20 - 04 - 2024

حقيقة توابيت "العساسيف".. اكتشاف جديد أم فضيحة لوزارة الآثار؟

حقيقة توابيت

- نائبة بالبرلمان تتهم الآثار بتضليل الرأي العام والإضرار بسمعة مصر ومكانتها
- وهيبه صالح: التعديل الوزارى على الأبواب.. الكرسي يستاهل
- عزمي كراس: الاكتشاف خبيئة للصوص كما في فيلم المومياء 
- العناني: الهدف من المشككين النيل من أي نجاح تحققه الوزارة

اتهامات كثيرة من الأكاديميين والمتخصصين طالت وزارة الآثار بعد  إعلانها الأسبوع الماضي عن اكتشاف وصفته بأنه الأضخم والأهم منذ سنوات وهو" خبيئة العساسيف" بالأقصر، والتي تضم مجموعة متميزة من 30 تابوتا خشبيا ملونا لرجال وسيدات وأطفال في حالة جيدة من الحفظ والألوان والنقوش كاملة، حيث تم الكشف عنهم بالوضع الذي تركهم عليه المصري القديم، توابيت مغلقة بداخلها المومياوات، مجمعين في خبيئة في مستويين الواحد فوق الآخر، ضم المستوي الأول 18 تابوتا والمستوي الثاني 12 تابوتا.

على إثر اكتشاف خبيئة العساسيف الأثرية تقدمت النائبة نادية هنري عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة عاجل للدكتور علي عبد العال رئيس المجلس، ووصفت الحدثث بأنه تضليل للرأي العام، بالإعلان عن اكتشافات غير حقيقية أو تم الإعلان عنها منذ سنوات، وجاء في طلب الإحاطة أن العديد من الخبراء والأكاديميين في مجال الآثار وخصوصا في منطقة الأقصر يؤكدون أن توابيت العساسيف هذه ليست كشفا اثريا جديدا وإنما هي عملية تخزين لآثار واكبت حرب ١٩٦٧.

وأضافت هنري في الطلب أنه من المفترض أنها موثقة في سجلات مصلحة الآثار بالعدد والوصف والتاريخ، كما أن طبيعة الكشف نفسها تتعارض مع أسلوب الدفنات الجماعية أو تجمعات الخبايا المعروفة والتي ترجع للعصور المصرية القديمة؛ فالتوابيت المعثور عليها حديثا كانت مرصوصة في طبقتين واحدة فوق الأخرى، وهو ما يتنافى تماما مع فكر ومعتقدات وأسلوب المصري القديم، مطالبة وزير الآثار بتوضيح الحقائق أمام كافة خبراء الآثار حفاظا على التاريخ وعلى سمعة ومكانة مصر وحماية لأثارنا .

وأثار الإعلان عن الاكتشاف غضب العديد من الأثريين والأكاديميين العاملين في المجال الأثري، حيث اتهمت  دكتورة وهيبه صالح مدير منطقة أبو رواش الأثرية على حسابها على موقع فيس بوك وزارة الآثار بأنها قامت خلال الأربعة سنوات الماضية بالإعلان عن العديد من الاكتشافات الأثرية التي لم تحدث، ووصفت القائمين على الوزارة بالهواة المعروفين في القرن19، حيث أن سمعوا بخبر وجود مومياوات تحت الرديم في منطقة العساسيف من الأثرية الأمريكية "بيتش كوفا" التي تعمل بالقرب من الموقع، حيث أسرعوا في إزالة الرديم وإخراج التوابيت، ولم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عن سبب وجود هذه الكمية الكبيرة من التوابيت بالمنطقة بهذا الشكل.

وتضيف "صالح" أن الاكتشاف ليس اكتشافا حديثا بالدليل أنه يوجد بجانب المقبرة 33 والتي بها مخزن كبير تم تشوين المومياوات به في عام 1967 أثناء ضرب إسرائيل لمطار الأقصر، أو من الممكن كما يخمن علماء الآثار بالخارج انه كان مخزنا لقناصل فى القرن 18 قبل تهريبها للخارج، وتم ردمها لحين النجاح في إخراجه، ودللت على كلامها باستحالة أن تكون التوابيت محفوظة بهذا الوضع الذي تركها عليه المصري القديم حيث تم العثور عليها مجمعة في خبيئة في مستويين الواحد فوق الآخر، مؤكدة: "المصريين القدماء عمرهم ما اتعاملوا مع الموت بالطريقة القذرة هذه، فهم يعرفوا معنى إكرام الميت".

ويكشف الدكتور محمد عبد المقصود الأمين العام السابق  للآثار، عن حقيقة الاكتشاف حيث يقول: "حتى لانري أبطالا من ورق واحتراما للتاريخ انه في عام1967 أمر الدكتور ثروت عكاشه وزير الثقافة بنقل الآثار وتخزينها بالغرب بعد ضرب مطار الأقصر في 5 يونيو، وتم التنفيذ وأودعت الآثار في مقبرة 33 بالعساسيف وفي مقابر أخرى، وأنا شاركت في جرد المخزن في المقبرة 33 في عام 1981 لفترة مع زملاء آخرين من تفتيش القرنة واستمر الجرد لعدة سنوات، وتم الجرد مرة  أخرى من خلال لجنة من الأثاريين من سوهاج وهى اللجان التي اكتشفت نقل الآثار من الشرق للغرب، وخاصة من مخازن الكركول والكرنك إلى المقبره 33 العساسيف بعد اكتشاف السجلات، ومنذ سنوات قليله تم اكتشاف مخزن خلف جدار لم يكن معروفا وعثر به علي العديد من الصناديق التي تخص آثار نقلت عام 1967 .

أما الباحث الأثري دكتور أحمد صالح فأكد أن الوزارة لم تكن تعرف شيئا عن الاكتشاف والدليل أن الصور المنشورة للوزير وللأمين العام وهما يحاولان اكتشاف المعلومات بنفسهم، وعن غضب الوزارة لانتقاد المعارضين للإكتشاف بدعوى أن القائمين على الاكتشاف مصريون وأنهم لا يستطيعون توجيه النقد للأجانب يقول: " أنه غضب في غير محله حيث انه منذ اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون والنقد مستمر حتى لو كان المكتشفون أجانب وليسوا مصريين، وتساءل هل قام المكتشفون المصريون بتقديم دراسة للجنة الدائمة بالوزارة تطرح فيه عمل الحفر؟ هل كانت هناك ميزانية مخططة منذ البداية للموقع؟ وهل هناك فريق عمل مصري متكامل فيه مساح ومرمم وتقني وفني؟! بالتأكيد لا ..ثم لا ..ثم لا.. فالعمل المصري عبثي وليس منظما والميزانية هي التي تحكم، بمعني لو وجدت بندا في الميزانية به ٥٠ ألف جنيه نسرع لعمل حفر بدون دراسة ".

وينتقد صالح استخددام مصطلح الخبيئة سواء للمؤيدين أو المعارضين للكشف حينما يتحدثون عن التوابيت المكتشفة، حيث أن التوابيت ترجع الي عصور لم يكن هناك حاجة لعمل خبيئة، وأن أغلب خبيئات التوابيت والمومياوات وليس خبيئة التماثيل ترجع الي عصر الأسرتين 21 و22 ومنها الخبيئات الملكية في وادي الملوك (مقبرة 35) والدير البحري (مقبرة 320) وخبيئات الكهنة ومنها باب الجاسوس بجوار معبد حتشبسوت، وقد قام كهنة الأسرتين 21 و22 باللجوء للخبيئات بسبب تعرض المقابر للسرقة في نهاية الأسرة العشرين.

كما يدلل صالح على أن طريقة التخزين في الخبيئات تدلل على أن التوابيت لايمكن ان تكون في خبيئة قديمة، حيث المفروض أن تكون بجوار بعضها وليس فوق بعضها وهي الملمح لكل الخبيئات القديمة، كما  يقوم الكهنة بتسجيل نصوص على التوابيت يحددون فيه سبب عملهم وبالتالي أي تحرك للتابوت يقوم الكهنة بتسجيل هذا التحرك، وهو غير موجود بالتوابيت المكتشفة

وفي شهادة للتاريخ يقول الباحث الأثري ماجد عزمي كراس "في يوم ١٥ مايو ١٩٩٥ تم بدء عمل لجنتين لجرد الأثار بشرق وغرب الأقصر تحت رئاسة المرحوم الدكتور يحيي المصري والأشراف العام للدكتور المرحوم محمد الصغير، وكانت التعليمات أن يقدم تقرير شهري للسيد الدكتور رئيس الهيئة، حيث اكتشفواسجلات اثار كاملة غير موجودة في الشرق، وعند الرجوع للدكتور محمد الصغير أبلغنا أن نبحث عنها في الغرب، حيث أنه في عام ٦٧ خاف الوزير ثروت عكاشة على الآثار المخزنة في معابد الكرنك بعد أن دخل بعض الإسرائيليين إلى نجع حمادي بطائرة هليكوبتر وفكوا الرادارات وأخذوها، مثلما فعل "موشي ديان" المعروف عنه هوايته لجمع الآثار أثناء عمل الحفائر في سيناء وقد أخذ الكثير منها".

ويضيف كراس "بالفعل  وجدنا آثارا كثيرة من سجلات الشرق في مخزن ٣٣ في العساسيف، كما وجدنا مخازن بها أثار غير مسجلة ووجدنا أثارا مسجلة ومفقودة داخل أبيار داخل مقابر وكان الشباب يهبطون بالأبيار ويخرجون بالآثار، وتمت كتابة عشر توصيات هامة جدا لملاحظات لجنة الجرد التي استمرت ثلاث سنوات، ثم تم نقل هذة الآثار من المقابر بالجبل الغربي من دير المدينة ومن وادي الملكات والعساسيف وحتشبسوت الي المخزن المتحفي، ولو رجعتم لكتاباتي أنها قد تكون خبيئة للصوص مثل ما وجد وتم عمل فيلم المومياء من المخرج المرحوم شادي عبد السلام عن عائلة عبد الرسول وقلت أني متأكد أنها خبيئة للصوص لإن لم يوجد بسجلات الآثار التي حفظناها للغرب هذا العدد غير الموجود، ولكن محمد عبدالمقصود رأي أن الهيئة حفرت ووضعت هذة التوابيت أمام مخزن ٣٣ ودفنتها خوفا عليهم حيث أنها منطقة عليها حراسة دائما وبالزمن وعدم عمل محاضر نسي هذا الأمر".

وبرغم كل انتقادات المتخصصين السابقة، لم تلتفت وزارة الآثار إليها بل عقدت صباح اليوم السبت 19/10 مؤتمرا صحفيا أعلنت فيه نجاح البعثة الأثرية المصرية الكشف عن "خبيئة  العساسيف" واصفًة إياها " بأنها أول خبيئة توابيت آدمية كبيرة يتم اكتشافها كاملة منذ نهاية القرن ١٩، واليوم، وبعد أكثر من قرن من الزمان يضيف الأثريون المصريون خبيئة اخري جديدة بالأقصر.

ورفض الوزير العناني في كلمته بالمؤتمر أراء المتخصصين العلمية، وأكد أن ما تناثر من أقوال البعض عن التشكيك في هذا الكشف قبل الإعلان عنه أنه توابيت دفنت في عام 67 هي أقوال أقل من أن يلتفت إليها، وأنها لا تتعدى أن تكون ضمن الإشاعات المغرضة التي ليس لها أى أساس من الصحة أو الدليل والهدف منها النيل من أي نجاح تحققه الوزارة ويلفت انتباه العالم إلى مصر وحضارتها 

وفي المؤتمر أعلن الدكتور الطيب عباس مدير عام الشؤون الأثرية بالمتحف المصري الكبير أنه سوف يتم نقل المجموعة كاملة إلى المتحف المصري الكبير حيث تم تخصيص قاعة لعرض المجموعة كاملة، وسوف يتم نقلها بعد إنتهاء أعمال الترميم الأولى علي يد مجموعة متخصصة من مركز الترميم من المتحف المصري بالتعاون مع مرممي منطقه آثار الأقصر.
---------------------
تحقيق هاني رياض






اعلان