صفع اتحاد كرة اليد المصرية "الجبلاية" صفعا، وفتح جرحا عميقا في رأس "السياسة"، ووضعنا في حيرة من أمرنا أمام قصص نجاح وفشل تتناوب في حياتنا وبلدنا وكأننا مصابون بازدواج الشخصية ويعيش داخلنا الطيب والشرير معا، ويأكلان من طبق واحد ويشربان من نفس الكوب ويرتديان نفس الملابس.. فشلنا في كرة القدم ونجحنا باقتدار وجدارة في كرة اليد.. تجد الصدق في الشارع وإلى جواره الكذب يخطو دون خجل.. لا نتنازل عن التمسك باللوائح والقوانين ونترك معارض السيارات الكبري تحتل أرصفة وشوارع عامة مكتظة بحركة المشاة والسير.. يحضر الأمن العام في شوارع مصر كلها ويغيب "المرور".. أوئل الثانوية العامة من مدارس الدولة واستثناء واحد قدمته المدارس الخاصة.. مئات الملايين من الجنيهات تدخل وتخرج من سوق القدم بينما سوق اليد تلف وتدورحول ملايين قليلة من الجنيهات .. الأندية تنفق من خزائنها على القدم ببذخ وتحترم نفقات اليد ولا تتركها عارية، وتلقي بأعباء تكاليف الألعاب الفردية على كاهل أولياء الأمور.. أغلى صفقة انتقالات في سوق القدم المحلي بلغت 150 مليون جنيه وصاحبها لاعب الأهلي حسين الشحات لم يتم اختياره في منتخب مصر، وأغلى لاعب في كرة اليد لا يتجاوز سعره 3 ملايين وهو بالمناسبة أيقونة اللعبة في مصر وأفريقيا وشارك في بطولة العالم للرجال الأخبرة والتي أحرزنا فيها المركز الثامن.. أقل أجر مدرب مصري لكرة القدم في أندية الممتاز مائة ألف جنيه، بينما تتراوح أجور مدربي اليد في أندية الممتاز بين خمسة وأربعة ألاف جنيه في الشهر الواحد باستثناء ناديي الأهلي والزمالك الأغنى والأكثر إنفاقا على اللعبة حيث يبلغ راتب المدرب خمسين ألفا من الجنيهات شهريا .
اتحاد اليد بنى على ما بدأه الاتحاد السابق برئاسة خالد حمودة ولم يهدمه، حافظ على السياسات والخططالعامة وقام مجلس الإدارة بقيادة هشام ناصر بتطبيق مبدأ الجماعية في اتخاذ القرار باستحضار "السياسة" ليتخلصوا من "الشرير" ويحرروا اللعبة من عبودية الازدواجية فضربوا بيد من حديد على الفساد الإداري وطبقوا لوائح المسابقات بصرامة وأغلقوا أبواب الوساطة والمحسوبية في اختيارات لاعبي المنتخب على طريقة "أعط العيش لخبازه"، وأبى أي من أعضائه الارتزاق من عضويته بمجلس الإدارة ولم نشهد سمسارا منهم يبيع ويشتري في اللاعبين والمدربين.. وتفرغوا لعملهم التطوعي ولم يخرج علينا أحدهم مرة على شاشات الفضائيات يقدم برنامجا عن اللعبة ويجلس على مقعدي القاضي والجلاد في نفس الوقت.
حضرت السياسة في كرة اليد وغابت عن اتحاد كرة القدم بسبب غياب المشاركة الجماعية وانفراد كل عضو باتخاذ القرار في شأن من شئون اللعبة، وكأنهم اتفقوا على تقسيم الكعكة، هذا للمنتخب ولا دخل للآخرين قي عمله، وهذا مشرف على التحكيم ولا يراجعه أحد، وثالث للتسويق وآخر للمسابقات إلى أن تحول اتحاد كرة القدم إلى جزر منعزلة، فضرب الفساد الجبلاية في كل مكان بها وعشنا أسوأ موسم كروي على مدار تاريخ كرة القدم المصرية سواء في التنظيم أو الأموال المهدرة في شراء وجلب اللاعبين والمدربين أو في الأخلاق وروح الرياضة التي دهست بالأقدام في أكبر الأندية على مرأى ومسمع من الشعب المصري.
تخلفت "السياسة" عن الحضور في كرة القدم فأصيبت المشاركة الجماعية بتصلب الشرايين وفقر الدم وتحولت الجبلاية إلى ممتلكات خاصة يديرها أفراد أما بدافع الشهرة أو الابتزاز أو النفاق أو بدافع المصالح الشخصية.
المشاركة في اتخاذ القرار بداية مضمونة للنجاح وتؤمن للجميع مشوارا آمنا للوصول إلى الهدف. والأهم غلق باب الفساد بالضية والمفتاح.
ولأن المشاركة الجماعية في اتخاذ القرار هي قلب "السياسة"، فيحق لاتحاد كرة اليد أن يكون نموذجا نلوح به أمام التاريخ مودعين الفشل ونشير للنجاح أن يرافقنا إلى المستقبل، ونؤكد له أن الجميع في مصر، رياضيون وسياسيون ومثقفون وجيش وشرطة وكل مصري يحب الوطن يريد "السياسة" فهي الطاقة التي تشحن مصر بمسنقبل متفائل.
----------------
بقلم: أحمد عادل هاشم
من المشهد الأسبوعي .. مع الباعة