- اتهامات لأطقم الأطباء والتمريض بالتقصير ..ونقص كبير للأسرة في مستشفى القصر العيني
- مريضة تنزف دماً في طرقات مستشفى المنيرة ولا تجد " كرسيا متحركا" لنقلها كي تلقي العلاج
- مواطن يحرر محضراً ضد مستشفى البدرشين بتهمة الإهمال...والمستشفى يقابله بالمثل
- السكرتير العام السابق لنقابة الأطباء يحذر من هجرة كبيرة للأطباء المصريين إلى بريطانيا
لم تتغير الصورة داخل المستشفيات الحكومية منذ عقود ..حالات الألم والمعاناة التي يعيشها المرضى الغلابة الذين يترددون يومياً على المستشفيات من أكبرها في القصر العيني إلى أصغرها في القرى والأرياف، لا تجد من يخففها أو يحاول وضع حل لها.. الجولة التي قامت بها "المشهد" على عدد من المستشفيات داخل القاهرة وخارجها، تثبت أن المشاكل تكاد تكون واحدة، زحام غير مسبوق، وآهات وأنين من حالات مرضية لا تجد طبيبا يسعفها، وصيدليات خاوية لا يتوفر فيها الدواء، ومسوؤلون سواء في المستشفيات أو في وزارة الصحة لا يتحركون للرد.
" المشهد" تعرض لرحلة الألم التي يعيشها المرضى داخل المستشفيات الحكومية وتتساءل: إلى متي يستمر هذا الحال؟ لماذا لا تسارع الحكومة ممثلة في وزارة الصحة في وضع حد لهذه المعاناة اليومية التي يعيشها المرضى؟ هل يساهم نظام التأمين الصحي الجديد في تغيير الصورة؟
من داخل القصر العيني
البداية كانت مع مستشفى القصر العيني أكبر مستشفى حكومي في مصر، والذي يتردد عليها الآلاف يوميا من داخل العاصمة وخارجها من محافظات مصر المختلفة.. الزحام على أشده كما هي العادة، وفي كل قسم من أقسام المستشفى يوجد آلاف المرضى ينتظرون أمام غرف الكشف في إنتظار دورهم.
تحكى ايمان عبدالعال، قصتها مع مستشفى القصر العيني، تقول:" ابنتى مصابة بكسر فى الساق، وجدنا فى بداية الأمر صعوبة فى إنهاء إجراءات الدخول ، واضطررنا لدفع بعض الأموال، مقابل إنهاء أوراق العلاج، لنجد أنفسنا أمام مشكلة إضافية تتمثل فى تأخر حجز التذاكر من الموظف المختص، الذى يجعل المرضى ينتظرون على مدار ساعات للحصول على تذكرة علاج"
وتضيف: تكاليف العلاج داخل المبنى الطبى الحكومى مرتفعة للغاية، وبعض الممرضات يتقاضين مبالغ مالية مقابل وضع المريض فى عنابر جيدة، والإلتزام بمنح المريض الدواء"، وهو ما لم نستطع تلبيته، فكانت النتيجة أن تفاقمت حالة ابنتى التى كانت مصابة بآلام فى العمود الفقرى، وأجريت لها عملية جراحية خاطئة، كانت سبباً فى تفاقم آلامها، كما أجرت عملية أخرى منذ أسبوعين.
وتقول لبنى عصام، مصابة بسرطان الرئة، إن المشكلة الرئيسية التى يعيشها مرضى القصر العيني بشكل دائم، هو الازدحام بسبب تخلف الأطباء عن الحضور للمستشفى، بجانب تعامل الممرضات مع المرضى بغلظة، وعدم التزامهن، إضافة إلى أن عددا كبيرا من الأطباء يقومون بتحويل المرضى إلى عياداتهم الخاصة، والمستشفيات الاستثمارية، والحصول منهم على أتعاب.
ويقول أحد الأطباء الشباب داخل مستشفى القصر العيني، رفض الافصاح عن اسمه،: " يوجد داخل المستشفى العديد من المخالفات منذ عشرات السنوات، وهى مخالفات يعرفها عامل الأمن قبل مدير المستشفى، ويرجع السبب في تفاقم مشاكل مستشفى القصر العيني، إلى غياب الإشراف من قبل الهيئة الصحية داخل المستشفى، بجانب محدودية الميزانية المُخصصة له.
ويضيف أن المُخالفات الطبية، مرتبطة كذلك بعدم وجود الأطباء فى المواعيد المخصصة لهم، وارتباطهم بعياداتهم الخاصة التى يتحصلون منها على أجور مالية مرتفعة، مقابل الأجور الهزلية التى يتقاضونها من في المستشفى، فهناك أطباء يدفعون مقابلاً مالياً، جراء إعفائهم من النوبتجيات الليلية.
ورصدت "المشهد" أكواما من الأتربة على عدد من الأجهزة الطبية، داخل بعض الأقسام الموجودة فى المستشفى، الأمر الذى أكد الطبيب الشاب أن بعض الأجهزة المستخدمة فى علاج المرضى منتهية الصلاحية، والسبب فى ذلك ليس المستشفى الذى طالب أكثر من مرة، بتوفير أجهزة طبية حديثة، لكن خفض ميزانية الصحة على مدار أكثر من عام، كان سبباً فى عدم الاستجابة لمطالب المستشفى".
ويتابع أن الغرف والآسرة أصبح ممتلئة للغاية، ولا يسمح باستقبال مريض جديد، مما يترتب عليه تكدس حالات الإنتظار وعدم إستقبال حالات مرضيه جديدة.
مستشفى المنيرة..دماء في الطرقات
لا تختلف الصورة كثيراً في مستشفى المنيرة العام التي لا تبعد كثيراً عن مستشفى القصر العيني، فالممرات الضيقة المظلمة تكتظ بالمرضى الذين يفترش غالبيتهم الطرقات، منتظرين دورهم فى الكشف، والدخول إلى العيادات المغلقة لفترات طويلة.. صرخات وآهات متتالية تتردد داخل المبنى دون أن تجد من يستجيب لها، فالأطباء غير متواجدين، ولا يمكن العثور عليهم، ويضاعف من المعاناة التعامل الجاف من قبل الممرضات.
خلال جولتنا داخل المستشفى لم يكف العاملون بالأمن الإدارى وعدد من الممرضات عن متابعتنا لمنعنا من أداء مهمتنا، ولفت نظرنا وجود العديد من بقع الدماء تنتشر بالقرب من صيدلية المستشفى التى تجمعت عندها عدة عاملات مكتفيات بقولهن "حسبنا الله ونعم الوكيل ربنا كبير هو حبيب الغلابة"، بعدها انطلقت صرخات متتالية، تبين أنها لفتاة دون العشرين عاما تخرج غاضبة من إحدى حجرات الأطباء قائلة "أمى بتموت يا ظلمة، حرام عليكم"، وهى تشير إلى بقع الدم التى كانت لا تزال على الأرض.
بصعوبة وبعد محاولات مستميتة من قبل الأمن لمنعها من الحديث، تقول الفتاة الباكية:" شعرت أمي بآلام حادة أفقدتها القدرة على الاتزان لحظات، وغابت عن الوعى وجئت بها بسيارة إلى "مستشفى المنيرة"، وعندما توقفت السيارة أمام الباب الرئيسى للمستشفى، صرخت فى العاملين بالأمن الإدارى لمساعدتي في ادخل أمي إلى المستشفى حيث لا يوجد كرسي متحرك".
وتضيف أن حالة الإعياء الشديد التى تعانى منها أمي، وآثار النزيف على جلبابها الأسود، لم تشفع لدى الأطباء ليهتموا بها، واكتفوا بكشف ظاهرى وكتابة بعض الأدوية، لتخرج الأم من غرفة الكشف والنزيف مستمر، فاضطرت إلى البحث عن طبيب آخر لإعادة الكشف مرة أخرى على أمها مؤكدة "لولا صرخاتى وخوف المستشفى من الفضايح كانت أمى زمانها بتنزف لغاية لما تموت".
سألنا المشرفة على صيدلية المستشفى عن توفر الدواء للمرضى، تقول:"المشكلة الرئيسية فى المستشفى هى عدم توافر أنواع عديدة من الأدوية التى لا غنى للمرضى عنها، وبرغم اعتماد المستشفى على التبرعات التى تأتى من أهل الخير إلا أنها لا تكفى، ويجب على وزارة الصحة تدارك هذا الأمر".
قبل مغادرتنا للمستشفى استوقفنا رجل ستينى بملابس رثة يعمل على البوابة الرئيسية للمستشفى ليشرح لنا معاناته مع مرض الفشل الكلوى الذى يتطلب أموالاً كثيرة تعينه أو تمكنه من إجراء عملية الغسيل، وشراء الأدوية، وقبل أن يستكمل حديثه، جاء مشرف الأمن ينهره بشدة قائلا له "أنت واقف بتشحت" .
البدرشين..معركة المحاضر
نخرج من العاصمة ناحية جنوب الجيزة إلى مركز البدرشين، وفي المستشفى المركزي التقينا رمضان الجزار 35 عاما، الذي لديه قصة يحكيها لـ" المشهد" يقول:" تعرضت طفلتي لإعياء شديد، وحملتها مسرعاً الى مستشفى البدرشين المركزي، فلم أجد أي طبيب يسعف الطفلة التي كانت تتأوه من شدة الألم.
صرخ الجزار كما يقول دون جدوى، أملاً في خروج طبيب يسعف الطفلة، ولما ضاعت الصرخة، استخدم الجزار هاتفه المحمول لتصوير الغرف الخاوية في المستشفى بدون طبيب، الأمر الذي أغضب مدير المستشفى فقام بتحرير محضر لدى قسم الشرطة ضد الجزار، بتهمة تصوير مؤسسة حكومية بدون أذن، فقام الأخير بدوره بتحرير محضر مضاد يتهم مدير المستشفى بالإهمال، الأمر الذي أدى إلى تدخل عدد من الأهالي ومأمور القسم، ليتنازل الطرفان عن المحضرين، دون أن تجد الطفلة وغيرها من الاطفال خدمة طبية تسعفهم داخل مستشفى البدرشين المركزي.
يقول رمضان الجزار لـ"المشهد": " لست في خصومة مع مدير المستشفى، فابنتي كغيرها من الأطفال والمرضى بشكل عام لا يجدون الرعاية في المستشفى المركزي بالبدرشين، لذلك أطالب وزيرة الصحة بالقيام بزيارة مفاجئة إلى المستشفى وستجد ما يسرها كما يسر الكثير من أبناء المركز".
هجرة قادمة
حاولنا التواصل مع الدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، دون جدوى، وحينما ذهبنا لمقابلته فى مكتبه رد مدير مكتبه نصاً" مفيش ميعاد مش هتدخلوا"، في حين رأى الدكتور صلاح عبدالله عضو مجلس النواب سابقاً، والسكرتير العام السابق لنقابة الأطباء ، وإستشارى إدارة المستشفيات، أن عدد "الآسرة" لا تكفي المرضي خاصةً فى الرعاية المركزة فى المستشفيات العامة والخاصة، حيث أنها تغطى 25% من إحتياجات المرضي ولا تزيد عن ذلك.
ويضيف أن المشكلة الأكبر تكمن في عدم توفر سرير رعاية مركزة لمريض، ويرجع ذلك الى نقص عدد آسرة الرعاية المركزة داخل مصر، يقابل ذلك إرتفاع عدد المرضي، وفي المجمل هناك عجز كبير في المستشفيات الحكومية قياساً يحاجيات المجتمع، والحل هو زيادة عدد الأسره فى المستشفيات العامة في المحافظات.
ويتابع أن الأطباء يرفضون العمل في المناطق الريفية بسبب ضعف الأدوات الطبية إلى جانب عدم توفر السكن المناسب لإقامة الأطباء، وتذكرنا الطبيبة التى توفت فى سكن الأطباء بالمطرية نتيجة ماس كهربائي، بالحالة المعيشية للأطباء داخل المستشفيات، مما يدل على أن حياه الأطباء فى خطر، الأمر الذي يدفعهم إلى عدم الذهاب الى المناطق الريفية، والمحافظات، مما يترتب عليه تكدس داخل المستشفيات الحكومية بالقاهرة.
ويحذر عبدالله من هجرة كبيرة قادمة للأطباء المصريين الأكفاء إلى بريطانيا مع خروجها من الإتحاد الأوروبي، إذ لدى المملكة المتحدة عجز ضخم فى الأطباء، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العجز مع خروج أطباء الكتلة الشرقية "أوروبا" نتيجة خروج لندن من الاتحاد الأوروبي، ولذلك يتوقع أن تحدث هجرة من الأطباء المصريين الى بريطانيا بحجم كبير خلال العامين القادمين، مما سيخلف وراءه عجزا كبيرا فى الأطباء بالمستشفيات المصرية.
ويؤكد أن قانون التأمين الصحى الجديد، سيحدث نقلة كبيره فى الخدمات الصحية ، وسيوفر أشياء كثيرة غير متوفرة، بيد أن المشكلة أن النظام الجديد سيحتاج إلى سنوات عديدة، لأننا تأخرنا كثيراً فى تطبيقه وبالتالى ستستمر المعاناة.
----------------
تحقيق - بسمة رمضان