18 - 07 - 2024

ترنيمة عشق| ذبح وغناء وبينهما شُهداء "الأورام"

ترنيمة عشق| ذبح وغناء وبينهما شُهداء

وزير ياباني ينتحر بعد تورطه في تبرعات غير قانونية، وآخر بريطاني يستقيل لأنه تأخر دقيقة واحدة -فقط- عن اجتماع مجلس العموم، وثالث روماني يستقيل بعد تصريحات مثيرة للجدل قال فيها:"إن سفر الأباء للعمل بالخارج يُعرِّض أطفالهم للانحراف؛ وزوجاتهم لأن يصبحن عاهرات"، ووزيرة ألمانية تُقال لأنها استخدمت "كوبون"الوزارة لتملأ سيارتها الخاصة بترولاً.

وفاة رضيع في مشفى؛ أو حادث قطار؛ أو انهيار بناية؛ أو سقوط طائرة؛ أو حريق كبير في اي دولة - تحترم شعبها - تعني استقالة المسؤول بشكل فوري مهما كانت كفاءته ومهارته، أما اليابانيون فالانتحار أشرف؛ وأسرع؛ وأهون مِن فضيحة يعانون ويلاتها أحياءً.

في دول العالَم "الآدمية" يُقال المسؤولون بسبب تصريحات؛ ومواقف؛ وصور فوتوغرافية غير لائقة؛ أو الخروج عن أعراف مناصبهم الرسمية، وفي أوطاننا يفشلون؛ والكوارث ترتبط بعهودهم؛ والفضائح تلاحقهم، ومراجل الشعوب تمور بالغضب والاستنكار؛ لكن الأيام تمر؛ ولا يُحرّك ساكنٌ، ويُعتمد على ذاكرة الشعوب "السمكية" التي لا تستمر سوى ثوانٍ تنسى بعدها السمكة تماماً ما علق بها.

وزيرة تعلن أن من يَنقد الوطن بالخارج "يتقطّع" مشيرة إلى رقبتها بعلامة النَّحر، ومثيلاتها يحضرن حفلاً لمغنية ماجنة -اشتُهرت بمساندتها للكيان الصهيوني وجمع التبرعات له- ليأتي حضورهن بعد أيام من كارثة تفجير معهد الأورام وسقوط شهداء وضحايا وتشريد العديد من المرضى!

لَم تكلف الوزيرات أنفسهن عناء زيارة ذوي المنكوبين لتطييب خواطرهم، أو تخفيف مصابهم الموجع الذي تعدى عِظم ألَمه ليصل خارج مصر؛ فتنهال التبرعات جنباً إلى جنب مع تبرعات المصريين بالداخل لإعادة تأهيل المشفى ومرضاه ومن يقف في الطابور ينتظر سريراً لفلذة كبده.

لدينا تساؤلات مشروعة: ألا يملك المسؤولون عندنا حق الاستقالة؟ أم يرفضونها طمعاً في مزاياها المادية والمعنوية ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة والأخلاق والمبادئ التي لا يعيرونها التفاتاً؟ أم أن المسؤول مجرد موظف تنفيذي؛ لا يمتلك القرار بيده وبالتالي لا يتحمل نتائجه؟ وكيف يكون ذلك حال مَن يُختارون "بعناية" لشغل المناصب المرموقة؟!

الذاكرة مليئة باستقالات "وهمية" قُدّمت على سبيل المناورة، ثم تم الالتفاف حولها وعُدّل عنها! وهي دليل امتهان لحقوق شعوب أعطتْ هؤلاء صك التحدث باسمه؛ والسعي لمصلحته؛ والحفاظ على الوطن وكرامته ومكانته؛ وبالتالي كرامة وقيمة المواطن.

"أحمد بن بيتور" رئيس الوزراء الجزائري الأسبق قال: ما دامت المسؤولية أداة لتحقيقي المزايا، فالاستقالة تبقى مُغيبة، وإذا لم يستطع المسؤول تحقيق الأهداف المرجوة من تقلده لمنصبه فما فائدة بقائه؟! وإذا كانت ثقافة الاستقالة غير موجودة؛ فمعايير الكفاءة في الوصول للمنصب غير مُفعلة".

رئيس الوزراء الجزائري هذا كان قد قَدّم استقالته لتَعارُض برنامجه مع برنامج رئيس الدولة؛ ولم يَرض أن يسير في الرَّكب رافعاً راية "موافقون.. مُصفّقون" للرئيس الملهم الذي لا ياتيه الباطل عن يمينه أو شماله.

المنصب - يا سادة - مسؤولية ضخمة، واعتلاء كرسيه يعني أن ذاك الشخص لم يعد يمثل نفْسه، بل يمثل جهته؛ وكل كلمة أو تصريح أو حركة أو إيماءة؛ أو زيارة لمكان ما لابد وأن تتناسب مع منصبه وواجباته، هل يعني هذا أنّا نحتاج لتوزيع ورقة بالقواعد السلوكية والبروتوكولية على المسؤولين فور توليهم؟ أم نعتمد - كما هو حاصل الآن- على حدسهم واستنباطهم للأمور باعتبار أنها أمور بدهية؟ لا أعتقد أن بعضهم لديه الحدس الواعي؛ وإلا لأدرك أن كل تصرف يرفضه المجتمع ويستهجنه يجب أن يكون مرفوضاً من المسؤول أضعافاً مضاعفة وإن لم يكونوا على قناعة بذلك الرفض.

الحرص؛ والحذر؛ والدقة في اختيار الكلمات والتصرفات واجب مقدس على كل مسؤول؛ لأنه قد تحول مِن "شخص" يمثل نَفسه أو إلى"منصب" يمثل الوطن، وبالتالي يترتب على ذلك أن يتنازل عن حرياته الخاصة؛ وأرائه الشخضية؛ ويُقيد سلوكه التلقائي في الأماكن العامة؛ ويلتزم بمتطلبات منصبه وجهة عمله طوال شغله للكرسي.
--------------------
بقلم: حورية عبيدة
من عدد المشهد الأسبوعي .. غدا مع الباعة

مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | حتىٰ أنت يا بروتس ؟!