29 - 03 - 2024

وجهة نظري| قيس رئيسا وتونس ليلاه

وجهة نظري| قيس رئيسا وتونس ليلاه

رغم بعض التحفظ وقدر من الشك لم نستطع منع أنفسنا من الفرحة بفوز قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية التونسية.

انتقلت عدوى البهجة التي ملأت شوارع تونس وتسللت فرحة الشعب المحتفل برئيسه الجديد فضربت على وتر أحلامنا المجهضة.. غبطنا انتصارهم وتفاءلنا، فدائما تأتى البشارة من تونس.. وبعدها يأتينا فرج قريب.

كثيرة هي الأسباب التي خلقت تلك الحالة من التوحد والتماهى والتفاعل مع مايحدث في تونس الشقيقة.

أستاذ جامعى ينتمى للطبقة المتوسطة.. مؤمن بثورة تونس العظيمة ومؤيد لكل ثورات الربيع العربي، مناهض لكل الحكومات التونسية التي جاءت بعد الثورة ليقينه أنها لم تحقق حلم الشعب ولاهدف الثورة.

مستقل لا ينتمى لحزب تيار سياسى.. وإن اعتبره البعض صاحب ميول إخوانية لموقفه الرافض لمساواة الرجل والمرأة في الميراث ولقيام حركة النهضة بدعمه ضد منافسه رجل الأعمال نبيل القروى.

بينما الواقع يؤكد أن نجاح سعيد لم يكن بسبب دعم الإخوان له وإنما لالتفاف الشباب حوله.. فنسبة الشباب الذين صوتوا له وصلت إلى 90 % ممن إعتبروه قدوة ومثلا أعلى فإنضموا لحملته التي اتخذت من شقته المتواضعة في تونس العاصمة مقرا.

نجح سعيد في استقطاب الشباب، ليس فقط لما عرف عنه من نزاهة ونظافة يد واستقامة، بحسب شهادة الكثيرين، وإنما أيضا لتبنيه مبادئ الثورة ولشعورهم بأنه يمثل موقعا وسطا بين التيارين الإسلامي واليسارى.

دعم الشباب لم يكن وحده كافيا لتبوؤ قيس منصب الرئاسة وإنما ساعده أيضا في ذلك النجاح دستور داعم للحريات المدنية والمساواة.. حد من دور المؤسسة العسكرية في العمل السياسى وأسس لنظام جديد يتم فيه تقاسم السلطة بين رئيس يصل للحكم بالإنتخاب ورئيس حكومة ينتخبه البرلمان. كما كرس الفصل بين السياسة والدين، هكذا يرى المراقبون.

بدايات تشى بالتفاؤل وإن كانت التجارب المؤلمة التي مرت بها الشعوب العربية، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، تدفعنا للتخوف والشك والترقب بقلق ما تفرزه الأيام من مواقف وسياسات واتجاهات على أرض الواقع، إما أن تثبت صدق القول ويقين الشعار وعمق المبادئ ونبل الهدف أو تكشف أن كل ماجرى مجرد كلمات جوفاء لدغدغة المشاعر وكسب الأصوات ونيل التأييد.

هل يحقق قيس بالفعل هدف الثورة وحلم الشباب! هل يصدق في هتافه الذى علا به صوته فور إعلان فوزه "الشعب يريد شعار ودستور" هل يفى بوعده في حمل الأمانة وتمكين الشعب من احترام القانون عن قناعة وليس إجبارا كما تعهد! هل يترك لكل صوت معارض حرية التعبير عن رأيه، وأن يقول كما يشاء ويلتزم بالمهمة التي حددها لنفسه بأن يحفظ رأى كل معارض ويحافظ على شرفه وبدنه كما تعهد!

هل يتمسك بموقفه بإلغاء لقب السيدة الأولى ويرفض منحها لزوجته لقناعته أن كل سيدات تونس "أول" على حد تعبيره وقناعته ووصفه.

حاول قيس سعيد أن يطمئن الشعب التونسى طيلة حملته الانتخابية من أنه لا يبيع الوهم ولايسوق لوعود لن يحققها، وأكد التزامه بكل مايقول ويعد، ونجح في خطابه أن يقتحم قلب شعبه وينال ثقته ووده رغم أن حملته الدعائية المتواضعة التي لم تكلفه الكثير وكان قوامها شباب متطوع آمن به ولم يدخر وسعا في دعمه.

صفحة جديدة فتحها الشباب على حد تعبير الرئيس الجديد، بينما أخذ على عاتقه أن يحمل الأمانة ويحقق حلم الشعب ويجعل من شعار ثورته الشعب يريد دستورا مقدسا.

تبدو التحديات صعبة ولايبدو الطريق ممهدا.. مابين أزمات اقتصادية، وتربص قوى إرهابية، ونفوذ تيار دينى يحاول الهيمنة، وفلول نظام بائد لاتكف رموزه عن محاولات العودة لصدارة الحياة السياسية والمدنية.

والأخطر بريق السلطة وسحر وجاذبية كرسي الحكم.. الاختبار الأصعب الذى قل من ينجو من لعنته.

هل ينجح الرئيس التونسى الجديد في اجتياز تلك الصعوبات؟ وهل يحقق وعوده التي قطعها على نفسه؟ هل يظل على موقفه الرافض للتطبيع مع العدو الإسرائيلي؟ هل يحقق أمل الشعب التونسى؟ وهل ينجح في أن يظل مثلا وقدوة للشاب الذى آمن به؟

وهل يزرع أملا في نفوس كل من آمن بثورات الربيع العربى بأن يوما آتيا حقا يستجيب فيه القدر؟

هل يظل الرئيس الجديد قيسا وتظل تونس ليلاه؟
-------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان