16 - 08 - 2024

وزارة المالية تصدر أذون خزانة.. هل مصر في حاجة إلي قرض جديد من صندوق النقد الدولي؟!

وزارة المالية تصدر أذون خزانة.. هل مصر في حاجة إلي قرض جديد من صندوق النقد الدولي؟!

تلجأ مصر دائما إلي إصدار أذون خزانة أو سندات دولية للحصول علي أموال من الداخل والخارج، فلا يمر أسبوع دون أن تعقد وزارة المالية أو البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية جلسات لطرح أذون الخزانة، حيث قامت وزارة المالية مؤخرا بطرح  أذون خزانة بقيمة إجمالية بلغت 20.5 مليار جنيه. واوضحت الوزارة عبر موقعها الإلكتروني بتاريخ 5-3-2020م ، أنه تم طرح أذون خزانة أجل 182 يوما بقيمة 10 مليارات جنيه بمتوسط عائد 14.321%، فيما بلغ أعلى عائد 14.351%، وسجل أقل عائد 13.749%. ، وايضاً تم طرح أذون خزانة أجل 357 يوما بقيمة 10.5 مليار جنيه بمتوسط عائد 14.016%، في حين سجل أعلى عائد 14.03%، وأقل عائد 13.75%.، علي الرغم من قيام الدولة المصرية باللجوء الي الاقتراض من صندوق النقد  الدولي ، وقيام الحكومة المصرية بأجراء اصلاحات اقتصادية هامة لتحسين وضع الاقتصاد المصري، وتم منح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار علي فترات بشرائح متتالية كان اخرها  الشريحة الاخيرة بحلول شهر يوليو من منتصف عام 2019م 

بداية اذون الخزانة للدولة المصرية

قامت الحكومة في أوائل عام 1991م باتخاذ عدة إجراءات في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي، ومن بين هذه الإجراءات إصدار أذون الخزانة لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة، والذي يرجع في بعض الحالات إلى عدم التوافق الزمني بين الإيرادات العامة والنفقات العامة خلال السنة المالية. ويقوم البنك المركزي المصري نيابة عن وزارة المالية بطرح أذون الخزانة العامة ويسمح بالاكتتاب فيها لكافة الأشخاص الطبيعية والاعتبارية، وذلك بديلا عن التمويل التضخمي من البنك المركزي، ويتم طرح الأذون مرتين أسبوعيا في مزاد تتحدد من خلاله قيمتها السوقية.

وتصدر أذون الخزانة بناء على نص المادة الثامنة (فقرة د) من قانون ربط الموازنة العامة للدولة رقم 120 لسنة 1991 والتي تنص على الآتي:- (لوزير المالية إصدار أذون أو سندات على الخزانة العامة وفقا للشروط والأوضاع التي يتفق عليها مع البنك المركزي المصري لمواجهة عدة أمور، ومنها متطلبات الإصلاح المالي). وأذون الخزانة وعوائدها، وكذلك قيمة استردادها أو استحقاقها معفاة من كافة أنواع الضرائب والرسوم فيما عدا ضريبة الأيلولة.

 أسباب إصدار أذون الخزانة:

تلجأ أغلب حكومات العالم إلى إصدار أذون الخزانة التمويل احتياجاتها السنوية لمواجهة النفقات العامة، حيث أن الموارد العامة لا تتحقق حصيلتها المقدرة إلا بعد انقضاء سنة مالية كاملة، وخلال هذه الفترة قد تعجز هذه الموارد عن تلبية الاحتياجات الفعلية للإنفاق العام،  لذلك هي أداة من أدوات الاقتراض الحكومي والاستدانة قصيرة الأجل، تطرحها الحكومة لآجال حدها الأدنى 3 أشهر والأقصى 12 شهرا، تشبه بدرجة كبيرة شهادات الاستثمار مع فارق أن عائدها أكبر ومخاطرها أقل على الجانبين، يستطيع الاستثمار فيها البنوك والشركات المالية الكبرى الحكومية منها والخاصة. ولذلك فأذون الخزانة العامة سوق عالمية معروفة وتقومها بيوت الخبرة على أنها استثمارات من الدرجة الأولي.

وتتلخص أهم الأسباب التي تقف وراء استخدام أذون الخزانة العامة في الآتي:

- تمويل عجز الموازنة العامة للدولة من مصادر حقيقية بدلا من الاعتماد على الإصدار النقدي، فهي تعمل على الحد من التضخم، وجذب جزء من المدخرات كما تعمل على تقييد الائتمان عن طريق رفع سعر الفائدة ثم تمول عجز الموازنة بمدخرات حقيقية بدلا من تغطيتها بطبع البنكنوت، يصنفها المحللون الاقتصاديون على أنها أداة استدانة منخفضة المخاطر، وتعد العصا السحرية لسد عجز الموازنة ومواجهة ارتفاع التضخم، والقضاء على سرطان الإتجار في العملات الأجنبية.

و لاجل تحسين الاقتصاد المصري وفق الرؤية الكاملة والشاملة للحكومة قامت الدولة بتقديم طلب لصندوق النقد من أجل معالجة التحديات طويلة الأمد في الاقتصاد المصري. وتتضمن هذه التحديات: مشكلة في ميزان المدفوعات تتمثل في سعر الصرف المبالغ في تقييمه، ونقص العملة الأجنبية؛ وعجز الموازنة العامة الكبير الذي أدى إلى تصاعد الدين العام؛ والنمو المنخفض المصحوب ببطالة مرتفعة. 

وتدرك السلطات أنه من الضروري الالتزام الصارم بحزمة السياسات وفق البرنامج الاقتصادي من أجل استعادة ثقة المستثمرين، وتخفيض العجز إلى خانة الآحاد، وإعادة بناء الاحتياطيات الدولية، وتعزيز الموارد العامة، وتشجيع النمو بقيادة القطاع الخاص.  وهو مايسمي بـ"تسهيل الصندوق الممدد" الذي تم الاتفاق عليه بين الحكومة والصندوق.



 وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي  في نوفمبر 2016 م، على منح مصر قرضا قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، بعد ان أعدت السلطات المصرية برنامجا اقتصاديا وطنيا سيدعمه الصندوق من خلال اتفاق للاستفادة من "تسهيل الصندوق الممدد" (
EFF) بقيمة 8,59 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، أو حوالي 12 مليار دولار أمريكي. 

وكان المجلس قد وافق على المراجعة الأولى في 13 يوليو 2017 والمراجعة الثانية في 20 ديسمبر 2017 والمراجعة الثالثة في 29 يونيو 2018 والمراجعة الرابعة في 4 فبراير 2019 والمراجعة الخامسة والأخيرة في 24 يوليو 2019.

ومن المقرر أن تبدأ الحكومة في سداد قرض صندوق النقد الدولي في منتصف عام 2020، على دفعات تبلغ من 250 إلى 300 مليون دولار كل ستة أشهر لمدة 5 سنوات ونصف السنة.

واوضح الدكتور عبد المنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية في تصريح سابق حين وجه اليه سؤال، هل مصر في حاجة الي قرض اخر جديد ؟ قال: "إن فكرة  لجوء الحكومة المصرية إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي مرة أخرى رغم القيود والاشتراطات التي يفرضها الصندوق على مصر، مردها أن الدولة تتحصل على التمويل من صندوق النقد بفائدة لا تتعدى الـ3% وهو ما يمثل مصدرا سهلا للحصول على التمويل.

ويري أيضا "إن مصر بالطبع في حاجة للحصول على تمويل جديد والدليل على ذلك أنها مازالت تصدر أذون خزانة وسندات دولية ومحلية للحصول على أموال من الداخل والخارج، والتي لن تكون كافية لتمويل وسد العجز المتفاقم في ظل عدم استقرار المؤشرات الاقتصادية، الامر الذي يدفعها مرة اخري للحصول علي قرض جديد" ويضيف  أنه من الممكن ألا تلجأ مصر للتمويل الخارجي من خلال استغلال البدائل الاقتصادية الأخرى ومن بينها تعظيم إيرادات السياحة، وزيادة حجم الصادرات وهذا مما ننصح به.

ويؤكد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية أن الخشية من الحصول على قرض جديد ليست من التمويل في حد ذاته ولكن في كيفية استغلال الحكومة لهذه الأموال، حيث هناك تخوفات من استخدام التمويل في سد عجز الموازنة و ليس في عمل مشروعات جديدة تدر ربحا على الدولة.

واضافت الدكتورة علياء المهدي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة "أن حجم الدين العام في مصر بنهاية 2019م ، أصبح كبيرا حيث وصلت نسبته إلى 90.5% من إجمالي الناتج المحلي ولكن مصر قادرة على السداد، كما ترى "أن "مصر لا تحتاج إلى تمويل جديد من الصندوق وإنما تحتاج مصر إلى برنامج إعادة هيكلة اقتصادية داخلي دون الحاجة إلى تمويل".

وتابعت، إن مصر من الممكن أن تستعين بالبنك الدولي فنيا فقط، مع إيلاء أهمية كبرى لخلق فرص العمل وتقليل معدلات الفقر التي وصلت بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء إلى نسبة 32.5% وهي نسبة غير مسبوقة.

وكان البنك الدولي قد أعلن أن الدين الخارجي لمصر ارتفع خلال الربع الأول من العام الماضي بنسبة 20.4% على أساس سنوي. وصولا إلى أكثر من 106 مليار دولار بنهاية مارس  2019م، مقابل ما يزيد على 88 مليار دولار في نفس الفترة من عام 2018م ، بارتفاع بلغ حوالى 18 مليار دولار.

ولتعزيز الاستقرار المالي، كشف جمال نجم، نائب محافظ البنك المركزي، الجمعة الماضية، عن اعتزام البنك إصدار نقود بلاستيكية فئة 10 جنيهات، من مادة البوليمار وهى المادة للخام لصناعة العملة، مع بدء تشغيل مطبعة المركزي الجديدة في العاصمة الادارية الجديدة، الأمر الذي يعد إيجابيا لحركة النقد بالأسواق، وتحسين مستوى الأوراق التي تتداول بشكل كبير، وفي القضاء تدريجيا على الاقتصاد الموازي، وذلك ما يهدف اليه في الاساس برنامج صندوق النقد الدولي من تحسين كفاءة سوق النقد.

وفي سياق متصل، قال وزير المالية محمد معيط في أكتوبر الماضي" إن وزارته بدأت محادثات "غير رسمية" مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة تمويلية جديدة، وتأمل في التوصل لاتفاق نهاية مارس 2020م. وفقاً لحوار أجراه مع مجلة يورومني. علي الرغم من أنه في فبراير 2019م ، كان  قد صرح أن الحكومة لن تطلب تمويلا إضافيا من صندوق النقد الدولي بعد انتهاء برنامج القرض الحالي البالغ 12 مليار دولار في العام الجاري، ولكن ستبقى منفتحة على الحفاظ على علاقات أكثر مرونة مع الصندوق متعدد الأطراف لطمأنة المستثمرين.

فيما أعلن صندوق النقد الدولي، بنهاية عام 2019م "أن مصر ستجري مشاورات جديدة معه وفقاً للمادة الرابعة في يناير 2020 وما كشفته عنه وثائق المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته الحكومة المصرية.

جدير بالذكر ان الحكومة المصرية، أنهت برنامجا للإصلاح الاقتصادي بالاشتراك مع  الصندوق، استمر لمدة 3 سنوات، منذ نوفمبر 2016م وحتي يوليو 2019م، حصلت بموجبه على قرض الـ 12 مليار دولار. وتحتل مصر المركز الثاني كأكبر دول العالم استدانة من الصندوق بقيمة 11.8 مليارات دولار، أو 11.4% من إجمالي الديون المقدمة من الصندوق. 

وتواجه مصر جدول سداد مثقل بالديون، يتضمن تسديد نحو 14.5 مليار دولار، خلال النصف الثاني من العام الجاري، منها فوائد بقيمة 1.8 مليارات، و1.48 مليار للدول الأعضاء في "نادي باريس"، إلى جانب ودائع سعودية بقيمة 6 مليارات دولار، ووديعة كويتية بقيمة تناهز ملياري دولار. 

ويطالب "صندوق النقد" الحكومة المصرية، بتسريع برنامج طرح شركات حكومية في البورصة، ورفع الدعم نهائيا عن المحروقات. بالاضافة الي أن برنامج الإصلاح تسبب في زيادة الأعباء على المواطن المصري، وزاد من نسب الفقر والبطالة، وتردي الأحوال المعيشية في البلاد، وفق تقارير محلية ودولية متواترة.
-----------------------------
تقرير - طه حافظ