28 - 03 - 2024

كواليس ميلاد "أغاني النصر": لماذا طلب السادات من "حليم"حذف اسمه من "عاش اللى قال"؟

كواليس ميلاد

الفن في قلب معركة النصر على إسرائيل
- شريفة فاضل تغني لابنها الطيار الشهيد سيد بدير.."ام البطل"
- بليغ يبكي أمام ماسبيرو بعد منعه من الدخول ويهدد بتحرير محضر ضد وجدي الحكيم
حين غنت سعاد حسنى دولا مين..ودولا مين ..دولا عساكر مصريين

قاد العبقرى المبدع بليغ حمدى مدفعية الفن فى حرب أكتوبر المجيدة بعوده وألحانه فبعد لحظات من سماع بيان القوات المسلحة بالعبور كانت باكورة الأغنيات الوطنية أغنية "بسم الله.. الله أكبر" التي كتبها الشاعر عبد الرحيم منصور ولحنها بليغ في مبنى الإذاعة والتليفزيون، وغنتها المجموعة وكانت أول أغنية أذيعت في ذلك الوقت.

وللأغنية قصة ذات دلالة على عشق هذا الفنان اللامحدود لمصر، حيث ذهب بليغ على الفور وزوجته في ذلك الوقت الفنانة وردة الجزائرية لمبني الإذاعة والتلفزيون معه صديقه الشاعر عبد الرحيم منصور ومنعهم الأمن من دخول المبني نظرا لظروف الحرب إذ لم يكن مسموحا دخول مبني الإذاعة لغير العاملين فيه، بكى بليغ وصاح "عاوز أدخل" وطلب صديقه الاذاعي الكبير وجدي الحكيم قائلا له "هعملك محضر في القسم يا وجدي عشان مش عايز تخليني ادخل اعمل اغنيه لبلدي" وكان بليغ يتكلم بمنتهي الجدية ، وعندما علم رئيس الإذاعة وقتها محمد محمود شعبان"بابا شارو" أمر الأمن بالسماح لوردة وبليغ ومعهم الشاعر عبد الرحيم منصور بالدخول، ولكن بعد أن كتب بليغ حمدي تعهداً على نفسه بتحمل أجور جميع الموسيقيين بسبب وجود ميزانية لتسجيل أغاني النصر وقتها، وتم تسجيل أغنيتي "بسم الله" التي غنتها المجموعة.وقام الثلاثة بتسجيل الأغنية وإذاعتها فجر اليوم التالى.

استلهم بليغ العبقرى – كعادته- اغنية الله أكبر من الناس فى الشارع المصرى الذى انفجر بالتكبير والتهليل بعد لحظات من بيان العبور "الله أكبر ..الله اكبر" وهى قصة تداولها المقربون منه، حيث استيقظ بليغ حمدى على أصوات وزغاريد تأتى من سكان العمارة ومن البيوت المحيطة به ومن المارة بالشارع، يهتفون ''الله أكبر الله أكبر مصر انتصرت.. انتصرنا''، وعرف من الإذاعة نجاح القوات المسلحة فى عبور وتحطيم خط بارليف، وبمجرد أن سمع بليغ البيان الصادر من القوات المسلحة، انطلق مسرعا وفى يده العود وبعض الأوراق إلى مبنى الإذاعة واتصل تليفونيا بالشاعر عبد الرحيم منصور ليلحق به، وفى الطريق كان بليغ يسمع هتافات الناس فى الشارع وهم يرددون ''الله أكبر الله أكبر بسم الله الله أكبر''، الأمر الذى جعله يلتقط هذه الكلمات وبدأ بها مقدمة الأغنية، وعند وصوله إلى مبنى الإذاعة كان فى استقباله الشاعر عبد الرحيم منصور، وقام بتسجيل الأغنية وأخذ المخرج محمد سالم نسخة من الأغنية وانطلق مسرعا ليعرضها بالتليفزيون مع لقطات حية مصورة من عبور قواتنا المسلحة بالزوارق المطاطية لخط بارليف.

وردة و"ع الربابة"....وموقف يوسف شاهين

انهمر سيل الأغانى الوطنية فى ايام 7 و8 أكتوبر، مثلما انهمرت قذائف المدافع والطائرات والدبابات فوق رأس العدو الصهيونى وفشل فى منعها أو اختراقها أو ابطال مفعولها مثلما فشل فى رد الجيش المصرى عن انتصاره الساحق..

ففى فجر يوم السابع من أكتوبر وبعد تسجيل أغنية المجموعة " الله أكبر" تم أيضا تسجيل أغنية "علي الربابة" التي غنتها الرائعة وردة وكتب كلماتها أيضا الشاعر عبد الرحيم منصور، وتصادف وجود الإعلامي 'حمدي الكنيسي'، وكان عائدا من الجبهة مرتديا البدلة العسكرية، فطلب منه وجدي الحكيم أن يرافق وردة' في التصوير ليعطيها الحماسة ويعطي مصداقية أكثر للأغنية.

وغنت وردة:

حلوة بلادي السمرا بلادي الحرة بلادي

وانا على الربابة بغني ما املكش غير انى اغني

واقول تعيشي يامصر

وانا على الربابة بغني واقول

ما املكش غير غنوة امل للجنود ... أمل للنصر

ليكي يا مصر ليكي يا مصر

وتقريبا تكرر حوار بليغ حمدى يوم 6 أكتوبر مرة أخرى، حيث فوجئ الإذاعى وجدى الحكيم فى احد ايام المعركة باتصال هاتفى من المخرج يوسف شاهين في الساعة الرابعة فجر السابع من أكتوبر ليخبره بأن لديه الكلمات التى كتبتها الشاعرة نبيلة قنديل بعنوان "رايات النصر" والتى كانت قد اعدت ليضمنها احدث افلامه "العصفور" ولكنه يهديها للإذاعة لأن الوطن أغلى من أى فيلم، و ذهب إلى الإذاعة وبرفقته الموسيقار على إسماعيل الذى لحن الأغنية وسجلتها المجموعة أيضا

وأتذكر أن هذه الأغنية كنا نرددها على أنغام الموسيقى المدرسية فى المرحلة الابتدائية أثناء الانصراف من الطابور الى الفصول حتى منتصف السبعينات

رايحين رايحين

شايلين فى ايدنا سلاح

راجعين راجعين

رافعين رايات النصر

سالمين سالمين

حالفين بعهد الله

نادرين نادرين

واهبين حياتنا لمصر

باسمك يا بلدي......حلفنا يا بلدى

جيشك وشعبك يرد التحدى

ارضك وزرعك.....شمسك وقمرك

شعرك ونغمك.....نيلك وهرمك

بدمي افادي واصد الاعادى

وافدى بروحى عيونك يا مصر

عندما كتب توفيق الحكيم..وغنت شادية 

في اليوم الثاني لنصر أكتوبر المجيد تصدرت صفحة الأهرام الأولى افتتاحية الأديب الكبير الراحل توفيق الحكيم بعنوان "عبرنا الهزيمة"..يلتقط بليغ حمدى المقال الذى قرأه بالمصادفة فى اليوم نفسه.

يتوقف أمام السطور الأولى لافتتاحية الحكيم التي يقول فيها .." لقد عبرنا الهزيمة بعبورنا إلي سيناء ومهما تكن نتيجة المعارك فإن الأهم هي الوثبة وهي المعني بأن مصر هي دائما مصر، تحسبها الدنيا قد نامت لكن روحها لا تنام وإذا هجعت قليلا فإن لها هبة ولها زمجرة ثم قيام وقد هبت مصر وزمجرت ليدرك العالم أنها في لحظات تستطيع أن تصنع المستحيل، فلا ينخدع أحد في هدوئها وسكونها، وكانت يدها التي بدرت منها حركة اليقظة هي رئيسها الوطني وجيشها المقدام وسوف تذكر مصر في تاريخها هذه اللحظة بالشكر والفخر... معا عبرنا الهزيمة بالروح وشعرنا بأن شيئا بداخلنا قد حدث، وها نحن نتنفس هواء الحرية والانطلاق وهذا هو المعني الحقيقي للانتصار.."

ويتفاعل بليغ حمدي بهذه الافتتاحية وإلي جواره صديقه الاذاعى الكبير وجدي الحكيم " ايه رأيك ياوجدي لو عملنا الافتتاحية دي أغنية ؟".. يبتسم وجدي ويقول: فكرة ممتازة وأهو عبدالرحيم منصور موجود، وفي الحال تتحول الافتتاحية إلي أغنية تكتب في لحظات ويجلس بليغ وعبدالرحيم ويتم اللحن ثم اتجهوا إلي مكتب توفيق الحكيم بالأهرام للحصول علي موافقته، وبالفعل وافق خصوصا بعدما علم أن الأغنية ستكون بصوت الفنانة شادية

واستمع توفيق الحكيم إلي الأغنية، وكان سعيدا باللحن والكلمات وأداء الفنانة شادية كما شاهدها مصورة في التليفزيون وأحدثت الأغنية نجاحا مدويا وتلقي توفيق الحكيم العديد من التهاني من أصدقائه الكتاب والأدباء والقراء الذين قرأوا افتتاحيته للأهرام.

وفي حوار صحفى مع الحكيم بعد نجاح الأغنية قال "إن أداء الفنانة شادية كان عظيما وأعطي للافتتاحية مذاقا خاصا و أقول كلمة واحدة للمسئولين في وزارة الإعلام ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية،وأيضا وزارة الثقافة..... حافظوا علي بليغ حمدي."

تقول كلمات الأغنية :

عبرنا الهزيمة يامصر ياعظيمة

وباسمك يابلادي تشتد العزيمة

باسمك يابلادي عدينا القنال

باسمك ياحبيبتي مصر ياحبيبتي

أمي ياحبيبتي ح اسمي النضال.

دولا مين..ودولا مين ..دولا عساكر مصريين

كل الفنانين تسابقوا للمشاركة بفنهم فى معركة البطولة والمجد. لم يكن المطربون فقط وحدهم بل تقدم أيضا الصفوف كبار الممثلات والممثلين. فعقب اندلاع المعارك بأيام قليلة تذهب الرائعة الجميلة سعاد حسنى إلى الإذاعي وجدى الحكيم، وقالت له: «أنا عايزة أغنى للأبطال» وأسمعته أغنية للجنود فى المعركة والتفاخر والاعتزاز بهم، وقال لها: «وأين الشاعر؟»، وهنا دخل إلى المكتب الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم وقال للحكيم: «أنا أرسلت سعاد حسنى لأننى لو حضرت بنفسى سوف ترفضنى وترفض الكلمات لأنك لا تحبنى يا وجدي»، فرد الاذاعى الكبير ضاحكا : «أنا مابحبكش..!! مين قال كده ...لا.. أنا بحب الكل»، وهنا قال نجم: «يبقى انا اللى فهمت غلط وولاد الحلال فهموني انك مش بتحبنى. »

وبعدها سجلت سعاد حسنى «دولا مين دولا مين»، وأُذيعت لأبطال مصر والأمة العربية

وهي من الأغنيات الجميلة والرقيقة التي تشيد بأبناء مصر، وأدتها الراحلة سعاد حسني، وكتبها أحمد فؤاد نجم، ولحنها كمال الطويل، ويقول مطلعها:

دولا مين ودولا مين

دولا عساكر مصريين..

دولا مين ودولا مين

دولا ولاد الفلاحين..

دولا الورد الحر البلدي.. يصحى يفتح إصحى يا بلدي..

دولا خلاصة مصر يا ولدي.. دولا عيون المصريين..

دولا مين ودولا مين..

دولا القوة ودولا العز.. يهدوا الغالي مهما يعز..

هز يا دفعة هلالك هز.. واحنا وراك ملايين جايين».

حليم فى قلب المعركة

مثلما قاد العندليب الاسمر بصوته معارك ثورة يوليو ..لم يتخل عبد الحليم حافظ أيضا عن قيادة المعركة الفنية فى حرب اكتوبر المجيدة وقدم 5 اغنيات وطنية حماسية أغنية " عاش اللى قال" كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدى وقومى يا مصر كلمات عبد الرحيم منصور وألحان بليغ وسكت الكلام كلمات محسن الخياط وألحان بليغ وصباح الخير يا سينا للأبنودى وبليغ ولفى البلاد يا صبية لمحسن الخياط محمد الموجى.

لكن ربما تكون أغنية " عاش اللى قال" هى الاشهر من بين اغانى أكتوبر بكلمات استهوت وجدان العرب والمصريين واستوحى كلماتها الشاعر محمد حمزة من مقال للكاتب الكبير الاستاذ محمد حسنين هيكل بصحيفة الاهرام أثناء الايام الأولى للحرب واشاد فيها بالرئيس الراحل أنور السادات وبقراره الجريء والشجاع بالعبور والحرب

وخلال التجهيز لبروفات الاغنية، علم الرئيس الراحل أنور السادات، أن اسمه سوف سوف يرد فى الأغنية، بحيث يرد الكورال، على عبد الحليم بترديد اسم السادات، بقولهم عاش السادات ردا على المقطع الاول من الغنوة، ولكن السادات رفض ذكر اسمه، وحذفه من الأغنية واتصل بعبد الحليم وقال له :" اذا أردتم ذكر اسمي، فعليكم أن تذكروا اسماء كل رؤساء العرب، الذين ساهموا في حربنا مع الصهاينة، وساندونا، حتى حققنا المجد والنصر"، فاضطر العندليب، للمثول لرغبة الرئيس الراحل، وتم تسجيل الأغنية دون اسم السادات، لتبقى مخلدة لنصر أكتوبر، وما فعله السادات، حتى لو لم يذكر اسمه.

و«خلي السلاح صاحي» هي من أشهر وأقصر أغاني حرب أكتوبر، حتى إن المصريين كانوا يستخدمونها في لغتهم اليومية كمثال للانتباه، ومن المدهش أن نجد روايات تقول إنها كُتبت أثناء حرب الاستنزاف من قبيل حث الجنود على الاستعداد للثأر، وهي من تلحين كمال الطويل،وكلمات احمد شفيق كامل صاحب أغنية " انت عمرى" للسيدة ام كلثوم" ونشيد " وطنى حبيبي الوطن الأكبر".. وتقول: «خلي السلاح السلاح السلاح.. صاحي صاحي صاحي.. لو نامت الدنيا صحيت مع سلاحي.. سلاحي فى إيديا نهار وليل صاحي.. ينادي يا ثوار عدونا غدار».

"ام البطل"

فى منتصف الخمسينيات تزوجت شريفة فاضل من المخرج والممثل السيد بدير رغم أنه كان يكبرها ب23 عاما، وأنجبت منه ولدين «سيد، وسامى»، وحققت نجاحات كبيرة، ثم انفصلت عن السيد بدير.

استشهد ابنها البطل الطيار سيد السيد بدير فى حرب الاستنزاف، فأصيبت شريفة فاضل بصدمة شديدة، استشهد الأبن بعد تخرجه وتلقيه تدريبات على الطيران فى روسيا، كان ابنها الكبير وأول فرحتها، وتوقفت عن الغناء بعد هذه الصدمة.

وعن عودتها للغناء بعد هذه الصدمة قالت أم البطل:" فرحت لما انتصرنا فى أكتوبر وطلبت من صديقتى الشاعرة نبيلة قنديل تكتب أغنية عن أم البطل المقاتل، علشان كل أمهات الأبطال اللى استشهدوا واللى انتصروا، ونبيلة قعدت فى غرفة ابنى الشهيد نص ساعة، وخرجت ومعها كلمات أغنية أم البطل، وبكيت وأغمى عليا لما سمعت الكلمات، وبعدها طلبت من الملحن على إسماعيل تلحينها وذهبت إلى الإذاعة لتسجيلها فى اليوم الثالث فرحب «بابا شارو»، رئيس الإذاعة وقتها، بالأغنية وأمر بدخولى الأستوديو فورا. وسجلتها فى يوم واحد، وكنت دايما باغنيها آخر أغنية فى الحفلات علشان ما بقدرش أغنى بعدها

تبكى وهى تتذكر هذه اللحظات:" كلمات الأغنية كانت صعبة عليا، واتأثرت وأغمى عليا أكتر من مرة وأنا باغنيها، لدرجة إن فايزة أحمد قالتلى طالما مش قادرة تغنيها بلاش، لكن أصريت".

أصيبت أم البطل بنزيف فى الشرايين أثناء غناء الأغنية فى إحدى الحفلات وتوقفت فترة عن الغناء، ثم عادت من جديد ، وبقيت أغنيتها رمزا لعطاء ومشاعر وصدق أمهات جنودنا الأبطال. خصوصا وأن كل الأغنيات كانت تتغنى للحرب.

وكانت" أم البطل".. الأغنية التي أدتها شريفة فاضل تعبيرا عن الفخر الذي تناله أمهات شهداء الحرب رغم ألم فقدهن لأبنائهن،

ويقول مطلع الاغنية:

ابني حبيبي يا نور عيني .. بيضربوا بيك المثل

كل الحبايب بتهنيني .. طبعا ما انا ام البطل

يا مصر ولدي الحر .. اتربى وشبع من خيرك

اتقوى من عظمه شمسك .. اتعلم على ايد احرارك

اتسلح بايمانه واسمك

شد الرحال .. شق الرمال .. هد الجبال .. عدى المحال

زرع العلم .. طرح الامل .. وبقيت انا .. ام البطل

ابنى حبيبي يا نور عيني .. بيضربوا بيك المثل

كل الحبايب بتهنيني .. طبعا م انا ام البطل

يا مصر ولدي الحر ..

----------------------
بقلم: عادل السنهوري






اعلان