعيل، صدرت لائحة الأشياء الأثرية تضم 7 مواد تحظر إجراء أي حفائر إلا بترخيص رسمي من وزارة الأشغال العامة، وتمنع تصديرها، وفي عام 1874 صدرت لائحة جديدة سمحت بنظام قسمة الآثار التي يتم اكتشافها، بموجب هذه اللائحة تقسم الآثار إلى قسمين متساويين، أي 50% لكل طرف، وفي عام 1880 صدر مرسوم بحظر تصدير الآثار نظرا لتزايد أعداد الأجانب الذين يغادرون مصر محملين بقطع أثرية.

أما أول قانون متكامل لحماية الآثار كان في عام 1912 ويحمل رقم 14، ويتضمن تعريفا للأثر وضوابط تداوله وعقوبات لمخالفة أحكامه، في عام 1951 صدر القانون رقم 215 بغرض وضع إجراءات عملية حاسمة للقضاء على تجارة الآثار غير المشروعة، ثم قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010 الذي منع الاتجار والتصرفات بالبيع والشراء نهائيا، وأخيرا القانون رقم 91 لسنة 2018 والخاص بتعديل بعض أحكام قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 الذي نص على تشديد عقوبات سرقة الآثار وتهربيها والتعدي عليها والتعرض للسائحين وزائري المناطق الأثرية بعقوبات رادعة.

إنشاء مصلحة الآثار

 للحد من استمرارية الاتجار المحظور في الآثار المصرية وتنظيم عمليات التنقيب والبحث عن الآثار، قام سعيد باشا عام 1858م بإنشاء مصلحة الآثار، وتم تعيين العالم الفرنسي" أوجست ماريت" كأول مدير لتلك المصلحة، وكانت تلك المصلحة الحكومية مسئولة عن إقامة الحفائر والموافقة والإشراف على البعثات الأثرية الأجنبية، ثم قام ماريت بموافقة من الخديوي إسماعيل بإنشاء أول متحف وطني في الشرق الأوسط، وتم افتتاحه في عام 1863م بمبنى حكومي مؤقت بمنطقة بولاق.

كانت مصلحة الآثار على مدار حوالي مائة عام تقريبا تحت رئاسة علماء فرنسيين، وأصبحت مصلحة الآثار هيئة حكومية مصرية خالصة في عام 1956م، بعد جلاء قوات الاحتلال البريطاني نهائيًا، وكان أول مدير مصري لها هو السيد مصطفى عامر، وفى عام 1971م تحولت مصلحة الآثار إلى هيئة الآثار المصرية، ثم تغير اسمها إلى المجلس الأعلى للآثار عام 1994م، وفى عام 2011م استقل المجلس الأعلى للآثار عن تبعيته لوزارة الثقافة وتحول إلى وزارة مستقلة.

وبالرغم من تشديد القوانين المصرية للقضاء على تجارة الآثار، ومجهودات الوزارة والجهات المعنية لوقف سرقة وتهريب الآثار إلا أن  نزيف الآثار المصرية ما زال مستمرا وفي تزايد كبير، فشهدت السنوات الأخيرة تفاقم للظاهرة حيث كشفت تقارير لجان الجرد المُشكّلة بمعرفة الإدارة المركزية للمخازن المتحفية بوزارة الآثار، في أغسطس عام 2017، تفاصيل قاعدة البيانات الخاصة بالقطع المفقودة من المخازن المتحفية، والتي بلغ عددها 32 ألفا و638 قطعة، وقد أرجعت وزارة الآثار القطع المفقودة علي مدار عقود لأكثر من ٥٠ عاما مضت، وكان آخرها وأحدثها هي تلك القطع التي تم سرقتها خلال حالة الانفلات الأمني التي سادت البلاد في أعقاب ثورة 25 يناير 2011.

وفي حين يلقى على الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة يناير 2011 الكثير من أحداث السرقات وتهريب الآثار إلا أننا نجد أن من أهم وأكبر أحداث تهريب الآثار المصرية للخارج في السنوات الأخيرة، تلك التي ضبطتها السلطات الإيطالية في ميناء "ساليرنو" الإيطالي في مايو 2018، وكانت عبارة عن حاوية دبلوماسية كبيرة تحوي 21.855 قطعة أثرية، تتكون من  21.660عملة معدنية، بالإضافة إلى 195 قطعة أثرية منها 151 تمثال أوشابتي صغير الحجم من الفاينس، و11 آنية فخارية، و5 أقنعة مومياوات بعضها مطلي بالذهب، و تابوتخشبي، ومركبين صغيرين من الخشب، و2 رأس كانوبي، و3 بلاطات خزفية ملونة تنتمي للعصر الإسلامي، وقد تم تسليمها لمصر وعودتها لأرض الوطن، ومازالت التحقيقات مستمرة بمكتب النائب العام لمعرفة ملابسات واقعة تهريب تلك الآثار والمتورطين فيها.
--------------------
تقرير-  هاني رياض







اعلان