سؤال مهم نطرحه متسلحين بالدهشة بعد صرعة التطبيع الاخيرة التي ارتكبتها وفاقا او نفاقًا او كرهًا دول غير معنية تاريخيا بالصراع مع الكيان الصهيوني، و التي تتسارع وتيرتها كلما اقتربت ساعة الانتخابات الامريكية، و اصبح الثمن المدفوع هو "السلام من أجل السلام" وفقط، و ليس "هجوم السلام "الذي خدع به البعض انفسهم في تسعينات القرن الماضي بزعم أنه لصالح القضية الفلسطينية.
كلنا يذكر بيان كوبنهاجن وأبطاله من مصريين و فلسطينيين و أردنيين وإسرائيليين الذين راهنوا أن جمعهم و بيانهم المشترك يصنع السلام، ويقرب قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ويأتي لنا بالقدس عاصمة، و يحقق تعايشا بين ضدين .
كان حصاد رحلة الأوهام -التي أدمنتها بعض الانظمة العربية و بعض مثقفيها - من اوسلو -١ و اوسلو -٢ و مؤتمر شرم الشيخ و المبادرة العربية و غيرها - صفرا كبيرا و تنازلا يؤدي الي تنازل و خيبة تجر اخري. و جاء رد الفعل مزيدا من تشدد جمهور أصحاب الضمائر ممن رفضوا التطبيع، قبل ان يفر قلة منهم للأسف، وذهبوا يبررون تكريم الصهيوني في الجونة و قدموا لنا من هناك النصح أن نفهم ماذا جري حولنا من تطورات متسارعة و نستوعب المتغيرات و نتغير!.
فماذا تغير إذن حتي نتغير؟! ما الذي جري حتي نقبل ما يدعوننا إليه و قد صمد في العراء، منذ زيارة القدس و توقيع كامب ديفيد، بسطاء بالفطرة خبراء بمعرفة العدو و أهدافه.. ماذا جري و قد تُركنا وحالنا عقودا نرفض التطبيع، و نمارس فعل المقاومة السلمية.. ماذا جري حتي نجد من بيننا الآن من يتبني أفكار الأستاذ نجيب ساويرس الذي يُخيرنا بين قبول التطبيع أو حمل السلاح و الذهاب إلي فلسطين لتحريرها! أو ماذا جري للرجل الذي سوق نفسه منفتحا و مستنيرا و رأسماليا، يستثمر في الإعلام ،و يعشق الفن و الفنانين ،و يحب الثقافة ويُكرم المثقفين .
الآن يعلو صوت النفير كي نسارع بركوب قطار التطبيع المنطلق من الجونة ونقبل منطق الممول، ونوافق صاغرين علي مبدأ تكريم فنان صهيوني تحت دوي شعار "سينما من أجل الانسانية " وكأنه يلحن علي الشعار الجريمة "سلام من أجل السلام " وكلاهما مزيف و خادع فهي سينما بلا قضية و بلا ضمير و تسميتها الحقيقية "اتسلوا" و تعايشوا مع عدوكم، و سلام بلا مضمون و بلا ثمن و اسمه الحقيقي استسلموا للقاتل.
إسرائيل تفرض شروطها و سلامها، ونتنياهو يتفاخر أنه يغير خريطة الشرق الأوسط، ورجل الجونة و صاحبها يتصور أنه ينجح فيما فشلت فيه الدولة، أو رفضت ان تفرضه علينا ،و أنه الذي يقود الثقافة والمثقفين و الضمائر و مصير الأوطان.. يريدون أن نُساق إلي تطبيع مجاني "لأن الدنيا تغيرت" و "علينا أن نستوعب ما جري حولنا"، و أن نلحق بحكام لهم أولياء أمور من غير شعوبهم ،و أن نسارع بالمشاركة في مهرجانات هنا أو في هذه الدول التي طبٓعت، بحضور اسرائيل و بضاعتها الفنية أو تكريم صهاينه!.
نحن مستعدون لسماع محاضرات السيد ساويرس في الوطنية بصفته مواطنا مصريا، و قبول بلطجة ترامب، وبجاحة نتنياهو، و بلع صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية واغتيال صمود الشعب الفلسطيني ،و نسيان مصالح وطننا الذي تستهدفه بالأساس هذه الاتفاقيات ،و "الصهينة" علي صهينة بعض الحكام الذين لاحول لهم ولا قوة. و مستعدون كذلك أن نذهب إلي نقاباتنا المهنية والعمالية نطلب منها أن تستوعب المتغيرات، بل وأن تعلن التوبة، و تنسي الوطن، و تحب إسرائيل ،وتقبل تكريم الصهاينة، و أن نستمع لتعليمات الممول "مولانا" من الجونة راعي الفن و الثقافة.
نعم مستعدون لكل ذلك شرط أن يقول لنا بعض أصحاب النصيحة من زملاء و أصدقاء و رفاق - تركونا وحدنا و ذهبوا بغير وداع - ماذا تغير حتي نتغير !!
-----------------------------
بقلم: يحيى قلاش *
* نقيب الصحفيين السابق .