30 - 12 - 2024

تعليق أولي على حوار د. عبد الخالق عبد الله

تعليق أولي على حوار د. عبد الخالق عبد الله

لا أرغب بهذا التعليق إذكاء حالة من الشوفينية، فيما بين مواطني أقطار عربية، فتلك بضاعة النظم المستبدة وليست بضاعة عقول مفكرة، يفترض أن تدخل في نقاش عقلاني حر.. لتوصيف الواقع ولغزل ملامح المستقبل لئلا يعاني فيه أبناؤنا وأحفادنا نتاج الأكاذيب الذي عانيناه.

والدكتور عبدالخالق عبدالله ليس واحدا من غمار الناس في الخليج، حتى نغفر له خفته البادية في الحوار، وإنما كاتب وأستاذ مختص بالسياسة، وحائز شهادة دكتوراه في السياسة المقارنة من جامعة جورج تاون في واشنطن، وماجستير في الفلسفة السياسية من الجامعة الأمريكية في واشنطن، فضلا عن قربه من نظام الحكم في الإمارات، الأمر الذي يتيح الاطلاع على مالا يطلع عليه غيره، على الأقل لتقديم استشارات لأركان الحكم هناك.

كأستاذ للعلوم السياسية يفترض بالدكتور عبد الخالق أن يعرف عناصر قوة الدولة أكثر من غيره، وهي ليست معرفة صعبة المنال، إذ تتاح للمبتدئين في دراسة العلوم السياسية أو ممارستها، فما بالنا بحائز دكتوراة.

تغيرت العناصر التي كانت تقاس بها قوة الدول في الماضي من موقع ومساحة وعدد سكان وقوة عسكرية وموارد اقتصادية، وإن لم تتوارى أهميتها، لكنها باتت أعقد وأوسع من ذلك بكثير، فأضيفت لها تأثيرات العولمة التي عززت من تآكل مجال السيادة الدولة الوطنية، لصالح دول كبرى مهيمنة على وسائل العولمة (تكنولوجية ومالية وعلمية) ومساراتها التي خلقت علاقات قوة جديدة، وهناك عناصر مستجدة، منها وسائل الاعلام والاتصال الحديثة (حيث أصبح الإعلام عنصراً هاماً من عناصر تقييم القوة الشاملة للدولة، فالدولة التي تمتلك ناصية الاعلام أقوى من غيرها)، هناك أيضا الموارد البشرية والطاقات الانسانية المدربة والمؤهلة والقادرة على التجاوب مع معطيات العصر، والإدارة الرشيدة التي تلعب دورا مهما في تحديد قوة الدول وتعزيز مكانتها، ومفهوم الحكم الرشيد (الصالح) لا يتحقق إلا بحكم القانون والشفافية والإنصاف والفعالية والمساءلة، ولكي يتحقق لابد من حاكمية القانون وسيادة المؤسَّسات الدستورية، وضمان العدالة والمساواة والتكافؤ بين كافة الرعايا  وكذلك فاعلية المجتمع المدني وحركية مؤسساته الإقتصادية والإعلامية والثقافية والفنية والأدبية، يضاف إلى ذلك كله العامل الاقتصادي والعامل التكنولوجي.

وإذا أخذنا كل هذه العوامل وطبقناها بموضوعية ومهنية، نجد أننا بإزاء توافر عامل واحد في بلدان الخليج هو القوة الاقتصادية، وما عداها هناك حالة انكشاف في كل شيء، فهذه الدول غير قادرة فعليا على حماية نفسها عسكريا، وتلجأ لتعويض ذلك إلى دفع إتاوات للإدارة الأمريكية، سواء في صورة شراء أسلحة لاتجد كفاءات عسكرية تستطيع التعامل معها، أو استضافة قواعد (تتحمل الدول تكاليفها) أو دفع تكاليف حروب (كما حدث في تحرير الكويت ثم غزو العراق ثم مكافحة داعش).

كما أن آليات سيادة القانون والتمثيل النيابي والشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص شبه غائبة تماما، والتركيبة السكانية لأغلب الدول - باستثناء السعودية – تمثل مدعاة لقلق كبير، وكيف لا؟ وكثير منها يتجاوز الوافدون فيها (80% من السكان)، ليته يتحدث عن تمثيل الـ20% الباقية، هل هناك مجالس نيابية منتخبة – باستثناء الكويت – هل هناك أحزاب سياسية أو منظمات مجتمع مدني أو إعلام حر ، أو أي مظهر من المظاهر الحديثة أو حتى القديمة التي تضمن الشفافية والمساءلة والمحاسبة، هل هناك مؤسسات دولة أو فصل بين السلطات أو أي إشارات إلى إمكانية تداول السلطة – ولو بعد 50 عاما -؟ بالقطع أي من هذا ليس موجودا في دول محكومة بالتوارث حفيدا عن أب عن جد.

ثم أين هي القوى الناعمة التي مكنت الإمارات من أن تكون ضمن أهم 30 قوة ناعمة.. هل هناك صناعة سينما أو مسرح أو إنتاج ثقافي مبهر أو إنتاج فكري يجدر التوقف عنده ويمثل علامة إنسانية مضيئة؟ وهل إعادة تغليف البضائع الصينية والهندية أو استيرادها مفككة لتركيبها يمثل نهضة صناعية، او الاتفاق على إعادة بث محتوى قنوات يمثل نهضة إعلامية؟

لن أحدثك عن مصر وعناصر قوتها – البادية حتى للعميان – لكن سأقول لك أن القاهرة تظل رغم كل ما تعانيه من عناء اقتصادي وسوء إدارة وإهمال "مدينة للأحلام" ففي كل حارة تاريخ، ويظل الخزان البشري المصري العبقري، يصدر للعالم عقولا علمية فذة، ومبدعين وكفاءات تفتخر بها الإنسانية.

يكفي أن تعرف أن عدد العقول المصرية المهاجرة والتي تثري العالم وتدهشه بابداعها واكتشافاتها العلمية أكثر عددا من المواطنين الحقيقيين لبعض دول الخليج، ولولا قام على رعايتك طفلا أساتذة مصريون - وربما ساعدوك أيضا في رسائلك العلمية - ما أصبحت عبدالخالق عبدالله الذي نعرفه .. ولا يعرف فضلنا.
---------------------------
بقلم: مجدي شندي

حوار صادم مع د.عبد الخالق عبد الله: هذه "لحظة الخليج".. والقرار العربي"يصنع هنا"

 عبدالغني عجاج يكتب: د.عبدالخالق عبدالله .. وماذا لو لديكم أمثال هؤلاء؟؟

مقالات اخرى للكاتب

أيام تشبه بعضها | وجع لبنان