17 - 07 - 2024

أمريكا تسعى للجم إيران بتحالف دولي في "هرمز" وطهران تتوعد (تقرير)

أمريكا تسعى للجم إيران بتحالف دولي في

فرنسا وألمانيا تتحفظان وبريطانيا ترفض منح القيادة لواشنطن والخليج في انتظار الأوامر ومصر ترفض جر المنطقة لمواجهات جديدة

يبدو أن الصراع الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين فضلًا عن (السعودية والإمارات) ضد إيران وحلفائها (روسيا والصين) انتقل من طور العقوبات، إلى مرحلة المواجهة المباشرة وتكسير العظام. 

ويبدو أن الممر الدولي (مضيق هرمز) سيكون ساحة للنزال بين القوى المتصارعة. فيما تدرك تلك القوى أن أية قلاقل سيشهدها الممر البحري سيدفع الجميع ثمنها باهظًا؛ إذ يعبر من المضيق يوميًا نحو 20 مليون برميل من النفط، تم استخراجها من الخليج، 80 % منها يذهب إلى الدول الآسيوية، فيما يتم نقل الباقي إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية.

ويشهد المضيق حالة تأهب، فيما تقترب نذر المواجهة والصدام، منذ أن قررت السلطات البريطانية احتجاز ناقلة نفط إيرانية عند مضيق جبل طارق مطلع الشهر الجاري، لترد طهران هي الأخرى منذ أيام باحتجاز ناقلة نفط إنجليزية وهي تعبر مضيق هرمز.

وتتهم واشنطن طهران بممارسة أعمال عدائية من شأنها إشعال التوتر في المضيق ذي الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية. وتتهم أمريكا إيران بزرع ألغام بحرية في المضيق ما ترتب عليه استهداف ناقلة نفط أوروبية كانت تعبر المضيق خلال الشهر الجاري ما ألحق بها أضرار بالغة.

ويخشى العديد من المراقبين العودة إلى سيناريو العام 1987؛ إذ اندلعت وقتذاك حرب ناقلات النفط بين أمريكا وإيران، إبان حرب الخليج، ما ألحق أضرارًا عدة بحركة الملاحة في الممر الدولي، فضلًا عن تدمير غالبية الأسطول البحري الإيراني. وتهدد إيران أكثر من مرة بإغلاق المضيق إذا ما تعرضت لإي عمليات عدائية من الغرب أو الولايات المتحدة.

ولا تملك إيران سلطة إغلاق الممر البحري، إذ يعتبر المضيق وفق قانون الملاحة البحرية، "ممرًا دوليًا"؛ إذ تشترك الجهمورية الإسلامية وسلطنة عمان في إدارته، لذلك هو ليس ممرًا تديره طهران وحدها حتى تملك قرار إغلاقه، مثلما هو الحال في قناة السويس. وإذا ما قررت إيران فعل ذلك، فإن القوى الدولية، بموجب الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن، من حقها تشكيل قوة عسكرية، وفتح المضيق بالقوة.

ومنذ اشتعال فتيل الأزمة، وترسل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، تعزيزات عسكرية إلي منطقة الخليج، كما أعلنت حكومة رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، تريزا ماي، أن لديها خططًا لتشكيل قوة بقيادة أوروبية لحماية الملاحة في منطقة الخليج الأمر الذي ترفضه إيران جملة وتفصيلًا وتهدد باستهداف أي قوة عسكرية تتواجد في مياه الخليج.

ويقع مضيق هرمز في منطقة الخيج العربي فاصلًا ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، وتطل عليه من الشمال إيران وتحديدًا محافظة "بندر عباس"، ومن الجنوب سلطنة عمان وتحديدًا محافظة "مسندم".

وللمضيق أهمية كبرى بالنسبة لدول الخليج؛ إذ تصدر السعودية نحو 88 % من إنتاجها النفطي عبر المضيق، وتصدر الإمارات نحو 99 % من إنتاجها النفطي من خلاله، أما العراق فتصدر نحو 98 % من منتجاتها النفطية من خلاله أيضًا، كما يعد الممر المائي هو المنفذ البحري الوحيد لقطر والكويت والبحرين.

تحالف عسكري

وبعد أيام من الإعلان البريطاني، عن وجود نوايا لتشكيل تحالف عسكري لحماية حرية الملاحة في مضيق هرمز، خرج وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ليكشف عن وجود نقاشات تقودها بلاده لتشكيل تحالف دولي، بحجة حماية الملاحة، وزعم أن التحالف سيضم دولًا عدة. فيما جاء الرد الإيراني برفض وجود هذا التحالف، وهددت باستهدافه.

ولا تعد رغبة أمريكا في تشكيل تحالف عسكري موجه في الأساس ضد إيران وليس كما تزعم لحماية حرية الملاحة البحرية في مضيق هرمز، هي المحاولة الأولى لفعل ذلك، فقد كشف الرئيس دونالد ترامب عن رغبته في تشكيل تحالف عسكري عرف إعلاميًا بـ"الناتو العربي" لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

كانت المملكة السعودية في مقدمة الدول الموافقة على تشكيل هذا الحلف، إلا أن غياب الرؤية ومخافة تفاقم الأمور في المنطقة المشتعلة فعليًا منذ أحداث الثورات في المنطقة العربية دفع مصر إلى التحفظ على تشكيل تلك القوة، والتمسك بتفعيل مبدأ القوى العربية المشتركة تحت مظلة الجامعة العربية.

يميل الرئيس دونالد ترامب، إلى الصدام، وقد نجح فعليًا في تنفيذ العديد من وعوده الانتخابية المثيرة للجدل، على رأسها الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ولا يُستبعد على أرض الواقع اتخاذه قرارًا بتوجيه ضربة عسكرية محدودة إلى طهران، فقد أعلن منذ وقت سابق أنه تراجع في اللحظات الأخيرة عن القيام بمثل هذا.

تدرك الإدارة الأمريكية مدى خطورة تداعيات قرار توجيه ضربة إلى بعض الأهداف الإيرانية، إذ تهدد طهران فعليًا بجعل المصالح الأمريكية في المنطقة هدفا صريحا لها، فضلًا عن أن المراقبين يشككون في جدوى وجود قوى دولية لحماية مضيق هرمز، ويرون أن تلك القوات لن توفر له الحماية الكافية إذا ما قررت إيران استهدافه بشكل مباشر، فالسفن التجارية لن تغامر ولو بنسبة ضعيفة وتقرر المرور من المضيق المشتعل. 

كما أن هناك قوى دولية بينها، فرنسا وألمانيا واستراليا، يرفضون تشكيل تلك القوات التي دعت واشنطن لتشكيلها؛ ويرون أنها لن تساعد في توفير الأمن للمنطقة الحيوية، فضلًا عن مدى الأضرار المتوقعة أن تلحق بمصالحها هناك.

حتى بريطانيا أقرب الحلفاء لأمريكا، قالت في وقت سابق أن تلك القوات لابد أن تكون تحت إدارة حلف الناتو وليس واشنطن، ما يعكس حجم التباينات في وجهات النظر تجاه تلك الخطوة. فيما يرى اخرون أن تغيير تريزا ماي، ليحل محلها بوريس جونسون، المنتمي لتيار اليمين (ذات التيار المنتمي له دونالد ترامب)، ربما يدفع قدمًا تجاه تشكيل تلك القوات، إذ ربما تتلاقى أفكاره مع ترامب، ويقررا التحرك منفردين تجاه إيران.

وبينما تتحفظ القاهرة على أي تحركات من شأنها إدخال المنطقة مجددًا في دوامة العنف والعنف المضاد، إلا أنها تتمسك بضرورة الحفاظ على حرية الملاحة البحرية في مضيق هرمز، وأنها لن تسمح بأي أعمال تهدد أمن الملاحة في ممرها الاستراتيجي قناة السويس. بينما تؤيد الرياض والإمارات العربية تشكيل تلك القوات، وربما تكونان  في مقدمة الدول المشاركة فيه، إذا ما رأى هذا التحالف النور. 

ومما لا شك فيه أن حالة الحشد التي تشهدها منطقة الخليج والمتمثلة في زيادة عدد القوات الأمريكية في المنطقة، بطلب من السعودية، فضلًا عن زيادة القوة الاستيعابية لحاملات الطائرات الأمريكية، تزيد من احتمالات نشوب الصدام، إلا أن الجميع (أميركا وحلفائها من أوروبا والخليج وإيران) سيكون أكبر الخاسرين من اندلاع مواجهات في مياه الخليج.

تريد الإدارة الأمريكية لجم نظيرتها الإيرانية، فيما تريد الأخيرة إثبات قدرتها على المواجهة وابتزاز الجميع بمضيق هرمز، بينما تراقب إسرائيل الوضع عن كثب، ويظل الخليج هو النقطة الأضعف المنتظر القرارت الفوقية من الدول الكبرى لبدء التنفيذ.
--------------------------
تقرير - باهر عبدالعظيم