16 - 08 - 2024

صناعة الجلود على حافة الموت: تراجع الأسعار والإنتقال إلى " الروبيكي" أهم التحديات

صناعة الجلود على حافة الموت: تراجع الأسعار والإنتقال إلى

"الدباغة".. أقدم مهنة عرفتها مصر قبل 1000 عام تواجه المخاطر 
خبراء يحذرون من كارثة بيئية بعد القاء جلود الأضاحي في الترع والمصارف
- السمالوطي: تطبيق المواصفات القياسية المصرية على الورادت لحماية الصناعة المحلية
- حربي: الانتقال إلى " الروبيكي" يؤثر سلباً على الطاقات الانتاجية للمصنعين
- عودة: ارتفاع تكاليف الانتاج يغلق الورش الصغيرة لعدم قدرتها على التحمل
- أبوسنة: القاء جلود الأضاحي في الترع سيؤدي إلى كارثة نتيجة التعفن والتحلل
- تمراز: وزارة الصناعة مطالبة بالتدخل لحماية صناعة الجلود من مشاكلها وأزماتها

أكوام من جلود أضاحي العيد، استقبلتها الترع والمصارف في ريف مصر، وصناديق القمامة في المحافظات، بعدما توقف التجار عن شرائها، بسبب تدني أسعارها هذا العام، مقارنة بالأعوام السابقة.. والنتيجة مخاوف من كارثة بيئية متوقعة، جراء تحلل الجلود في مياه الترع التي تذهب للزراعة، ومصاعب جديدة تواجه صناعة الجلود التي تعاني من نقل مدابغها من سور مجري العيون إلى مدينة الروبيكي، وسط توقعات بارتفاعات متوقعة في أسعار الأحذية والحقائب الجلدية.

وفقاً لعاملين في مهنة الجلود، ومسؤولين في غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات المصرية، فإن صناعة الجلود تواجه تحديات صعبة منذ 5 سنوات، تفاقمت خلال العام الحالي، مع تراجع أسعار الجلود عالمياً، ومصاعب يعاني منها الصناع والتجار المحليون، جراء عملية الانتقال إلى مدينة الجلود الجديدة " الروبيكي".

صناعة قديمة ومعاناة جديدة

تاريخياً عرفت مصر مهنة دباغة الجلود قبل نحو الألف عام، وظلت على مدار تاريخها صناعة ناجحة ومزدهرة سواء للإنتاج المحلي والتصدير للخارج، غير أن المهنة التي ظلت لسنوات طويلة منتعشة، بدأت كغيرها من المهن  المصرية، تعاني آخر خمس سنوات، جراء انخفاض أسعار الجلود بنسبه كبيرة، إذ تراجع متوسط الأسعار هذا العام إلى 50 جنيها للجلد الواحد، مقارنة مع حوالي 500 جنيه، وهو ما دفع التجار إلى التوقف عن الشراء، وأضطر معه أصحاب الأضاحي إلى إلقاء الجلود في المصارف والترع.

وطيلة السنوات الخمس حسب شيوخ المهنة، عاشت صناعة الجلود فترة من التخبط، إذ كان سعر قدم الجلد في العام 2015 قبل تعويم العملة المحلية يقدر بنحو 7 جنيهات، وبعد التعويم ومضاربات التجار وصل السعر إلى 45 جنيهًا، وأصابت القطاع حالة من التخبط والتضخم، نتج عنها ضعف كبير في الصناعة، أدى إلى تناقص عدد العمال في كل مدبغة، إذ كان العدد في السابق يترواح بين 100 و 150 عاملًا، أصبح عدد العمال الآن في المدبغة لا يتجاوز 25 عاملًا، ويشهد السوق ارتفاعاً وانخفاضاً دائماً في أسعار الجلود.

ووفقاً للمجلس التصديري للجلود والأحذية، بدأت صادرات مصر من الجلود فى الانخفاض منذ عام 2016، إذ بلغت قيمة  الصادرات قرابة 120 مليون دولار، تراجعت إلى 107 ملايين دولار خلال الفترة ذاتها من 2017، وواصلت الانخفاض بنسبة 10% خلال نفس الفترة من 2018 مسجلة نحو 98 مليون دولار فقط.

وإلى جانب تراجع الصادرات، تواجه صناعة الجلود مشكلة أخرى تتعلق بالواردات، إذ يتم تهريب المنتجات الصينية إلى الأسواق المحلية وخاصة من الأحذية الحريمى بأسعار رخيصة، وهو ما يهدد بإغلاق ورش ومصانع الأحذية الصغيرة، وبحسب عدد من الصناع فإن نسبة تهريب الأحذية الصيني تصل إلى 70%.

مصاعب المهنة

ويرى جمال السمالوطي، رئيس غرفة صناعة الجلود في اتحاد الصناعات، أن حجم صاردات مصر من الجلود غير المصنعة كالأحذية والمصنوعات الجلدية ظلت محدودة للغاية ، بسبب عدد من المعوقات تتمثل في حجم الورادت الكبير من الأحذية، وخلال عام 2016 بلغت قيمة واردات مصر من الأحذية نحو 205 ملايين دولار، تراجعت خلال عام 2017 إلى 153 مليون دولار، ثم عاودت الارتفاع مرة أخرى خلال العام الماضي لتصل قيمتها إلى 205 ملايين دولار، وهو ما يستدعي رقابة صارمة على الأسواق الداخلية، وتطبيق المواصفات القياسية المصرية على الواردات، مثلما تطبق على الصناع المحليين.

وعن تدني أسعار الجلود هذا العام، وتوقف التجار عن شراء جلود الأضاحي، يرى محمد حربى، عضو مجلس إدارة المجلس التصديرى للجلود، أن انتقال المدابغ من سور مجرى العيون، إلى مدينة الروبيكى الجديدة، تطلب من بعض المصانع نحو شهرين إلى 5 أشهر، وهو ما أثر على الطاقات الإنتاجية للمصنعين، الأمر الذي يعد أحد أسباب انخفاض الصادرات خلال العام الماضى.

ويضيف:" من بين أسباب انخفاض صادرات مصر من المنتجات الجلدية، انخفاض أسعار الجلد عالمياً الأمر الذى أثر على المصدرين وجعل التركيز أكبر على السوق المحلى".

ويتفق محمود عودة، عضو غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات المصرية، مع حربي في أن صناعة الجلود تواجه مجموعة كبيرة من المشاكل، منها زيادة مستلزمات الإنتاج، وخاصة بعد قرار البنك المركزي بتعويم الجنيه، إذ ارتفعت تعرفة المياه والكهرباء بشكل كبير على أصحاب المدابغ، واضطرت العديد من الورش الصغيرة إلى الاغلاق بسبب عدم قدرتها على تحمل تكاليف الإنتاج المرتفعة.

وبحسب نبيل الشيمي مدير عام شعبة الجلود بالغرفة التجارية بالقاهرة، فإن سوق دباغة الجلود يشهد حالة احتكار وتحكم بالكامل من قبل قلة من التجار، وإن كانت التوقعات أن كميات جلود الأضاحي هذا العام شهدت ارتفاعاً كبيراً، مضيفاً:" تحديد أسعار الجلود يتوقف على نوعها وتصنيفها لدرجات وجودتها، إضافة إلى الكميات المعروضة، كما أن التاجر الذي لديه القدرة على التخزين يشتري كميات كبيرة من الجلود ليخزنها ويحتكر السوق".

كارثة بيئية

ويتفق حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، مع الكثير من الآراء السابقة في أن انخفاض أسعار الجلود محلياً يعود إلى تراجع أسعارها عالميا، إلى جانب ارتفاع تكلفة دبغ الجلود وزيادة المعروض فى الأسواق مع تزامن عيد الأضحى المبارك، مما جعل تجارة الجلود بدون جدوى اقتصادية.

ويضيف:" وصل سعر الجلد الجاموسى إلى 20 جنيه والجلد البقرى 10 جنيهات، فيما وصل سعر جلد الخرفان 5 جنيهات، ويترواح سعر الجلد الجاموسى بين 200 و600 جنيه حسب حجمه، وهو ما يشير إلى التراجع الكبير في الأسعار".

ويتابع أن تدنى أسعار الجلود ستكون له تداعيات سلبية عدة، إذ يتكبد تجار الجلود خسائر فادحة، كما يتكبد مربو المواشى والجزارون خسائر غير مباشرة، تتمثل في تدنى أسعار المواشى وزيادة تكلفة الذبح، إذ أصبح نقل وتخزين الجلد أغلى من ثمنه، فضلاً عن مخاطر حدوث كارثه بيئية ،بسبب التخلص من جلود الأضاحى بطرق غير صحية بالقائها في الترع والمصارف.

نفس الأمر يحذر منه الدكتور ناصر أبوسنة، مدير عام المجازر بمديرية الطب البيطرى بالقليوبية، ويضيف أن إلقاء الجلود فى الشوارع أو المجارى المائية أو على جسور الترع، يؤدي إلى تلوث البيئة بعدما تتعرض الجلود إلى العفن البكتيرى وتكاثر الديدان، علاوة على الروائح الكريهة.

كما يؤكد نبيل الشيمي أن انخفاض أسعار الجلود ، أدى إلى ظاهرة إلقائها في المصارف والترع، وهي ظاهرة جديدة جاءت نتيجة الوعي الخاطئ، لأن جلود الأضاحي شرعًا لا تباع بل يتم التبرع بها لجمعيات خيرية وغيرها، لكن على أرض الواقع يقوم بعض أصحاب الأضاحي ببيعها أو التخلي عنها للجزار ليقوم هو الآخر ببيعها، وعندما يجد الأسعار منخفضة، يلقي بها في مياه الصرف، وهو ما يسبب ضرراً بيئياً كبيراً. 

إحياء الصناعة

ويطالب رائف تمراز وكيل لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، الحكومة بإحياء صناعة الجلود، واحتضان الصناع، بهدف الحد من الواردات الأجنبية، ويضيف:" جلود المواشي تدخل في عدد كبير من الصناعات، ولايمكن أن ينكر أحد أهميتها في إحياء عدد كبير من الصناعات الهامة، خاصة وأن رئيس الجمهورية  كان قد وجه بإنشاء مدينة ومجمع لإحياء الصناعات القائمة على جلود المواشى".

ويدعو وزارة الصناعة بالتدخل لحل الأزمة التي تمر بها صناعة الجلود، من خلال احتضان الصناع، والعمل علي تسوية الخلافات الداخلية، وتجاوز العقبات من أجل إحياء الصناعة المصرية للجلود، والحد من حجم الواردات الأجنبية.
-------------------
كتب- عبدالرحمن العربي
من المشهد الأسبوعي - مع الباعة