22 - 06 - 2024

مبارك بعيون عمرو موسى: أحرج أربكان وقال مفيش فايدة في البشير ووصف رئيس وزراء إسرائيل بـ "نتن ياااااهو"

مبارك بعيون عمرو موسى: أحرج أربكان وقال مفيش فايدة في البشير ووصف رئيس وزراء إسرائيل بـ

كانت أسعد لحظات حياته الرسمية حين أخطرته أمريكا بإلغاء جزء من ديون مصر العسكرية
طالبه رئيس الوزراء التركى بالإفراج عن الإخوان.. فرد عليه بحدة شديدة: «انتوا مالكم؟ احنا مش عايزينهم خدوهم».
قال لى: مفيش فايدة فى نظام البشير.. وكان يردد دائما أن «القذافى بخيل»
«كفاية كدة» كانت عبارته للوزراء عن «فساد أولادهم».. وكان يردد أن ولده جمال أصبح «ثريا من عمله»
لم تراوده أحلام الزعامة.. وكانت كلمته الأثيرة: «نتفرج» على ما يحدث
مبارك كان زعيما مهادنا وربما انسحابيا فى بعض المسائل ومثالا للموظف المصرى الكبير
وضع أمنه الشخصي «فوق كل اعتبار» لا سيما فى التسعينيات التي عرفت فيها مصر موجة من الإرهاب
فرح كطفل حين أتيح له التسوق منفردا فى الولايات المتحدة.. وكان يقول على رئيس الوزراء الإسرائيلى: ده «نتن ياااااهو»


بفصل يحمل اسم الرئيس الراحل حسنى مبارك (1928 ــ 2020)، وفى أكثر من موضع على امتداد صفحات الجزء الأول من مذكراته، سجل الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى، شهادته ورؤيته وانطباعاته عن أطول رؤساء الجمهورية حكما (1981ــ 2011).

فى السطور التالية، نستعرض لمحات من المذكرات الصادرة عن دار «الشروق» فى أربع طبعات (2017 ــ 2019)، من تحرير وتوثيق الكاتب الصحفى خالد أبو بكر، تحت عنوان: «كتابيه.. الكتاب الأول: النشأة وسنوات الدبلوماسية»، للرجل الذى شغل منصب وزير الخارجية المصرى لعشر سنوات (1991 ــ 2001).

فى قراءته للرئيس الراحل يقرر عمرو موسى، أن الرجل كان «دكتاتورا» مثل سلفيه جمال عبدالناصر وأنور السادات، «ابتعد بالبلاد عن الديمقراطية، وتعامل مع مصر بقبضة قوية أدت إلى الكثير من الأخطاء فى الحكم ما أدى إلى غضب قطاعات واسعة من الشعب».

«حسنى مبارك كان متواضعا فى طموحاته، ليس مستعدا لأن يدخل فى أى مغامرة عسكرية ضد إسرائيل، ولم يكن مستعدا للمزايدة على العرب، وبالذات المملكة العربية السعودية أو على الوسط الخليجى كله. ومنذ أول أيامه وهو يجنح للسلم، ومنطقه فى ذلك يمكن فهمه؛ فالأرض قد استردت، وما بقى منها يمكن استكمال استرداده بالعلاقة الطيبة مع الغرب وكذلك مع إسرائيل».

ماذا كانت مشكلة مبارك إذن؟ يجيب موسى: «كانت مشكلته داخلية. التنمية المتوقفة، والاقتصاد المعطل، وإفلاس الخزانة المصرية، كان يشعر بخطورة هذا الوضع على استقرار مصر وربما على نظام 23 يوليو الذى ورثه. كانت أسعد لحظات حياته الرسمية حين أخطره الرئيس الأمريكى جورج بوش (الأب) بإلغاء جزء من ديون مصر العسكرية التى انخفضت بمقدار 7 بلايين (مليارات) دولار إثر دور مصر فى تحرير الكويت سنة 1991م. كان الرئيس سعيدا وذكر لى ــ ولآخرين ــ أنه ظل يضع خطاب الإعفاء فى جيبه لعدة أيام، يخرجه كل حين ليقرأه من جديد ليتأكد من أن هذه البلايين من الدولارات قد زالت عن كاهل مصر وعن كاهله».

متواضع جدا
فى سنواته الأولى لرئاسة الجمهورية كان متواضعا جدا، ولا يعتبر مسألة أنه أصبح رئيسا للجمهورية تستدعى أن يتكبر على الناس، وينسى أصدقاءه. كان يحرص على ألا يتسبب منصبه فى الحد من حريته ومن كلامه، فكنت تراه حريصا على استقبال أصدقائه ومحبيه من سلاح الطيران أو من القوات المسلحة بشكل عام، أو من بعض الشخصيات المدنية التى كانت قريبة منه.

كان مبارك شخصية أنيقة، بمعنى أنه كان لديه ذوق فى الملبس. يعرف كيف يختار ملابسه؛ فتراه يرتدى أفضل «البدل» التى ليس بالضرورة أن تكون «ماركات» عالمية. وكذلك عندما تزوره فى بيته، تجده مرتبا ومنظما وأنيقا، وإن كان البيت وحسن ترتيبه يحسبان للزوجة أو المرأة سيدة هذا البيت.

لا يحب الزعامة
أستطيع أن أجزم بأن أحلام الزعامة التى راودت سابقيه كما راودت رؤساء عربا مثل صدام حسين والقذافى وغيرهما لم تراود مبارك؛ لأنه قماشة أخرى كان يعتبر «كل ده عك» بمعنى كلام لن ينتهى على خير، وفضل النأى بنفسه وبمصر عن ذلك، وكانت كلمته الأثيرة «نتفرج» على ما يحدث، فالقذافى أراد تزعم إفريقيا وأفسح له مبارك المجال. لم يكن مبارك مستعدا أن يتحدى سوريا فى لبنان، كان ذلك خارج حساباته تماما. والأمور فى فلسطين استقرت على تفاهمات على خطوط معينة مع ياسر عرفات وكان يعرف ما يريده الأمريكيون. مبارك كان زعيما مهادنا وربما انسحابيا فى بعض المسائل، وهو غير ما كنت أراه؛ حيث إن المسألة لم تكن فقط «عكا» بل هناك شق سياسى يجب متابعته بل كان على مصر مواجهة هذا «العك» وضبط الأمور وهو ما نجحت فيه مصر كثيرا برغم ذلك.

القذافى كان يرى أنه خليفة جمال عبدالناصر فى زعامة الأمة وليس حسنى مبارك، بل كان يرى أن مبارك يوافق على زعامته للأمة خلفا لعبدالناصر. الحقيقة أن مبارك كان «مكبر دماغه» كما نقول فى مصر، ولا يعير كلام العقيد وتطلعاته اهتماما كبيرا وإنما كان هدفه أن «يكفى شره» ويحقق بعض الفوائد الاقتصادية على مستوى الدولة ومستوى تشغيل العمال والمهنيين المصريين فى ليبيا، وإن كان دائما يقول إن «القذافى بخيل».

الفساد المستشرى
ولم يفت موسى أن يتحدث عن موقف مبارك من «الفساد المستشرى»؛ حيث كتب يقول: الواقع أن حسنى مبارك كان رجلا وطنيا، ومصريا «حدق»، ومنوفيا بكل معنى الكلمة. لم يكن من السهل خداعه، وبالطبع كان يعلم بحجم الفساد المستشرى، وأعتقد أنه كان يحاول تحجيم هذا الفساد، خاصة على مستوى الوزراء وذويهم، وكم من مرة تحدث مع هذا الوزير أو ذاك عن فساد أولادهم (وكفاية كده) كما كان يقول لهم.

ويخبرنا أحد أبرز وزراء الخارجية فى تاريخ مصر، أن مبارك كان يردد (عن ولديه) أن: جمال رجل بنوك كفء، وأنه أصبح ثريا من عمله، وأما علاء (الأكثر تواضعا) فيعمل فى مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة التى كان بعضها زراعيا، وذلك فى مواجهة التساؤل عن ولديه الذى كان مطروحا بشدة، وفق المذكرات التى بين أيدينا.

«شخصية لطيفة محببة، له قفشاته الطريفة، وكان إذا جد الجد ذا صوت مرتفع يخشاه كل من حوله. كان ذا قبضة قوية على رأس النظام حتى العقد الثالث من حكمه، الذى ضعفت خلاله تلك القبضة بشكل لافت. كان صفوت الشريف يردد فى تلك الآونة: الراجل عجز واللا إيه؟، حيث لا يجد استجابة لبعض ما كان يشير به فى مجال الإعلام أو مجالات السياسات الداخلية».

«منوفى حقيقى»
كان الرئيس يناقش الأمور ويستمع ليقرر بعد ذلك ما يرى بعد «وزن» الحجج والآراء المختلفة، ولكنه كان «منوفيا» حقيقيا، فكان يستمع لآراء خبراء (فى الظل) فى جلسات خاصة قبل أن يجتمع بفريقه فى جلسات رسمية وإن كانت مغلقة؛ فيأتى عالما بالعديد من أركان القضية المطروحة وبمختلف الآراء فيها، يضيف موسى فى معرض حديثه عن شخصية مبارك وأسلوبه فى العمل.

ويواصل صاحب المذكرات حديثه عن مبارك: كان يتمتع بتوازن مبسط للأمور: أمن الرئيس و«برستيجه» وأمن الدولة داخليا، والتواصل مع الناس وأن يظهر لهم على سجيته، والقبضة الحديدية بالنسبة إلى المعارضة مع إعطائها مساحة تتسع قليلا أو تتقلص حسب الظروف والمعطيات والاحتياج، وغض الطرف عن بعض الفساد بين كبار مؤيديه وأركان نظامه وعائلاتهم. هذه هى المعادلة. ولكنه لم يكن يتردد فى أن يلفت نظر كبار المسئولين فى نظامه إذا تعدوا خطا أو حدودا معينة فى استغلال النفوذ هم أو أولادهم أو أنسباؤهم.

استثناء
لم ينطبق ذلك مع الأسف على أسرته وأنسبائه، ولكن والحق يقال إنهم توغلوا بعد اكتشافهم بداية ضعفه شخصيا ووهنه رئيسا، أى فى السنوات العشر الأخيرة. لقد كانوا قبل ذلك يخشونه. ومن جانبه كانت القاعدة الموروثة «سيف المعز وذهبه» مطبقة بنسبة لا بأس بها فى العقدين الأولين من حكمه، أما فى العقد الثالث فبقى ذهب المعز من دون سيفه.

موظف كبير
«كان مثالا للموظف المصرى الكبير». دخلت مرة مكتبه الداخلى الواقع فى الدور الأرضى فى خلفية منزله، فوجدت أكواما من التقارير التى تصدر عن أجهزة الدولة وترسل إليه بوصفه رئيسا للجمهورية فى شكل كتب أو ملفات صغيرة الحجم، وهذا ما يفسر قولى إنه كان «موظفا كبيرا»، يقتنع بأنه يجب أن يحتفظ بهذه التقارير، التى ربما يحتاج أن يعود إليها فى يوم ما، إذا ما استدعت الضرورة، وهو ما لا أعتقد أنه تم أبدا، أو كنت تشعر أنه ينظر إليها باعتبارها «عهدة»، لا يجب أن يتم التخلص منها إلا بإجراءات معينة!

نوادر مع الرئيس
وتحت عنوان فرعى «نوادر مع الرئيس»، روى وزير الخارجية الأسبق ذلك الموقف: كنا فى زيارة للولايات المتحدة، وفوجئت به يقول لى: «هتعمل إيه يوم الأحد؟».
ــ قلت له: هلف فى المحلات من الصبح.
ــ قال: خلاص هطلع شوبينج معاك.
قلت: حاضر. وحددنا موعدا للانطلاق إلى التسوق. طلبت تخفيف الموكب نسبيا لأننا سنذهب إلى منطقة تجارية، أول محل دخلناه كان اسمه «جيمز» فى مول اسمه «تايسونس كورنر».

قلت له: يا سيادة الرئيس: هذا المحل فيه أحذية وجوارب وكرافتات وبدل ممتازة، فدخلنا، ولم يسمح لأى من المرافقين والحراس بالدخول معنا. قلع جاكته وحذاءه وبدأ يتجول فى المحل مستمتعا بتلك الحرية المؤقتة، وراح يقيس فى الأحذية ويقلب فى القمصان، لمحت فى عينه فرحة كبيرة جدا مثل فرحة الطفل عندما يشترى ملابس جديدة؛ لأن الرجل كان محروما من متعة التسوق بنفسه.

صاحب المحل كان «يشبه» على مبارك، وكأنه يقول: «شفت الراجل ده فين قبل كده؟»، أرحته من عناء التفكير، وقلت له: هذا هو الرئيس حسنى مبارك، رئيس جمهورية مصر، ولا بد أن تعمل خصما لهذا الزائر الكبير لمحلك. وبالفعل أعطانا الرجل خصما وصل إلى نحو 40 %. اشترى الرئيس بدلتين، وعددا من القمصان والجوارب وربطات العنق وحذاءين، وأنا اشتريت مثلهم تقريبا. وبعد أن خرجنا عدنا إلى المحل للحصول على أربطة مجانية للأحذية طبقا لاقتراحى.

وختم موسى حديثه عن الرئيس الراحل بالقول: مبارك من الناحية الإنسانية كان شخصية ظريفة جدا، وله قفشات كثيرة منها، أنه كان يقول على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو: «ده نتن ياااااهو»، وأى مسئولة نحيفة كان يقول عليها: «دى بوصة ولبسوها بقت عروسة». كان يحب الأكل جدا، وعندما نذهب للمائدة يقول: «إنتم عارفين ما بحبش آكل» وبرغم ذلك «يأكل بشهية مفتوحة جدا»، وبعد الأكل نضحك ونقول له: «يا سيادة الرئيس: إنت ليه خففت فى الأكل النهارده؟».

محاولة اغتيال مبارك
ولم تخل المذكرات من تسجيل رواية عمرو موسى عن محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا؛ حيث تحدث عنها قائلا: كان اغتيال الرئيس أنور السادات منطلقا لتقرير الأمن بوصفه سياسة قبل أن يكون ممارسة وإجراءات، ولا شك أن مبارك فى هذه الظروف لم تغب عنه التهديدات المحتملة لشخصه وبدأ وربما بناء على نصيحة من حوله يضع أمنه الشخصى فوق كل اعتبار، لاسيما فى التسعينيات التى عرفت فيها مصر موجة من الإرهاب.

ويمضى مفصلا ما جرى: من ضمن القمم (الإفريقية) التى جاء الدور على مبارك لحضورها، تلك القمة التى انعقدت فى العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا» يوم 25 يونيو سنة 1995م. تقرر أن يصل إلى القمة فى نفس يوم انعقادها، على أن يغادر فى نفس اليوم أيضا، سافرت بصفتى وزيرا للخارجية لحضور الاجتماعات التحضيرية للقمة قبل وصوله بعدة أيام.

ولضيق المساحة، نقفز مباشرة إلى ذلك المشهد الذى رسمته المذكرات: تحرك الموكب من المطار إلى مقر انعقاد القمة. كانت سيارة للحرس فى مقدمة الموكب، ثم سيارة الرئيس (التى حرص مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان على اصطحابها مصفحة من القاهرة)، وخلفها سيارتى التى خصصتها لى السلطات الإثيوبية، وكانت سيارة «مرسيدس» ذات صالون كبير، وخصصت المخابرات الإثيوبية سيارة للواء سليمان وكانت خلف سيارتى بحكم البروتوكول، وباقى الوفد المصرى استقلوا أتوبيسات عادية، وهو ما تسبب فى امتعاضهم!.

بعد نحو كيلومتر واحد من المطار، وبينما نحن منهمكون فى الحديث وإذ فجأة عند منعطف فى الطريق سمعنا صوت إطلاق رصاص. توقف الموكب، ووجدت أسامة الباز فى حالة ذهول يبدو أنها شلت فكره، والدكتور عطية (الدكتور محمد عطية، الطبيب الخاص للرئيس) ظل يسأل: «هى إيه الحكاية بالظبط؟»، حتى بعد أن وضح أن هناك اشتباكا بالأسلحة النارية حول الموكب!.

قرر مبارك العودة إلى القاهرة، على أن يعود معه الوفد بالكامل تعبيرا عن الاحتجاج على محاولة اغتياله. أمر زكريا عزمى بتجهيز الطائرة، فسكتت ولم أعلق. بعد صعودنا إلى الطائرة قلت له: يا سيادة الرئيس، برغم فداحة ما حدث، لا يصح أن نترك الساحة خالية، لا بد من أن نكون فى المؤتمر، ونشرح للقادة حقيقة ما حدث. قلت له ذلك وبينما كانت الطائرة تتحرك ببطء على المدرج. بعد تردد قال: إذن فلتبق يا عمرو، ولكن يبقى معك عمر سليمان لمتابعة ما حدث.

بالفعل نزلنا ــ سليمان وأنا ــ من الطائرة وهى على المدرج. لدى عودتنا لمبنى المطار وجدنا رئيس الوزراء الإثيوبى ــ وقتها ــ مليس زيناوى ما زال موجودا. قلت له: سأبقى أنا واللواء سليمان فى أديس أبابا، وبينما ذهبت أنا لحضور فاعليات القمة، جلس سليمان وزيناوى معا ومعهما رجال أمن إثيوبيون، ثم لحقنى زيناوى لمقر انعقاد القمة.

عندما حل مساء ذلك اليوم كانت الصورة قد اتضحت أمام رئيس المخابرات المصرية، التقينا معا على العشاء ثنائيا بعد انتهاء فاعليات القمة واللقاءات التى عقدها مع المسئولين الإثيوبيين. قال لى اللواء سليمان: محاولة اغتيال الرئيس وراءها سودانيون، وأن «على نافع» مدير جهاز الأمن والاستخبارات السودانى متورط شخصيا فيها، وأن من نفذ محاولة الاغتيال مجموعة تنتمى إلى الجماعة الإسلامية المصرية، قدمت من الخرطوم لتنفيذ عملية الاغتيال بتنسيق ودعم من أجهزة المخابرات السودانية.
مفيش فايدة
وفى موقف كاشف عن علاقة مبارك بنظام عمر البشير فى السودان، روى عمرو موسى ذلك الموقف حين كان وزيرا للخارجية: ذات مرة قابلت وزير خارجية السودان ودعوته لفنجان قهوة فى مكتبى، ولم يكن هذا من شأنه فى أى وضع طبيعى أن يغضب أحدا. ولكنى علمت أن البعض فى مستويات تستطيع التحدث مع الرئيس لم يكن مرتاحا لذلك، إلا أن التوافق بين الخارجية والمخابرات أفقد هذه المحاولات فعاليتها. قلت للرئيس مبارك: التقيت فلانا وتحدثنا فى كذا وكذا، فقال لى: «مافيش فايدة فى نظام البشير».
مبارك وأربكان والإخوان
بالفصل الثانى عشر من القسم الثانى من مذكرات عمرو موسى، نقرأ عن لقاء الرئيس الراحل حسنى مبارك برئيس وزراء تركيا الأسبق نجم الدين أربكان، فى النصف الثانى من عام 1996.
ويوضح صاحب المذكرات أنه فى تلك الفترة «بدأ ظهور الإسلام السياسى بقوة على المسرح التركى؛ ليؤكد أن التقاليد العلمانية الصارمة التى وضع أساسها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، تخبئ جذورا محافظة شديدة العمق تحت السطح التركى. وتأكد ذلك بفوز حزب «الرفاه» الإسلامى بزعامة نجم الدين أربكان فى الانتخابات البرلمانية التى أجريت فى 24 ديسمبر 1995م؛ حيث احتل الحزب المركز الأول بحصوله على ١٥٨ مقعدا (من أصل ٥٥٠ بالبرلمان)، وهو ما أهله فى يونيو ١٩٩٦م لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب«الطريق القويم» بزعامة «تانسو تشيلر»، لتصبح حكومة أربكان أول حكومة يترأسها سياسى ذو مرجعية سياسية إسلامية صريحة فى تركيا العلمانية منذ عام ١٩٢٤م».
ماذا جرى فى اللقاء بين مبارك وأربكان؟ يجيب موسى: كانت زيارة مشحونة لاعتراضنا على التعاون العسكرى التركى ــ الإسرائيلى؛ ولذلك حرصنا على ألا تطول عن يوم واحد. كان برنامج هذه الزيارة لا يتضمن لقاء مع رئيس الحكومة أربكان. لكن الأخير طلب لقاء الرئيس مبارك للترحيب به، والتعرف عليه باعتباره الرئيس الجديد للحكومة التركية، فوافق الرئيس، وتم اللقاء بحضورى والسفير المصرى فى أنقرة ومترجم.
بعد عبارات الترحيب، قال أربكان لمبارك: يا سيادة الرئيس أنا لى عندك طلب.
رد مبارك: تفضل يا دولة الرئيس.
قال: أرجوك أن تخرج قيادات الإخوان المسلمين فى مصر من السجون.
اعتدل مبارك فى جلسته. وقال له: ماذا؟
قال أربكان: أرجوك أن تفرج عن قيادات الإخوان المسلمين.
باغته مبارك برد شديد الحدة: وانتوا مالكم؟ إنتم عايزينهم هنا؟ إحنا مش عايزينهم. خدوهم!
صدم أربكان من الرد القاسى. استمر مبارك فى حديثه قائلا: هذه الموضوعات التى تمس شئوننا الداخلية لا تفتحها معى مرة أخرى. أنا لست مستعدا أن أتقبل هذا الأمر منك أو من غيرك.
ثم أعرض مبارك فى جلسته عن أربكان، بأن استدار، فأصبح جانبه هو المواجه لرئيس الوزراء التركى الذى استشعر الحرج، فسلم علينا وغادر المكان.

-------------------------------
تقرير- إسماعيل الأشول (نقلا عن الشروق)






اعلان